آفَةُ اللِّسَانِ
ربيع الأول
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. فمَنْ أرادَ النَّجاةَ لنفسِهِ وأهلِهِ، فليحفَظْ لسانَهُ، وليعلِّمْ أبناءَهُ أنَّ الكلمةَ إمَّا أنْ ترفعَ الإنسانَ عندَ اللهِ، أوْ أنْ تَهويَ بهِ إلى دَرَكاتِ الهلاكِ.
عدد الزوار: 11إنَّ من أخطرِ ما ابْتُلِيَتْ بهِ مجتمعاتُنا عادةُ الشتمِ والسِّبابِ، فقد يتبادلُ النَّاسُ الألفاظَ القبيحةَ لأتفهِ الأسبابِ، فتتفكَّكُ العَلاقاتُ، وتنتشرُ الأحقادُ. غيرَ أنَّ المصيبةَ الأعظمَ حينَ يتجاوزُ بعضُهُم الحدودَ، فيوجِّهُ ألفاظَهُ البذيئةَ نحوَ الدينِ، أو رموزِهِ، أو حتّى الذاتِ الإلهيّةِ المقدَّسةِ.
لقد شدَّدَ الإسلامُ على صونِ اللسانِ، ونهى عنِ التهافُتِ في السِّبابِ، حتّى معَ الأعداءِ، فَعَنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) أنَّهُ قالَ لأصحابِهِ في صِفِّينَ: «إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ، احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَه، ويَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِه»[1]. وهذا هوَ نهجُ القرآنِ الكريمِ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[2]، فكيفَ إذا كانَ السَّبُّ مُوَجَّهاً إلى مؤمنٍ أو إمامٍ أو ربِّ العالمينَ؟!
وفي هذا السياقِ يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّهُ): «إنَّ إشاعةَ الإهاناتِ وهتكَ الحُرُماتِ في المجتمعِ، منَ الأمورِ التي يمنعُها الإسلامُ. يجبْ أنْ لا يحدثَ هذا. إنَّ إشاعةَ هتكِ الحُرُماتِ هوَ مخالفٌ للشَّرعِ وللأخلاقِ وللعقلِ السياسيِّ. لا إشكالَ إطلاقاً في النَّقدِ والمخالفةِ والتَّعبيرِ عنِ الآراءِ بجرأةٍ، ولكنْ بعيداً عن هتكِ الحُرُماتِ والإهاناتِ والشَّتمِ والسِّبابِ وما إلى ذلكَ»[3].
وإنَّ جُذورَ هذهِ الظاهرةِ تعودُ إلى أمرَينِ أساسيَّيْنِ:
الأوَّلُ: الجهلُ؛ فالجاهلُ لا يعرفُ عظمةَ اللهِ، ولا يُدركُ فداحةَ الكلمةِ التي يتفوَّهُ بها، بينما المعرفةُ الحقَّةُ تردعُ الإنسانَ عن مثلِ هذا الفعلِ.
والثاني: التَّربيةُ الفاسدةُ؛ إذ ينشأُ الطِّفلُ في بيئةٍ تمتلئُ بالسِّبابِ، فيعتادُ عليهِ حتَّى يُصبحَ جزءاً من شخصيَّتِهِ.
لذلكَ، فإنَّ مواجهةَ هذهِ الآفَةِ لا تكونُ إلَّا برفعِ مستوى الوعيِ، وتعزيزِ الثقافةِ الدِّينيَّةِ، وترسيخِ معنى الرَّقابةِ الإلَهِيَّةِ في النُّفوسِ. كما يجبُ على الأسرةِ والمدرسةِ والمجتمعِ أنْ يُوفِّروا بيئةً تربويَّةً صالحةً، وأنْ يُبعدوا الشَّبابَ عن رفقةِ السُّوءِ التي تُجرِّئُهُم على مثلِ هذهِ الأفعالِ. ثمَّ يأتي دورُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ ليُحاصرَ هذهِ العادةَ القبيحةَ، ويمنعَها منَ التَّغلغُلِ في النُّفوسِ.
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[4]. فمَنْ أرادَ النَّجاةَ لنفسِهِ وأهلِهِ، فليحفَظْ لسانَهُ، وليعلِّمْ أبناءَهُ أنَّ الكلمةَ إمَّا أنْ ترفعَ الإنسانَ عندَ اللهِ، أوْ أنْ تَهويَ بهِ إلى دَرَكاتِ الهلاكِ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص323، الخطبة 206.
[2] سورة الأنعام، الآية 108.
[3] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 10/03/2011م.
[4] سورة التحريم، الآية 6.