لِتسْكُنُوا إليها
ذو القعدة
لقدْ حدَّدتِ الآيةُ الكريمةُ الغايةَ مِن خِلقةِ هذا الإنسانِ مِن صنفَينِ ذكرٍ وأنثى، بالسَكَنِ والطُمأنينةِ التي تحصلُ بينهما، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «لتسكنوا إليها...
عدد الزوار: 343قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1].
لقدْ حدَّدتِ الآيةُ الكريمةُ الغايةَ مِن خِلقةِ هذا الإنسانِ مِن صنفَينِ ذكرٍ وأنثى، بالسَكَنِ والطُمأنينةِ التي تحصلُ بينهما، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «لتسكنوا إليها... أي لتجدوا إلى جانبِ الجنسِ الآخرِ داخلَ الأسرةِ الطمأنينةَ والسكينة. فالرجلُ يحسُّ بالطمأنينةِ والسكينةِ عندما يعودُ إلى بيتِه، وإلى محيطِ أسرتِه الآمن، وإلى جانبِ زوجتِه الأمينةِ والعطوفِ والمُحبَّة، وكذلكَ المرأةُ، فإنَّها تشعرُ بالسعادةِ وبحُسنِ الحظِّ والسكينةِ عندما تكونُ إلى جانبِ زوجِها الذي يحبُّها، ويشكِّلُ الحُصنَ المنيعَ لها.. الأسرةُ تؤمِّنُ ذلكَ لكلا الطرفَين».
إنّ هذا السكنَ الذي يحصلُ نتيجةَ العلاقةِ بينَ الزوجينِ، هو الذي نُطلقُ عليه الأسرة، وهذه الأسرةُ لا بدَّ وأنْ تكونَ سليمةً للغاية؛ لأنَّ سلامةَ المجتمعِ مرتبطةٌ تماماً بسلامتِها، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «ينبغي أن يكونَ كلُّ اهتمامِكم وسعيِكم في المحافظةِ على مؤسّسةِ الأسرةِ هذهِ في الظروفِ كلِّها، وهذا مَثَلُه كمَثَلِ دخولِ خليّةٍ جديدةٍ في خلايا جسدِ المجتمعِ المتغيّرةِ دوماً. فخلايانا تتبدّلُ بشكلٍ دائم، وينبغي أنْ تظهرَ خلايا جديدةٌ وتنمو، ليبقى أوّلاً، هذا البدنُ حيّاً، وثانياً، ليتمكَّنَ مِنَ النموِّ والتقدُّم. إنَّكُم تضيفونَ خلايا جديدةً إلى جسدِ المجتمع، فاسعَوا لأنْ تكونَ هذه الخليّةُ سليمةً ومُفعَمةً بالنشاطِ والحيويّة، ولأنْ تكونَ مصدرَ عزٍّ وفخرٍ وتقدُّمٍ لهذا المجتمعِ ككُلّ. كلُّ عائلةٍ هي خليّةٌ في جسدِ المجتمعِ وبدَنِه. عندما تكونُ هذه العوائلُ سليمة، ويكونُ تعاملُها صحيحاً، سيكون جسدُ المجتمعِ وبدنُه سليماً».
إنّ الطريقَ الموصِلَ للحفاظِ على حيويّةِ هذهِ الأسرةِ، وهو ما يوصي به الإمامُ الخامنئيّ: «أنْ تلتزموا بالآدابِ والحدودِ الدينيّةِ التي حُدِّدَتْ للأسرة. كلُّ شيءٍ يستوجبُ حفظَ هذهِ الرابطةِ وهذهِ المؤسَّسةِ العائليّةِ، هو مرضيٌّ وحَسَنٌ عندَ اللهِ تعالى».
إنَّ ما يجعلُ الأمورَ تتّجِهُ سلباً في موضوعِ الأسرة، وما ينبغي الحذرُ منهُ مِنَ الزوجَينِ، هو عدمُ تحمُّلِ المسؤوليّة، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «...أنْ يشعرَ الزوجُ والزوجةُ داخلَ الأسرةِ بالمسؤوليّةِ بعضُهُما تجاهَ بعض. والقضيّةُ ليستْ أنَّهما شخصانِ غريبانِ، وقدْ أُلزِما الآنَ، وحُكِمَ عليهما بالعيشِ معاً في جَوٍّ واحد، بل هما جزءانِ لحقيقةٍ واحدة، كمِصْراعَي الباب؛ إنّهما زوجان، فإذا ما سُلبَ الوجودُ الفرديُّ لأيٍّ منهما أو حُذف، يكونُ الآخرُ ناقصاً. لذا، فهما المكمِّلانِ لبعضِهِما. وإنْ أردْنَا تشبيهَ الأمر، فهما مثلَ رفيقَي المتراسِ اللذَين يدافعانِ عنْ متراسٍ واحد. فمصيرُ أحدِهِما متعلِّقٌ بمصيرِ الآخَر. قدْ ينامُ أحدُهما ويبقى الآخرُ مستيقظاً، ومِنْ ثَمَّ ينامُ هذا ويستيقظُ الآخر، لكنَّ أيّاً منهما ليس بخارجٍ عَنِ المصيرِ العامِّ المحتومِ لهما أو لواحدٍ منهما. هذانِ متعلّقانِ ومرتبطانِ ببعضِهِما، وينبغي لهُما النظرُ إلى الحياةِ بهذا المنظار. وكلّما استطاعا تقويةَ حالةِ الزوجيّةِ هذِه، كان ذلكَ لصالحِهِما، قدْ تسألون: كيف تُقوّى؟ أقول: بالمحبّة، والمحبّةِ فقط. «المؤمنُ كفو المؤمنة»[2]، فالإيمانُ الموجودُ في هذَينِ الزوجَين، هوَ كلُّ شيء. إذا كانَ إيمانُك أقلَّ مِنْ إيمانِ زوجتِك، فاسعَ إلى إيصالِ نفسِكَ إليه، وإنْ كانَ إيمانُ زوجتِكَ أقلَّ مِنْ إيمانِك، فارفَعْهَا إلى مستواك، واعملْ على زيادةِ إيمانِها».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الروم، الآية 21.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص339.