الجنّة
الجنة والنار
دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَلَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا 1 وَلَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا وَلَا يَبْأَسُ سَاكِنُهَا.فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَمَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ 4 عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ...
عدد الزوار: 330
عن أمير المؤمنين عليه السلام
دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَلَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا 1 وَلَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا 2 وَلَا يَبْأَسُ 3 سَاكِنُهَا1.
فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَمَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ 4 عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا 5 وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا 6 وَطُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا 7 تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا 8 وَيُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ 9 وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ 10 قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادَى بِهِمْ حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ 11 لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هَذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالًا بِهَا جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ 2.
شرح المفردات
1- لا يرحل المقيم فيها.
2- لا يصاب بالهرم من يخلد فيها.
3- لا يشقى.
4- لزهدت نفسك.
5- الصوت الحاصل من ضرب الأشجار بعضها ببعض؛ والكثبان هي التلال.
6- فروع الأشجار التامّة بما فيه من ثمر؛ والعساليج هي الغصون، وكذلك الأفنان.
7- وعاء ثمرها.
8- كناية عن بقائه عاقلا يدرك ما يحيط به.
9- رغبة قاطفها.
10- ما يطالبه الناس من حقوق.
11- الجميلة، الخلّابة
كلمة التوحيد باب لدخول الجنّة
ورد في العديد من الروايات أنّ كلمة التوحيد بابٌ لدخول الجنّة، ولكن لكلمة التوحيد شروطها، وإلّا فإنّها لن تثمر الدخول إلى الجنّة والفوز بالرضوان، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله عهد إليَّ أن لا يأتيني أحدٌ من أمّتي بلا إله إلّا الله، لا يخلط بها شيئاً إلا وجبت له الجنّة، قالوا: يا رسول الله وما الذي يخلط بلا إله إلّا الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: حرصاً على الدنيا، وجمعاً لها ومنعاً لها، يقولون قول الأنبياء ويعملون عمل الجبابرة"3.
فهي كلمة التوحيد الحقيقيّة والصادقة، والتي يصدِّقها عمل الإنسان في هذه الدنيا، فالذي يقول لا إله إلّا الله هو الذي يؤمن بالطاعة لله وحده، فلا يطيع الشيطان ولا يحرص على الدنيا.
ولذا فإنّ قوام كلمة لا إله إلّا الله أن يأتي بها الإنسان مخلصاً لله عزّ وجلّ، بأن لا يشرك بها شيئاً، والمعصية تنافي الإخلاص في كلمة التوحيد، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قال "لا إله إلّا الله" مخلصاً دخل الجنّة، وإخلاصه بها أن يحجزه لا إله إلّا الله عمّا حرّم الله"4.
الكذب باب للحرمان من الجنّة
لا شكّ في أنّ اجتناب المعاصي كافّة، والمواظبة على الطاعات والواجبات، هي من موجبات دخول الجنّة، ولكن ورد في بعض الروايات التحذير من بعض موجبات الحرمان من الجنّة، والحثّ على موجبات دخولها، ومن هذه الأمور:
الكذب: ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنّة، وبيتٍ في وسط الجنّة، وبيتٍ في أعلى الجنّة، لمن ترك المراء وإن كان محقّاً، ولمن ترك الكذب وإن كان هازلاً، ولمن حسن خلقه"5.
إنّ تجنّب الكذب هو باب لتجنّب سائر المحرّمات، وذلك لأنّ سائر المعاصي تجرّ الإنسان إلى الكذب ليتلافى نتائج تلك المعاصي، أو ليستر على نفسه ما اقترفته يداه، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا قال له رجل: أستسرُّ بخلال أربع: الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، والكذب، فأيتهنّ شئت تركتها لك قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دع الكذب. فلمّا ولّى همّ بالزنا، فقال: يسألني، فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حُدِدتُ، ثمّ همّ بالسرقة، ثمّ بشرب الخمر، ففكّر في مثل ذلك، فرجع إليه فقال: قد أخذت عليّ السبيل كلّه، فقد تركتهنّ أجمع"6.
ولعلّ الكثير من الناس يجتنب الكذب في الأمور الكبيرة، ولكنّه يجترئ على الكذب في صغائر الأمور، فيستسهل الكذب في الأمور الصغيرة، وهو لا يعلم بأنّ الكذب من كبائر الذنوب، وأنّ العقاب على الكذب لا فرق فيه بين الصغير والكبير، وهو ما يحذّر الإمام زين العابدين عليه السلام منه فيقول: "اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير"7.
دع الكذب جدّاً وهزلاً
ومن الأمراض الاجتماعية المزمنة الكذب مازحاً، أو ما يتداول على الألسن بالكذبة البيضاء، فيسعى بعض الناس لكي يرفّه عن نفسه أو عن الآخرين، للكذب على الآخرين، ثمّ يكشف بعد ذلك عن كذبه، وهذا لا يخرجه عن كونه كاذباً، كما لا يمنع من تحقّق التأثير السلبيّ للكذب عليه وعلى الآخرين، ولذا وردت الروايات بالتحذير من هذا النوع من الكذب، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا يجد عبدٌ طعمَ الإيمان حتّى يترك الكذب هزله وجدّه"8.
نعم، لا فرق في انعدام الثقة بين الناس بسبب الكذب بين الكذب الجادّ والهازل، وهو بعيد عن صفات المؤمنين. ولذا كان الكذب باباً من أبواب الشرّ، كما ذكرت الروايات، ففي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الصدق صلاح كلّ شيء، والكذب فساد كلّ شيء"9.
خلف الوعد
ومن الأمراض الاجتماعيّة التي تدخل تحت الكذب؛ أن تعد أحداً بأمرٍ ما وأنت لا تريد الوفاء بوعدك، فإنّ هذا من مصاديق الكذب، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الخلف أن يعد الرجل ومِن نيّته أن يفي، ولكن الخلف أن يعد الرجل ومن نيّته أن لا يفي"10.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "عِدَةُ المؤمن أخاه نذرٌ لا كفّارة له، فمن أخلف فبخلف الله بدأ، ولمقته تعرّض، وذلك قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾"11.
إنّ الحرج الذي يسبّبه خلف الوعد أهون بكثير من الحرج الذي يقع فيه الإنسان متى أخلف بوعده؛ لأنّ الأوّل قد يعذر فيه الإنسان، لعجزه عن الفعل، ولكن الثاني لا يعذر فيه، ولذا على الإنسان أن يحذر من أن يعد أحداً بأمر وهو لا يثق من قدرته على الوفاء بذلك الوعد، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تعدنّ أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه"12.
وعلى المؤمن أن يحذر من ذلك، سيّما مع الأطفال، لما في ذلك من تأثير تربويّ سيّء في نفوسهم، لأنّهم يرونك القدوة، فإذا رأوا منك ذلك لم يتحرّجوا من القيام به، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل، ولا أن يعدَ الرجلُ ابنَه ثمّ لا ينجز له، إنّ الصدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار"13.
*حياة القلوب، سلسة الدروس الثقافية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، ص83-88.
1- نهج البلاغة، الخطبة 85.
2- الخطبة 165.
3- ميزان الحكمة - محمّد الريشهري - ج 1 ص 195.
4- ثواب الأعمال - الشيخ الصدوق - ص 5.
5- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 68 ص 388.
6- ميزان الحكمة - محمّد الريشهري - ج 3 ص 2674.
7- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 75 ص 136.
8- الكافي - الشيخ الكلينيّ - ج 2 ص 340.
9- ميزان الحكمة - محمّد الريشهريّ - ج 2 ص 1572.
10- م.ن. ج 4 ص 3574.
11- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 364.
12- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّّ - ج 75 ص 250.
13- ميزان الحكمة - محمّد الريشهريّ - ج 3 ص 2675.
14- سورة الطلاق: الآية 11.
15- سورة النور: الآية 15.