فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
جمادى الأولى
قالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾
عدد الزوار: 243قالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾[1].
لقدْ دعا اللهُ عزَّ وجلَّ أهلَ الإيمانِ إلى الجهادِ في سبيلِه، وحثَّهُم على ذلك؛ وأعظمُ الآياتِ هي تلكَ التي بشَّرتْ بالمكانةِ الإلهيَّةِ العظيمةِ لهؤلاءِ الشهداء، وجعلتْ فعلَ الشهادةِ منهُم معاملةً بينهُم وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ. يُبيِّنُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) تلكَ المكانةَ بقولِه:
«بشأنِ قضيَّةِ الشهادة، إنَّ لسانَنا عاجزٌ –حقّاً- عنِ الحديثِ عنْ مرتبةِ الشهادةِ والشهداء...: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾، إنَّها صَفْقَةٌ مَعَ الله؛ ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾، كلاهما (القضاءُ على العدوّ، والقتلُ في هذا الطريق) قيِّمٌ. هذهِ صَفْقَةٌ مَعَ اللهِ المتعالي. لقدْ قدَّمَ الشهيدُ حياتَه، وكسَبَ الرضى الإلهيَّ الذي يُعدُّ أعلى قيمةٍ في عالمِ الوجود. ثمَّ يقولُ اللهُ المتعالي أيضاً: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾[2]؛ أي هذا منْ ضمنِ المعارفِ المشتركةِ لدى جميعِ الأديانِ الإلهيَّة، وهو ليسَ خاصَّاً بالإسلام. للتضحيةِ في سبيلِ اللهِ وبذْلِ النفسِ في سبيلِ اللهِ قيمةٌ ساميةٌ في جميعِ الأديانِ الإلهيَّة. كانتْ هذهِ آيةً منْ سورةِ التوبة، وتوجدُ آيةٌ من سورةِ آلِ عِمرانَ مهمَّةٌ جدَّاً أيضاً: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾[3]. وتوجدُ آيةٌ تشبَهُ هذهِ أيضاً في سورةِ البقرة: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ﴾[4]. لكنَّ التأكيدَ في هذهِ الآيةِ الشريفةِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ﴾، تأكيدٌ واضحٌ جدَّاً؛ أي يعبِّرُ عنْه على نحوٍ مؤكَّدٍ جدَّاً؛ أوّلاً [يُعبِّرُ] بفعلِ «حَسِبَ»؛ [أي] حتّى لا تتصوّرا ولا يخطرَ على أذهانِكُم أنَّ الشهداءَ أموات. ثانياً [يُعبِّرُ] بِنونِ التأكيد. ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ﴾؛ إنَّهُم أحياء. ولم يشرحِ اللهُ المتعالي لنا ماهيَّةَ حياةِ هؤلاءِ، لكنَّه [يقول]: ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾؛ إنَّهُم في حَرَمِ الربوبيَّةِ والألوهيَّة. هذا أسمى مِن هذه الكلماتِ التي تصلُ إلى عقولِنا بشأنِ «أحياء»؛ إنَّهُ شيءٌ أبعدُ وأرفعُ من هذهِ الكلمات. كذلك يُظهرُ مقامَ هؤلاء: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[5]؛ هؤلاءِ يصِلُهُمُ الرزقُ الإلهيّ. ما هذا الرزقُ الإلهيّ؟ طبعاً، ثمّةَ أرزاقٌ للمؤمنينَ في الجنّة، وهذا موجودٌ في القرآن [لكنْ كلمةُ] ﴿يُرْزَقُونَ﴾ هذهِ شيءٌ مختلفٌ عنْ تلك؛ هكذا يفهمُها المرء. إنَّهُ رزقٌ آخر؛ إنَّهُ رزقٌ أسمى. واحدٌ منه هذهِ القضيَّةُ حيثُ يُظهرُ مقامَ هؤلاءِ ثمَّ [يُبيِّنُ] رسالتَهُم: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[6]؛ لا خوفَ ولا حزنَ في هذا الطريق. هذا الدربُ دربُ المسرَّة، دربُ الانشراح، ودربُ الرضى والسعادة. هذه رسالتُهم؛ أي يشجِّعُنا الشهداءُ ويقولونَ لنا: أنتُم أيضاً اتَّبِعونا في هذا الطريقِ الذي سلكناه، وسيروا فيه. هكذا هو مقامُ الشهداء. وإذا تأمَّلَ الإنسانُ -في آياتِ القرآنِ- مِحَنَ القيامةِ والبرزخِ وتدبَّرَ فيها -تلك الحسراتُ والمشقَّاتُ والضغوطات- حينئذٍ يُدرِكُ مدى أهمِّيَّةِ الرزقِ الإلهيِّ والحضورِ في حَرَمِ الربوبيَّةِ، وقيمتَهُما!».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة التوبة، الآية 111.
[2] سورة التوبة، الآية 111.
[3] سورة آل عمران، الآية 169.
[4] سورة البقرة، الآية 154.
[5] سورة آل عمران، الآية 169.
[6] سورة آل عمران، الآية 170.