يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

2023

(03/09/2023م)

عدد الزوار: 174

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة (03/09/2023م)

بسم الله الرحمن الرحيم[1]

والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.


أهلاً وسهلاً بكم، جنابَ السيّد رئيس الجمهوريّة، والسادة المحترمين، وإخوتنا وأخواتنا الموقّرين. لقد استفدنا من تقاريركم. لم يكن لديّ مانع إذا كان الآخرون سيقدمون تقارير أيضاً، لكن وقد تحدّثتم الآن، أيها السادة، نحن سنتحدث ببضع جمل.

إنّ أسبوع الحكومة هو في الواقع صلة الوصل بين فصل من عمر الحكومة وفصل آخر، أي عندما تلقون في هذا الأسبوع نظرة على العام الماضي، وأخرى على المقبل، يمكنكم المقارنة وجمع التجارب وتعلّم العبر. هذا الأسبوع مزيّن باسم شهيدين جليلين: الشهيد رجائي والشهيد باهنر. ثمّة نقطة هنا: ما الرمز الذي يقطن في أذهاننا من هذين الشهيدين والذي نريد من وزرائنا ومسؤولينا وكبار المديرين لدينا أن يتجهوا نحوه؟ ما هو؟ أداؤهما ليس حاضراً أمام ناظرنا؛ لم تسنح الفرصة، إذْ كان الشهيد رجائي رئيساً للجمهوريّة قرابة الشّهر، والشهيد باهنر كان رئيساً للوزراء خلال هذه المدة. الشهيد رجائي كان رئيساً للوزراء بضعة أشهر أيضاً مع تلك الظروف الصعبة يومذاك. لذلك، ليس المقصودُ أداءهما إذ ليست لدينا أيّ علامات ودلالات على أدائهما.  إذاً، ما القضيّة؟ ما النقطة المهمّة في جعل هاتين الشخصيّتين مطروحتين؟ لقد دوّنتُ هنا أنّ النقطة المهمّة تكمن في نيّتهما وتوجّههما. لقد كان توجّه هذين الشهيدين العزيزين توجّهاً ثوريّاً وإلهيّاً. أولئك الذين يعرفون هذين الرجلين من كثب يؤيّدون كلامنا هذا، وفيه أنّ هذين الاثنين كانا يطلبان ما يطلبه الشهداء والمجاهدون كافة في سبيل الله، وينشدان هذا [الأمر]، أي كانت حياتهما متطابقة تماماً مع مصيرهما، فقد كانا يسعيان لنيل الرّضا الإلهي كما حال كافة شهدائنا والمجاهدين في سبيل الله المنشغلين بإخلاص في الجهاد وهدفهم تحقيق الرضا الإلهيّ. [إنه] الرضا الإلهيّ، والعمل من أجل الناس الذي يشمل أيضاً الرّضا الإلهي، والله المتعالي طلب منّا أن نعمل من أجل النّاس.  

حسناً، إذن هذا أمر مهمّ، ويجب أن تكون هذه كلمة السرّ لدى حكوماتنا: نيل الرّضا الإلهيّ والعمل من أجل النّاس. أساساً ينبغي أن نُلخّص الهدف في هاتين الجملتين. إذا صار الرضا الإلهيّ هدفاً للإنسان، فسوف يترك أثره في أنشطتنا وأعمالنا ونوع أدائنا كلّه. عندما تكون في المنزل وتفكر أنه من أجل العمل المُلقى على عاتقك أو عمل الوزارة الثقيل أنّك مضطرٌ أن تأخذه إلى المنزل ليلاً وتعمل عليه، ولا أحد سيعلم، ولا أحد سيمدحك على هذا، ولا أحد سيطلع على الأمر، لكنك تفعل هذا، فلماذا؟ من أجل رضا الله، وهذا هو الصواب؛ إنه يؤثر في أدائنا وتعييناتنا. هناك جملة في الصحيفة السجادية حول مسألة الرضا الإلهي هذه؛ يخاطب اللهَ المتعالي: «مُؤْثِراً لِرِضَاكَ عَلَى مَا سِوَاهُمَا فِي الأَوْلِياءِ وَالأعْدَاءِ». أرجّحُ رضاك على أيّ رغبة أخرى. إذا حدث هذا؛ «حَتّى يَأْمَنَ عَدُوِّي مِنْ ظُلْمِي وَجَوْرِي، وَيَيْأَسَ وَلِيِّي مِنْ مَيْلِي وَانْحِطَاطِ هَوَايَ»[2]، فهذا مهم جداً. إذا صار الرضا الإلهي هدفي، فإن عدوي سيطمئن أنني لن أظلمه. إنه عدو لكنه مطمئن أنني لن أظلمه. رفيقي وصديقي مطمئنان أيضاً أنني لن أمنحهما امتيازاً خاصاً بسبب الصداقة. هكذا هي الحال في تعييناتنا: إذا وضعنا الرضا الإلهي في الحسبان، فإننا نحرص على تعيين من هو جدير لا مَن هو رفيق وصديق لنا، أي بسبب الصداقة ودون الأهلية. هذه هي ميزة الرضا الإلهي. لقد كان المرحوم الشهيد رجائي والمرحوم الشهيد باهنر كذلك حقاً، أي هدفهما الرضا الإلهي حقاً. طبعاً، كنا نعرفهما من كثب سنوات ورأينا سلوكهما. أسبوع الحكومة مزين باسميهما. هذا صار المنهج وكما يقال الراية التي كتب عليها اسم هذه الحكومة، فيجب أن تضعوا هذا في الحسبان.

في ما يتعلق بالقضايا التي سأطرحها معكم اليوم، أعددت جزأين: سأقدم جزءاً موجزاً عن نظرتي ورأيي بشأن الحكومة، والجزء الآخر ملاحظات سأقدمها إلى الأصدقاء لكي يلتفوا إليها.

أما في ما يتعلق بحكمي الشخصي، فطبعاً دعمت الحكومات كافة خلال هذه السنوات الثلاثين ونيف. لقد دعمت هذه الحكومات المختلفة كلها ذات التوجهات المتنوعة والقدرات المختلفة. السبب واضح أيضاً: إن ظروف البلاد والأهداف التي رسمناها لأنفسنا في الجمهورية الإسلامية تتطلب من الجميع أن يساعدوا السلطة التنفيذية التي هي وسط الميدان، فعلى القيادة أن تساعد، وعلى الشعب أن يساعد، وكذلك على المثقفين وأيضاً النخب. هذه قاعدة الأمر. الحكومات جميعها تستحق هذه المساعدة الشاملة، ولقد ساعدنا الحكومات شتى. لكن في ما يتعلق بهذه الحكومة، وبالإضافة إلى المساعدة، وبالنظر إلى هذين العامين، أريد أيضاً أن أشيد بها، فما شاهدناه من أداء الحكومة خلال السنتين اللتين تولت فيهما السلطة، يوجب علينا أن نقدّرها ونشيد بها. لقد ظهرت الحكومة في بعض القطاعات على نحو جيد وقوي، وهذه القطاعات أيضاً من القطاعات المهمة، وسوف أقدّم مجملاً عنها. إن السبب في قولي هذه الأمور هو أن لسان الحكومة في التعبير عما فعلته - للأسف - ليس لساناً بليغاً، فالأحداث الطيبة التي وقعت لم تنعكس في أعين الناس وأذهانهم بالقدر اللائق والمستحق. أريد أن أعرض مقداراً ما، فربما يساعد ذلك في أن تنجلي الحقائق والوقائع المتعلقة بالحكومة بشكل أكثر وضوحاً أمام أفراد الناس كافة والذين ليس لديهم فكرة أو حتى سوء نية. سوف أشير إلى ذلك في بضعة قطاعات.

في قطاع الاقتصاد، أُنجزت أعمال جيدة في الحكومة، وقد شرح تفاصيلها كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد النائب الأول للرئيس. ما أودّ التركيز عليه هو أن عدداً ملحوظاً من مؤشرات الاقتصاد الكلي يُظهر النمو والتقدم والتغيّرات الإيجابية. طبعاً، لا تزال هناك مسافة معينة حتى تصل قضايا الاقتصاد الكلي إلى معيشة الناس وحياتهم، أي لا بد أن يمضي وقتٌ. إن طبيعة بعض الحكومات هي أنها تضحي بالغد من أجل اليوم، وهذه الحكومة لم تفعل ذلك، فلقد أنجزت أعمالاً عظيمة وأساسية، وربما لا يظهر أثرها بالكامل اليوم لكنه سيظهر في نهاية المطاف. سأذكر بعض الحالات [لكن] التقرير الذي وصلني أكثر من هذا بكثير، وربما يكون هناك ما يقارب خمسين حالة إيجابية حدثت في مجال الاقتصاد في ذلك التقرير. لكن سأذكر عدداً محدوداً منها.

[من ذلك] زيادة النمو الاقتصادي خاصة في قطاع الصناعة. هذا مهم. أيضاً زيادة نمو الاستثمار، وهو من أهم قضايانا الاقتصادية، فقد كانت مشكلتنا الأساسية في بعض المراحل الماضية مسألة الاستثمار الذي كان نموه سلبياً. يُصطلح عليه في التعبير الرائج «نمو سلبي» في حين أنّه ليس نموّاً بل تراجع. أيضاً انخفاض نمو السيولة التي جاءت في تقارير السادة، والحد من البطالة، وخفض «معامل جيني»، والنمو الكبير في تصدير السلع، وتعزيز النظام الضريبي، إذ إنّ عائدات الضرائب الحكومية مكّنت من توفير جزء كبير من الموازنة الجارية للحكومة. [كذلك] النمو الملحوظ في إنتاج المنتجات البتروكيماوية التي تُعد من الأمور المهمّة للبلاد. ثمّة أعمال قيّمة في مجال النفط والغاز كان بينها المرحلة الحادية عشرة من «حقل بارس» الجنوبي، التي افتتحها السيد رئيس الجمهورية أخيراً[3]، وتشغيل آلاف عدة من المصانع المغلقة أو شبه المغلقة. هذا مهمّ للغاية. [هناك] أنشطة مهمّة في مجال إمدادات المياه أو شبكات الري والصرف في أماكن مختلفة وردت أيضاً في تقارير السادة.

ذكرت إبلاغنا بإنجاز ما يقارب خمسين مورداً من هذه الأعمال - هي ذات قيمة وأهمية كبيرة - لكن لم تجرِ رؤيتها. أولاً لأن العمل الإعلامي في الحكومة ضعيف للأسف، أي لا يحدث العمل الإعلامي اللازم. فأن يأتي شخص ما ويتحدث أمام التلفاز ويخبر الناس أنه أُنجزت هذه الأشياء، هذا ليس إعلاماً. الإعلام فن، وينبغي إنجاز عمل فني للاطلاع العام على نحو صحيح. هذا أوّلاً، والآخر لأن هناك مشكلات معيشية لدى الناس حالياً. هناك غلاء وأسعار مرتفعة خاصة في قطاع من المنتجات الغذائية، وغلاء للمسكن. هذه هي قضايا الناس اليومية، فيراها الناس ويغفلون بالطبع عن الأعمال الاقتصاديّة المهمّة والقيّمة، أي تصير غباراً يحول دون العمل الأساسي. [لذا] ينبغي التفكير جدياً وعاجلاً في هذا الموضوع، إن شاء الله. حسناً، هذا في ما يخصّ الأعمال المُنجزة في القطاع الاقتصادي.

في القطاع الإداري أيضاً أُنجزت أعمال جيدة كثيرة في الحكومة. بالنسبة إلي، لا تقل قيمة هذه الأعمال عن الأعمال الاقتصادية والتقدّم الاقتصادي. أحدها الحضور بين الناس ومواجهة مشكلاتهم مباشرة. كونكم تذهبون إلى الناس وتسمعون لهم وتجيبونهم وتطرحون مشكلاتهم هذا جيد جداً. إنه عملٌ مفيد للغاية. هو مفيد من جوانب عدّة: الأول أنكم تحصلون على المعلومات مباشرة، وهناك فوائد أخرى. إنّ العلاقة الوثيقة والدافئة مع الناس والتي تتسم بالتواضع مهمّة للغاية. لا يحقّ لنا أن نتعامل مع الناس ونتحدّث إليهم من موضع الاستعلاء والاستكبار، فنحن لسنا بشيء يُذكر. كلّ ما هو موجود للناس، وإذا مُنحنا شأناً أو عملاً أو منصباً، فأولاً الناس هم من منحوه، وثانياً مُنِحَ من أجل أن نخدمهم. بساطة العيش والحدّ من التشريفات في السلوك الشخصي والحكومي للحكومة وبخاصة شخص رئيس الجمهورية مثير للإعجاب بالنسبة إليّ وأمر مهمّ وجدير بالملاحظة. المواقف الثورية المُتخذة في الحكومة، والروح الجهادية التي تظهر في بعض الأعمال التي وردت الآن في تقرير السادة، وتوظيف الشباب في مختلف المستويات الإدارية، كله مهم جداً وضروري، وقد أنجزته هذه الحكومة، بحمد الله. لذلك هناك أعمال جيدة تستحق الثناء وتبعث على الرضا في قطاع الإدارة.

في قطاع السياسة الخارجية: إنّ تحرّك الحكومة في باب السياسة الخارجيّة تحرّك جيّد للغاية. هذه السياسة التي انتهجتموها، المتمثلة في التواصل مع الجيران، سياسةٌ جيّدة للغاية، وينبغي متابعتها. ينبغي ألا يكون لدينا خلاف مع أيّ من جيراننا، وأن نسعى ألا يكون لدينا أيّ خلاف، وأيّاً كان الخلاف يجب أن يتحول إلى تعاون. هذا عملٌ مُتاح وقد أُنجز بمقدارٍ معيّن، ولا بدّ أن يكتمل بعد الآن أيضاً. أو التواصل مع الحكومات كافة في العالم التي ترغب في إقامة علاقة معنا عدا استثناء محدود وهو واضح، والتواصل مع مختلف القارّات: أمريكا الجنوبيّة، وأفريقيا، وآسيا، وشرقي آسيا... كلّ مكان. سياسة العلاقات المتنوّعة والمتعدّدة هذه مع الدول شتّى ومع ما لديها من خصائص من النواحي السياسيّة والإقليميّة ومن حيث الإمكانات الاقتصاديّة والثقافيّة وغيرها، عملٌ صائب. كان الانضمام إلى معاهدتين دوليّتين مهمّتين خلال مدة قصيرة نجاحاً جيداً للغاية، وهذا في حدّ ذاته ليس مفيداً للبلاد فحسب، بل يكشف عن حقائق ووقائع. الدّول في العالم لا تفعل شيئاً كرمى لعيون أحد كي تقول: تفضّل يا فلان وانضمّ إلينا. لديها حسابات لتقبل انضمام أي دولة. هذا يظهر أن البلاد في وضع يجعل المشتركين في هذه المعاهدات الدوليّة ومؤسسيها يرغبون ويميلون بل يصرّون أحياناً أن تغدو بلادنا العزيزة واحدة منها.

أُنجزت أيضاً في القطاع الثقافي أعمال جيدة، وبالطبع ينبغي كذلك أن تتزايد كمّاً ونوعاً، وأيضاً في القطاعات المختلفة، وأنتم - بطبيعة الحال - على علم بالتفاصيل.

توصيتي أن تتمكنوا من أن تعكسوا للناس ما في أداء الحكومة مما في وسعه أن يُسِرَّ الناس. البون شاسع للغاية الآن بين الحقائق وفهم الناس إياها. حقيقةً إنَّ فهم الحقائق على مسافة شاسعة من تلك الحقيقة، فاختصروا هذه المسافة، وليُدرك الناس الحقائق أكثر. هذا يتطلّب العمل، أي هو ليس عملاً بسيطاً متداولاً عادياً، فهذا يحتاج إلى تأمُّل ويستلزم عملاً تخصصياً ينبغي أن ينجزه الخبراء.

أمّا عن التنبيهات، فحسناً، قلنا مراراً[4] إنّ الأولويّة الأساسيّة للبلاد تتمثل في الاقتصاد والثقافة؛ هاتان هما الأولويّتان الأساسيّتان. أيضاً في مجال الاقتصاد الشعار الذي طرحناه هذا العام كان يتضمن جانبين: أحدهما كبح التضخم، والثاني نمو الإنتاج. كذلك في ما يتعلَّق بكبح التضخم. لقد قلت - أنا العبدَ - في كلمة وخطاب أوّل السنة[5] إنّ كبح التضخم يتحقق هو الآخر مع نمو الإنتاج، أي إنّ أهم عمل يمكن فعله من أجل كبح التضخم هو أن نتمكن من رفع إنتاج البلاد وزيادته. إذن، صار الإنتاج هو المحور. فإذا كان المحور هو الإنتاج ويجب أن ينمو، فعلينا أن نرى كيف يمكن تطويره. ثمّة مسألتان هنا: إحداهما أن ندعم، والثانية أن نزيل العقبات من الطريق. فما معنى الدعم؟ يعني أولاً الدعم القانوني: أن تكون القوانين على نحو يغدو معه الإنتاج سهلاً وكذلك مُجدياً للمُنتِج، ثم أشكال الدعم المالي بذاك القدر الذي هو في عهدة الأجهزة الحكومية: تأمين المصادر الرياليّة ومن القطع الأجنبي بذاك المقدار الذي هو من ضمن المهمات. كذلك أشكال الدعم الثقافي للإنتاج المحلي. يعني الدعم الثقافي للإنتاج المحلي أن نشرح للناس أنَّه يتعيَّن استهلاك المُنتج المحلي، فبما أنّ المنتج المحلي موجود على الناس أن يتّجهوا نحوه، وهذا أهم دعم ثقافي للإنتاج. بالطبع المُتَمِّم لأشكال الدعم هذه هو مراقبة منع الانحراف، فقد كان لدينا أوقات وُضعت فيها المصادر الريالية ومن القطع الأجنبي في أيدي أشخاص بهدف الإنتاج ولم تُنفق لذلك! لم تكن أيضاً المسألة مسألة حفنة أو حفنتين، فالمبالغ كانت حتى ضخمة للغاية، فوقع الغش ههنا؛ علينا أن ننتبه لكيلا يقع هذا الحدث وأمثاله. ثمّة من هم على دراية بكيفية اللعب جيداً في قضايا الاقتصاد، أي في الواقع ينظر المرء فيرى أنّ ثمّة شخصاً علمه ومعرفته بـ«الزواريب» أكثر من ذاك المسؤول الكبير عندنا في هذا القطاع؛ فهو يعرف «الزواريب»، ويعرف مواطن التسلُّل ويمضي ويعمل ويُحصِّل أرباحاً هائلة وغير شرعية. لا ضير مطلقاً في الأرباح الشرعية، [لكن] الأرباح الضخمة غير الشرعية هي التي فيها مشكلة. يجب الانتباه إلى هذه الأمور. حقيقة أنّنا نقول: فليُسانَد الإنتاج وليُدعَم متمِّمُه هو أن ننتبه لكيلا نتعرَّض من هذه الناحية أيضاً للانحراف.

المسألة التالية عن تجارة البلاد. يجب أن تكون التجارة ظهيراً للإنتاج. تجارتنا المحلية ليست من أجل تنظيم السوق فقط، فجانب منها هو تنظيم السوق، وجانب هو زيادة الإنتاج. يجب أن تساعد التجارةُ الإنتاجَ، ففي هذه التفاهمات والمعاملات الاقتصادية لنا مع العالم، يجب أن يكون ما يخرج في نهاية الأمر أن يذهب محصولنا المحلي إلى الخارج وتأتي الاستثمارات الخارجية إلى الداخل. أن «تأتي الاستثمارات الخارجية إلى الداخل» هو أحياناً على شكل استثمار، وأحياناً سلعة استثمارية نحتاجها، إذ ثمّة كثير من الآلات نحتاجها. العالم بأسره كذلك، أي ليس الأمر على نحو أنّهم في دول العالم المختلفة يُنتجون احتياجاتهم كلها في الداخل، فهم يأتون بأشياء من الخارج. مثلاً أن نأتي بالسلعة الاستثمارية من الخارج ونذهب بالمُنتج المحلي إلى الخارج، فإذا حدث هذا، أي وصل التعامل الاقتصادي إلى هذه النتيجة، فمن الطبيعي أن ينمو الإنتاج؛ إنّ هذا أهم مساعدة للإنتاج، فتصير التجارة ظهيراً للإنتاج.

مسألة أخرى هي أن نُحدِّد الاحتياجات الداخلية للبلاد في الوقت المناسب. أحياناً لا نُحدِّد حاجة البلاد في حينها، ثم ما إن نقترب من مرحلة الأزمة تلك، حتى نتوجَّه بعجلة وارتباك إلى الاستيراد ونستورد من هنا وهناك ونواجه مشكلة بطبيعة الحال. في وسع المُنتِج المحلي أن يغطي احتياجاتنا الداخلية في أكثر قضايا البلاد - كما أشرت جنابك[6]، استطعنا هذا العام أن نشتري من الداخل أكثر من عشرة ملايين طن من القمح - والبديهي أنّ استهلاك البلاد هو هذا أيضاً تقريباً - لا يمكن الآن أن نتحدث بدقّة، لكنّ استهلاك البلاد من القمح هو تقريباً في هذا الحدود - أي نحن لا نحتاج أبداً إلى استيراد القمح، ولدينا اكتفاء ذاتي، والبديهي أنّ هذا حسن للغاية. كل شيء كذلك، فإذا تحققت المساعدة والدعم في مجال الزراعة والصناعة والمعادن والخدمات المختلفة، فكل شيء سيكون كذلك، أي يمكن تأمينه في الداخل شريطة أن تُحدّد الاحتياجات في الوقت المناسب وفي التو.

ثمّة نقطة مهمة هي أنّه وُضعت مهمات كثيرة في الخطة السابعة على عاتق الحكومة، ويجب - إن شاء الله - برمجتها وأن تُنفَّذ أعمالٌ لكل واحدة منها، لكن ضعوا في الحسبان وفي هذا البرنامج بضع نقاط مهمة، وراعوا هذه النقاط في الأعمال والقرارات الاقتصادية كافة التي تريدون اتخاذها والمبادرة إليها. افترضوا مثلاً مسألة العدالة وتقليص الفوارق الطبقية، فهذه نقطة مهمة. انظروا في أي قرار تريدون اتخاذه في مجال القضايا الاقتصادية: ما كيفية تأثيره في قضية الفوارق الطبقية؟ هل هو تأثير إيجابي أو سلبي؟ واحسبوا ذلك، أو افترضوا مثلاً ثبات السوق، وخفض التضخم، وثبات سعر القطع الأجنبي، ونمو الإنتاج... هذه نقاط بارزة. كذلك هذه المسائل كلها كميّة، أي تقبل القياس والتقدير، فهي ليست أموراً لا يمكن حسبانها. انظروا في القرارات كافة: أيُّ أثر لهذا القرار الاقتصادي الذي تريدون اتخاذه في هذه المعايير، ونظراً إلى ذاك الأثر الذي يتركه في المعايير، انظروا: هل يجب أن تقرروا أو لا؟ هذا أيضاً مهم.

هناك قضيّة أخرى أيضاً هي الأخيرة في هذا المجال، وهي معيشة النّاس. قضيّة معيشة الناس مهمّة للغاية. وقد سبق أن قلت: عندما تبرز مشكلاتٌ في مجال المعيشة، مثل غلاء البيوت وإيجاراتها و... بعض الناس يضيقون ذرعاً حقّاً، والأعمال الجيدة كلها التي تنجزونها تتأثر [سلباً]، أي الخطوات الإيجابيّة كافة التي تُنجز مع هذه الجهود جميعها تبقى بعيدة عن الأنظار مع وجود المشكلات في معيشة الناس. إنّه لأمرٌ مؤسفٌ حقّاً! ابذلوا الجهود في هذه القضيّة. أنواع الحظر التي فُرضت هدفها الأساسي معيشة النّاس، وقد أرادوا أخذ معيشة النّاس رهينة، فلا بدّ من السّعي من أجل إبطال مفعول الحظر. طبعاً يُنفذ الآن بعض الأعمال لإزالة الحظر وبعض المفاوضات، وتلك محفوظة في محلّها وهي أعمالٌ صائبة أيضاً. لكن إلى جانبها لا بدّ أن يكون هناك خطٌّ موازٍ يكون «إبطال مفعول الحظر». لا شكّ في أنّ من أهمّ المؤشّرات على «إبطال مفعول الحظر» تقليص نسبة التضخّم، أي أن تُبذل الجهود لخفض نموّ التضخّم. حسناً ما ذُكرَ عن أنّ [التضخّم] هبط من النسبة الفلانيّة إلى النسبة الفلانيّة هذا [الانخفاض] جيد لكنه ليس كافياً، لأن استمرار التضخم أرقاماً عشريّة بضع سنوات متتالية أمر غير مناسب، وينبغي بذل الجهود لخفضه قدر الإمكان.

قُدّم تقرير إليّ يفيد بأنّه توجد بعض الأعمال ذات التأثير السريع نسبيّاً في خفض التضخّم، ومنها إنهاء الأعمال غير المنتهية، أي هذه المشاريع التي توقّفت في منتصفها وهي كثيرةٌ جدّاً أيضاً. ففي حال أنهيتموها، ستترك أثراً سريعاً في خفض التضخّم بناء على ما قاله لنا أصحاب الرأي [في هذا المجال]، أو قضيّة الاختلال المصرفي التي أشرتم إليها، وهي من هذا القبيل. [أيضاً] التصدّي لهذه السمسرة ولعبة الوساطات. للفاكهة في البستان مع ما يبذله المزارع من جهودٍ سعر، ثمّ تُنقل عبر السمسار إلى مكان الاستهلاك، فيرتفع سعرها أحياناً عشرة أضعاف أو أكثر. لا بدّ من معالجة هذا الأمر، فهو يساهم كثيراً في خفض التضخّم، والمساعدة في معيشة النّاس.

سوف أقدّم أيضاً توصيتين أو ثلاثاً في ما يرتبط العلاقات الخارجيّة والسياسات الدوليّة. وبفضل الله، تنشط الحكومة في هذا المجال، أي نُفّذت أعمال جيّدة أشرنا إليها سابقاً. النقطة المهمّة أنّنا نملك فرصاً في العلاقات مع مختلف الدّول. فلنعرف هذه الفرص ولنستفِد منها في الوقت المناسب. قد تكون لدينا علاقة مع بلدٍ معيّن، ويمكننا أن نستفيد منها، [لكن] لا يجري الالتفات إليها. [احرصوا] على ألّا يحدث هذا الأمر، أي فليجرِ تعرّف الفرص والاستفادة منها. ثانياً يجب ألّا تبقى مذكّرات التفاهم التي تنعقد ووثائق التعاون التي تُنجز وتوقّع حبراً على ورق. لدى الحكومة الآن وثائق تعاون طويلة الأمد مع بعض الدّول، حسناً، أين هي الآن؟ ما نتيجتها؟ يجب ألّا نسمح بأن تبقى مذكّرات التفاهم ووثائق التعاون هذه حبراً على ورق. إنّه أمرٌ مهمّ. 

النقطة الأخرى أنّه عندما نتحدّث عن التواصل مع العالم، يرى بعض السياسيّون في البلاد أنّ العالم بضع دول هي غربيّة في غالبيتها. هذا ما يعنيه العالم! إذا كان لنا تواصلنا معهم وتعاونٌ حارّ وودّي، فلدينا تواصلٌ مع العالم، وإذا انقطعت علاقتنا بعض الشيء معهم، فكأنّما نحن منقطعون عن العالم. هذا خطأ، وهذه النظرة رجعيّة. هذه النظرة نظرة ما قبل مئة عام. نعم، هكذا كانت الحال قبل مئة عام. كانت هناك بضع دول أوروبيّة تتحكّم في العالم كلّه، وكان التواصل معهم يعني التواصل مع العالم كلّه. لقد مضى على ذاك الزمان مئة عام، ولا بدّ من التخلّي عن هذه النظرة الرجعيّة والبالية. التواصل مع العالم يعني التواصل مع أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة وآسيا. آسيا مصدرٌ هائلٌ للثروات البشريّة والطبيعيّة، وكذلك الحال بالنسبة إلى أفريقيا. لقد صارت الدول الغربيّة ثريّة من ممارسة الضغوط على أفريقيا ومثل هذه الدول بصورة أساسية. لقد جنت أوروبا ثروتها من سرقة الثروات الأفريقيّة وبعض الدول الآسيويّة في واقع الأمر. يجب ألّا نغفل عن هذه الأمور. التواصل مع هؤلاء ضروري. عليه، إنّ المعيار للعلاقات الدوليّة هو المصالح الوطنيّة: المصالح الوطنيّة والعزّة الوطنيّة. هذه مهمّة أيضاً، فالعزّة الوطنيّة مهمّة جدّاً، وينبغي ألا يكون في هذه العلاقات رضوخٌ للهيمنة ولا ممارسة لها، أي إنّنا نعارض [كل من] ممارسة الهيمنة، والرّضوخ لها أيضاً.

لأعرضْ بضع ملاحظات أخرى أيضاً. إحدى الملاحظات أن تحفظوا هذا الزيّ الشعبي. إنّه أمرٌ ينطوي على قيمة عالية جدّاً. إنّ تحدّثكم إلى الناس بودّ وعلى نحو خاصّ وبتواضع، وذهابكم وإيابكم، وزيارتكم منازلهم وجلوسكم فوق سجاداتهم، أمورٌ جيّدة للغاية. لا تفقدوا هذه الأمور فهي فرصة جيّدة.

ثانياً: تابعوا ما استطعتم التحاور مع النّخب. [هذا] أمرٌ قيّمٌ للغاية. النخب في البلاد أصحاب أفكار ومشاريع ويقدّمون إرشادات جيّدة وتخطر في أذهانهم نقاط جيّدة. تابعوا حتماً التواصل مع النخب ولتتابع مختلف القطاعات ولتواظب على هذا الأمر.

النقطة التالية: الحضور في الجامعات من الأعمال الضروريّة - الجامعات على نحو الخصوص - سواء بين طلاب الجامعات أو الأساتذة، الحضور بينهم والإنصات إلى كلامهم وقول النقاط الضروريّة لهم. [هؤلاء] ليسوا مطّلعين على كثير من الأمور. نعم، هو طالبٌ جامعي، أو أستاذ جامعي، ومثقّف وواعٍ، لكنّه لا يعرف الكثير من الأمور. «قوافل التقدّم»[7] نفسها هذه التي انطلقت إذ يذهبون ليطّلعوا على بعض الأمور كلّها لافتة وجديدة بالنسبة إليهم. حسناً، هذه الأعمال كلّها أُنجزت في البلاد، وليس الطالب الجامعي لدينا مطلّعاً عليها، وحين يراها يستغرب، وكذلك حال الأستاذ الجامعي. ذات مرّة قلت: فلنُطلق مجموعات سياحيّة من أجل [الاطّلاع] على الإمكانات الدفاعيّة للبلاد[8]، وأودّ الآن أن أقول: فلتطلقوا هذه السياحة لتشمل أنواع التقدّم كافة في البلاد حتى يذهب النّخب ويطّلعوا من كثب. هذه أيضاً قضيّةً تساعد كثيراً في التصدّي لعداء العدو. الجامعات من النقاط التي ينصب العدوّ لها العداء، وحضوركم فيها يدحض ذلك.

هناك نقطة أخرى وتوصية أخرى هي قضيّة جعل الأنشطة الإعلاميّة للحكومة أكثر فعاليّة، وقد أشرتُ إليها سابقاً. أعتقد بأنّه لا بدّ من إعداد مُلحق إعلامي لأيّ خطوة، وليكن لكلّ خطوة مهمّة تنوون الإقدام عليها ملحق إعلاميّ واضح. خذوا مثلاً الآن العملة الصّعبة المدعومة التي أنهيتموها - كان عملاً ضروريّاً - وقد كان لا بدّ أن يُوضّح هذا الأمر للنّاس بشدة [ويُذكر] أنّ سبب فعلنا هذا العمل، هو هذا الأمر وهذا وهذا... هذه فوائده: [يؤدّي] إلى منع هذه الأضرار. ليكن هناك مُلحقٌ إعلاميّ خاصّ بأيّ خطوة.

توصيةٌ أخرى هي أن يكون هناك تناسقٌ بين الأقوال والوعود والإحصاءات المُقدّمة من الشخصيّات في الحكومة، أي لا يكوننّ الأمر على هذا النحو بأن يقدّم جهازٌ على سبيل المثال إحصاءات معيّنة، ثمّ يرفض في اليوم التالي جهازٌ آخر تلك الإحصاءات أو يقدّم أخرى متناقضة، أو يقدّم هذا الوعد على سبيل المثال، فيقول ذاك: هذا الوعد ليس عمليّاً. ففي النهاية لا بدّ من تحديد كونه عمليّاً أو غير عمليّ مُسبقاً داخل الحكومة حتى نقرّر تقديم الوعد أو العكس. فلتجرِ الاستفادة من العقل الجماعي، وليُدقّق في الأعمال مع التأمّل وانتهاج الحكمة.

الموضوع الأخير هو ما أشار إليه السيّد رئيس الجمهوريّة أيضاً: لا تكترثوا لإثارة الأجواء والبلبلة، وواصلوا أعمالكم. أحياناً قد تتّخذون قراراً ويكون صائباً، فلا يُعجب بعضهم ويُثيرون الجلبة والضوضاء. الآن وهناك الفضاء المجازي أيضاً يُنتجون ألف مقالة فيه ضدّ خطوتكم تلك. أدّوا عملكم ولا تكترثوا خاصة في حال كانت الخطوة التي أقدمتم عليها مدروسة واتُّخذ القرار بالإقدام عليها انطلاقاً من الفكر والتفكّر. يرغبون أحياناً في فرض خطوة على الحكومة: افعلوا هذا الأمر، وهناك أيضاً تجدون أنّهم كتبوا على سبيل المثال آلافاً من النصوص والرسائل والمقالات لكي يحثّوكم [على ما يرغبون فيه]. هؤلاء جماعات الضغط لا تكترثوا لهم. أنجزوا العمل انطلاقاً من الفكر وبتعقّل ودراسة، وعندما تتّخذون القرار - ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾[9] - توكّلوا على الله ولتكن خطواتكم مُحكمة وراسخة. [لا بد من] المتابعة - أؤكّد المتابعة دائماً - وأقولها مجدّداً: لا تتركوا الأعمال في منتصفها. أحياناً يبدأ المرء عملاً بدوافع كبيرة، لكن دوافعه تتراجع فور أن يخطو خطوات عدّة إلى الأمام. ليس هذا صائباً. حافظوا على الدوافع حتى يبلغ العمل خواتيمه وينتهي، إن شاء الله.

نأمل أن يرضى عنكم الله المتعالي -إن شاء الله- ويمنّ عليكم بالتوفيق، وأن تترافق المدة المتبقّية من مسؤوليّتكم بالنجاحات المضاعفة -إن شاء الله- وتحظى بقبول الباري ورضا صاحب العصر والزّمان -أرواحنا فداه- وأن ترضى عنكم الروح المطهّرة للإمام [الخميني] (قده)، وأسأل الله أن ترضى عنكم الأرواح المطهّرة للشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله.


[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقارير كلّ من حجّة الإسلام والمسلمين السيّد إبراهيم رئيسي (رئيس الجمهوريّة) والسيّد محمّد مخبر (النائب الأوّل للرئيس) والسيّد علي أكبر محرابيان (وزير الطاقة).
[2] الإمام زين العابدين (ع)، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص110، الدعاء 22.
[3] أقام رئيس الجمهورية، حجة الإسلام والمسلمين السيد إبراهيم رئيسي، حفل افتتاح المرحلة الحادية عشرة من حقل «بارس الجنوبي» الإثنين 28/08/2023م.
[4] من ضمنها كلمته في لقاء رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الحكومة، بتاريخ 21/08/2019م.
[5] كلمته في لقاء زوار الحرم الرضوي المطهَّر ومجاوريه، بتاريخ 21/03/2023م.
[6] رئيس الجمهورية.
[7] المشروع الذي يطّلع خلاله الطلاب الجامعيّون على الإنجازات العلميّة والصناعيّة والاقتصاديّة...
[8] من كلمة لسماحته في لقاء مع أساتذة الجامعات، بتاريخ 02/07/2014م.
[9] سورة آل عمران، الآية 159.

2023-09-07