وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
ربيع الأول
الصبر من أعظم صفات المؤمنين ومن خصائص صفات النبيّين أجمعين، وقد أثنى الله عزّ وجلّ على نبيّه أيّوب (عليه السلام) ووصفه بنعم العبد لما امتلكه من صفة الصبر
عدد الزوار: 323﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾[1].
الصبر من أعظم صفات المؤمنين ومن خصائص صفات النبيّين أجمعين، وقد أثنى الله عزّ وجلّ على نبيّه أيّوب (عليه السلام) ووصفه بنعم العبد لما امتلكه من صفة الصبر ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾[2]. والصبر هو منع النفس وحبسها عن الجزع والانهيار في التعاطي مع الأمور الشديدة والشاقّة، ولا يعني الاستسلام أبداً، بل هو سنخ مقاومة وثبات وإصرار في مواجهة البلاء أو المصيبة أو العمل بالتكليف وأداء الطاعات.
وقد جعل الله عزّ وجلّ من التواصي بهذه الصفة باباً للخروج من صفة أهل الخسر لكي يكون المؤمن في عداد أهل الفوز فأهل الإيمان يحرص كلّ واحد منهم على أن يحثّ من حوله على التحلّي بهذه الصفة والنظر في نتائجها وما يترتّب عليه من الوصول إلى ما وعد الله به عباده.
ومن تجليّات الصبر لدى المؤمن والتي تعينه على التحمّل أن يعلم أنّه ليس كلّ بلاء في الدنيا هو شرّ ونقمة، بل قد يكون خيراً ولكن لعدم إحاطة العبد بكّل شيء لا سيّما في مستقبل الأمور قد يظنّ أنّه شرّ، قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾[3].
ومما يشدّ في عزم المؤمن على التحمّل وهو التفكّر والتأمّل والنظر في صفات الله وأسمائه الحسنى والآيات والروايات، فيجزم بهذا العطاء والتعويض يوم القيامة. فهو الجواد الكريم الرحيم المتفضِّل الّذي ابتدأنا بالنعم من دون طلب أو سؤال، الّذي لا تزيده كثرة العطاء إلّا جوداً وكرماً. ومع هذا فقد صرَّحت روايات المعصومين (عليهم السلام) بهذه الحقيقة، ففي وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام عليّ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ أَنِينُ اَلْمُؤْمِنِ اَلْمَرِيضِ تَسْبِيحٌ وَصِيَاحُهُ تَهْلِيلٌ وَنَوْمُهُ عَلَى اَلْفِرَاشِ عِبَادَةٌ وَتَقَلُّبُهُ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَإِنْ عُوفِيَ يَمْشِي فِي اَلنَّاسِ وَمَا عَلَيْهِ ذَنْبٌ»[4].
إنّ النفس إذا تحلّت بالصبر توجّهت بالشكوى إلى الله عزّ وجلّ فقط، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): «يبدو من تراجم حياة الأنبياء العظام والأئمّة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) رغم أن مقاماتهم كانت أرفع من مقام الصبر ومقام الرضا والتسليم، أنّهم لم يمتنعوا من الدعاء والتضرّع والعجز أمام المعبود، وكانوا يسألون حاجاتهم من الحقّ سبحانه. وهذا لا يكون مغايراً للمقامات الروحيّة، بل إنّ تذكّر الحقّ جلّ وعلا والخلوة والمناجاة مع المحبوب وإظهار العبوديّة والذلّ أمام عظمة الكامل المطلق، غاية آمال العارفين وثمرة سلوك السالكين»[5].
ويقول (قدس سره): «فيا أيّها العزيز إنّ الموضوع خطير، والطريق محفوف بالمخاطر، فابذل من كل وجودك الجهد واجعل الصبر والثبات من طبيعتك، أمام حوادث الأيّام وانهض أمام النكبات والرزايا، ولقّن النفس بأنّ الجزع والفزع مضافاً إلى أنّهما عيبان فادحان، لا جدوى من ورائهما للقضاء على المصائب والبليّات، ولا فائدة من الشكوى على القضاء الإلهيّ وعلى إرادة الحق عزّ وجلّ أمام المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوّة»[6].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة العصر.
[2] سورة ص، الآية 44.
[3] سورة البقرة، الآية 216.
[4] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص439.
[5] الإمام الخمينيّ، الأربعون حديثاً، ص308.
[6] المصدر نفسه، ص311.