وللمظلوم عوناً
جمادى الأولى
يُوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) في أيّامه الأخيرة ولدَيه الإمامَين الحسن والحسين (عليهما السلام) بوصيّةٍ، يفتتحها بتقوى الله، فيقول: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّه، وأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وإِنْ بَغَتْكُمَا، ولَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا»
عدد الزوار: 110يُوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) في أيّامه الأخيرة ولدَيه الإمامَين الحسن والحسين (عليهما السلام) بوصيّةٍ، يفتتحها بتقوى الله، فيقول: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّه، وأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وإِنْ بَغَتْكُمَا، ولَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا»[1].
إنّ تقوى الله رأسُ كلِّ خير، وحبَّ الدنيا رأسُ كلّ خطيئة، والسعيَ في طلبها أساسُ كلّ شرّ، ومنشأُ المهالك؛ لذا يوصي أميرُ المؤمنين ولدَيه (عليهم السلام) برفضها والزهد فيها، فلا يفرح الإنسانُ بما آتاه الله من الدنيا، ولا يأسى على ما فاته منها، فإنّها فانية، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَلَكٌ ينادي كلَّ يومٍ، ابنَ آدم، لِدْ للموت، واجمعْ للفناء، وابنِ للخراب»[2].
1. يقول (عليه السلام): «وقُولَا بِالْحَقِّ».
هكذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام)، ملازماً للحقّ، وكان شعارَه في حياته كلِّها، وإلى هذه العلاقة يشير رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله)، ويؤكّد أنّه (عليه السلام) قرينُ الحقّ، فيقول (صلّى الله عليه وآله): «إنّه معَ الحقّ، وإنّ الحقّ يدورُ معه حيثما دار»[3].
فإذا كنّا من شيعته (عليه السلام)، فعلينا أن نعمل بالحقّ ونقول به؛ إذ إنّ «الحقّ ثقيل مرّ، والباطل خفيف حلو»[4]، كما عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وبالتالي، فإنّ الثبات على الحقّ يحتاج إلى جهدٍ وصبر، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اصبر على مضضِ مرارةِ الحقّ، وإيّاك أن تنخدعَ لحلاوةِ الباطل»[5].
وإنّ أفضلَ كلماتِ الحقّ، تلك الّتي تكون في مواجهة الظالمين، بل إنّها أفضلُ الجهاد، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر»[6].
2. يقول (عليه السلام): «واعْمَلَا لِلأَجْرِ».
على الإنسان أن تكون الآخرةُ أكبرَ همِّه، فالله تعالى أراد للمسلم أن يفكّر دائماً في مرضاته تعالى وطاعته، وأن يجعل نصب عينيه الآخرةَ وأجرَها، فهو خيرٌ للذين آمنوا، قال تعالى: ﴿وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾[7].
3. يقول (عليه السلام): «وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً».
فالإسلامُ ربّى أبناءَه على استشعار أنّهم أفرادٌ في مجموعة لها حقوق وواجبات، وعلى المسلم أن يحبّ للأجزاء الأخرى مثلَ ما يحبّ لنفسه، ومن أعظم الحقوق والواجبات التناصر وإعانة المظلوم، وقد ورد الحثّ على ذلك في العديد من الأدعية والروايات، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْه»[8].
لقد كانت هذه الوصيّةُ للإمامَين الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومن خلالهما إلى الأمّة جمعاء؛ إذ ينظر (عليه السلام) إلى محمّد بن الحنفيّة، قائلاً له: «هل حفظتَ ما أوصيتُ به أخويك؟»، قال: نعم، قال: «فإنّي أوصيكَ بمثلِه»[9].
لقد رسم أميرُ المؤمنين (عليه السلام) للأمّة بوصيّته الصراطَ المستقيم المبنيَّ على تقوى الله ورفض الدنيا والعمل للآخرة وقول الحقّ ونصرة المظلوم.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص421، الرسالة 47.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص131.
[3] ابن أبي الحديد المعتزليّ، شرح نهج البلاغة، ج9، ص88.
[4] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص533.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص86.
[6] ابن أبي جمهور الأحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص432.
[7] سورة يوسف، الآية 57.
[8] الصحيفة السجّاديّة، ص166، الدعاء 38.
[9] الموفّق الخوارزميّ، المناقب، ص384.