طوبى لمَن عمِلَ صالحاً
شوال
بعدَ أنِ انقضتْ أيّامُ شهرِ رمضان، شهرِ القرباتِ إلى اللهِ عزَّ وجلّ، يقفُ المؤمنُ بطمأنينةٍ أمامَ ما أدّاهُ في شهرِه هذا، ولكنْ ما ينبغي للمؤمنِ هو المواظبةُ والاستمرارُ في العملِ الصالح،
عدد الزوار: 323قالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾[1].
بعدَ أنِ انقضتْ أيّامُ شهرِ رمضان، شهرِ القرباتِ إلى اللهِ عزَّ وجلّ، يقفُ المؤمنُ بطمأنينةٍ أمامَ ما أدّاهُ في شهرِه هذا، ولكنْ ما ينبغي للمؤمنِ هو المواظبةُ والاستمرارُ في العملِ الصالح، وهو قرينُ الإيمانِ في الآياتِ المباركة، وكما وردَ أنَّه في يومِ القيامة، وعندما يخرجُ النداءُ للناسِ، ينادَون بأعمالِهم، فينادَون: «يا أصحابَ الصبر، يا أصحابَ الإيمان»، فعَنِ الإمام الصادقِ (عليه السلام): «دعا اللهُ الناسَ في الدنيا بآبائِهم ليتعارفوا، وفي الآخرةِ بأعمالِهم ليُجازَوا، فقال: ﴿يَا أيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا﴾، ﴿يَا أيُّهَا الَذِينَ كَفَرُوا﴾»[2].
فهذِهِ الدارُ؛ أي دارُ الدنيا، هي دارُ العمل، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «فاعملوا، والعملُ يُرفَع، والتوبةُ تنفع، والدعاءُ يُسمَع، والحالُ هادئة، والأقلامُ جارية...» [3].
وغايةُ العملِ لا تنتهي في يومِ الفِطر، بلْ دارُ الدنيا كلُّها عمل، فواظِبُوا -عبادَ اللهِ- على عملٍ صالحٍ ولو كانَ قليلاً، فعَنِ الإمام عليٍّ (عليه السلام): «المُداوَمَةَ المُداوَمَةَ! فإنَّ اللَّهَ لَم يَجعَلْ لِعَمَلِ المُؤمِنينَ غايَةً إلّا المَوتَ»[4].
ولذلكَ، فلتبدأِ المداوَمةَ مِنْ يومِنا هذا، فعَنِ الإمام الصادقِ (عليه السلام): «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلى عَمَلٍ، فَلْيَدُمْ عَلَيْهِ سَنَةً، ثُمَّ يَتَحَوَّلْ عَنْهُ إِنْ شَاءَ إِلى غَيْرِهِ؛ وَذلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَكُونُ فِيهَا فِي عَامِهِ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ»[5].
ويُعلِّمُنا الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) طريقةً للمداوَمةِ على العملِ الصالح، وهي أنْ تأخذَ على نَفْسِكَ أنْ تداوِمَ على عمل، فإنْ لمْ تقدِرْ عليه في وقتِهِ، تداركْتَهُ بعدَ ذلك، فقدْ كانَ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) يقول: «إنِّي أُحِبُّ أنْ أدومَ على العملِ إذا عوَّدَتْنِي نفسي، وإنْ فاتَني مِنَ الليلِ قضيتُه مِنَ النهار، وإنْ فاتَني مِنَ النهارِ قضيتُه بالليل، وإنَّ أَحَبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دِيْمَ عليها»[6].
والوعدُ الإلهيُّ لأصحابِ العملِ هو طوبى، ﴿طوبى لهم﴾؛ أي فَرَحٌ لهُم، وقرَّةُ عَين، غِبطَةٌ لهُم، خيرٌ لهُم وكرامة، الجنَّةُ لهُم، العيشُ المُطَيَّبُ لهُم، دوامُ الخيرِ لهُم، والأعظمُ مِنْ ذلكَ كلِّهِ: طوبى شجرةٌ في الجنَّةِ، أصلُها في دارِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، وفي دارِ كلِّ مؤمنٍ منها غُصْن، يقولُ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام): «ألَا في هذا فارغَبُوا. إنَّ المؤمنَ، نَفْسُه مِنْهُ في شُغُل، وَالنّاسُ مِنْهُ فى رَاحَةٍ، إذا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، فَرَشَ وَجْهَهُ، وَسَجَدَ لِلّهِ بِمَكارِمِ بَدَنِهِ، يُناجِي الَّذي خَلَقَهُ في فَكاكِ رَقَبَتِهِ؛ ألَا فَهكَذا كونوا»[7].
وفي دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في وَداعِ شهرِ رمضان: «وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مَقَامَ حَمْد، وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ، وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وَدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا، وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الأكْبَرَ، وَيَا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ؛ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَـا أكْرَمَ مَصْحُـوبٍ مِنَ الأوْقَاتِ، وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي الأيَّامِ وَالسَّاعَاتِ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الرعد، الآية 29.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص208.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص351، الخطبة 230.
[4] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج1، ص130.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص82.
[6] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج1، ص129.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص240.
[8] الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص198، الدعاء 45، من دعائه (عليه السلام) في وداع شهر رمضان.