كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمع من المعلِّمين بتاريخ 02/05/2023م.
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أهلاً وسهلاً بكم، [أنتم] النموذج لأفضل الفئات والعاملين في البلاد وأشرفها، أي مجتمع المعلّمين في البلاد. أشكر أخانا العزيز المشرف [على وزارة التربية والتعليم] على كلمته. لقد أوضح نقاطاً جيدة للغاية ومهمة. إن ما أَطلَعَنا عليه، وهو أنه اكتمل إنجازها -لم أكن على علم ببعضها-، هو أمر مهم، وما قال إنها سوف تُنجز وسيعملون عليها أيضاً أمر ذو أهمية عالية. يجب أن يبذلوا الهمة، فهذه كلها أمور ممكنة. إذا تصوّر شخص ما أن هذا طموح خيالي وحركة نحو آفاق لا تنالها أيدينا، فهو مخطئ حتماً. إن كافّة هذه الأمور التي قالها توقعات نروم إليها وممكنة. إنها تتطلب بذل الهمة ودراية عملية، وتحتاج إلى متابعة، وسوف يشمل العون الإلهي حركة مثل هذه، إن شاء الله. كما أشكركم على النشيد الذي أنشدتموه. كان نشيداً متمايزاً وقد بدأ بالتوحيد الإلهي وأكمل بمدح المعلم. إنصافاً، إن مدح المرء المعلمين بعد الحمد الإلهي لأمر في محلّه، فكان ذلك جيداً للغاية.
نحتفي بذكرى شهيدنا العزيز المرحوم آية الله مطهري الذي كان معلماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. تلك الخصائص كلها التي نتوقّعها من المعلّمين في مدارسنا أو من أساتذة جامعاتنا كانت متوافرة في هذا الرّجل. لقد كان صاحب علم والتزام ودقّة ومتابعة، ونظم وانضباطٍ في العمل. كان هناك كثير من الخصائص الإيجابيّة في هذا الرّجل العظيم. بحمد الله، كانت لشهادته أيضاً بركات للبلاد. بالطبع هو نفسه وصل إلى درجات رفيعة، ومؤلّفاته شقّت طريقها إلى قلب هذا المجتمع نتيجة استشهاده. أنا أوصي الجميع، وبخاصة المعلّمون، بأن يقرؤوا حتماً كتاباته وما نُظم من تفريغ خطاباته، فإنها ستنفعهم كثيراً.
طبعاً، هذا اللقاء هو في الحقيقة أولاً من أجل تكريم مجتمع المعلمين في البلاد، إذ أرى أن من واجبي إقامة هذا التكريم كل عام، وثانياً ثمة نقاط حول موضوع التربية والتعليم سوف أتحدث عنها ببضع جُمل اليوم.
أعتقد أنّ أوّل موضوع لا بد لي أن أطرحه حول موضوع المعلّم هو توجيه الشكر إلى مجتمع المعلّمين، هؤلاء الجنودِ المجهولين للنظام الإسلامي والإسلام والمسلمين، المنهمكين بالعمل والمجاهَدة بصمت في أطراف البلاد وأقاصي نقاطها، ويعملون رغم الصعاب والمشكلات الكثيرة. في الواقع إنّ مجتمع المعلّمين هم من يربّون أبناء الشعب ويعدّونهم لمستقبل مشرق. طبعاً، ليس المعلمون كلهم على نحو واحد؛ مثل المجتمعات الأخرى كافة، ومثل الفئات الأخرى شتى، لديهم مستويات مختلفة، لكن النظرة العامة إلى المعلم هي ما ذكرته. لديهم نقص في الإمكانات أيضاً، وهو أمر لا يختص باليوم فقط. في الماضي أيضاً، كان المعلمون قد اجتازوا اختبارات مختلفة برؤوس مرفوعة. في «الدفاع المقدس»، قدّم معلمو البلاد قرابة خمسة آلاف شهيد. لقد قدم معلمو البلاد أربعة آلاف وتسعمئة ونيفاً من الشهداء. هناك نحو 36 ألف تلميذ التحق معظمهم بالجبهة متأثرين بأنفاس المعلمين الدافئة واستشهدوا. قد يكون هؤلاء التلاميذ تأثروا بأسرهم ومساجدهم وأصدقائهم، ولكن معظم هؤلاء التلاميذ والثانويين الشباب أو أكثرهم الذين ذهبوا إلى الجبهة تأثروا بالأنفاس الدافئة لهؤلاء المعلمين.
في رأيي إن العمل الذي حمله المعلم على عاتقه -المعلم الملتزم- هو أهم عمل في البلاد، أي التربية لأبناء البلاد وأطفالها وتعليمهم، وهو ما يعني بناء مستقبل البلاد. المعلّم هو في الواقع المعمار لمستقبل البلاد. إنكم اليوم تبنون غد البلاد. ستقدّمون أعظم خدمة إلى البلاد إذا استطعتم تربية إنسان واعٍ وعالم ومن أهل الفكر ومتفكّر وذي منطقٍ وإيمانٍ وإرادة ومتشرّع ومتمسّك بالأخلاق الإسلاميّة والالتزامات الوطنيّة. فحقاً لا توجد أيّ خدمة قابلة للمقارنة مع هذه. إنّ قضية تعليم يافعينا هذه تنال مُعامِلاً [مرتفعاً] وتغدو ذات أهمية مضاعفة نظراً إلى ذكاء اليافع الإيراني. لو كنا مقابل مجتمع الشباب واليافعين ذوي مستوى متوسط من الناحية الذهنية، لكان الأمر على نحو. [لكن] الآن بما أننا نقابل فئة من الشباب الأذكياء الذين يتمتعون بذكاء أعلى من المتوسط العالمي، فإن المسألة على نحو مختلف. هذه ثروة عظيمة. إذا لم نربِّ هذا الموجود الثمين، أي هذا الشاب الذكي الذي أثبت ذكائه في الأولمبياد والمسابقات العالمية وكل شيء، وإذا لم نوصله إلى الموقع اللائق، فسيكون ذلك جفاء له حقاً. إنه جوهرة ثمينة، وينبغي صقلها جيداً.
إذن، هذا هو دور المعلم ومكانته. إنها مكانة مهمّة للغاية وسامية ورفيعة جداً، والمسؤولية مرتفعة بهذا القدر نفسه، فالمسؤولية عالية أيضاً. لأننا تحدثنا كثيراً عن هذه القضية -تحدثت والجميع كذلك- سوف أعرض بعض العناوين الموجزة.
أحدها: فليعدّ المعلّمُ التلميذَ مثل ابنه. ما أمانيكم التي ترغبون فيها لأبنائكم وبناتكم؟ ألا ترغبون في أن يكون [الواحد منهم] سعيداً ومرفوع الرأس؟ ألا ترغبون في أن يكون عاقلاً ومتعلّماً؟ ألا تريدون أن يكون سلوكه مدعاة للاحترام في المجتمعات والعائلات؟ ماذا يريد الإنسان لابنه؟ ابتغوا هذه الأمور نفسها للتلميذ لديكم. عملكم هو التدريس في المقام الأول، لكن خلال كل درس -قلت مرات كثيرة: أحياناً، وعلى سبيل المثال، يقول معلم الرياضيات أو الفيزياء، أثناء الدرس، كلمة واحدة لها تأثير أكبر في هذا الشاب أكثر من ساعة خطاب لي -أنا العبد- مثلاً عندما أعظ! بكلمة واحدة، لقد شاهدنا ذلك- ربّوا في هذا التلميذ الإيمانَ والصلاح والمؤهلات الإنسانية عبر السلوك والمعاملة والكلام. افترضوا أنه ابنكم، وتعملون على تربيته. هذا هو التوقع الأول الذي يتوقعه المرء من المعلمين. بالطبع هذا غير المسألة «التربوية» التي سأتحدث عنها لاحقاً. تلك الأمور التربوية قضية منفصلة ومستقلة. بعض الأشخاص يخلطون هذه الأمور معاً. ثمة من أرادوا تعطيل «التربوية»، وكانوا يقولون «إن المعلم يجب أن يعمد إلى التربية أيضاً في الوقت الذي يعلّم فيه»، وهذا قول ناقص وغير مكتمل؛ إذ يمكن أيضاً التربية بالمعنى الحقيقي أثناء التعليم، لكن «التربوية» مكانها محفوظ أيضاً.
نقطة أخرى هي تشجيع التلاميذ على الحضور في المراكز التي تبث البركة والنورانية، مثل المساجد والهيئات. وقد ثبت بالتجربة أن الشاب الذي يتردد إلى المسجد وتربطه علاقة به يصل خيره إلى المجتمع، أي أن احتمال ذلك أكبر. ذلك لا يعني أن الإنسان الشاب أو غير الشاب «المسجدي» لا ينحرف. بلى، الاحتمالات كلها واردة، لكن هذه الأرضية أرضية قيّمة للغاية.
إحدى النقاط حول سلوك المعلم هي الاهتمام بحضور التلميذ إلى المدرسة، فقد ألحقت مسألة كورونا هذه وهذا التعليم الافتراضي والتعليم من بُعد الضرر حقاً، أي تسببت في اختلال العمل التعليمي في البلاد. من الممكن أن نقول إنه يمكن تدريس الدروس عبر الفضاء المجازي والاتصال بالفيديو وما شابه، لكن الطالب والتلميذ -بصرف النظر عن التعلم والاستماع للدرس- يحتاج إلى الحضور في الفضاء التعليمي. يحتاج أن يكون حاضراً بين مَن هم في عمره وزملائه أقرانه، وهذا يوجد التآزر، وهو مهم للغاية. ينبغي بذل السعي من أجل حضور التلميذ إلى المدرسة، فالمدرسة لها موضوعيتها. كانت هذه نقطة أيضاً. حسناً قلنا إن كورونا ألحقت ضرراً، وهذه الفتن وأعمال الشغب وما إلى ذلك تلحق ضرراً أيضاً. فمع حالات فقدان الأمن هذه التي يحدثونها في الشارع وما إلى ذلك، تكون إحدى الضربات التي يوجهونها إلى البلاد أنهم يجعلون المدارس غير آمنة. أو هذه القضايا المتعلقة بالتسمم ونحوها، طبعاً إذا كانت حقيقية أو شائعة، وإذا كانت يد العدو متورطة، وهو كذلك على ما يبدو، فهذه حقيقةً ضربة موجهة إلى أساس العمل في البلد وأساس التربية والتعليم، لأنها تحول دون الحضور إلى المدرسة.
من الأمور المتوقعة من المعلمين الأعزاء والمحترمين أن عليكم إحياء الشعور بالهوية الإيرانية والإسلامية والشخصية الوطنية في أطفال هذا البلد. قضيّة اللغة مهمّة، وكذلك قضيّة الانتماء الوطني، وأيضاً قضيّة العلَم. لا بدّ أن يتعلّق بها [التلميذ] وهذه أمور ضروريّة وأساسيّة. أحيوا هذه المعرفة، معرفة الهويّة الوطنيّة والشخصيّة لدى التلميذ. يجب أن يكون [التلميذ] فخوراً بكونه إيرانياً. وطبعاً هذا يبعث على المفخرة. وليس حصراً أن نقول: «افخروا»، فلا يكون ذلك بالتوصية. طبعاً سوف أتحدث لاحقاً عن موضوع الكتب المدرسية. عندما تتمظهر لليافع والشاب المفاخر الوطنية والسوابق الثقافية والعزة التاريخية ينشأ فيه الشعور بالعزة. الآخرون ليس لديهم تاريخ. إنهم يصطنعون التاريخ لأنفسهم، ويرسلون فيلماً عنه إلى هنا ويبثونه هنا في تلفزيوننا. ليس لديهم أبطال ولا شخصيات بالمستوى المعتدّ به [لكن] يصنعون ذلك؛ إنه الفن، فن صناعة الأفلام. لدينا هذا الكم كله من الماضي التاريخي المليء بالملحمة والشجاعة والمليء بالصفات الإنسانية والاجتماعية السامية، وكلها مغفول عنها! هذه نقطة أيضاً.
حسناً، قلت إن هناك بعض النقاط المتوقعة من المعلمين. نتوقع أن يشعر المعلم بالمسؤولية، وهذا توقع في محله. لكن يجب في المقابل أن يُشعر بالمسؤولية تجاه المعلم أيضاً. لا بد من مراعاة الإنصاف. عندما يكون لدى النظام توقعات من مجتمع المعلمين، يجب أن يشعر بالمسؤولية تجاه هذا المجتمع أيضاً. وهذا الشعور بالمسؤولية هو في الأبعاد كافة لا مسألة المعيشة فقط. طبعاً، تُعدّ مسألة معيشة المعلمين أمراً مهماً للغاية لكن لا ينحصر الأمر فيها، فهناك مسألة التدريب على الخبرة، والتدريب على المهارات، وهذه الأمور نفسها التي قالها المشرف المحترم في كلمته والتي يجب أن نفعلها أو نروم إلى فعلها بحق المعلمين، فهذه بين الواجبات، وهي الأعمال التي يجب تُنجز، أي تُعدّ هذه الشعور بمسؤولية النظام تجاه المعلم [مثل] التدريب ضمن الخدمة والاهتمام بجامعة «فرهنكَيان». فـ«فرهنكَيان» هذه مهمة جداً، وعموماً مؤسسات إعداد المعلمين مهمة جداً، ومن الضروري جداً الاهتمام بها.
حسناً. سأعرض أيضاً بضع كلمات في مجال الأصل لمسألة التربية والتعليم. ثمة موضوع حول موقع التربية والتعليم في النظام الإداري للبلاد. أيُّ موقع للتربية والتعليم في إدارة البلاد أساساً؟ علينا أولاً أن نُفَهِّم هذا لبعضهم. في رأيي -أنا العبد- ثمة بعض من لا يزالون عاجزين عن إدراك دور التربية والتعليم في التقدُّم الشامل للبلاد. في السابق هناك خطأ إستراتيجي بين بعض المسؤولين، وقد ألحق أضراراً، ألا وهو النظرة المستصغِرة لهذه المؤسسة المصيريَّة. لم يتعرَّف بعض المسؤولين إلى القيمة والعظمة وأبعاد التأثير لهذه المؤسسة المصيرية، ونظر بعضهم إليها على أنها مزعجة أو مجموعة مُستهلِكة. أقول هذه [الأمور] لأنَّني سمعت كلاماً من الأشخاص ذاتهم. كانوا يقولون لي -أنا العبد-: افترضوا مثلاً أنَّ المقدار الفلاني من ميزانية البلاد يُنفق على التربية والتعليم، فما نتيجته؟ نتيجته «التعهيد»[2]، وسأتحدث الآن عن «التعهيد». أي كانوا ينظرون إلى [مؤسسة] التربية والتعليم على أنَّها مزاحمة، ومن ثَمَّ من الواضح كيف ستكون نتيجتها (النظرة).
في رأيي -أنا العبد- إنَّ تجاوز العقبات الشاقّة للتطور -نحن نسعى خلف التقدم الشامل للبلاد، ويوجد في هذه المسيرة عقبات صعبة- غير ممكن دون مساعدة التربية والتعليم. يسمع المرء اليوم من أفواه الخبراء والمتخصصين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل حتى السياسية أنه حينما يُبحَث حول المشكلات الأساسية والعقد الصعبة للبلاد يبحثون عن علاج المسألة في المدرسة. فمثلاً لو كنّا قد اعتنينا قبل عشرين عاماً أو خمسة وعشرين بالمدرسة، ما كانت المشكلة الفلانية اليوم. المتخصصون يقولون هذا، وكذلك الخبراء، وهذا صحيح. هذه النظرة صحيحة بالكامل. حل المسألة يكون في إصلاح المدرسة، والتخطيط الصحيح للمدرسة وللشباب واليافعين. هذه حقيقة قائمة. الطبيعي أنَّه يتعيَّن أن تكون النظرة إلى التربية والتعليم على هذا النحو. لو كانت هذه النظرة، فثمة أمل أن يُخطَّط على هذا الأساس، وإذا ما خُطِّط وكان هناك همَّة، فكما قلت: هو عمل سيُنجَز، أي ما مِنْ أمر مُحال لدينا. كلها [أمور] يمكن تحقيقها. غاية الأمر أنَّه أولاً يجب أن تكون النظرة صائبة، ثم تتبعها أيضاً الهمّة والمثابرة. إذن، مسألتنا الأولى هي إدراك الأهمية لمؤسسة التربية والتعليم المصيرية. على الجميع أن يعلموا هذا: الناس كما التربية والتعليم نفسها وبالطبع مسؤولي البلاد، أي صناع القرار ومتّخذي القرارات في السلطة التشريعية وعموماً في السلطة التنفيذية. عليهم أن يعلموا كم هي كبيرة أهمية هذه المؤسسة!
ثمة نقطة مهمة وغالباً ما يتم تجاوزها في التربية والتعليم لدينا ولا يُلتَفت إليها، ألا وهي موضوع ثبات الإدارة. نحن نعاني في مؤسسة بهذه العظمة والأهمية من فقدان الثبات. قال:
كل من جاء شيَّد بناءً جديداً ثم ذهب وفوَّض المنزل إلى آخر[3]
يأتي أحد فيطرح برنامجاً، ويبدأ بعمل ما، ويُترك غير مُكتمل بذهابه، ويأتي آخر. قدّموا إليّ تقريراً هنا -بالطبع يمكنني -أنا العبد- أن أدرك ذلك، غير أنّه جاء أيضاً في التقارير- أننا شَهِدنا منذ 1392 ش [2013م] إلى الآن، أي عشر سنوات، خمسة وزراء وأربعة مشرفين على التربية والتعليم! هذا أمر غريب وعجيب للغاية. ففي وزاراتنا الأخرى، كالخارجية أو الجهاد الزراعي، يبقى وزير في حكومتين سبعة أعوام إلى ثمانية، وأحياناً أكثر، فلمَ يوجد مثل هذا الغياب للاستقرار على صعيد الإدارة في التربية والتعليم؟ التفتوا؛ إنَّ النشاطات كافة ذات المردود المتأخِّر تحتاج إلى ثبات في الإدارة، ومن ضمنها التربية والتعليم التي يُعطي نشاطها -بطبيعة الحال- مردوده في وقت متأخر جداً. فأنتم الذين تخطِّطون اليوم لهذا اليافع يتعين أن يظهر أثر ذلك بعد عشرين عاماً أخرى مثلاً أو ثلاثين. هذه [أمور] تحتاج إلى ثبات في الإدارة. فبطبيعة الحال، وعندما يتغير الوزير، يتغير معه أيضاً كثيرون آخرون: يتغير المعاونون، يتغير المديرون، يتغير المديرون المتوسطون. حتى إنني سمعت أنه أحياناً يتغير مثلاً إلى مستوى مدير المدرسة بتناوب الوزراء! هذه أيضاً نقطة.
مسألة أخرى في موضوع التربية والتعليم -إنَّ هذه أيضاً من أكثر النقاط المتعلقة بالتربية والتعليم أساسيّةً- هي مسألة تناسب نظام التربية والتعليم ونظام هيكلية التربية والتعليم مع احتياجات البلاد أو فقدان التناسب. فإلى أيِّ مدى يتطابق هيكل التربية والتعليم لدينا -مثلاً وضع تصنيف الابتدائية والثانوية أو تخطيط المناطق [التعليمية] وما شابه- وكذلك التنظيم الدراسي والعلمي لهذه المؤسسة العظيمة مع احتياجات البلاد؟ هذه ضمن تلك الموضوعات المهمة للغاية. يتعيَّن على كبار المسؤولين الثقافيين في البلاد، خاصة في التربية والتعليم نفسها، أن يفكروا في هذا. بالطبع، في «المجلس الأعلى للثورة الثقافية» أيضاً يتعيّن عليهم أن يُفكِّروا، وعلى هذا المجلس الأعلى أن يفكر في الأمر، وأيضاً على المديرين التنفيذيين للتربية والتعليم أن يفكروا. ما الذي نحتاج إليه في البلاد، وماذا نعلِّم الآن هذا اليافع لدينا؟ هل سيكون نافعاً لِغَده؟ بالطبع إنّ البلاد تحتاج إلى الطاقات المفكِّرة والعالمة، لكن ماذا عن القوى العاملة؟ أليست بحاجة؟ فبمقدار الحاجة نفسها إلى الطاقات التي أداتها الفكر هناك حاجة أيضاً على مستوى البلاد وفي القطاعات كافة إلى السواعد التي أداتها العمل، فكيف نُنَظِّم هذا؟ فكما نحن بحاجة إلى البرمجيات نحنُ بحاجة إلى المعدَّات.
الآن، هل نسبة هذه [المناهج] التعليمية العامة السائدة في ثانوياتنا إلى نسبة التعليم المهني والحرفي متعادلة؟ لَكَم أوصيت -أنا العبد- في المراحل السابقة بشأن التدريبات المهنية والحرفية![4] حسناً، لقد قال الآن إنها تزايدت نوعاً ما، لكن يجب أنْ تكون النسبة متعادلة. أو مثلاً: هل تُدرَّب القوى العاملة الماهرة في نظامنا للتربية والتعليم؟ المهارة في العمل هي في أنواع الخدمات الضرورية في الإنتاج وما شابه. وعليه، يتعين على التربية والتعليم أن تفكر في هذه [المسائل] أو هذا المسار الحالي لثانوياتنا. هذا المسار هو نحو الجامعة، أي المسار الموجود الآن هو ممرٌّ من الابتدائية والثانوية نحو الجامعة، فهل هذا ضروري؟ هل حقّاً يتعيّن على الجميع أن يأتوا على هذا المنوال ويعبُروا ويذهبوا نحو الجامعة؟ هل هذا ضروري؟ أساساً هل يعود هذا بفائدة على البلاد؟ قلتُ قبل بضعة أيام من الآن في حشد من العمال الأعزاء الذين كانوا هنا[5] -أظنّ أنِّي قلته هناك- إنَّنا نحوّل عدداً كبيراً من حاملي شهادة الثانوية إلى حائزي إجازات أو ماجستير متعطلين عن العمل وساخطين ومعترضين. كذلك لهم الحق، فقد درس هذه الدراسة كلها ولا يوجد عمل يناسب دراسته. ينبغي حقيقةً التفكير في هؤلاء ولحاظ أمرهم.
هل نوزع مواردنا الإنسانية التي هي أكثر قيمة من الموارد المادية بطريقة صحيحة؟ الطبيعي أنّ مواردنا الإنسانية هي هؤلاء اليافعون، وشباننا هؤلاء، فهل توزيعهم في الفروع التعليمية المختلفة توزيع صحيح؟ هذه أمور مهمة. ففي النهاية، ينبغي أن تكون السياسة الأساسية في التربية والتعليم هي فائدة [مناهج] التعليم لمستقبل البلاد. فما الذي نحتاج إليه غداً في البلاد؟ علينا أنْ نفكر في هذا. في زمن ما، قبل بضع سنوات، كان يقول أحد الأصدقاء، الذي كان [يعمل] في مجالات التعليم هذه وما إلى ذلك: بناء إلى نسبة عدد السكان لدينا في بلادنا مهندسون أكثر من أميركا! ما الأمر الذي يعمل عليه أولئك أكثر؟ [يعملون] على العلوم الإنسانية، لماذا؟ لأنّ ما يُدير العالم هو العلوم الإنسانية والسياسة والإدارة. هذه هي الأمور [التي تتعلق] بالمجتمع. هذه الأمور التي تتقدَّم بسياسات العالم ونشاطاته وتديرها، فهم يركزون أكثر عليها. لا أريد الآن أن أوصي بهذا، ولا أن أقول إن علينا صدّ الهندسة، أو مثلاً ماذا نريد أن نفعل بشأن العلوم الإنسانية. لا، يجب لحاظ هذا، وهو: ما الذي تحتاجه البلاد اليوم وغداً، ولأي شيء علينا تربية هذا الشاب؟ العلم النافع هو الذي يكون نافعاً لمستقبل البلاد. يجب أن يكون هذا ضمن أكثر الهواجس لدى مسؤولي التربية والتعليم أساسيّةً. هذه أيضاً مسألة.
نقطة أخرى هي قضية التحوُّل في التربية والتعليم، وقضية «وثيقة التحوُّل» هذه[6] التي جرى في نهاية المطاف وبعد مدة طويلة إعدادها وتحضيرها مع تأخير. حول وثيقة التحوُّل، قلت مراراً في السنوات الماضية وأيضاً حينما كان لدينا لقاء[7] كما يتعيَّن عليَّ أن أقول ثانيّةً: على كل حال ثمة أمل الآن في أن يكون هناك همّة في المجموعة -إن شاء الله- لينهضوا بهذه الأعمال. أولاً يجب دائماً تحديث «وثيقة التحوُّل». صحيح أنَّ «وثيقة التحوُّل» قد أُعِدَّت، وهي أيضاً وثيقة جيدة، لكنها ليست آية قرآنية. ليس المطلوب منهم صياغتها كل يوم بطريقة ما، لكن يتعين على الخبراء تحديثها وتكميلها.
ثانياً ثمة حاجة إلى خريطة طريق من أجل تنفيذ «وثيقة التحوُّل». لم تُنظَّم إلى الآن هذه الخريطة، أي ليس عندي -أنا العبد- علم بحدوث ذلك، وكذلك هذا هو ما قدّموه من تقرير. لم تُعد خريطة الطريق من أجل تنفيذ «وثيقة التحول». ومن أجل هذا أيضاً، لا أثر للوثيقة على أرض [الواقع في] المدرسة. «وثيقة التحول» شيء جيد، وتتضمن كلاماً جيداً للغاية، لكن المرء لا يرى في الواقع وبيئة التربية والتعليم أثراً وعلامةً عليها. هذا لأنَّه لم تُحضَّر خريطة الطريق. إذن، وبناء عليه، النقطة التالية حول «وثيقة التحوُّل» هي أنّه ينبغي إعداد خريطة طريق لها والتخطيط من أجلها.
النقطة الثالثة أنّ خطّة المسار هذه لا بدّ أن تحظى بدعم الحكومة و«مجلس الشورى»، وأن يُساعد على إنجازها. فإذا جلسوا في التربية والتعليم وتباحثوا مع أصحاب الرأي وتشاركوا الأفكار، وجهّزوا في نهاية المطاف خطّة مسار من أجل تنفيذ «وثيقة التحوّل»، ثمّ بدأت المشكلات تتوالى عند وضعهم الموازنة، وبدأ خلق المشكلات في الحكومة وتوجيه الانتقادات في المجلس، فإنّها لن تبلغ أيّ مبلغ. لا بدّ للحكومة و«مجلس الشورى» أن يقدّما الدعم.
الأمر الآخر هو ألّا ينشؤوا بديلاً ومنافساً لـ«وثيقة التحوّل». إنها وثيقة متقنة ومحكمة وجيّدة، فلا ينبغي أن تظهر من زاوية أخرى وثيقة ثانية من أجل التحوّل فتجعل الجميع في حيرة من أمرهم: ماذا نفعل وماذا لا.كذلك في خطّة المسار هذه التي أشرت إليها لا بدّ أن تتوفّر مؤشرات قابلة للقياس. حسناً، عادة ما تكون المؤشّرات القابلة للقياس مؤشّرات كميّة، لكن قد لا يكون قياس المؤشّر الكمي متاحاً في بعض الحالات وتكون الكيفيّة نفسها قابلة للقياس، أي فليحدّدوا مؤشّرات لها ثمّ ليجرِ رصد التربية والتعليم باستمرار ليُنظر في تحقّقها وحدوث تقدّم في هذا المسار أو العكس. هذه أمور ضروريّة، فلا يكفي مجرّد إعدادنا وثيقة معيّنة. حسناً، سمعت، وقد قال جنابه[8] أيضاً، إنه جرى بعد أحد عشر عاماً تعيين خطّ منفصل في الميزانية من أجل تطبيق الوظيفة. ممتاز ومبارك، إن شاء الله! سيكون جيّداً [لو] تحقق هذا وتقدّمت الأمور، إن شاء الله. هذه أيضاً نقطة بشأن التربية والتعليم.
الموضوع المهمّ الآخر في قضايا التربية التعليم هو جذب المعلمين، وهذا أمرٌ مصيري حقّاً. نحن اليوم نواجه نقصاً في المعلّمين الأكفاء والملتزمين. هناك كثيرون من المعلّمين في أنحاء العالم الذين يبذلون من أنفسهم، ولا شكّ في هذا. نحن على علم واطّلاع، لكن نحن على علم بهذا النقص أيضاً. إننا نعاني من النقص، وهذا سببه أيضاً أنّه لم يجرِ توقّعه في السابق. لاحظوا! هذا أحد النماذج على قولي: «الأعمال الطويلة الأمد»، ولم يجرِ توقّعه في المستقبل. حتى عندما كان من المقرر تأسيس جامعة «فرهنكَيان»، كان بعض الأشخاص يقولون: لا طائل من هذه الجامعة ولا يمكنها تحقيق أيّ إنجاز. حسناً، كان تقدّم الجامعة جيّداً -بفضل الله- رغم أن إمكاناتها قليلة. سيبقى قليلاً أيضاً حتى لو تضاعفت إمكانات جامعة «فرهنكَيان». نحن نحتاج إلى أن تتضاعف إمكاناتها وبناها التحتيّة وتجري مساعدتها بصورة حقيقية. هذا هو الحلّ: لا بدّ أن نستثمر. إذا كانت الحاجة إلى المعلّم الكفؤ والملتزم والمسؤول أمراً مقبولاً -هي أمرٌ حتمي ولا مناص من قبولها، أي لا بدّ للجميع أن يقبلوا الحاجة إلى المعلّم- فهذا الاستثمار ضروري ويحتاج إلى بذل الجهود. لا بدّ من تعزيز الأجهزة الخاصّة بتربية المعلّمين، ومن أهمها «فرهنكَيان»، لكي يتمكّنوا من دفع الأعمال إلى الأمام. تجب تقوية بناهم التحتيّة ومضاعفة إمكاناتهم كذلك.
طبعاً، وإضافة إلى هذا الأمر، لا بدّ من رصد جدارة المعلّم على المستوى الاحترافي وكذلك كفاءته على المستوى العام طوال الخدمة، أي لا أهميّة [للرصد] في بداية العمل. من المهمّ ذلك في بداية العمل لكن استمراره مهمٌّ أيضاً. السبيل إلى ذلك ألّا نخفض معايير التوظيف. حسناً، هناك بعض الصعوبات، والاختيار ضمن إطار الضوابط صعب بعض الشيء، [لكن] فليمنعوا أن تؤدي هذه الصعوبة إلى تخفيض المعايير.
لا بدّ من الاستفادة أيضاً من المعلّمين المجرّبين المؤمنين القدامى أيضاً. كنت أعرف معلّماً مارس التعليم قرابة سبعين سنة وبإخلاص، هل هذه مزحة؟ التحق برحمة الباري المتعالي في عمر التسعين ونيّف، ولم يكن يترك المدرسة حتى أواخر العمر، ولعلّه لم يتركها حتى آخر العمر أيضاً. كان يذهب إلى المدرسة ويعود. هؤلاء ذوو قيمة كبيرة. إنّ تدريسه كلمة أيضاً في المدرسة والتعامل مع عدد من التلاميذ له قيمة، فلتحافظوا على هذه الأمور.
هناك موضوعٌ آخر مهمٌّ أيضاً، وهو قضيّة الكتب الدراسيّة. حسناً، جرى تقديم كثير من التوصيات خلال هذه الأعوام في هذا المجال، وكان لها تأثيراتها أيضاً، وجرى إنجاز أعمال جيّدة في الكتب كذلك. لكن ما يتوقّعه المرء من الكتاب الدراسي هو وجوب أن يكون هذا الكتاب مليئاً بالأمور المحفّزة للجيل الشاب، أي لا بدّ أن يثير الكتاب الدراسي الحماسة لدى جيل الشباب عندما يقرؤونه. لا فرق في نوع الكتاب الذي يؤلّف في أيّ اختصاص، سواء في اختصاصات العلوم الإنسانيّة أو العلوم الرياضيّة أو الطبيعيّة، فلا بدّ أن يكون نوع الكتاب على نحو يثير الحماسة لدى التلميذ.
فلتُدرج المفاهيم الإسلامية في الكتب. كما سبق أن قلت، يمكن لهذه الأمور أن تُدرج في الاختصاصات الدراسية كافة لكن بما يتناسب معها، ففي كتب العلوم الإنسانيّة بطريقة، وفي كتب اختصاص العلوم الطبيعية بطريقة مختلفة. لكن يُمكن لها أن تُدرج، سواء أكانت المفاهيم الإسلاميّة أم المفاخر الإسلاميّة والإيرانيّة. فليجرِ التعريف بالمفاخر الإيرانيّة في الكتب العلميّة. كنا يوماً ما روّاد العلم في أرجاء العالم. لقد سمعت من أشخاص مطّلعين قولهم إنّه حتى الأعوام السابقة -عشرة أعوام أو عشرين أو ثلاثين على سبيل المثال، ولا أقدر على التحديد بدقّة- كان كتاب القانون لابن سينا مطروحاً في المراكز العلميّة المهمّة في أوروبا وجرت ترجمته. حينذاك وعندما أخبروني بهذا، كان القانون الذي دوّنه ابن سينا بالعربيّة لم يُترجم بعد إلى الفارسيّة، مع أنه جرت ترجمته إلى اللغات الأوروبيّة والإنكليزية والفرنسيّة. ثمّ تُرجم في ما بعد طبعاً. تكبّد مترجمٌ[9] مميّزٌ للغاية العناء وتمّت ترجمة القانون ترجمة مميّزة جدّاً للحقّ والإنصاف، وأنا أملك نسخة منها. إنّ الأمر على هذا النحو، فلنعرّف شبابنا إلى المفاخر والاكتشافات العلميّة لهؤلاء. لقد أنجز الإيرانيّون أعمالاً عظيمة خلال التاريخ العلمي للعالم، فلنحدّث شبابنا عنها فهي تشجّعهم وتبثّ الحماسة فيهم.
طبعاً، لا بدّ أن يكون أسلوب تأليف الكتب جذّاباً وعصريّاً وإبداعيّاً أيضاً. حسناً، إنّهم يقولون إنّ العصر تبدّل ويتبدّل -أوافق على هذا الأمر أيضاً- ومقصود بعض الأشخاص من تغيرات العصر هو تغيير الأسس، لكن الأسس لا تتغيّر. أصل العدالة كان منذ بداية العالم حتى اليوم قائماً بصفته أصلاً معتداً به، وذاك [الأساس] لا يتغيّر. كذلك أصل الإنصاف والمحبّة لا يشهدان التغيير. إنما ما يعلوها من بنيان هي القابلة للتغيير. إحداها هذه: أساليب ارتداء الأزياء والدراسة وتأليف الكتب وتدوين المقالات وإنشاد الأشعار... هذه الأمور تتغيّر. دوّنوا الكتب بأساليب جديدة.
هناك موضوعٌ آخر -أشرت إليه سابقاً- هو «التعهيد». هذا التفكير كان سائداً في السابق لدى بعض مسؤولي البلاد: أن نقدم على فصل التربية والتعليم عن الحكومة ونسلّمها للقطاعات الخاصّة ونزيح هذه النفقات والموازنة الثقيلة عن كاهل التربية والتعليم. سلمت أيديهم! إنّها فكرة جيّدة للقضاء على البلاد. شأن التربية والتعليم شأنٌ حكومي ولا يمكن لأي نظام أن يستبعد هذا الشأن، ولا يمكن فصله عن النظام. إنّ التربية والتعليم في البلاد في عهدة النظام الحاكم هذا البلد، وهكذا الحال في العالم كلّه أيضاً. هناك استثناءات في بعض الحالات مثل هذه المدارس «الخاصّة» كما هو مصطلح، الموجودة اليوم في البلاد. هذه حالات استثنائيّة. إنّ عمل التربية والتعليم وإدارة التربية والتعليم [عملٌ حكومي]، وهذا ما صرّح به دستورنا بكلّ صراحة. عليه، لا معنى لقضيّة تسليم الأمور للخارج، فهذا من شؤون الجهاز الحاكم ولا يمكن تسليمه. هذه نقطة أيضاً.
حول هذه القضيّة -كون الشأن حكوميّاً- أرغب في عرض نقطتين فرعيّتين، وبالطبع هاتان النقطتان مهمّتان أيضاً. إحداهما مسألة المدارس الحكومية. تقوية هذه المدارس مهمّة. لا ينبغي أن يكون الأمر في البلاد على هذا النحو: حين يُقال «مدرسة حكوميّة» يكون أوّل ما يتبادر إلى ذهن المرء ضعف المدرسة. يجب ألا يكون الأمر كذلك. المعلّمون والمربّون الجيّدون والمربّون التربويّون الجيّدون والمعلّمون الملتزمون والأجواء التعليمية المقبولة لا بدّ أن تكون حاضرة في المدارس الحكومية. هذا في ما يخصّ الموضوع الأول. عندما نقلل من اهتمامنا بالمدرسة الحكوميّة، يعني هذا أن لو كانت القدرة المالية لأحدهم لا تسمح بالتسجيل في تلك المدرسة التي تتقاضى الأجور سيكون مضطرّاً إلى التسليم بالضعف، وهو يعني أن من يفتقر إلى القدرة الماليّة يفقد القدرة العلميّة أيضاً. هذا انعدام تامّ للعدالة، وانعدام العدالة هذا ليس مقبولاً أبداً. إذاً، إحدى القضايا أنّه لا بدّ أن تتمتّع المدرسة الحكوميّة بالتعليم الجيّد والمعلّم الجيّد والأجواء التعليميّة الجيّدة.
النقطة الثانية هي المدارس غير الحكوميّة. طبعاً إنّ بعض المدارس غير الحكوميّة لديها حقّاً إبداعات لافتة وهي تنجز أعمالاً مميّزة جدّاً ولا بدّ من الاستفادة من إبداعاتها، لكن يجب أيضاً الإشراف على مجموع المدارس غير الحكوميّة أيضاً. ينبغي ألّا ترى التربية والتعليم نفسها غير مسؤولة عن الإشراف على هذه المدارس. طبعاً، لقد قلت إنّ هذا لا يعني تجاهل إبداعاتها والأعمال الجديدة التي تقدمها بعض هذه المدارس، أو أن يجري منعها. ليس هذا المقصود.
القضيّة الأخرى والمهمّة جدّاً هي الشؤون التربويّة. حسناً، تناهى إلى سمعي أنّه جرى ويجري في لجنة التربية والتعليم إيلاء اهتمام خاص بقضيّة الأمور التربويّة -هذه طبعاً قضيّة مغتنمة ولا بدّ أن نشكرهم- لكن لا بدّ أن تُشاهد هذه البرامج التربويّة في المدرسة. لا يُلاحظ في المدارس وجودٌ كبير [للبرامج التربويّة]، وقد تكون في بعض الأماكن والمدارس. يجب أن تمتدّ الشؤون التربويّة داخل المدارس. لا يوجد معاون تربوي ومسؤول تربوي في كثير من المدارس، فلا بدّ من توفير هذا الأمر حتماً. لقد أطلعوني في إحدى التقارير على نسبة مئويّة مرتفعة لكنني لن أذكرها لأنني لست مطّلعاً بدقّة على هذا. على أيّ حال، ليس لدى كثير من المدارس معاون تربوي.
لديّ ملاحظة أخرى بشأن القضايا التربوية: لا بد أن يكون العمل التربوي جذّاباً، وينبغي ألا يُهرّب الأطفال بل أن يكون على نحو يجذبهم إليه. إنّ تقوية الهويّة الوطنيّة والحبّ للوطن والراية الوطنيّة وتعليم نمط العيش الإسلامي والإيراني في عداد أكثر الأعمال الأساسيّة والواجب أن تتم.
يغمرنا الأمل تجاه مستقبل التربية والتعليم وسيساعدنا الله المتعالي -إن شاء الله- وأنتم -أيها المعلّمون المحترمون- قادرون على إنجاز أعمال عظيمة. أسأل الله أن يتّضح ما ستؤول إليه إدارة التربية والتعليم في أقرب وقت وأن ينهمك مسؤولو التربية والتعليم بالعمل بكلّ صلابة وقوّة ويدفعوا العمل إلى الأمام، إن شاء الله. أحيّي أرواح شهداء التربية والتعليم ويحذوني الأمل أن يُلحقنا الله المتعالي بهم أيضاً وأن يُرضي عنا وعنكم جميعاً القلب المقدّس لصاحب العصر والزمان (عج) وكذلك الروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم المشرف على وزارة التربية والتعليم، السيد صحرائي، تقريراً عن فعاليات العام الماضي والخطط المستقبلية لهذه الوزارة.
[2] يسمى أيضاً التعاقد الخارجي، ويعني تلزيم العمل لجهات من خارج المؤسسة أو الوزارة.
[3] هر که آمد عمارتی نو ساخت رفت و منزل به دیگری پرداخت
سعدي، روضة الأزهار، المقدمة.
[4] من ضمنها كلمته في لقاء وزير التربية والتعليم والمعاونين والمديرين العامِّين، بتاريخ 15/01/1992م.
[5] كلمته في لقاء العمال، بتاريخ 29/04/2023م.
[6] «وثيقة التحول البنيوي للتربية والتعليم».
[7] من ضمن ذلك كلمته في لقاء المعلمين، بتاريخ 11/05/2022م.
[8] المشرف على وزارة التربية والتعليم.
[9] السيد عبد الرحمن شرفكندي.