رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
صفر
عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ... أعطاني مسألةً، فأخّرْتُ مسألتي لشفاعةِ المؤمنينَ من أمّتي إلى يومِ القيامةِ، ففعلَ ذلك»
عدد الزوار: 33عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ... أعطاني مسألةً، فأخّرْتُ مسألتي لشفاعةِ المؤمنينَ من أمّتي إلى يومِ القيامةِ، ففعلَ ذلك»[1].
إنَّ المتتبّعَ لسيرةِ النبيِّ الأعظمِ (صلّى الله عليه وآله) يقفُ مذهولاً أمامَ عظمةِ شخصيّتِهِ في جميعِ أبعادِها. ولا ريبَ في أنَّ النتيجةَ التي يخلُصُ إليها هيَ أنَّ البشريّةَ بأسرِها عاجزةٌ عن معرفتِهِ وإدراكِ مقامِهِ إدراكاً كاملاً، فضلاً عنِ الإحاطةِ بصفاتِهِ وأبعادِهِ الروحيّةِ والمعنويّةِ والفكريّةِ والاجتماعيّةِ... لقد كانَ (صلّى الله عليه وآله) فريداً في إنسانيّتِهِ وكمالاتِه، لا مثيلَ له في الخلقِ كلِّه، وقدِ اجتمعَتْ في شخصِهِ المقدَّسِ كلُّ الصفاتِ المطلوبةِ للإنسانِ الكاملِ، حتّى ختمَ اللهُ بهِ النبوّاتِ. وحقٌّ لنا أن نقولَ إنَّهُ (صلّى الله عليه وآله) في خلقِهِ وصفاتِهِ يلامسُ حدَّ الإعجازِ، وقد أكّدَ اللهُ تعالى ذلكَ بقولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[2].
بركاتُ الوجودِ المحمّديّ
إنَّ آثارَ وجودِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) لا تنحصرُ في أخلاقِهِ وشخصِه، بلِ امتدَّتْ لِتعمَّ الكونَ برمَّتِه، وقد قالَ تعالى مخاطباً إيّاه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[3]، وهذهِ الرحمةُ المحمّديّةُ تجلَّت في بركاتٍ عديدةٍ، نذكرُ منها:
1. الأمان: إذ كانَ وجودُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) أماناً للبشريّةِ، كما قالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[4]، وقد أوضحَ العلّامةُ الطباطبائيُّ في تفسيرِهِ أنَّ المانعَ من نزولِ العذابِ يومئذٍ هوَ وجودُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) بينَهُم، والمرادُ بالعذابِ... عذابُ الاستئصالِ بآيةٍ سماويّةٍ، كما جرى في أممِ الأنبياءِ الماضين[5].
2. الوسيلة إلى الله: قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[6]، وعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إذا سألتُمُ اللهَ، فاسألوهُ الوسيلةَ»، فسُئلَ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عنِ الوسيلةِ، فقالَ: «هيَ درجتي في الجنّةِ»[7]، ويعلّقُ العلّامةُ الطباطبائيُّ على هذهِ الروايةِ معَ الآيةِ، فيقولُ: «إذا تدبّرتَ الحديثَ، وانطباقَ معنى الآيةِ عليه، وجدْتَ أنَّ الوسيلةَ هيَ مقامُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) من ربِّهِ، الذي بهِ يتقرّبُ هوَ إليهِ تعالى»[8].
3. الوساطة في غفرانِ الذنوب: قالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾[9]، وهذهِ الآيةُ دليلٌ على كونِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) سبباً لمغفرةِ الذنوبِ وقَبولِ التوبةِ.
4. الشفاعة: قالَ تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[10]، وقد وردَ عنهُ (صلّى الله عليه وآله) أنَّ المقامَ المحمودَ هوَ مقامُ الشفاعةِ يومَ القيامةِ، حيثُ قالَ: «إذا قمْتُ المقامَ المحمودَ، تشفّعْتُ في أصحابِ الكبائرِ من أُمّتي، فيشفّعُني اللهُ فيهِم. واللهِ، لا تشفّعْتُ في مَن آذى ذريّتي»[11].
إنَّ ما ذكرناه بعضُ إشاراتٍ من بركاتِ وجودِ النبيِّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليه وآله)؛ إذ لا يمكنُ الإحاطةُ التامّةُ بكلِّ ما ترتّبَ على وجودِهِ الشريفِ من آثار. ونختمُ بما رُويَ عنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، قالَ: «قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): مقامي بينَ أظهرِكُم خيرٌ لكُم، فإنَّ اللهَ يقولُ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾، ومفارقتي إيّاكُم خيرٌ لكُم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، مقامُكَ بينَ أظهرِنا خيرٌ لنا، فكيفَ تكونُ مفارقتُكَ خيراً لنا؟! قالَ: أمّا أنَّ مفارقتي إيّاكُم خيرٌ لكُم، فإنَّ أعمالَكُم تُعرَضُ عليَّ كلَّ خميسٍ واثنين، فما كانَ من حسنةٍ حمدْتُ اللهَ عليها، وما كانَ من سيّئةٍ استغفرْتُ اللهَ لكُم»[12].
ختاماً، نرفعُ آياتِ العزاءِ إلى مولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَهُ)، وإلى وليِّ أمرِ المسلمينَ، وإلى المجاهدينَ جميعاً، بذكرى رحيلِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، وشهادةِ حفيدَيهِ الإمامَينِ المجتبى والرضا (عليهما السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص57.
[2] سورة القلم، الآية 4.
[3] سورة الأنبياء، الآية 107.
[4] سورة الآنفال، الآية 33.
[5] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص68.
[6] سورة المائدة، الآية 35.
[7] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص325.
[8] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص334.
[9] سورة النساء، الآية 64.
[10] سورة الإسراء، الآية 79.
[11] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص273.
[12] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج1، ص277.