كيف نعزّز من وحدتنا الإسلامية؟
الحج ضيافة الله
لا شكّ في أنّ خلق الوحدة وسَوْق المجتمع نحوها يستلزمان وجود ظروف ومقدّمات يتعذّر الحديث عن الوحدة في غيابها. ويقسّم إميل دوركهايم مبادئ الاتّحاد أو التضامن إلى أربعة أنواع. وفي ما يلي شرح موجز لتلك الأنواع الأربعة:
عدد الزوار: 286لا شكّ في أنّ خلق الوحدة وسَوْق المجتمع نحوها يستلزمان وجود ظروف ومقدّمات يتعذّر الحديث عن الوحدة في غيابها. ويقسّم إميل دوركهايم[1] مبادئ الاتّحاد أو التضامن إلى أربعة أنواع. وفي ما يلي شرح موجز لتلك الأنواع الأربعة:
1- حاجة أفراد المجتمع إلى بعضهم
عندما يكون أفراد المجتمع الواحد بحاجة إلى بعضهم، يمكن اعتبارهم متّحدين ومتضامنين، ولكن عندما تغيب تلك الحاجة فمن الطبيعيّ أن لا يكون هناك أيّ سبب يدعوهم إلى الوحدة أو الاندماج, لذلك، فإنّ أوّل المبادئ يتمثّل في إحساس أفراد المجتمع بالحاجة إلى بعضهم. ولا يتحقّق الشعور بالحاجة إلّا من خلال تقسيم العمل. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ دوركهايم يعتبر أنّ محور النشاطات الاقتصادية موجود في الرأسماليّة والمصلحة الشخصيّة والاشتراكيّة والخدمة الاجتماعيّة.
2- الانسجام والتنسيق
يحتاج الاتّحاد والتضامن إلى نوع من الانسجام والتنسيق، مثل الانسجام اللّغويّ والدينيّ، والانسجام في العادات والنظم القِيَميّة... وغير ذلك. وإنّ ظروف الوحدة تكون مهيّأة أكثر بين إخوة النضال والسلاح الذين تكون طريقهم ممهّدة وأهدافهم واحدة.
3- التقوى
من الواضح أنّ التصوّر الدينيّ يركّز على إزالة العوائق أو عوامل الفُرقة التي تعترض سبيل الوحدة، أكثر من أيّ شيء آخر. فعندما نقول بأنّ الشيطان والنزوات النفسيّة هي التي تتسبّب في إيجاد الخلافات فهذا يعني أنّه يتوجّب علينا أوّلاً تجنّب تلك النّزوات وطرد الشيطان لكي نُهيّئ الأرضيّة المناسبة لإقامة الوحدة. ولذلك نجد القرآن الكريم يدعو الناس إلى الالتزام بالتقوى إلى جانب الاعتصام بحبل الله تعالى، فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ *وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾[2].
والملاحظة المثيرة هي أنّ الحدّ الأقصى المطلوب للتقوى ههنا هو تقوى الله سبحانه، ذلك أنّ هذه الدرجة العليا من التقوى تفتح الباب أمام الاعتصام بحبل الله.
وكان الإمام الخمينيّ أيضاً يؤكّد في كلّ مناسبة على هذا العامل، وقد مرّ علينا قبل هذا كيف أنّ سماحته كان يشير إلى الشيطان (الرّجيم) باعتباره المسبّب لكلّ الخلافات، وفي المقابل اعتبر أنّ جميع الأنبياء المرسلين من لدن الله تعالى كانوا متّحدين ومنسجمين مع بعضهم البعض، بقوله: لو جُمعَ الأنبياء كُلّهم في مكان واحد فلن يحدث أيّ خلاف بينهم على الإطلاق[3].
4- الحكم الإسلاميّ
أمّا الطريق الآخر الذي يمكن سلوكه للوصول إلى الوحدة فهو طريق تطبيق الولاية الإلهيّة في المجتمع. فلكي يتمّ إحباط جميع المؤامرات التي يدبّرها الأعداء داخل البلاد الإسلاميّة، وإرغام شياطين الإنس على الكفّ عن ممارسة مثل هذه الدّسائس، فإنّ السبيل الوحيد هو مواجهة أولئك الأعداء ونبذهم وإقصائهم عن المجتمع الإسلاميّ. وللإمام الخمينيّ إشارات واضحة إلى ضرورة تأسيس الحكومة الإسلاميّة.
5- الهدف المشترَك
لطالما أكّد سماحة الإمام على وحدة الهدف وضرورة أن تكون جميع الأعمال خالصة لله تعالى ومن أجل تحقيق وحدة المجتمع الإسلاميّ، حيث قال: "إذا كانت أعمالنا جميعاً خالصة لله وفي سبيله فلن يكون هناك أيّ اختلاف". كما نُقل عن سماحته قوله: "إذا كنّا نسعى - لا سمح الله - إلى تحقيق أهداف مادّية ونهتمّ بالدنيا وملذّاتها وننسى الله - سبحانه وتعالى - فإنّ الخلاف بيننا سيقع لا محالة. إنّ الذين يهتمّون بالدنيا أكثر من أيّ شيء آخر لا يمكن أن تخلو حياتهم من الخلافات، لأنّ كلّ واحد منهم يطلب لنفسه. وأمّا الذين لا يوجد أيّ خلاف بينهم فهم أولئك الذين لا يهتمّون بالدنيا بل بالقِيَم، هؤلاء لا يقع الخلاف بينهم أبداً. لو جُمعَ الأنبياء والأولياء كُلّهم في مكان واحد فإنّه لن يحصل بينهم أيّ خلاف على الإطلاق ولو على كلمة واحدة، ولكن إذا كان هناك رئيسان في قبيلة واحدة أو قرية واحدة لوقع بينهما الخلاف. ولو كان هناك رجلا دين (رجلان متّقيان حقّاً) فلا يمكن أن يقع بينهما الخلاف وإن وُجِدَ مثلهما مئة رجل دين... وإذا أراد رجال السياسة في أيّ بلد العمل في سبيل الله فلن تجد بينهم أي خلاف أبداً، ولكن عليهم أن يحذروا بأنّهم ليسوا مأمونين من أن يخدعهم إبليس فيضمّهم إلى جماعته ويسلكوا طريقته... فإذا دخلت الأهواء النفسيّة أدّى ذلك إلى ظهور الخلافات"[4].
وفي موضع آخر كذلك يقول سماحته: عندما يريد الجميع أن يكونوا في خدمة الإسلام فلن يقع أيّ خلاف أبداً[5].
6- إقامة القسط والعدالة الإسلاميّة
لا شكّ في أنّ العدالة الاجتماعيّة تُعتبر أحد الشروط الرئيسة في إيجاد الوحدة. وإذا كان أفراد المجتمع ينقسمون إلى طبقتين من وجهة نظر الحاكم، "طبقة المحرومين" و"طبقة المرحومين" فمن الطبيعي كذلك أن تكون أواصر الوحدة بين أفرادها قويّة ومحكمة، وذلك لأنّ كلّ واحد منهم يرى مصلحته في تلك الوحدة، في حين لا يمكن أن يكون هناك أي نوع من أنواع التضامن أو التآلف بين الطبقة المحرومة والمظلومة وبين الحكومة والموالين لها والمقرّبين منها.
إنّ تأكيد القرآن الكريم بشكل متواصل على تطبيق العدالة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقضائيّة وغيرها يدلّ على أنّ من شأن هذا الأمر أن يهيّئ الأرضية المناسبة لإقامة الوحدة.
ومن الواضح أنّ تطبيق العدالة سيفصل مسير الطامعين و"القاسطين" عن المسير الذي يسلكه المجتمع الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة جمعاء، كما حدث مع نهج العدالة الذي طبّقه الإمام علي عليه السلام أيّام خلافته فدفع الكثيرين إلى اللّجوء البلاط الأمويّ والارتماء في أحضان الخلفاء. غير أنّ في المقارنة بين أن تكون الوحدة على أساس منح الامتيازات غير العادلة للحصول على تأييد وإطراء الأقليّة من جهة، وبين أن تكون تلك الوحدة قائمة على تطبيق العدالة وإرضاء السّواد الأعظم من المحرومين من الناس من جهة أخرى، لا شكّ في أنّ الخيار الثاني سيكون هو المرجّح.
وتشير سيرة الإمام الخمينيّ إلى ذلك بشكل واضح، إذ لم يقتصر على عدم الحياد عن خطّ العدالة قيد أنملة من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلاميّة وحسب، بل كان سماحته يطبّق نهج العدالة الاجتماعيّة حتى مسؤولي النظام والمؤسّسات العسكريّة وجهاز الحرس الثوريّ إضافة إلى الأحزاب السياسيّة والأجنحة المنضوية تحت لواء النظام (والتي كانت جميعها من وجهة نظره تمتلك مقوّمات التضامن والانسجام والاتّحاد حول محور الإسلام).
وإذا ألقينا نظرة على بعض رسائل الإمام، سيتضح لنا هذا الأمر بشكل جليّ. ففي رسالة بعث بها سماحته إلى أحد أفراد أسرته ويمتدح فيها أفراداً من جناحين سياسيين مخالفين، ويشير فيها إلى حُسن نيّة كلا الطرفين والأهداف والمعتقدات المشتركة التي تجمع بينهما، حيث يقول: "إذا كانت الخلافات مبدئيّة فإنّ من شأن ذلك أن يُضعف النظام. لكنّ المسألة هنا واضحة، فالخلاف القائم بين الأفراد والأجنحة الإسلاميّة الموجودة، إن كان هنالك خلاف أصلاً، هو سياسي بحت، وإن كان يُغلَّف بغلاف عقديّ، فهؤلاء جميعاً مخلصون للإسلام والقرآن والثورة، ولهذا أؤيّدهم"[6].
الوحدة الإسلامية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] 1917 - 1858EmileDurlheim- فيلسوف: وعالم اجتماع فرنسي، يُعتبر أحد مؤسّسي علم الاجتماع الحديث، وقد وضع لهذا العلم منهجيّة مستقلّة تقوم على النظرية والتجريب في آن واحد. من أبرز آثاره "في تقسيم العمل الاجتماعي" Deladivisiondutravailsocial عام 1893-، و"قواعد المنهج السوسيولوجي" LesReglesdelamethodsociologique عام 1895-. المترجم-.
[2] سورة آل عمران، الآيتان 102 - 103.
[3] صحيفة النور، ج 20، ص 70.
[4] صحيفة النور، ج 20، ص 70.
[5] صحيفة النور، ج 20، ص 12.
[6] صحيفة النور، ج 21، ص 47.