كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء أهالي محافظة سيستان وبلوشستان ومحافظة خراسان الجنوبيّة
2023
بتاريخ 11/09/2023م.
عدد الزوار: 150كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء أهالي محافظة سيستان وبلوشستان ومحافظة خراسان الجنوبيّة، بتاريخ 11/09/2023م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
في البداية، أرحّب بكم فرداً فرداً، أيّها الإخوة والأخوات، أنتم الذين قطعتم هذا الطريق البعيد وجئتم إلى هنا وأضفيتم صفاءً على حسينيتنا بأنفاسكم الدافئة وقلوبكم المليئة بالمودة والمحبة. نقدم إليكم جميعاً -أيّها الإخوة والأخوات- جزيل الشكر.
أيّها الأعزاء، إن لقاءكم أمر لا يُنسى عندي، كلٌّ من أهالي بيرجند وخراسان الجنوبية وكذلك أهالي سيستان وبلوشستان. أقول هذه الأمور لا لأروي جزءاً من التاريخ فقط، بل لأنني أريد أن أفنّد تلك الصورة غير الصحيحة التي يقدمها أعداء هذا الشعب عن بعض مناطق البلاد. أريد أن أوضح الحقيقة للرأي العام بشأن إخواننا في مختلف أنحاء البلاد.
خضتُ أول نضال علني ضد نظام الطاغوت في بيرجند. قبل ذلك خضنا في بعض الميادين [لكن] لم تكن مواجهة مكشوفة وعلنية. المواجهة العلنية الأولى كانت في بيرجند في شهر محرم عام 1963م، أي قبل ستين سنة، ومعظمكم لم يكن من جيل ذلك اليوم. المواجهة الثانية في زاهدان. متى كان ذلك؟ كان ذلك أيضاً في شهر رمضان سنة 1963م. إذاً، انظروا إلى أين يعود تاريخ ذكرياتنا في منطقتكم هذه. إنها ليست مسألة عشر سنوات أو عشرين، إنما أكثر من نصف قرن.
ألقوا القبض عليّ في بيرجند يوم تاسوعاء، واحتجزوني في مركز الشرطة. أراد أهالي بيرجند الهجوم على مركز الشرطة يوم عاشوراء لإخراجي من هناك. لقد توصلوا إلى هذا الاستنتاج. حكمة المرحوم السيد التهامي[1] العالم البارز ومن الطراز الرفيع في بيرجند -كان مُلّاً جليلاً وشخصاً لو كان في حوزة قم أو النجف، لصار بالتأكيد مرجع تقليد [لكنه] ذهب إلى بيرجند وبقي فيها- لم تدع هذا يحدث؛ قال إن هذا سيسبب مشكلة لفلان وصدّ الناس. ما المقصود؟ المقصود أن الناس والعلماء كانوا يؤيدون هذه الحركة في ذلك اليوم، ولم نكن وحدنا. ذهبت إلى بيرجند وحدي لكنها وقفت إلى جانبي بجميع أهلها وعلمائها الكبار. كان هذا في ما يخص بيرجند.
في شهر رمضان من العام نفسه، ذهبت إلى زاهدان، وكان فيها عالمان كبيران: عالم للشيعة من الطراز الرفيع، المرحوم السيد الكفعمي[2]، وعالم للسنة من الطراز الرفيع أيضاً، المرحوم المولوي عبد العزيز ملازهي. هناك أيضاً اعتقلوني في زاهدان في النصف من شهر رمضان ونقلوني إلى طهران وأخذوني إلى [سجن] قزل قلعة. المرحوم الكفعمي دافع عنا بشكل علني، والمرحوم المولوي عبد العزيز أصدر حكماً يؤيد كلامنا. بالطبع، لا أتذكر بدقة مدى ارتباط تاريخ ذلك الحكم بزمن وجودي في زاهدان وكم كان بعده أو متزامناً معه لكن هذا الحكم كان يصب في اتجاه العمل الذي نؤدّيه، وطبعاً تفاصيل هذا الحكم طويلة ولا أريد الخوض فيها. كانت هذه ذكرياتنا بشأن هذه المجموعة، أيْ أول خطوة علنية لهذا العبد الحقير في مواجهة نظام الطاغوت كانت بتأييد هذين المركزين المهمين، اللذين هما اليوم مركزان لمحافظتين، بأهاليهما وعلمائهما.
بالطبع، لم يكن هذا فحسب. تعود هذه القضايا إلى خمسة عشر عاماً قبل انتصار الثورة، أي عام 1342ش [1963م]. قبيل انتصار الثورة بقليل، نُفيت -أنا العبد- إلى إيرانشهر[3]. تواصلنا مع علماء أهل السنَّة في أنحاء بلوشستان كافة بُعيد انتصار الثورة. وبعد انتصار الثورة مباشرة أرسلني -أنا العبد- الإمام [الخميني] (رض) إلى بلوشستان وسيستان لأذهب هناك وأتعرَّف إلى وضع الناس والأوضاع هناك وآتي وأقدِّم تقريراً وأعالج القضايا[4]. كنَّا على اطِّلاع سابق. لا أنسى في هذه الزيارة مساعدة علماء أهل السنَّة في بلوشستان، وقد كان هذا يتطلَّب جرأة يومذاك. إنَّ المرحوم المولوي عبد العزيز ساداتي، عالم سراوان الكبير المُسن، دعمنا علناً وصراحةً وتموضع في خطَّ الثورة. إنَّ هذه لهويَّة. إنَّها هويَّة المحافظة والناس. العدو لا يحب أن تبقى هذه الحقائق في ذاكرتي وذاكرتكم، ويريد أن يطويها النسيان: في تشابهار، وفي سراوان، وفي إيرانشهر، وفي زاهدان نفسها، وسيستان كذلك، التي هي بالمعنى الحقيقي للكلمة مركز البواسل الزَّابُليين والناس الشجعان والأوفياء. هذا هو تاريخ المنطقة هناك.
كذلك قدَّموا شهداء بارزين، فعدا شهداء الحرب المفروضة في هاتين المحافظتين ما فتئ يُقدَّمُ شهداء بارزون أيضاً منذ ذاك اليوم حتى الآن في مكافحة المنافقين في الأحداث المختلفة دفاعاً عن الأمن. نحن اليوم أيضاً نقدِّم شهداء، وقدَّمنا عام 1360ش [1981م] شهداء كذلك: المرحوم السيد محمّد تقي حسيني الطباطبائي[5] من زابل، والمرحوم المولوي حسين بُر[6] الذي هو من كبار علماء أهل السنَّة، وترجع [شهادة] هذين إلى 1360ش [1981]م، وحتى هذه المدة الأخيرة هناك كذلك إخواننا البارزون هؤلاء من قبيل المرحوم القائد الشهيد شوشتري[7]، أو الشهيد عبد الواحد ريغي[8]، عالم مدينة خاش الكبير وأمثالهم، أي إنَّ المنطقة هي منطقة الثورة وتقديم الشهداء والسير في سبيل الله. لا يسع العدو رؤية هذا ولا يتحمُّله. عندنا شهداء الوحدة كما عندنا شهداء «الدفاع المقدس» وكذلك شهداء صون الأمن، وقد ذكرت أسماء بعضهم وعرضتها.
حسناً، فلنقل هنا مسألة على الهامش، وطبعاً هذه المسألة مهمَّة وأساسيَّة: على المسؤولين أن يعرفوا قيمة هؤلاء الناس وأن يخدموهم. بالطبع، قُدِّمت خدمات كثيرة في سيستان وبلوشستان، وأُنجزت أعمال كثيرة. بلوشستان التي ترونها اليوم ليست هي بلوشستان عهد الطاغوت. لقد رأيت -أنا العبد- تلك الحقبة. لم يكن الناس يملكون شيئاً. بدأ العمل في هذه المنطقة منذ اليوم الأول والأيام الأولى، هنا كما في زابل وسائر مناطق المحافظة، واليوم أيضاً تُنجز الأعمال. يجب أن تُواصَل هذه الأعمال بقوَّة.
إنَّ مسألة سكة الحديد هذه مهمَّة للغاية، فأنْ يتّصل شمالي البلاد بالجنوب الشرقي عبر السكة الحديديَّة أمر يحظى بأهميَّة بالغة للمحافظة كما للمحافظات التي تعبر منها هذه السكَّة وأيضاً لأساس البلاد. يحظى موضوع مياه زابل بأهمية بالغة. يجب إنجاز الأعمال كلها وسلوك السُّبُل كافة ليتأمَّن حق الناس في ما يتعلق بالماء، وإن شاء الله، فسيتأمَّن وستتحقق هذه الأمور. أُنجزت أعمال كثيرة وثمة أيضاً أعمال كثيرة أمامنا يجب أن تُنجز، [لكن] لو أنّ الحكومات كانت تعمل بتلك القرارات التي اتُّخذت حين أتيت -أنا العبد- إلى بلوشستان في بدايات العقد الثامن (من القرن الهجري الشمسي الرابع عشر)[9]، لكان وجه المحافظة قد اختلف اليوم. وقع تكاسل وإهمال من بعض الحكومات. الحمد لله، هم اليوم منهمكون ويعملون ويبذلون جهداً. أنا العبد عندي أمل، وإن شاء الله، فسيصل هذا الأمل إلى النتيجة. حسناً، كانت هذه موضوعات تتعلق بهذه المنطقة.
ثمَّة مسألة عامَّة تتعلَّق بالجميع، وعليهم أن يهتمُّوا بها بدءاً هذا العبد الحقير إلى آحاد الشعب الإيراني وآحاد المسؤولين، فما هي؟ المسألة التي أودُّ أن يهتمَّ بها كثيراً الشباب على وجه الخصوص: حينما تحدث في العالم تحوُّلات كُبرى أو تبدأ، تكون الشعوب ومسؤولو البلدان مكلَّفين مراقبة أنفسهم على نحو مضاعف. سأشرح الآن أكثر. إذا تحقَّقت هذه المراقبة، فلن تُخدع الشعوب ولن تكون مُجبرة على المضي في سبيل يعارض مصالحها. إذا لم تتحقَّق هذه المراقبة ووقعت الغفلة، فستُوجَّه إلى الشعوب ضربات طويلة الأمد.
لأضرب مثالاً. ثمة مثال يتعلق بمرحلة أوج الاستعمار. خذوا مثلاً في القرن الثامن عشر حين أتى الاستعمار البريطاني إلى منطقتنا هذه ووقعت دولٌ كثيرة خاصة في منطقة آسيا المركزية وشرقي آسيا تحت السيطرة؛ ذلك لأنَّ الشعوب كانت تغطُّ في النوم، وكان المسؤولون غير منتبهين. أتى الإنكليز وقبضوا بالتدريج على موارد الحياة للشعب في شبه القارة الهندية ودول ذاك الطرف الشرقي وأيضاً الغربي من الهند. أقول الآن الهند على سبيل المثال، وإلَّا كان الأمر في أفريقيا كذلك، وكان أيضاً في أميركا اللاتينية وحتى في أميركا الشمالية. أمسكوا بأزمَّة مصالح تلك الشعوب واستعمروها ودفعوها إلى الوراء عشرات السنين أو أكثر، وربما مئتي عام. بأيِّ صعوبات استطاعت هذه الشعوب أن تُنقذ نفسها من الاستعمار! ذُكر الإنكليز كنموذج. ففرنسا فعلت هذا العمل، والبرتغال أيضاً، وبلجيكا كذلك، والدول الأوروبية الأخرى عملت على نحو أو آخر بهذه الأعمال. لمّا انطلقت الحركة الاستعمارية بأدلتها الخاصة من أوروبا، كان على الشعوب أن تكون يقظة، وعلى مسؤولي الدول أن يكونوا واعين ومستجمعين حواسهم، لكن لم يحدث ذلك. كانت النتيجة أن تُبتلى منطقة عظيمة من العالم باستعمار طال قرناً إلى قرنين. هذا نموذج.
نموذجه الأقرب بعد الحرب العالمية الأولى. عموماً بعد الحرب الأولى وقليلاً أيضاً بعد الثانية في منطقتنا هذه نفسها، أي غربي آسيا -تلك المنطقة نفسها التي يحب الأوروبيون أن يطلقوا عليها الشرق الأوسط وهذا مصطلح خطأ، وعلينا أن نقول: غربي آسيا-، جاءت الويلات التي أنزلوها بهذه المنطقة، ولو أنَّ شعوبنا كانت يقظة في هذه المنطقة، غربي آسيا وشمالي أفريقيا، ما كان في مستطاعهم إنزال هذه الويلات بهم، فإنكلترا على نحو، وفرنسا بأسلوب، وإيطاليا أيضاً بطريقة. لقد تخلَّفت منطقتنا مئة عام على الأقل عن قافلة الحضارة والتطور. إذن، انظروا! حينما يبدأ تحوُّل في العالم على الشعوب أن تكون واعية لكيلا يُفضي هذا التحول إلى ما فيه ضررهم، وعلى مسؤولي الدول أن يكونوا كذلك. طبعاً لا يمكن للمسؤولين أن يفعلوا شيئاً من دون دعم الشعوب.
ما أريد قوله: إنني أقول إن تحولاً كبيراً في العالم اليوم شارف على البداية أو بدأ بالفعل. اليوم هو اليوم الذي لا ينبغي فيه أن تصاب شعوب المنطقة بالغفلة كما في مرحلة الاستعمار أو بعد الحرب العالمية الأولى، فعلى شعوب المنطقة أن تكون يقظة. أرجو أن تلتفوا جيداً إلى الموضوع الذي أتحدث عنه خاصة شبابنا الأعزاء. قلنا إن العالم على أعتاب تحوّل معيّن أو في بدايات تحوّل ما. ما هذا التحوّل؟ أيّ تحوّل يجري في العالم ونحن نعبّر عنه بالتحوّل؟ خطوطه العريضة هي أمور عدة. في الدرجة الأولى ضعف القوى الاستكباريّة في العالم، وهذا أحد الخطوط الرئيسية للتحول الجاري. لقد ضَعُفَت القوّة الاستكبارية لأميركا وهي تضعف أكثر فأكثر، وسوف أتطرّق إلى هذا وأوضحه. كذلك حال بعض الحكومات الأوروبية. إن هذا من الخطوط الرئيسية لهذا التحول. ومن الخطوط الرئيسية الأخرى له ظهور قوى إقليمية وعالمية جديدة. ثمة قوى جديدة في طور التشكّل: إقليمية أو عالمية. إذاً، هذا تحوّلٌ.
حسناً، قلنا إن أميركا في طور الضعف، أو إن القوى الغربية والاستكبارية تضعف. ليس هذا شعاراً بل حقيقة، وهو كلامٌ يصرّحون به بأنفسهم. هم أنفسهم يقولون إنّ المؤشّرات على اقتدار أميركا في العالم تتّجه نحو التراجع. مثل أيّ مؤشرات؟ مثل الاقتصاد. فمن أهم المؤشّرات على اقتدار أميركا الاقتصاد القوي، ويقولون إنه يتجه نحو التراجع. أحدها إمكانية التدخّل في الدول. كانت أميركا تتدخّل في مختلف البلدان وهذه الحالة تتجه اليوم نحو الأفول: الأوروبيّون على نحو والآخرون على نحو آخر. بالطبع، تسمعون في الصحف وأخبار الإذاعة والتلفاز وأخبار العالم أنهم يُذعنون لهذا الأمر. كان من مؤشرات الاقتدار في أميركا القدرة على تغيير الحكومات والدول. التفتوا! هذه أمور مهمة. ذات يوم أرسلت أميركا ضابطاً إلى إيران يحمل حقيبة مال ودولارات، وقد سُجّل اسم ذاك الضابط أيضاً ويعرفه الجميع: كيم روزفلت. كان اسمه كيم روزفلت. هذه ليست أموراً سريّة. كانت سريّة في ذلك اليوم وانكشفت لاحقاً. يرسلون ضابطاً يحمل حقيبة من المال فيُحدث انقلاباً كانقلاب الثامن والعشرين من مرداد! [حدث ذلك] بتآمر مشترك من أميركا وبريطانيا وعلى يد ضابط أميركي أتى بالمال إلى هنا ووزّعه بين الأراذل والأوباش ومختلف الأفراد، فأحدثوا انقلاب الثامن والعشرين من مرداد وأطاحوا بحكومة مثل حكومة مصدّق.
هكذا كانت أميركا ذات يوم. هل في مقدورها أن تفعل الأمر عينه اليوم؟ أبداً. لا في ما يخص إيران، ولا في ما يخص أي بلد آخر. أميركا مُجبرة اليوم على إطلاق حرب مركّبة لتوجيه ضربة إلى الحكومات التي تروم توجيه الضربات إليها. الحرب المركّبة مُكلفة جدّاً بالنسبة إليها، ولا تُحقق النتائج في نهاية المطاف. [هل] مع وجود التقدم الاستثنائي للأدوات الاستخبارية والأمنية التي تتوفّر لدى أميركا أكثر من أي مكان آخر تعرفون مكاناً استطاعت فيه خلال الأعوام العشر الأخيرة الإطاحة بحكومة معيّنة في بلد ما عبر هذه الحروب المركّبة ثمّ الإتيان بحكومة أخرى مكانها؟ حاكوا المؤامرات في سوريا على مدى أعوام عشرة وعجزوا عن فعل شيء يُذكر. مكثوا في أفغانستان عشرين عاماً وجاؤوا بأدواتهم العسكرية كلها [لكن] لاحظتم كيف خرجوا ذليلين منها. هذا ما نعنيه عندما نقول إن أميركا باتت أضعف.
بشأن أوروبا الوضع ليس أفضل من هذا، فبالطبع أنتم تسمعون هذه الأيام عن قضايا أفريقيا. في أفريقيا، تنتفض شعوب البلدانُ التي كانت تحت نفوذ فرنسا ضد فرنسا واحدة تلو أخرى وتطيح بالحكومات العميلة لفرنسا[10] [وذلك على يد] الناس! طبعاً جيوشها التي تمسك زمام المبادرة لكن الناس يساندونهم، أي لا تمتلك اليوم القوى الغربية التي في مقدمها أميركا ثم أوروبا القدرة السابقة. إنّهم يتّجهون نحو الضعف. هذا الضعف يزداد يوماً بعد يوم. إذاً، هناك قوى جديدة تظهر أيضاً، ولا أريد أن أذكر أسماء تلك القوى والخوض فيها الآن. هذا هو التحول العالمي الكبير.
حسناً، هذا التحول في طور الحدوث الآن. وسبق وقلت: يجب أن تكون الشعوب حذرة عند وقوع التحوّلات العالمية الكُبرى، ولا بدّ لمسؤولي البلاد أن يكونوا حذرين. إنّه اليوم نفسه الذي نحن فيه الآن. يجب أن نكون حذرين. قولنا إن العدو يضعف لا يعني أنه غير قادر على المكر وممارسة العداء وتوجيه الضربات. إنه يستطيع، وهم منشغلون بالتخطيط. يجب ألّا يأخذنا النوم وألّا نغفل. من نقصد بـ«نحن»؟ أي المسؤولين والناس، آحاد الناس. سبق أن قلت: لا يستطيع المسؤولون في أي بلد إنجاز أي عمل مهم وعظيم دون مساندة الناس. يجب أن يقف الناس خلفهم، وأن يكونوا يقظين. ينبغي ألا يغفل المسؤولون، وأن يكونوا يقظين. قال أمير المؤمنين (ع): «مَن نامَ لم يُنَم عَنه»[11]. فإذا غفوت في متراسك، فلا يعني ذلك أن عدوك قد غفا في متراسه أيضاً. لا، ربما يكون صاحياً ويتربّص بك، وقد يستغلّ غفوتك. هذه هي القضية الأساسيّة. لا بدّ من تجنّب الغفلة.
ينبغي الحذر من مخطط العدوّ. هل لدى العدوّ خطّة؟ نعم، لدى العدوّ خطة ومشروعٌ. ليس لنا فقط، فلأميركا اليوم مشروعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وبلدان الخليج الفارسي الذين يُعدّون أصدقاءهم التقليديّين القدامى. لديها مشروعٌ لهؤلاء. لا علاقة لنا بمشروعهم تجاه أولئك، [لكن] ما مشروعهم لنا؟ نحن لسنا غير مطلعين. إننا على اطلاع. تفيدنا معلوماتنا الاستخباريّة بأن أميركا والحكومة الأميركية أسست مجموعة سمّتها مجموعة الأزمات. مجموعة الأزمات. ما مهمّتها؟ مهمّة هذه المجموعة صناعة الأزمات في الدول، ومن جملتها بلدنا. إنّ مهمّة هذه المجموعة صناعة الأزمات وأن يبحثوا عن النقاط التي تؤدي من وجهة نظرهم إلى وقوع أزمة في البلد ويثيروها. هذه مهمّة مجموعة الأزمات الأميركيّة. لقد جلسوا وفكّروا وبحثوا وتوصّلوا إلى هذه النتيجة: توجد في إيران نقاط عدة تصنع الأزمات ولا بدّ من إثارتها وتفعيلها. إحداها الاختلافات القومية، وأخرى الاختلافات الطائفية، وكذلك قضيتا نوع الجنس والمرأة. لا بدّ لهم من إثارة هذه الأمور داخل إيران، فهي تصنع الأزمات، وأن يتمكنوا بهذا الأمر، أي عبر الأزمات، من توجيه ضربة إلى بلدنا العزيز. هذا مشروع أميركا وهو «حلم إبليس بالجنة».
لقد صرّحوا! صرّحوا أنهم يريدون إيجاد وضع في إيران مثل الذي في سوريا واليمن. صرّحوا بذلك. طبعاً، خسئوا! إنهم لا يستطيعون وليس هناك شك في هذا، ولكن شرط أن نكون حذرين ومتنبهين. إذا كنتم نياماً، فالطفل أيضاً يستطيع أن يوجه ضربة إليكم، ناهيكم بعدو مسلح وعلى جهوزية. ينبغي لنا ألا نغفل وألا نبقى نائمين. يجب أن نكون حذرين حتى لا نضلّ الطريق، ولا نسلك في المسار الخطأ، ولا نرتكب الأخطاء. إذا انتبهنا وعرفنا العدو وأساليبه وسعَينا ألّا نساعد خطة العدو بكلامنا ومنطقنا وأفعالنا وكل مبادرة نقدم عليها، فلن يقدر العدو على ارتكاب أيّ حماقة. يجب أن نحرص على ألّا نضلّ الطريق وألّا نخطئ وألّا نأخذ الباطل بدلاً من الحق.
أعطانا القرآن معياراً. يقول القرآن: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾. حديثنا عن هذا الأمر، ولذلك علامة: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾[12]. فإذا رأيتم أن الطريق الذي نسلكه هو طريق يسعد الكفار، فاعلموا أنكم لستم ﴿أشداء على الكفار﴾، ما يعني أنكم لستم «مع رسول الله». [أما] إذا رأيتم أنه العكس، والطريق الذي تسلكونه يزعج الاستكبار والحكومات القاهرة والمعادية للدين والإسلام ويغضبها، فهذا ﴿أشداء على الكفار﴾. هذا هو المعيار. يجب أن نكون حذرين، وأن نعرف ما نفعله وما نقوله، وأن ما نقوله ينبغي ألاّ يكون متوازياً مع خطة العدو وألاّ يتمم مخططه. قد يغفل شخص ما في بعض الأحيان ويفعل حركة ما أو يقول كلمة تكمل مخطط العدو. هذا خطِر. يجب الحرص على تجنب ذلك. إذا كنا حذرين، فلن يتمكن العدو من ارتكاب أي حماقة ولا فعل أيّ شيء. لقد فعل أعداء اليوم هؤلاء والأعداء الذين كانوا من قبل ثم زالوا مثل الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان مغرضاً لنا أيضاً، فعلوا كل ما في وسعهم مراراً وتكراراً خلال هذه الأعوام الأربعين ونيف لكن الشعب الإيراني كان صاحياً ويقظاً واتبع النهج الذي أراده الإمام [الخميني]. إن توجيهات الإمام غنيمة لنا اليوم، فانظروا ما الذي كان يقوله وإلامَ كان يصبو وفي أي اتجاه يقودنا. هذا ما فعله الشعب ولذلك نال التوفيق حتى اليوم. الحال كذلك اليوم، فلا بد أن نكون متنبهين اليوم أيضاً.
لقد استهدف العدو نقطتين أساسيتين: إحداهما الوحدة الوطنية، والأخرى الأمن القومي. الوحدة الوطنية مهمة، فلا تسمحوا لهم بتدمير الوحدة. ماذا تعني الوحدة؟ تعني أنه في القضايا الأساسية للبلاد، حين تكون مصالح الشعب على المحك، يجب وضع الاختلافات المذهبية والسياسية والفئويّة والقوميّة جانباً، وأن يكون الجميع معاً: مختلف القوميات إلى جانب بعضها بعضاً، ومختلف المذاهب أيضاً. حيثما يكون هناك توجه محدد، فإن هذه الوحدة مهمة. أيضاً الأمن [القومي]. إن أولئك الذين يهددون الأمن القومي هم أعداء الشعب ويعملون لمصلحة العدو، سواء أأدركوا ذلك أم لا، ففي بعض الأحيان، يفعلون شيئاً ما ولا يدركون ما يفعلونه. لذا، هاتان النقطتان مهمتان. لقد جعل العدو هاتين النقطتين، أي الوحدة والأمن، هدفاً لهجومه، فلا بدّ من التصدّي له.
إنّ شعبنا يقظ، بحمد الله. إنني متفائل جدّاً ولديّ أمل في يقظة شعبنا العزيز بسبب تجربة الأعوام الأربعين ونيّف، وليس بسبب الشعارات والهتافات ونحوها التي جربناها وشاهدناها، وبسبب ما نراه في شباب هذا البلد: هذا الوفاء والمحبة، والإخلاص الذي يتجلّى، والمشاركات الجيّدة [مثل] هذه «الأربعين». وسأتحدّث بكلمة في ما يخصّ الأربعين. هذه كلها تبعث على الأمل، وينبغي ذلك بالقوة والدافع والإيمان نفسه. العدو جدي في عداوته وتخطيطه، ونحن أيضاً جادون للغاية في مواجهته.
أرى أن من اللازم في نهاية حديثي أن أوجّه الشكر إلى الشعب العراقي على استضافتهم واهتمامهم القيّم بالضيوف في قضيّة «الأربعين» هذه. ليس الأمر مزحة: أن يستضيف العراقيّون 22 مليون زائر بل أكثر من 22 مليوناً في الطريق الواصل بين النجف وكربلاء أو بين الكاظمية وكربلاء، ويبذلوا الغالي والنفيس؛ هذا يستحق الشكر حقّاً. إنني أشكر الإخوة والأخوات العراقيين من أعماق قلبي. كذلك أشكر المسؤولين العراقيين وخاصة «الحشد الشعبي» وأيضاً القوى الأمنية العراقية. أشكر الحكومة العراقية التي استطاعت إرساء الأمن. لقد أنجزوا أعمالاً عظيمة. أشكر القوى الأمنية لدينا أيضاً من أعماق القلب، ففي قضية الذهاب والإياب هذه وكذلك الحدود، بذلت قواتنا جهوداً للحق والإنصاف، وأتعبوا فكرهم ولم يعرفوا الليل من النهار. هذه أمور قيمة للغاية. إنها ذات قيمة كبيرة، ولا بدّ أن ندرك قيمة هذه القوى المضحية وهؤلاء الشباب في مختلف القطاعات، وأن نحفظ بعضناً بعضاً، وأنّ نقدّر بعضناً بعضاً، وأن نرحم بعضناً بعضاً، والله سوف يمنّ علينا بالرحمة، إن شاء الله.
اللهم، بحقّ محمّد وآل محمد، أنزل بركاتك ورحمتك على شعب إيران وأهل هاتين المحافظتين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] آية الله السيد حسن التهامي.
[2] آية الله الشيخ محمد الكفعمي الخراساني.
[3] بتاريخ 27 آذر 1356ه.ش. (18/12/1977م).
[4] صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج6، ص429، حكم إلى السيد الخامنئي لمعالجة مشكلات أهالي سيستان وبلوشستان، بتاريخ 09/01/1358 ه.ش. (29/03/1979م).
[5] نائب أهالي زابل في الدورة الأولى لـ«مجلس الشورى الإسلامي»، الذي نال الشهادة في تفجير مكتب حزب «الجمهورية الإسلامية» بتاريخ 28/06/1981م.
[6] المولوي فيض محمّد حسين بُر، من أبرز علماء أهل السنَّة في منطقة كُشت التابعة لسراوان، وكان من أنصار ومروِّجي الثورة الإسلامية في هذه المنطقة، وقد نال الشهادة في منزله بتاريخ 12/05/1981م على يد عناصر معادية للثورة ومن الأشرار.
[7] الشهيد نور علي شوشتري، قائد «مقر القدس» التابع لـ«حرس الثورة الإسلامية»، وارتقى شهيداً بتاريخ 18/10/2009م إثر تفجير برفقة آخرين.
[8] إمام جمعة أهل السنة لمدينة خاش وكان من دُعاة الوحدة بين الشيعة والسنَّة. استشهد بتاريخ 9/12/2022م بعد خطف عناصر مجهولين له.
[9] زيارته إلى محافظة سيستان وبلوشستان أحد عشر يوماً بتاريخ 02/12/1381ه.ش. (21/02/2003م).
[10] تمكن الإشارة إلى الانقلاب العسكريّ في دولة النيجر على الحكومة العميلة والموالية لفرنسا في 26/07/2023م، وانقلاب 30/08/2023م في دولة الغابون.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص452، الرسالة 62.
[12] سورة الفتح، الآية 29.