يتم التحميل...

المقاومة ومنهج القيادة العالمة والحكيمة

المجتمع الإسلامي

إنّ دراسة تجربة المقاومة من الأهمّية بحيث أنها تجسّد صورة عمليّة تطبيقيّة فعليّة، وسير هؤلاء الأبطال سواء من بقي منهم على قيد الحياة، أو من تمرّغ في العذابات والقهر داخل سجون الطغاة من أسرى، أو من رحل بالجسد حيث العلى شهيداً، تاركاً أُسر وعائلات تُعطي أفضل الصور عن معنى وجوهر الحياة،

عدد الزوار: 51

إنّ دراسة تجربة المقاومة من الأهمّية بحيث أنها تجسّد صورة عمليّة تطبيقيّة فعليّة، وسير هؤلاء الأبطال سواء من بقي منهم على قيد الحياة، أو من تمرّغ في العذابات والقهر داخل سجون الطغاة من أسرى، أو من رحل بالجسد حيث العلى شهيداً، تاركاً أُسر وعائلات تُعطي أفضل الصور عن معنى وجوهر الحياة، هذه السير لا بد أن يستقي منها العطشى أساليب العيش لكل مراحل الحياة....
ويستقي منها الدعاة وكل منظمي حقوق الإنسان...
ويستقي منها المربون طرق التربية ووسائلها...
ويستقي منها القادة نظام القيادة ومنهجها...
ويستقي منها الزهاد معنى الزهد ومقاصده...
ويستقي منها التجار مقاصد التجارة وأنظمتها وطرقها...
 
ويستقي منها المبتلون أسمى درجات الصبر والثبات،  وتقوى عزائمهم على السير على نهجهم والثقة التامة بالتسديد والنصر من الله تعالى لأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾([1]) إنّ القدوة في التربيّة على الشهادة، تؤدي إلى فعاليّة التأثير والبنيّ لنهج الشهادة([2]).
 
وهكذا انطلقت مسيرة المقاومة، لينطلق الركب، وعلى رأسه قيادة حكيمة تجمع في شخصها بين اثنتين: إرادة قويّة لا تصدّ ولا تردّ لأنها انعكاس اليقين، ولأنها مستمدة من القوة الإلهيّة العليا التي بها تؤمن، وثانيها منهج متكامل حدّد الهدف وسمع تماماً لصوت العقل الراجح والراشد.
 
وهنا لا بد من فتح المزدوجين لأقول: هذا العقل الذي قرّر المصير، ووفر الإدراك الحقيقي للمعطيات الفعليّة تقرير المصير، وأمّن لنا الحكمة السياسيّة بل الحكمة الإنسانيّة ببساطة، وتبين في نفس الوقت كلّ التعقيدات والشوائب، ولذلك لا بدّ من أن نعي الصلة الحركيّة العضويّة بين الفكر والحياة وبين المفهوم والسلوك.
 
إن عقلاً كهذا شُرف به الإنسان عن سائر المخلوقات، يجب أن يكون موضوعياً ويعتمد الأسلوب الأخلاقي في غاياته، حتى تكون نتائجه يقينيّة، يربط الأسباب بمسبباتها، ويعتمد الحجج والبراهين والمقدمات ثم الأدلة والبراهين.
 
هذا العقل الذي يُلزم صاحبه بمسؤولية كبيرة تجاه نفسه وتجاه مجتمعه على اعتبار أنه خليفة الله تعالى على الأرض، وفي هذا السياق عبّر الإمام المغّيب السيد موسى الصدر بالقول:ً إن الإنسان خليفة الله في الأرض بالعلم والإرادة فالوصول إلى هذا المقام المنشود، والتصرّف في الكون، والتسخير لقواه لا يمكن إلاّ بمعرفة الأسباب وتعلّم الأسماء (على حدّ تعبير القرآن)، وكلّ خطوة في سبيل معرفة الحقائق، واكتشاف قوانين الكون، في أي حقل من الحقول، خطوة نحو الهدف المقدس المهيّأ للإنسان، وتحقيق الغاية التي خلق الإنسان لها، وأداء لواجبه الكوني. وقد كلف الله الإنسان السير في هذا الخط في مراحل ثلاث: بالفطرة، بدعوة الأنبياء، بالمصائب والمحن الناتجة عن تقصيره وقصورهً([3]).
 
إذن العلم هو الشرط الأول من شروط المسؤول والقائد، هو العلم الذي ينير ويضيء لا العلم الذي يهدم ويدمّر، فلا بد أن نضع مقاييس ومعايير ضمن دائرة الخير والتي لا تخدم إلا الخير ولا يمكن أن تصدر إلا عن خيريين. وتأتي بالدرجة الثانية الإرادة لأن حياتنا ليست صدفة ولم نخلق عبثاً، بل نحن نعيش مجموعة من الأقدار التي ترسم الكثير منها بأيدينا، وعليه فكل إنسان لديه إرادة مع أن هناك الكثير ممن يتحدثون في العلن أنهم لا يملكون إرادة وكأنهم يفتخرون بذلك، مع أنهم لو فكروا قليلاً لوجدوا أنهم بحديثهم هذا يقتلون العملاق الذي في داخلهم، يدمرونه، ويقتلون بالتالي الأمل.
 
الأمل بيت القصيد، هذا المناخ الإيجابي الذي تركت آثاره الأعمال البشريّة على كلّ ما يحيط بها من مكونات وجودّية، هذا الأمل، هذا المناخ مطالبة به القيادة والتي نعود إليها بعد المزدوجين لنبّين عظمة القيادة والتي اتخذناها قدوة كأنموذج بشري كان حياً في وقت من الأوقات، وعاش مرحلة عصيبة من الزمن، قصدت شخص الأمين العام السابق سماحة السيد عباس الموسوي ( رضوان الله تعالى عليه)، هذه الشخصيّة العالمة المسرعة في خطواتها وليست متسرعة في استيعابها للمرحلة بكل مناخاتها وشروطها، رغم أن مناخاتها كانت أشكال وألوان، وشروطها كانت قاسية وصعبة، إضافة إلى أمراض مركبة ومتداخلة فحسبها التآكل الأخلاقي والإنساني في الممارسات التي كان يسود الأوساط، هذا فضلاً عن التشنجات الطائفيّة والصراعات الحزبيّة اللاموضوعيّة، ولعبة الثقافة المشبوهة والتي تمثل حرباً على الأصالة، ناهيك عن الهيمنات الخارجيّة، أو الحروب التي أرادها البعض على أرضنا ولأرضنا، لنعيش في وطن الغربة أو في غربة الوطن. كما أنه لم يغب عن بال هذه القيادة الحكيمة عند انطلاقة مسيرة المقاومة أن مثل هذه الخطوة ستعترضها مصاعب وعقبات ومطبات لا يمكن حصرها الآن في بعض من الصفحات، كما أنه لم يثن هذه القيادة فشل عمليّة هنا أو إخفاق في رد عدوان هناك، أو ما يصوّب إليها من سهام إلا أن تقف كوقفة ملهمها ومرشدها وباعث النور فيها الإمام الحسين عليه السلام عندما وقف وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين يتلقى بجسده الطاهر السهام والحراب، وهو يتضرع إلى الله تعالى ويتوسل إليه القبول بكلمة: "أو رضيت يا رب"([4]).
 
القدوة الاهمية وتحولات الدور، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) سورة محمد، آية:7.
([2]) نعيم قاسم،ً حزب اللهً، دار الهادي للمطبوعات، بيروت، 2009، ص 61.
([3]) من محاضرة للإمام السيد موسى الصدر: الإسلام والثقافة في القرن العشرين- الندوة اللبنانية- 24 أيار 1969.
([4]) علي أحمد العاملي، العزاء في رثاء سيد الشهداء، دار السيرة، بيروت، ط 1، 1998م، ص 256.

2023-08-23