المقطع السياسي من كلمة السيد حسن نصرالله في اليوم الثالث من شهر محرم 1446 هـ 2024-07-09
اليوم إخواني وأخواتي سواء في كل معارك الحق والباطل، في حياتنا الشخصية، في حياتنا العائلية، الاجتماعية، التجارية، الاقتصادية، البينية، في الحي، في القرية، في البلدة، في الحياة السياسية، في الصراعات الكبرى، يجب أن نكون دائمًا طلاب حق وأهل حق وأنصار حق، وبالتالي ما يمنعنا من ذلك يجب أن نتغلّب عليه، يجب أن نحذفه، هذا جزء من جهاد النفس، أنا لا أتّبع أهوائي ولا أتّبع أنانيتي ولا أتّبع مصالحي الشخصية، أنا أبحث عن الحق سواء كان لي أو كان عليّ، هذا الحق يأتيني بالرخاء أم يأتيني بالبلاء، هذا الحق يأتيني بمزيد من العمر أو يُعرّضني لخطر الموت والقتل والشهادة، يجب أن أكون مُتّبعًا للحق وناصرًا للحق.
اليوم ما هذه المشكلة الموجودة في العالم؟ تعرفون، في طوفان الأقصى أصبح لنا عشرة أشهر أنا هذا الموضوع بكل الخطب السابقة تجنّبته، لم أقترب لا من الحكام ولا من الشعوب ولا من العالم العربي ولا من العالم الإسلامي ولا من ملياري مسلم أو مليار ونصف مليار مسلم، واقعًا اليوم الإنسان يألم، يحزن، على ما هو قائم وما هو موجود، يعني مثل ما عندنا صورة إيجابية جدًا هي جبهات الإسناد لغزة في لبنان، في اليمن، في العراق، أو الإسناد السياسي والمعنوي والمادي واللوجيستي، إيران وسوريا، عندنا مشهد آخر مُحزن ومؤلم ومُؤسف هو هذا الحال موجود في العالم العربي والعالم الإسلامي، مئات الملايين، غزة منذ أكثر من تسعة أشهر إبادة، مجازر، أطفال تُقتل، نساء تُقتل، منذ أسابيع لم تدخل المساعدات إلى قطاع غزة، هناك مخاطر مجاعة حقيقية، هناك أطفال حتى الآن ماتوا من الجوع، هناك مخاطر الأوبئة والأمراض، هناك استباحة في الحرب لكل شيء، الحرب الإسرائيلية هؤلاء المنافقون، القتلة، المجرمون، العنصريون، الذين يقولون أنّ جيشهم هو أكثر جيش أخلاقي في العالم، هو أكبر جيش فاسد في العالم، هو أكثر جيش من دون أخلاق ومن دون إنسانية ومن دون قيم في العالم، والآن بدأت تظهر الحقائق، كيف يقتلون الناس؟ كيف يجزرون بالناس؟ أمس نشروا شهادات لجنود إسرائيليين، فقط على باله أن يطلق النار، شهوة إطلاق النار، فمعه إجازة أنه إذا ظهر أمامه أي فلسطيني، رجل، امرأة، طفل، كبير، صغير يمكنك أن تتسلى وتقتله، القتل للتسلية، هذا الجيش الأخلاقي! المجازر المهولة، أين هو هذا العالم؟ أين هو ضميره؟ أين قلبه؟ أين حياته؟ أين صلاته؟ أين صومه؟ أين حجّه قبل أيام؟ أين براءته؟ واقعًا هذا يحتاج كل شخص وأريد أن أؤكد على ما قلته في اليوم الأول، أيها المسلمون بالحد الأدنى، ولكن هذا ليس فقط سيُسأل عنه المسلمون، سيُسأل عنه كل إنسان بالغ عاقل، مسلما كان ام مسيحيا أو يهوديا، مهما كان، أتباع أي دين، كل مسلم عاقل في هذا الزمن بعد الموت ويوم القيامة سيُسأل، ماذا قلت؟ ماذا فعلت؟ ولن تُسأل عن أقصى من قدرتك، حقيقةً العالم الإسلامي وشعوب العالم الإسلامي وحكومات العالم الإسلامي وأنظمة العالم العربي والإسلامي وجيوش العالم العربي والإسلامي ليست قادرة على فعل شيء؟ أبدًا ليس صحيحًا، يمكننا أن نكذب على بعضنا في الدنيا ولكن بالآخرة لا يمكننا أن نكذب على بعضنا، لا يمكننا أن نكذب على الله سبحانه وتعالى، ستشهد على حقيقة الأمر أيدينا وأرجلنا وألسنتنا وجلودنا والأرض التي مشينا عليها، كل شيء سيشهد، كل هذا الكون سيشهد علينا، ويجب أن نخشى من ذلك اليوم.
أنا لماذا أريد أن أؤكد على موضوع الآخرة؟ لأنّ كثر حتى عندما يأتون إلى جبهات الإسناد اللبنانية أو اليمنية أو العراقية أو غيرها، نتحدث عن جبهات القتال، مع ذلك يطرحون الكثير من الأسئلة التي تُحاول أن تُدين أو تثبط العزائم، يمكننا أن نُجري نقاشًا أنّ هذا الدخول لجبهات الإسناد غير المصلحة الكبرى التي لها علاقة بالصراع مع إسرائيل، ما هي المصالح الوطنية فيها؟ اللبنانية، المصلحة الوطنية اليمنية، المصلحة الوطنية العراقية، المصلحة الوطنية السورية، وهكذا، أنا أشرت له في خطب سابقة، لكن أنا أريد أن أدخل بهذا الموضوع، أريد أن أقول في هذه الليالي بالتحديد ما هو أعظم، ما هو أخطر، وما هو أهم، ما هو أعلى، بالنسبة إلينا كمؤمنين، كمؤمنين بالله واليوم الآخر، وفي يوم القيامة لن ينفعنا هذا الذي يسألنا أو يُناقشنا أو يشمت بنا أو ينتقدنا أو يُعارضنا أو يطعننا في الظهر، إذا تخلّينا عن الموقف من أجل إرضائه، يخلص نفسه يوم القيامة، أصلًا هو يوم القيامة سيقول أنا لم أفعل وليس لي دخل، لا، يجب أن يكون لدينا جواب حاضر، وهذا السؤال هو لكل الأحرار في العالم، لكل البالغين العاقلين وبالأخص عندما نتحدث عن ملياري مسلم، هل يجوز أن يستمر هذا الواقع القائم في غزة؟ أين الساكتون؟ أين الذين دفنوا رؤوسهم في التراب؟ أين الدول التي لا تُحرّك ساكنًا؟ بل أين الشعوب التي لا تُحرّك ساكنًا؟ هذه مسؤولية كبيرة.
نحن فيما نقدر وفيما نستطيع وفيما نفعل في هذه المسألة، نعتقد أنّنا بالدرجة الأولى نُؤدّي هذا الواجب، ولذلك في كل يوم نُقدّم شهداء ونزف الشهداء ونفخر بالشهداء وخيرة إخواننا يرتقون شهداء وخيرة قادتنا يرتقون شهداء، ولكن عندما يرتقي منّا الشهداء أو تُدمّر لنا بيوت ومنازل أو نُهدّد بالحرب هل يمكن أن نتراجع؟ هل يمكن أن نخاف؟ هل يمكن أن نتخلى عن المسؤولية؟ يكفي هذا الذي أقوله للإجابة على الكثير من الأسئلة السياسية التي أتركها لمناسبات أخرى، لأنه غدًا سأتحدث في أسبوع القائد الشهيد الحاج أبو نعمة رضوان الله عليه نتحدث أكثر بالسياسة، لكن ليكن الصديق على يقين وليكن العدو على يقين أنّ ما بدأته المقاومة في لبنان في 8 تشرين الأول في معركة طوفان الأقصى وما قدّمت في سبيله وفي إطاره حتى اليوم من مئات الشهداء وأعداد كبيرة من الجرحى وأعداد كبيرة من البيوت المُهدّمة والمعارك والقتال والمواجهات والأذى والإنجازات التي تحقّقت وكل ما تُواجهه من تهديد ومن تهويل نحن سنمضي في هذا الطريق حتى نصل إلى الهدف الذي نتطلّع إليه في لبنان، في فلسطين، في المنطقة، في جميع جبهات الإسناد ولا يمكن أيًا يكن الأخطار والتحديات والتهديدات القادمة أن نتراجع عن موقفنا أو عن قتالنا وعن ثباتنا في هذه المعركة.
كما في الماضي قد تكون أيضًا في المرحلة المقبلة الكثير من الضغوط السياسية على لبنان، على الدولة في لبنان، على المقاومة في لبنان، التهويل بالحرب طبعًا تراجع بدرجة كبيرة جدًا لكنه ما زال قائمًا بين الحين والآخر.
هذا هو موقفنا، موقفنا الحاسم في دنيا شبيهة بذلك الزمان لكن في ظروف أفضل، في دنيا واقعًا إذا أردنا اليوم أن نختصر الموقف ونُوجه خطابًا لمليار ونصف المليار مسلم، لملياري مسلم، لو أردنا أن نُوجّه إليهم خطابًا لم نجد أعظم وأقوى وأهم وأوضح من هذه الكلمات التي قالها أبو عبد الله الحسين سيد الشهداء عليه السلام، ألا ترون يا مسلمي العالم، يا أحرار العالم، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به؟ أين تنفق مليارات المسلمين؟ هذه أموال بيت المال، آلاف المليارات، أين تُنفق اليوم؟ أين أُنفقت بالأمس ومليوني مسلم في غزة يموتون جوعًا، أين تُنفق مليارات المسلمين؟ لماذا تُكدّس كل هذه الطائرات والدبابات والأسلحة والمدافع؟ من أجل من؟ هذا العدد الهائل، هذه المساحة العظيمة، هذه الإمكانات الضخمة، لمن؟ ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن بلقاء ربه مُحقًا، عندما يذهب إلى الله يذهب وهو على حق، ينصر الحق، يُقاتل من أجل الحق، ليرغب المؤمن بلقاء الله مُحقًا، بلقاء ربّه مُحقًا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما، ونحن أولاد وأتباع وتلامذة كربلاء وأبي عبد الله الحسين عليه السلام، نقول له نحن أيضًا يا سيدنا لا نرى الموت إلا سعادة والحياة مع الطغاة والمحتلين والناهبين والظالمين والمعتدين والقتلة، لا نرى الحياة مع كل هؤلاء إلا برما.
ونمضي في حياتنا من هذا الموقع وعلى هذا الفكر وعلى هذا الأساس، نُقاتل، نُجاهد، نُضحي، نرفض الضيم والظلم والذل وننصر المظلومين والمستضعفين وننتصر وننتصر ونرفع راياتنا التي سترتفع إن شاء الله في فلسطين، في القدس، في بيت المقدس إن شاء الله، وهذا إيماننا.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليكم مني جميعًا سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، والسلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.