يتم التحميل...

هل من سبيل لعلاج مرض حب الدنيا؟

بحوث أخلاقية

عندما يكون قلب الإنسان مختلطاً بحب الدنيا، وليس له مقصدٌ ولا مقصودٌ غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحب مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان:

عدد الزوار: 677

عندما يكون قلب الإنسان مختلطاً بحب الدنيا، وليس له مقصدٌ ولا مقصودٌ غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحب مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان:

أ- العلم النافع:
التفكّر في ثمرات هذا المرض الذي هو مصدر الأمراض والمفاسد الأخلاقية، وفي نتائجه والمقارنة بينها وبين مضارّه ومهالكه الحاصلة منه. فكم هي محدودةٌ ومحكومةٌ بالفناء والزوال الفوائد الدنيوية التي قد يجنيها الإنسان المحب للدنيا؟ في مقابل ما يسببه حبّها من ضررٍ له!! ويكفي لتبيان فداحة هذا الضرر ما ورد في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: "رأس كل خطيئة حب الدنيا"[1].
 
فيكفي لهذه الخطيئة العظيمة المهلكة أنها منبع جميع الخطايا وأساس جميع المفاسد. فبقليلٍ من التأمّل يدرك الإنسان أن جميع المفاسد الخُلقية والعملية توشك أن تكون من ثمرات هذه الشجرة الخبيثة. فما يحدث في هذه الدنيا من فسادٍ كالقتل والنهب والظلم والفجور والفحشاء والسرقة، إلا وهو بواسطة هذه الموبقة العظيمة. كما أن الفقر والذلّة والطمع والحرص والاستعباد والتملّق والبغض والحقد والجور وقطع الرحم والنفاق وسائر الأخلاق الفاسدة وليدة أم الأمراض هذه.
 
وحب الدنيا مانعٌ من الفضائل المعنوية، فالشجاعة والعفّة والسخاء والعدالة وطمأنينة النفس وسكون الخاطر وسلامة القلب والكرامة والحرية وعزّة النفس، وكذلك المعارف الإلهية والتوحيد في الأسماء والصفات والأفعال والذات وطلب الحق ورؤية الحق، جميعها متضادّةٌ مع حب الدنيا.
 
فعن الإمام الصادق عليه السلام "الدنيا بمنزلة صورةٍ رأسها الكبر وعينها الحرص وأذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وكونها الفناء وحاصلها الزوال، فمن أحبّها أورثته الكبر، ومن استحسنها أورثته الحرص، ومن طلبها أوردته إلى الطمع، ومن مدحها ألبسته الرياء، ومن أرادها مكّنته من العجب، ومن اطمأنّ إليها أولته الغفلة، ومن أعجبته متاعها أفنته، ومن جمعها وبخل بها ردّته إلى مستقرّها وهي النار"[2].
 
والأحاديث في ذمّ حب الدنيا كثيرةٌ، فإذا ما أدرك المُبتلى به هول مخاطره، عليه أن ينهض بهمّةٍ ليعمل على اقتلاع جذور هذا الحب من قلبه بالعمل النافع.

ب- العمل النافع:
إن طريق علاج حب الدنيا هو مبدأ العمل بالضدّ. فكلّ محبٍّ للدنيا لديه نمطٌ من التعلّق بها، فالبعض يحبّ المال والثروة وتكديس الخيرات وادّخار النفائس، وعلاج هذا الشخص يكون بأداء الحقوق المالية الشرعية الواجبة وبالصدقة المستحبّة، فيعطي ممّا يحبّ ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[3]. فإن من أسرار الصدقات تقليل التعلّق بالدنيا.
 
وإن كان هذا الأمر ثقيلاً على نفسه بادئ الأمر فليعلم أن السبب هو استحكام حب المال في قلبه، وليستمرّ في إنفاقه حتى يقضي على هذا الحب شيئاً فشيئاً.. وقد يصبح العطاء لديه لذّة كما كانت لذّة التملّك وجمع الأموال.
 
وهكذا، على كلّ إنسان أن يشخّص مورد ابتلائه بحب الدنيا، وفي أيّ الأمور يتجلّى هذا الحب في حياته ويقوم على العمل بخلاف هواه ومضادّة مشتهيات نفسه والثبات على هذه المجاهدة الفترة الكافية من الزمن للتخلّص من أمّ الأمراض هذه واقتلاعها من جذورها، وأن يحرص على مراقبة نفسه دائماً لئلّا يتسلّل هذا المرض الخبيث إليها مجدّداً.[4]
 
روح العبادة – بتصرف يسير، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص315.
[2] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص105.
[3] سورة آل عمران، الآية 92.
[4] راجع الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، المقالة الأولى، الفصل الثامن في بيان حضور القلب.

2023-02-19