في مدرسة الشهادة الحسينية..
زاد عاشوراء
مع شهادة الإمام الحسين عليه السلام صارت كربلاء هي المكان أبداً، وصارت عاشوراء هي الزمان دوماً، وأضحت خطى أبي عبد الله عليه السلام منهاج الحياة: "إِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما"
عدد الزوار: 38مع شهادة الإمام الحسين عليه السلام صارت كربلاء هي المكان أبداً، وصارت عاشوراء هي الزمان دوماً، وأضحت خطى أبي عبد الله عليه السلام منهاج الحياة: "إِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما"[1].
ولقد صرّح سعد بن عبد الله الحنفيّ للإمام عليه السلام عن الروح التي يحملها أصحابه في كربلاء قائلاً: "والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم، والله لو أعلم أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُذرى ويُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنّما هي موتة أو قتلة واحدة ثمّ هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا"[2].
حتّى غدا الموت عندهم أحلى من العسل، كما كان حال أصغرهم؛ القاسم بن الحسن عليهما السلام عندما سأل إمامه مستفهماً: "...وأنا فيمن أقتل؟ فأشفق عليه الإمام عليه السلام وقال له: يا بنيّ كيف الموت عندك؟ فقال القاسم بن الحسن: يا عمّ أحلى من العسل!"[3].
وعندما أذن الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه بالانطلاق وجعلهم جميعاً في حلّ من أمرهم، انتفض مسلم بن عوسجة من مكانه بعد سماع كلام إمامه وقال: "والله لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُذرّى يُفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي من دونك. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟ ثمّ قام زهير بن القين رحمه الله وقال: والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت"[4].
لهذا استحقّوا قول إمامهم فيهم ومدحه لهم: "اللهمّ إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي"[5].
وبعد أن وجد عليه السلام فيهم العزم على ملاقاة الحتوف والرضا بالمقدور قام عليه السلام وبشّرهم: "إنّكم تُقتلون غداً كلّكم ولا يفلت منكم رجل، قالوا: الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك، ثمّ دعا فقال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة وهو يقول لهم هذا منزلك يا فلان فكان الرّجل يستقبل الرّمّاح والسّيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنّة"[6].
ولهذه المنزلة الرفيعة لشهداء كربلاء خصّهم أئمتنا عليهم السلام بزيارة خاصة فيها معانٍ عظيمة وشهادات بمكانتهم التي وعدهم الله بها.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة العباس بن علي عليه السلام قوله:
"سلام الله وملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين... عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء...أشهد أنّك قُتلت مظلوماً وأنّ الله منجز لكم ما وعدكم... وأشهد أنّك مضيت إلى ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله... أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود... (ثم يقول سلام الله عليه) فبعثك الله في الشهداء وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً"[7]. وما كان ليصل الشهداء إلى هذه المنزلة الرفيعة لولا صبرهم وبصيرتهم كما يقول الإمام عليه السلام في بقية الزيارة: "وأشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين".
ونقرأ في زيارة الإمام الصادق عليه السلام للشهداء أيضاً: "السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار نبيّه وأنصار أمير المؤمنين عليه السلام وأنصار فاطمة سيدة نساء العالمين"[8].
* من كتاب: زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1440 هـ - دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 44، ص 192.
[2] المصدر نفسه، ج 45، ص 70.
[3] السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز، الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، قم - إيران، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413هـ، ط 1، ج 4، ص 215.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 44، ص 392.
[5] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 220.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 44، ص 298.
[7] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، تحقيق وتصحيح عبد الحسين الأميني، دار المرتضوية، النجف، 1397 هـ، ط 1، ص 256-258، زيارة العباس بن علي عليهما السلام.
[8] ابن طاووس، علي بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، تحقيق وتصحيح جواد قيومي الأصفهاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1418 هـ، ط 1، ج 2، ص 65، زيارة الحسين في يوم عرفة.