يتم التحميل...

أعظمُ صدقة

ذو الحجة

عَنِ الإمام زينِ العابدينَ (عليه السلام): «وَأَمَّا حَقُّ الصَّدَقَةِ، فَأَنْ تَعْلَمَ أنَّها ذُخرُكَ عِنْدَ رَبكَ، وَوَديعَتُكَ الَّتِي لا تَحْتَاجُ إلى الإشْهَادِ، فَإذا عَلِمْتَ ذَلِك كُنْتَ بمَا اسْتَودَعْتَهُ سِرًّا أَوْثقَ بمَا اسْتَوْدَعْتَهُ عَلانِيَةً»

عدد الزوار: 75

عَنِ الإمام زينِ العابدينَ (عليه السلام): «وَأَمَّا حَقُّ الصَّدَقَةِ، فَأَنْ تَعْلَمَ أنَّها ذُخرُكَ عِنْدَ رَبكَ، وَوَديعَتُكَ الَّتِي لا تَحْتَاجُ إلى الإشْهَادِ، فَإذا عَلِمْتَ ذَلِك كُنْتَ بمَا اسْتَودَعْتَهُ سِرًّا أَوْثقَ بمَا اسْتَوْدَعْتَهُ عَلانِيَةً»[1].

تتعدَّدُ الأهدافُ والنتائجُ المترتّبةُ على التشريعاتِ الإلهيّةِ المنزَلةِ والمطلوبةِ مِنَ العباد، والتي يعودُ فيها النفعُ عليهم في الدنيا والآخرة؛ ومِنْ تلكَ التشريعاتِ، الصدقاتُ، واجبةً كانتْ أو مستحبّة.

ويصفُ الإمامُ زينُ العابدينَ (عليه السلام)، ضمنَ رسالةِ الحقوق، حقَّ الصدقةِ بأمورٍ، عرضْنا، في النصِّ المختارِ أعلاه، ثلاثاً منها:

1ـ ذُخرٌ إلهيّ:
فهي مخزونةٌ لهذا الإنسان، محفوظةٌ له، يلْقَاها عندَ حاجتِه، بلْ يجدُها مضاعَفة، كما قالَ تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[2].

2ـ وديعةٌ إلهيّة: هذهِ الوديعةُ هيَ عندَ اللهِ عزَّ وجلّ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[3].

فهيَ تقعُ بيدِ اللهِ عزَّ وجلّ، ويحفظُها لعبدِه، ففي الروايةِ عَنِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السلام): «إنَّ اللَّهَ تبارَكَ وتعالى‏ يقولُ: ما مِنْ شَي‏ءٍ إلَّا وقدْ وَكَّلتُ مَنْ يَقبِضُهُ غَيرِي، إلَّا الصَّدَقةَ؛ فإنّي أتَلَقَّفُها بِيَدِي تَلَقُّفاً»[4]. ولأنَّ الشاهدَ هو اللهُ عزَّ وجلَّ، فهِيَ أمانةٌ لا تحتاجُ إلى إشهاد.

3ـ الإخلاصُ فيها: أيْ أنْ يأتيَ بها لوجهِ اللهِ عزَّ وجلّ، مقتدياً تماماً بعطاءِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلام)، الذينَ لا يريدونَ جزاءً ولا شكوراً. ففي الروايةِ عَنْ رسولِ اللهِ (صلَّى اللّهُ عليهِ وآلِه): «سَبعَةٌ في ظِلِّ عَرشِ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ، يَومَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّهُ: ... رجُلٌ تَصَدَّقَ بِيَمِينِهِ، فَأخفاهُ عن شِمالِهِ»[5].

وعَنِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السلام): «لا تَتَصَدَّقْ على‏ أعيُنِ الناسِ لِيُزَكُّوكَ؛ فإنّكَ إنْ فَعَلتَ ذلكَ فَقَدِ استَوفَيتَ أَجرَكَ، ولكنْ إذا أعطَيتَ بِيَمِينِكَ فلا تُطلِعْ علَيها شِمالَكَ؛ فإنَّ الذي تَتَصَدَّقُ لَهُ سِرّاً، يَجزِيكَ عَلانِيَةً»[6].

والصدقةُ لا تختصُّ بعَونِ المحتاجِ عبرَ دفعِ المالِ، وإنْ كانَ مِنْ مصاديقِها المتعارَفةِ بينَ الناس، ولَهُ أهمّيّتُه، بلْ للصدقةِ عنوانٌ واسعٌ وردَ فيما رُويَ عَنِ النَّبِيِّ (صلَّى اللّهُ عليهِ وآلِه) أنَّه قالَ: «إنَّ على كُلِّ مُسلمٍ في كلِّ يَومٍ صَدَقةً، قيل: مَن يُطِيقُ ذلك؟ قالَ (صلَّى اللّهُ عليهِ وآلِه): إماطَتُكَ الأذى عنِ الطَّريقِ صَدَقةٌ، وإرشادُكَ الرَّجُلَ إلى الطَّريقِ صَدَقةٌ، وعِيادَتُكَ المَريضَ صَدَقةٌ، وأمرُكَ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهيُكَ عنِ المُنكَرِ صَدَقةٌ، ورَدُّكَ السَّلامَ صَدَقَةٌ»[7].

ويصادفُ اليومُ الرابعُ والعشرونَ مِنْ شهرِ ذي الحِجَّة، ذكرى تَصَدُّقِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بخاتَمِه أثناءَ صلاتِه، وفي ذلكَ نزلَ قولُه تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[8].

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول، ص259.
[2] سورة البقرة، الآية 261.
[3] سورة التوبة، الآية 104.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج‏93، ص134.
[5] الشيخ الصدوق، الخصال، ج‏2، ص343.
[6] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول، ص 305.
[7] الراونديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، ص98.
[8] سورة المائدة، الآيتان 55 و56.

2023-07-13