كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار
2022
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء تلاميذ المدارس في اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالميّ بتاريخ 02/11/2022م.
عدد الزوار: 211كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء تلاميذ المدارس في اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالميّ بتاريخ 02/11/2022م.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
يا أعزّائي، ويا شبابنا وفِتياننا، أهلاً وسهلاً بكم. لقد أفضتُم على الحسينيّة بالصفاء. إنّ قلوبكم النقية، وأنفسكم المفعمة بالشوق، أين ما كنتم، ومهما يكن المكان الذي تحضرون إليه، تضفي عليه الصفاء وتنيره. لقد أعددت بعض الموضوعات المترابطة وذات الصلة ببعضها بعضاً لأطرحها عليكم اليوم، يا أبنائي الأعزّاء!
الموضوع الأوّل بشأن يوم 13 آبان (4 تشرين الثاني/نوفمبر). حسناً، لقد سمعتم كثيراً: 13 آبان يوم تاريخي. إنّه يوم تاريخي ومكسب للتجربة أيضاً. «تاريخي» تعني أنّ الأحداث التي وقعت في هذا اليوم سيُخلّدها التاريخ، ولا يمكن نسيانها ولا ينبغي ذلك أيضاً. هو «يعلّم التجربة» بسبب هذه الأحداث، إذْ كانت هناك بعض ردود الفعل التي تُعدّ دروساً لنا، ويجب أن تستفيدوا من هذه التجارب من أجل مستقبل البلاد وحياتكم وشعبكم. فالمستقبل لكم، أنتم.
إذاً، هذا اليوم هو يوم مهمّ لنا، لكن الأميركيين يغضبون جدّاً بشأن هذا اليوم. فهو اليوم الذي يغيظ إحياء ذكراه الأميركيين. الآن عندما يُشاهد اجتماعكم هذا، كونوا على يقين أن التوجه الأميركي والأميركيين أنفسهم سيسخطون منه ومن هذا النشيد وأنواع التعاطف هذه، وسوف يغتاظون. لماذا؟ لأن هذا اليوم هو تجسيد لشرور أميركا ولتلقيها ضربة ولقابلية هزيمتها. فأولئك الذين يتصورون أن أميركا قوة لا يمكن المساس بها... إذا نظرنا إلى أحداث هذا اليوم، يتبين أنْ لا؛ إنها هشة تماماً. هذا ما يشكّل تجربة لنا.
حسناً، لقد وقعت ثلاثة أحداث في هذا اليوم، يتعلق بعضها بالأميركيين مباشرة، وبعضها الآخر مرتبط بهم بصورة غير مباشرة. [مثل] نفي الإمام في 13 آبان 1343 (4/11/1964م). لماذا نُفِيَ الإمام؟ لأن ثمة قانوناً صدر في البرلمان بأمر من الشاه - بأمر من محمد رضا -، ووفقاً له يُمنح الأميركيون الذين كانوا في إيران الحصانة. في ذلك الوقت، كان هناك نحو 45000 أميركي في إيران داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية. هؤلاء إذا ارتكبوا أيّ جريمة في إيران، فلا تمكن ملاحقتهم وفق هذا القانون، فأيّ أميركي يسير بسيارة على سبيل المثال ويدهس شخصاً ما، أو يرتكب جريمة، لن يكون للجهاز القضائي في البلاد الحق في ملاحقته! كان قانون الحصانة للأميركيين على هذا النحو. لم يتحمّل الإمام الأمر. ألقى خطاباً مفصلاً - صوت سماحته ونص الخطاب متوفران الآن[1] - ثم بسبب ذلك الخطاب نُفيَ ثلاثة عشر عاماً! طبعاً عندما نقول ثلاثة عشر عاماً، لأنه في نهاية هذه الأعوام الثلاثة عشر حدثت الثورة. لو لم تحدث الثورة، لكان من الممكن أن يستمر هذا المنفى ثلاثين عاماً بسبب الموقف من هذا القانون الحامي لأميركا. هذه حادثة مرتبطة مباشرة بالأميركيين تقريباً.
الحادثة الثانية هي قتل التلاميذ. لقد قتل فتيان من أعماركم أمام جامعة طهران وارتُكبت مجزرة بحقّهم. طبعاً لا يتسنى للمرء ذكرَ عددهم الدقيق لأنه لم تكن هناك مثل هذه الإحصاءات في ذلك الوقت، لكن ثمة عدد - الواحد كثير أيضاً! حتى الواحد كثير! - من فتياننا الأعزاء استُشهدوا أمام جامعة طهران. هذه الحادثة الثانية كانت في 13 آبان أيضاً. حادثة الطلاب هذه كانت عام 1357 (4/11/1978م).
الحادثة الثالثة وقعت بعد عام من تلك الحادثة - بعد انتصار الثورة - وهي هجوم الطلاب الجامعيين على السفارة الأميركية والعثور على وثائق هناك تُثبت المؤامرات الأميركية على الشعب الإيراني، وكانت سبعين مجلداً. أنتم لا تجدون وقتاً لقراءة هذه الكتب! فقلت لوزارة التربية والتعليم ذات مرة أن يدرجوا مضامين تلك المجلّدات في الكتب المدرسية، ولم يفعلوا ذلك، للأسف. تُظهر هذه [الوثائق] ماهية الأفعال التي مارسها الأميركيون والمؤامرات والخيانات التي ارتكبوها خلال وجودهم في إيران، أي منذ 1328 و1329 (1949-1950م).
حسناً، ثمة نقطة هنا: الأميركيون يُقدّمون هذه الحادثة وقضية الهجوم على السفارة الأميركية - حين قالوا إنها «وكر تجسس» كانت كذلك حقّاً، كانت وكراً للتجسس - في تصريحاتهم ودعايتهم ومقابلاتهم، وحتى في المقابلة التي أجروها معي أثناء سفري إلى نيويورك خلال الرئاسة، على أنها بداية التحدي بين الشعب الإيراني وأميركا، ويقولون إن سبب وقوف الأميركيين في وجه الشعب الإيراني هي الخطوة التي فعلتموها في السفارة، أي هاجمتم سفارتنا، فوقع خلاف ونزاع وعداوة بيننا. إنهم يكذبون، فالقضية ليست كذلك. بداية التحدي بين الشعب الإيراني وأميركا هي يوم 28 مرداد 1332 (19/08/1953م). في 28 مرداد، كانت هناك حكومة وطنية في السلطة. كانت حكومة مصدق حكومة وطنية، ومشكلته مع الغربيين قضية النفط فقط. لم يكن [مصدق] «حجة إسلام» ولا من الدعاة للإسلام. كانت [المشكلة] قضية النفط فقط. كان النفط في أيدي البريطانيين، وقال إن النفط يجب أن يكون في أيدينا. هذه جريمته فقط. [حينها] نفّذ الأميركيون انقلاباً، انقلاباً عجيباً وغريباً.
لديّ بعض الأشياء المبهمة في ذهني [بشأن تلك القضية]، فحينذاك كنت في الرابعة عشرة. سوف أشرح ذلك. إنّ الفرق بين عمر 14-15 عاماً في مرحلتنا و14-15 عاماً لفتى اليوم هو كالاختلاف بين الأرض والسماء. أنتم اليوم تفهمون وتحللون القضايا بدقة. لم نكن هكذا في ذلك الزمان. لكننا بالطبع قد قرأنا التاريخ بدقة واطّلعنا على تفاصيله. جلس الأميركيون وتآمروا على مصدق، ورغم تفاؤل مصدق بالأميركيين، إذ كان واثقاً بهم، حتى أنه كان يرغب فيهم ويعتقد أن الحكومة الأميركية ستدعمه مقابل البريطانيين، [لكنهم] طعنوه في الظهر. أرسلوا مأمورهم - كان اسمه كيم روزفلت - إلى إيران ونسقوا مع البريطانيين أيضاً. أرسلوه إلى إيران بحقيبة مليئة بالدولارات. ذهب إلى السفارة البريطانية - حتى إنه لم يذهب إلى السفارة الأميركية - ونسق مع بعض العسكريين الخونة وبعض العناصر التابعة لبريطانيا، وجمعَ البلطجية وقتلوا العسكريين، وقاموا في 28 مرداد على ذلك الانقلاب المشين، واعتقلوا مصدق وكلّ المقربين منه. أعدموا بعضهم في ما بعد، وسجنوا بعضهم سنوات طويلة.
الخلاف بين الشعب الإيراني وأميركا كان منذ «28 مرداد». لماذا نفذتم انقلاباً وأطحتم بحكومة وطنية انتخبها الناس، وأعطيتم النفط الذي كان قد أخرجه من مخالب البريطانيين إلى ائتلافٍ تجاري كان يضم بريطانيا وأميركا ودول أخرى أيضاً؟ إنه «خرجَ من الحفرة، وسقط في البئر»[2]. لقد بدأ نزاعنا مع الأميركيين منذ ذلك اليوم. لذا إن الأميركيين لم يشفقوا على شخص متفائل بأميركا ويميل إلى الأجانب - كان مصدق أجنبي الهوى - من أجل مصالحهم! المصالح التي كانت تلك الأيام هي النفط.
إذاً، كانت هذه البداية. الآن يقول السياسيون الأميركيون بمنتهى النفاق والوقاحة: إننا مع الشعب الإيراني! تسمعون هذا نقلاً عنهم في الأخبار والفضاء المجازي ومواضع أخرى، قولهم: إننا إلى جانب الشعب الإيراني. طبعاً هذا الادعاء وقح للغاية. سؤالي للأميركيين: ما الذي كان يمكن أن تفعلوه ضد الشعب الإيراني في هذه العقود الأربعة على انتصار الثورة ولم تفعلوه؟ أيّ شيء لم يفعلوه كان لأنهم لم يستطيعوا ذلك، ولأنه لم يكن ذا جدوى، فلو استطاعوا، لَفعلوا. لو كان مُجدياً لهم، ولم يكونوا خائفين من الشباب الإيرانيين، لَشنوا حرباً مباشرة كما في العراق. لكنهم خافوا.
لقد فعلوا كل ما استطاعوا: دعموا الجماعات الانفصالية في بداية الثورة. دعموا الانقلاب في قاعدة الشهيد نوجه (نوژه) في همدان[3]. لقد دعم الأميركيون الإرهاب الأعمى للمنافقين الذي أدى إلى استشهاد آلاف من الأشخاص داخل الأزقة والأسواق في البلاد. لقد دعموا صدام المتوحش بالطرق شتى خلال حرب السنوات الثماني: أعطوه السلاح، وقدموا إليه المعلومات، وساعدوه، وأجبروا العرب على دفع الأموال له. هناك معلومات -لست متيقناً منها طبعاً، لكنها معلومات مُحكمة على ما يبدو - تفيد بأنه حتى بداية الحرب كانت بتحريض الأميركيين، وأنهم مَن أجبروا صدام على بدء الحرب التي استمرت ثماني سنوات. لقد أسقطوا طائرة الركاب الخاصة بنا في سماء الخليج الفارسي، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من ثلاثمئة كانوا على متن هذه الطائرة، ثم لم يبدوا أسفهم. أعطوا مكافأة لذاك الجنرال[4] المجرم الذي أطلق النيران على تلك الطائرة. أعطوه وساماً. لقد فعلتم هذه الأمور بحق الشعب الإيراني.
فرضوا حظراً على الشعب الإيراني منذ بداية الثورة. لقد فرضتم في المدة الأخيرة والسنوات القليلة الماضية أشد أنواع الحظر على إيران، وهم أنفسهم قالوا إنه لم يُفرض حظر شبيه في تاريخ أيّ شعب إطلاقاً. لقد دافعتم علناً عن مسببي الفتنة في فتنة 1388 (2009م). قبل ذلك، كتب لي أوباما[5] ذاك: تعالوا لنعمل معاً، فنحن أصدقاء لكم... وبتعبيرنا: صار يحلف بـ«الآيات» أننا لا ننوي الإطاحة بكم. ولكن ما إنْ بدأت فتنة 2009م، بدؤوا دعمها آملين أن تتمكن هذه الفتنة من الوصول إلى نتيجة، وتُركّع الشعب الإيراني، وتلملم بساطَ الجمهورية الإسلامية. لقد تصرفتم مع الشعب الإيراني بتلك الطريقة.
أنتم - الأميركيّين - أعلنتم صراحة أنّكم قتلتم لواءنا الباسل الشهيد سليماني. قتلتموه وتباهيتم بذلك! لقد قلتم [بأنفسكم] إنّكم أصدرتم الأمر. لم يكن الشهيد سليماني مجرّد بطل قومي، كان بطلاً على مستوى المنطقة. لا يتّسع المجال الآن لذكر دور الشهيد سليماني في حلّ مشكلات دول عدّة في المنطقة وأيّ دور عظيم ومنقطع النظير كان ذاك الدور. لقد اغتلتم هذا الرجل العظيم ورفاقه، أي الشهيدَ أبا مهدي المهندس، والآخرين. كما دعمتم قتلة علمائنا النوويّين، فقد اغتال عناصر الصهاينة علماءنا واحداً تلو آخر، وقمتم على دعمهم. لم تكتفوا برفضكم إدانتهم بل دعمتموهم.
لقد احتجزتم المليارات من الدولارات من أموال هذا الشّعب في مختلف الدول. ولو كانت هذه الأموال في متناول يد حكومة خدومة كالحكومة الحاليّة، لاستطاعت إنجاز كثير من الأمور الجيّدة بها. [لكنّ] هؤلاء احتجزوها وأبقوا عليها، وهذه غير تلك الأموال التي احتُجزَت[6] في أميركا نفسها منذ بدايات الثورة. تُمكن رؤية الآثار لأقدام أميركا في غالبيّة الأحداث المعادية لإيران، ثمّ يدّعي هؤلاء: إنّنا الحريصون على الشعب الإيراني! لقد كرّروا قول هذا الأمر أمس: إنّنا الحريصون على الشعب الإيراني! إنهم يقولون محض كذب بمنتهى الوقاحة. طبعاً، هؤلاء مارسوا العداء كثيراً، لكنّ الشعب الإيراني أحبط كثيراً من هذه العداوات رغم أنوفهم. بعض هذه الأحداث لا تزال بيننا ولم ننسها. نحن لن ننسى أبداً استشهاد سليماني. فليعلموا هذا. لقد قلنا كلاماً في هذا الصّدد ونحن عند ذاك الكلام[7]. سيحدث ذلك في وقته ومكانه المناسبين، إن شاء الله.
حسناً، أميركا اليوم هي نفسها أميركا الأمس. أميركا اليوم هي نفسها أميركا في 28 مرداد [1332] (19/8/1953م)، ونفسها أميركا الداعمة لصدّام، ونفسها أميركا طوال الأعوام السابقة، لكن يوجد اختلافٌ أو اثنان مهمّان. لقد اختلفت اختلافاً أو اثنين ولا بدّ لنا من الالتفات إلى هذين الاختلافين. أوّلاً أساليب العداء لديها صارت أكثر تعقيداً. لا بدّ أن نلتفت إلى هذا. العداوات هي نفسها لكنّ أسلوب ممارسة العداء اختلف وصار معقّداً، وليس سهلاً فكّ العُقد، فينبغي توخّي الدقّة والتحلّي باليقظة. طبعاً نحن نثق بشبابنا وأبنائنا وبالقائمين على الأمور لدينا، ونعلم أنّهم قادرون على فكّ هذه العُقد، لكنّها مُعقّدة بطبيعة الحال. هذا اختلاف.
[الاختلاف] الثاني أنّ في ذلك اليوم - 19/8/1953م ومثيلاته من الأيام - إلى بدايات انتصار الثورة الإسلاميّة كانت أميركا القوّة المهيمنة عالميّاً [لكنّها] ليست كذلك اليوم. هذا اختلافٌ مهمّ. لم تعد أميركا اليوم القوّة المسيطرة عالميّاً، وكثيرون من المحلّلين السياسيّين حول العالم يعتقدون بأنّها تسير نحو الأفول وتذوب شيئاً فشيئاً. ليس هذا شيئاً نحن من ندّعيه - طبعاً هذا ما نعتقده أيضاً - لكنّ المحلّلين السياسيّين حول العالم يقولون هذا الأمر، والعلامات على ذلك واضحة: المشكلات الداخليّة لأميركا غير مسبوقة، وهناك أيضاً مشكلاتهم الاقتصاديّة، وكذلك الاجتماعيّة والأخلاقيّة داخل أميركا، وخلافاتهم وانقساماتهم الدمويّة، وأخطاء حساباتهم في القضايا الدوليّة.
هؤلاء [الأميركيّون] هاجموا أفغانستان قبل عشرين سنة - كانت «طالبان» آنذاك على رأس السلطة - من أجل أن يقتلعوا «طالبان» من جذورها، وأنفقوا الأموال، وارتكبوا الجرائم، وتكبّدوا الخسائر البشريّة، وكم قَتَلوا وأمثال هذه الأمور! مكثوا في أفغانستان عشرين سنة ثمّ بعد انقضاء السنوات العشرين سلّموا أفغانستان لـ«طالبان» وخرجوا. ما الذي يعنيه هذا؟ إنه يعني وجود خطأ في الحسابات طبعاً. من الواضح أنّ جهاز الحسابات لدى أميركا ليس جهازاً منظّماً ومرتّباً ودقيقاً. إنهم يسيئون فهم الأمور. يسيئون فهمها ويعملون وفق ذلك بطريقة مخطئة... أو هجومهم على العراق وإخفاقهم. حين ترون اليوم إجراء انتخابات في العراق و[انتخاب] عراقيّ، لم يكن هذا ما كان يتطلّع إليه الأميركيّون. عندما سقط صدّام، عيّن الأميركيّون شخصاً عسكريّاً على رأس السلطة في العراق، ثمّ أدركوا أنّه لن يُفلح الأمر بعسكري، فأزاحوه وعيّنوا مدنيّاً -السيّد بريمر[8]- على رأس السلطة في العراق. فلا بدّ أن يُدير العراق، أي الدولة العراقية، حكومةٌ غير عربيّة وغير عراقيّة؛ حكومة أميركيّة!
حسناً، قلت إن لي كلاماً بشأن قضيّة الحاج قاسم سليماني، وسياق جزءٍ من هذا الكلام يندرج هنا، لكن ليس الآن الوقت المناسب لقوله. هذا ما كانوا يرمون إليه. لم يكونوا ينوون ترك العراق. ثمّ حاولوا الإتيان بعناصرهم ليستلموا السلطة، وباؤوا بالإخفاق الكامل. لقد أخفقوا في العراق وسوريا ولبنان أيضاً. هذا الاتفاق الأخير للبنانيّين مع حكومة الكيان الغاصب بشأن قضيّة الحدود البحريّة ومصادر الغاز وأمثال هذه الأمور كان هزيمة لأميركا، لأنّ الأميركيّين جاؤوا وعيّنوا خطّاً وقالوا: يجب أن يكون الأمر كذا وكذا. [لكن] حزب الله أحبطَها كلّها، فكانت هزيمة لأميركا. إذاً، من الواضح أنّ حساباتهم هي حسابات مخطئة.
حسناً، أحد الأشياء - طبعاً أنا أقول هذا، ويبدو أن هناك آخرين في العالم قد قالوا هذا أيضاً – التي هي في رأيي من علامات انحطاط أميركا وصولُ أشخاص إلى السلطة مثل الرئيسين الحالي[9] والسابق[10]. بلد بتعداد ثلاثمئة مليون أو ثلاثمئة وبضعة ملايين يعصرون أنفسهم فيأتون برئيس مثل ترامب الذي يراه العالم كله مجنوناً! ثم بعدما سقط يأتي شخص مثل هذا، وتعرفون قضاياه[11]! هذا دليل على انحطاط شعب ما، وهو دليل على انحطاط حضارة ما. حسناً، كان هذا بشأن أميركا.
قوى غربية أخرى كثيرة أيضاً تشبه أميركا في هذه الجوانب. الآن لا نريد ذكرَ الأسماء، [لكن] بعض القوى الغربية الأخرى هم أيضاً مثل أميركا في هذا المجال. يعلّمون التخريب عبر وسائل إعلامهم، ويعلّمون إثارة الشغب، وكيفية صنع زجاجات المولوتوف، وكيفية صنع القنابل اليدوية. علامَ تدلّ هذه كلها؟ القضية ليست أنهم يرتكبون جريمة بفعلهم هذا - نعم، هي جريمة بالطبع - لكنها انحطاط، وإنها حقارة. هذا يدل على مستوى الانحطاط الأخلاقي لدى حكومة ما ومجموعة حكومية تتصرف إذاعاتها على هذا النحو.
كان لأميركا دور واضح أيضاً في أعمال الشغب الأخيرة في بلادنا خلال الأسابيع القليلة. هذا البيان الذي أصدرته وزارة الأمن وجهاز الاستخبارات في «حرس الثورة» بيان مهم. إنه طويل، وبعض الأشخاص ليس لديهم جلَدٌ لقراءته. المعلومات والتقارير الواردة فيه كانت عندنا، وهذه معلومات مهمة للغاية - المواضيع كثيرة في هذا المجال - كما أنّ اكتشافات أجهزتنا الأمنية في هذا المجال قيّمة جداً. لقد جلسوا ورسموا وخططوا بشأن طهران والمدن الكبيرة والصغيرة. الآن ظاهر القضية أنه مثلاً نزل جمعٌ من الشباب أو الفتيان إلى الميدان. حسناً، هؤلاء الشباب والفتيان هم أبناؤنا، وليسوا محط نقاشنا. فقد انعكست الحماسة والأحاسيس وقليل من فقدان الدقّة في فهم الأمور على ذاك النحو. كلا! إنما النقاش حول أولئك الذين يُديرون الأمور، فهم دخلوا الميدان بخطة.
ينبغي أن يأخذ الجميع قولي هذا بالاعتبار: إن لديهم خطة. على مسؤولينا أيضاً أن يأخذوا بالاعتبار - لحسن الحظ عناصرنا الأمنية متنبّهون، لكن يجب أن يعلم مسؤولونا السياسيون والاقتصاديون ومختلف المسؤولين أن أولئك دخلوا الميدان بخطة - وعلى الناس وكذلك أنتم الشباب أن تعرفوا أن هؤلاء دخلوا الميدان بخطة، وهي أن يتمكّنوا من جعل الشعب الإيراني إلى جانبهم، وأن يفعلوا ما يجعل عقيدةَ الشعب الإيراني عقيدةَ المسؤولين البريطانيين والأميركيين وأمثال هؤلاء. هذه هي الخطة، وهذا هو المراد. طبعاً الشعب الإيراني صَفَعَهم على أفواههم. وسوف يصفعهم على أفواههم بعد هذا أيضاً.
إن أولئك الذين خططوا ودخلوا ميدان العمل بنية وخطة وإدراك - هذا مهم جداً لنا - كانوا مرتبطين بمنظمات أجنبية وقد ارتكبوا جريمة. لاحظوا قضيّة شاهچراغ في شيراز. كم كانت جريمة كبيرة! ما الذنب الذي ارتكبه أولئك الأطفال في الصفّ الثاني[12] أو السادس[13] أو العاشر[14]؟ ذاك الطفل ذو الأعوام الستّة[15]، الذي فقدَ والديه وشقيقه، لماذا حمّلوه هذا الجبل الثقيل من الحزن؟ لماذا؟ ما الذي يفعله هذا الطفل بهذا الحزن الكبير الذي لا يُمكن تحمّله؟ هذه جرائم وهي كبيرة. ما الذنب الذي ارتكبه طالب العلم الحوزوي، ذاك الشاب، الطالب الحوزوي الشاب الشهيد في طهران، آرمان[16] العزيز؟ ذاك الطالب الحوزويّ الشاب الذي كان جامعيّاً، ثمّ جاء وصار حوزويّاً. كان متديّناً ومؤمناً ومتعبّداً وحزباللهيّاً. [أن] يعذبوه ويقتلوه تحت التعذيب، ثمّ يلقون جسده في الشارع... هل هذه أعمال هيّنة؟ مَن هم هؤلاء؟ لا بدّ من التفكير في الأمر. مَن هؤلاء؟ فهؤلاء ليسوا أبناءنا، وليسوا شبابنا. مَن هؤلاء؟ مِن أين يتلقّون الأوامر؟ لِمَ لمْ يُدِن الذين يدّعون حقوق الإنسان هؤلاء؟ لماذا لم يدينوا قضيّة شيراز؟ لمَ يكرّرون قضيّة مغايرة للواقع وحادثة كاذبة على منصّاتهم الاستخباراتية على الإنترنت آلاف المرّات، فيما يمنعون اسم «آرشام» من الوجود على منصات الإنترنت؟ لماذا؟ هل هؤلاء يناصرون حقوق الإنسان؟ هكذا هم هؤلاء. فلنعرفهم ولتعرفوهم. طبعاً، نحن لن نُفلتهم. سوف يعاقب نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هؤلاء المجرمين حتماً. سوف يُعاقب - إن شاء الله - دون شكّ كلّ من يَثبتُ تعاونه في هذه الجرائم ومن له يدٌ فيها.
حسناً، أيها الشباب، أود الآن أن أتحدث إليكم ببعض الكلمات. أولاً، إنّ فتى اليوم على عكس فتى الماضي هو عنصر ناضج وعاقل وحكيم. لم يكن الأمر كذلك في زماننا، وإنني أقول لكم هذا [باطمئنان]. إنني أتحدث عن نفسي. عندما حدثت «28 مرداد»، كنا في عمر بعضكم. مثلاً لنفترض أننا كنا في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة. كان هناك طيف من القضايا أمام أعيننا [لكن] أن نرى بدقة مَن هم هؤلاء، أي العناصر، ومَن هذا الطرف، ومَن ذلك الطرف الآخر، وما الهدف، ولماذا يفعلون كذا... كلّا، لم نكن ملتفتين إلى هذه الأمور. فتيان اليوم ليسوا كذلك. فتى اليوم يفكر ويحلل ويفهم التحليل بطريقة صحيحة وتخطر في باله بعض النقاط، وشباب اليوم هم من أهل التحليل. هذه نقطة مهمة للغاية وهي لافتة جداً. إنّ لدى أبنائنا وشبابنا كلاماً، وهذه ميزة الثورة الإسلامية. أود أن أقول: هذه هي ميزة الثورة. لو لم تكن الثورة الإسلامية، لَكان شبابنا - طبعاً ليس الفتيان والأطفال فقط، بل حتى الشباب، أي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين عاماً وخمسة وعشرين مثلاً - منشغلين جداً بأمور تافهة وبالشهوات لدرجة لا يخطر على بالهم أبداً التفكير في القضايا الأساسية للبلاد. كانت الحال كذلك في ذلك اليوم. كنت أسير في الشارع وهناك نقطة [تُسمى] قصر الشباب، خلف «حديقة المدينة» في ذلك اليوم، واليوم [أيضاً]، وكان الليل في أوّله، وثمة عدد من الشباب قد نزلوا إلى الشارع - كان اجتماعاً أو حفلة -، وشخصٌ مثلي، أنا الذي كنت طالباً حوزوياً وأمرّ هناك، يندهش برؤية هيئات هؤلاء الشباب وأشكالهم وأفعالهم التي كانوا يعملونها في الشارع. حسناً، هل يملك هذا الشاب بتلك السمات مزاجاً وجلَداً ليفكّر في قضايا البلاد السياسية ومستقبل البلاد والالتزام والمسؤولية وما شابه؟ كانت الثورة الإسلامية هي التي أيقظت الشباب. لقد نما شبابنا يوماً بعد يوم سواء خلال مرحلة النهضة - في ذاك العام الأخير من النهضة عندما جاء الشباب إلى الميدان بأمر من الإمام - أم بعد النهضة وحتى اليوم، ولديهم القدرة على التحليل وفهم الأحداث.
حسناً، هذه حقيقة الآن. يدرك العدو هذه الحقيقة كما ندركها. يدرك العدو أيضاً أن شباب اليوم لديهم عيون وآذان صاحية، وحواس مستشعرة، وأنّهم فطنون، ويحلّلون [الأمور]، فماذا يفعل؟ لا يبقى العدو مكتوف الأيدي. إنّه بدأ صناعة المحتوى الذهني للشباب من أجل تعطيل حالة شبابنا تلك، وهذا سبب الكم الهائل من الأكاذيب في الشبكات الافتراضية. هذه الأكاذيب كلها، وهذا الزيف وكلام الزيغ كله، وهذه الافتراءات كافة، هي من أجل أن يصنع العدو محتوىً لهذا الذهن النشط. حقيقةُ أنني أقول دائماً «جهاد التبيين... جهاد التبيين» هي من أجل هذا. أعدّوا المحتوى، وأنا أقول هذا للمسؤولين، لمسؤولي الإعلام والعلاقات. فقبل أن يصنع العدو محتوى زائفاً وانحرافياً وكاذباً اصنعوا المحتوى الصادق والصحيح وانقلوه إلى أذهان الشباب، فالعدو منكبٌّ على هذا العمل[17]. شكرا جزيلاً، شكرا جزيلاً. استمعوا الآن لما في الجلسة، ثم اذهبوا وخططوا لذلك حقّاً.
هذا ما أتوقعه منكم حقاً أيها الشباب. أقول ذلك الآن وسأكرّره لاحقاً. قد مضى بعض الوقت لكنها فرصة جيدة للتحدث معكم. إذاً، العدو يخطط أيضاً. وقد قلت إن على المعنيّين أن يشعروا بالمسؤولية، وأن يعرفوا سبب حساسية العدو تجاه كلمة معينة أو اسم معين فيحظرونه، ولماذا يُنشر هذا الكم كله من الأكاذيب في الفضاء المجازي، فليعالجوا الأمر وليواجهوه. هذا [واجب] المسؤولين. وأنتم الشباب عليكم واجبٌ، فعليكم أن تشعروا بالمسؤولية أيضاً. يجب أن تشعروا بالمسؤولية كي تتمكنوا من تمييز الحقيقة عن الكذب. في اعتقادي هذا ممكن. ليس الأمر كأنه لا يمكن أن يحدث. إنّهم يكرّرون أموراً بمقدار كبير ومع كثير من التكرار حتى تعلق في الأذهان، لكن تمكن معرفة هل هذا مخالف للواقع أم لا. إذاً [النقطة هي] معرفة الحقيقة من الكذب والتحريف.
ثانياً، كونوا حذرين ممن يتناغمون [مع العدو]، أرشدوهم. لا نقول: تشاجروا معهم [بل] أرشدوهم واعملوا على توجيههم. هناك من يتماشون مع العدو. ليس عن قصد [طبعاً]، فبعضهم لا يدركون؛ إنّهم غافلون. يرى الإنسان ويعرف أشخاصاً يقولون أموراً في الفضاء المجازي أو يكتبونها في الصحف وهم ليسوا معاندين [بل] يسيئون الفهم. لا بدّ من إرشاد هؤلاء. أنتم - الشبابَ - خير من يمكنه الإرشاد. اكتبوا لهم وتحدّثوا معهم وابعثوا رسائل إليهم. بيّنوا واستدلّوا في اجتماعاتكم.
بالطبع، نعلم أنه لا بدّ من التخطيط لمعالجة مثل هذه القضايا. لم تكن هذه الأحداث التي وقعت خلال الأسابيع القليلة الماضية مجرّد أعمال شغب في الشوارع، بل هناك مخطّطاتٌ أعمق بكثير خلفها. لقد أطلق العدوّ حرباً مركّبة، وأنا أقول لكم ذلك بناء على المعلومات. العدوّ، أي أميركا وإسرائيل، وبعض القوى الأوروبيّة الشريرة والخبيثة، وبعض الجماعات والمجموعات، وظّفوا إمكاناتهم كافة في الميدان. ماذا تعني الإمكانات كافة؟ أي أجهزتهم الاستخباريّة والإعلاميّة وقدراتهم في الفضاء المجازي وما كسبوه من تجاربهم السابقة. حسناً، هؤلاء لديهم تجارب في إيران منذ 1378هـ.ش. (1999م) و1388هـ.ش. (2009م) والأعوام التي تلتهما. لقد لاقوا الهزيمة هناك، وهم يستفيدون من تلك التجارب، ووظّفوها في الميدان أيضاً. هذا ما فعلوه في سائر الدول أيضاً. لقد تلقّوا ضربات معيّنة وحصدوا نجاحات محدّدة، وهم يستفيدون من تلك التجارب أيضاً. العدوّ وظّف هذه الطاقات كلّها في الميدان خلال هذه الأسابيع القليلة ليتغلّب على الشعب الإيراني. لقد قلت إنّ الشعب وجّه صفعة إلى أفواههم بالمعنى الحقيقي للكلمة. لقد أحبطهم الشعب الإيراني بالمعنى الحقيقي للكلمة.
حسناً، أودّ أن أبدي ما يُتوقّع منكم، أيها الشباب الأعزاء وكل الشباب الذين سيستمعون لهذا الكلام لاحقاً، ولكن لديّ توقّعات أخرى أيضاً. التفتوا! لقد قلت في الخطاب السابق، أو الذي قبله[18]، أنّ هناك علاماتٍ كثيرة تدلّ على تغيّر النظام الحالي في العالم، وإنّ نظاماً جديداً سيسوده. ما دورنا - نحن الإيرانيّين - وأين موقعنا في هذا النظام الجديد؟ هذا سؤالٌ مهمّ. ما هذا النظام الجديد، بما أنني أقول إنّ النظام الحالي سيتبدّل إلى واحد جديد؟ لا يُمكن التحديد بدقّة، ولا يُمكن الجزم بأنّ النظام سيكون على النّحو الفلاني، لكن يُمكن ترسيم بعض الخطوط. هناك بعض الخطوط العريضة التي من المؤكّد أنّها ستكون في هذا النظام. الخطّ العريض الأوّل هو انزواء أميركا. أميركا ستكون منزوية في النظام العالمي الجديد، خلافاً لما قاله بوش الأب قبل نحو عشرين سنة حين قال إنّ أميركا هي القوّة الوحيدة المسيطرة على العالم اليوم. بعد هجوم العراق على الكويت ودخول الأميركيّين وإحباطهم هجوم العراقيّين، قال [بوش الأب] بمنتهى التكبّر ما مضمونه أنّ أميركا اليوم هي الآمر والناهي في هذا العالم. في هذا النظام الذي أتحدّث عنه الآن، كلا؛ لن يعود لأميركا مكانة مهمّة وستصير منزوية[19]. نعم، هذا ما سيحدث، وسوف يتحقّق [شعار] «الموت لأميركا». بالمناسبة، بعض الأشخاص يقولون إنّ الأميركيّين يعادونكم لقولكم: «الموت لأميركا». وأنا أقول: كلا؛ في ذلك اليوم الذي بدأ فيه الأميركيّون عداءهم، أي 28 مرداد [19/8/1953م]، لم يكن أحدٌ في إيران يهتف بالموت لأميركا، لكنّ هؤلاء وجّهوا ضربتهم، وهي ليست بسبب «الموت لأميركا». ثمّ بعد توجيههم ضربتهم هتف الطلاب الجامعيّون في 16 آذر من السنة نفسها[20] [7/12/1953م] بالموت لأميركا في جامعة طهران، فـ«الموت لأميركا» هو تذكارُ يوم 16 آذر، لقد قيل «الموت لأميركا» منذ ذلك الوقت، والأميركيّون كانوا قد وجّهوا ضربتهم من قبل.
إذاً، أحد [الخطوط] أنّ أميركا ستُجبَر على لملمة أياديها عن العالم. لدى الأميركيّين اليوم قواعدَ في كثير من مناطق العالم، لديهم في منطقتنا وأوروبا وآسيا قواعد عسكريّة ذات عديد كبير. هم يحصّلون تكاليفها من البلد المسكين الذي توجد قاعدتهم فيه، فيتوجّب عليه أن يؤمّن تكاليفها فيأكل الأميركيّون [هناك] ويمارسون سيادتهم! سينتهي هذا الوضع، وسوف تنكفئ أيدي أميركا وأرجلها من أنحاء العالم. هذا هو الخطّ العريض الأول من الخطوط العريضة للنظام الجديد العالمي المقبل.
الخط العريض الثاني هو انتقال القوّة السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والعلميّة أيضاً من الغرب إلى آسيا. تملك القوى الغربيّة اليوم اقتداراً سياسيّاً وأيضاً علميّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً، أي يملكون أموراً كثيرة. طبعاً، التعبير الأصحّ أن نقول إنّهم كانوا يملكونها، وها هم يفقدونها رويداً رويداً، لكنّهم امتلكوها لسنوات على كلّ حال، وهكذا عمل الغربيّون طوال قرنين أو ثلاثة. في هذا النظام الجديد، ستنتقل هذه الحالة من الغرب إلى آسيا، وستغدو آسيا مركز العلم والاقتصاد والقوّتين السياسيّة والعسكريّة. نحن من آسيا. حسناً، هذه هي النقطة التالية.
النقطة الثالثة، ذاك الخطّ العريض الثالث: فكرُ المقاومة وجبهتها سينتشران مقابل الغطرسة. الجمهوريّة الإسلاميّة هي التي ابتكرت هذا الأمر. لأنّ الأوروبيّين مُنذ حدوث الثورة الصناعيّة وتقدّمهم وشروعهم في الاستعمار عوّدوا شعوب العالم ودوله أنّ الرضوخ للهيمنة والسعي وراءها هما قضيّتان متقابلتان حتماً في العالم. فالعالم ينقسم إلى الحكومات المُهيمِنة، والقوى والحكومات والدول الراضخة للهيمنة. هكذا كانت [الحال]، وقد استمرّ نظام الهيمنة هذا قروناً. الجميع كانوا يوافقون على وجوب التقبّل لهيمنة القوى الغربيّة، وأن يتقبّلوا أيضاً ثقافتهم وحتى تسمياتهم.
التفتوا! اسمحوا لي أن أقول هذا. قلت ذات مرّة[21] إنّ منطقتنا تسمى «الشرق الأوسط»! ماذا يعني «الشرق الأوسط»؟ يعني أن أصل العالم ومركزه هو أوروبا. مثل قصة ملا نصر الدين[22] حين قالوا له: أين مركز العالم؟ أجاب: هنا حيث مسمار مربط حماري، هذا هو مركز العالم! أيّ منطقة بعيدة عن أوروبا تسمى الشرق الأقصى لأنها بعيدة عن أوروبا. أيها قريب، مثل بعض البلدان في شمالي أفريقيا، تُسمى الشرق الأدنى، وكل ما بين هاتين المنطقتين هو الشرق الأوسط. أي أنّ المعيار والأصل والأساس في تسمية البلدان هو أوروبا. كان الغربيون يعطون أنفسهم الحقّ إلى هذا الحدّ! هذا هو السبب في إصراري على ألا أقول «الشرق الأوسط»، [بل] غربي آسيا. إنّها غربي آسيا، فلماذا نقول «الشرق الأوسط»؟ الجمهوريّة الإسلاميّة هي التي أوجدت روحيّة المقاومة هذه في وجه الغطرسة وطلب القوّة والسلطة لدى القوى المهيمنة. كان إمامنا [الخميني] العظيم أوّل من قال في العالم: «لا شرقيّة ولا غربيّة»، لا شرقيّة ولا غربيّة. كان العالم حينذاك منقسماً بين أميركا والاتحاد السوفييتي. قال سماحته: لا هذا، ولا ذاك. فقد كانت كل الدول حول العالم مُجبرة على الارتباط بهذا أو ذاك. كانوا يرون أنفسهم مرغمين على ذلك [لكنّ] سماحته قال: لا هذا، ولا ذاك. لقد سادت هذه الروحيّة وهذا المنطق والكلام المتين والقويّ. يوجد كثيرون في منطقتنا اليوم يرون أنفسهم مرتبطين بجبهة المقاومة، وهم أهل المقاومة ويعتقدون بها ويقاومون أيضاً، وكذلك يحصدون النتائج في حالات كثيرة، كالنتيجة التي حصدها اللبنانيّون ببركة حزب الله في قضيّة التحديد لحقول الغاز. أشرت إلى ثلاثة خطوط أساسية: عزلة أميركا، وانتقال السلطة إلى آسيا، واتساع جبهة المقاومة ومنطقها. بالطبع، تمكن الإشارة إلى أشياء أخرى، وهي حاضرة في ذهني أيضاً، لكن هذه هي القضايا الأكثر جوهرية.
حسناً، ما دور إيران في هذا العالم الجديد؟ أين موقعها؟ أين مكانة بلدنا العزيز؟ هذا ما يتوجّب عليكم أن تفكّروا فيه، وما يجب أن تعدّوا أنفسكم من أجله، وما يمكن للشاب الإيراني فعله. يمكن أن يكون لنا دور رائد في هذا النظام الجديد، لماذا؟ لأن بلادنا تتمتّع بميزات بارزة لا تمتلكها دول أخرى. أولاً الموارد البشرية. لدينا موارد بشرية جيدة جداً، فذكاء الشباب الإيرانيين ومواهبهم أعلى من المتوسط العالمي. هذه حقيقة.
إنّنا نشهد اليوم أمام ناظرنا بركات الذكاء والموهبة للشباب الذين وُلدوا في الثمانينيات والتسعينيات[23]. هؤلاء الشباب الذين يبتكرون اليوم في مختلف القطاعات العلمية والتكنولوجية، ويحدّثونها - في مختلف القطاعات، وفي القطاعات العلمية المختلفة - ويضعون البلاد بين البلدان الأربعة أو الخمسة الأولى في العالم في بعض القطاعات، هم أولئك الذين وُلدوا في الستينيات والسبعينيات وأمثالهم، فقد أينعت ثمارهم اليوم. وسوف يرى الشعب الإيراني بركات أبناء العقد الأوّل من القرن الحالي[24] - إنّ غالبكم كذلك - وأبناء العقد الثاني من القرن الحالي[25] في المستقبل، إن شاء الله. طبعاً، سوف تكون هناك جُملة من المُضايقات وأيضاً المشكلات التي قد تحول دون ذلك. إذاً، الموارد البشريّة هي أولى ميّزاتنا.
الميّزة الثانية هي الموارد الطبيعية وطبيعة البلاد. لدينا موارد في بلدنا تجعل تنوع الموارد الطبيعية فيه من الأكثر ندرة في العالم. قلت ذات مرة في كلمة هنا في هذه الحسينية[26] - لا أتذكر الإحصاءات الآن، فقد كانت في بالي ذاك اليوم حين قرأتها - قلت إنّ بعض هذه المعادن الرئيسية والضرورية للصناعة... وبينما نشكّل نسبة واحد بالمئة من سكان العالم، واحد بالمئة، لكن بعض هذه المعادن في بلدنا تشكل نسبة أربعة بالمئة وخمسة بالمئة من مخزون العالم. هذا يعني أن لدينا موارد طبيعية أكبر من حجم شعبنا. لقد ذكرت المعادن [فقط]، والنباتات أيضاً على هذا النحو، والأعشاب الطبيّة كذلك، والمناجم أيضاً. إنّنا أغنياء جدّاً من هذه الناحية. كم شدّدت على [قطاع] المناجم والتعدين في الحكومات المختلفة لكن لم يعتنوا كثيراً - للأسف - وكثير من الحكومات لم تسمع كلامنا! نأمل أن تعتني هذه الحكومة [بالموضوع] إن شاء الله. سمعت أنهم يقومون على أعمال جيّدة في موضوع المناجم والتعدين. إذاً، هذه نقطة أساسيّة أخرى.
لذلك، تتميّز بلادنا سواء لناحية الموارد البشرية أو الطبيعية أيضاً أو الموقع الجغرافي. نحن مفترق طرق للتواصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. انظروا إلى الخريطة. ضعوا خريطة العالم أمامكم ودقّقوا: نحن في نقطة حساسة. يمكن للشرق والغرب أن يَعْبر من خلالنا، وكذلك يمكن للشمال والجنوب العبور. يمكننا أن نكون ممر عبور مناسباً ومتقدماً جداً في العالم. نحتاج طبعاً إلى خطوط سكك حديدية، فالأمر غير ممكن بالطرقات، وقد أكّدت مراراً للحكومات المختلفة [موضوع] السكك الحديدية[27] -أيّها الشباب، لا بدّ من هذه «الفضفضة» معكم- للأسف وقع التقصير. نعم، أُنجزت بعض الأعمال الجيدة في السكك الحديدية في المرحلة الأولى بعد رحيل الإمام [الخميني]، لكن لم يُنجز بعدها أعمال بالمستوى المطلوب. الآن يخططون لأداء أعمال جيدة، إن شاء الله. يجب أن نكون قادرين على حجز مكانتنا في هذا المجال من المواصلات والشحن والنقل.
الأهم من هذه الميّزات كلّها منطقنا الحكومي والحضاري الذي هو الجمهورية الإسلامية. لقد جمعنا بين الجمهورية وبين الإسلامية. جمعنا بين حضور الناس وآرائهم وبين المعارف الإلهية. إنّ الجمع بين هذين الأمرين ليس مهمة سهلة [لكن] فعلنا ذلك، بتوفيق الله. لدينا نقص طبعاً، ولا أدّعي أبداً أن ليس لدينا عيوب في هذه المجالات. نعم، لدينا نقص لكن الكلام والمنطق هو منطق جديد في العالم. حسناً، هذا في ما يخصّ تلك القضايا.
أيها الشباب الأعزاء، ختام حديثي معكم: التفتوا! إنّ كل ما تفعلونه ونفعله، ذلك كله، وكلامنا وتحرّكاتنا تبعث رسالة إلى الخارج. فلنكن حذرين حيال الرسالة التي نبعثها. ليس بالضرورة أن تكون الرسالة باللسان، بل أحياناً تكون كيفية جلوسكم رسالة، وأحياناً تجمعكم في مكان ما رسالة، وأحياناً الشعار الذي تطلقونه رسالة. كونوا حذرين بشأن الرسالة التي ترسلونها إلى العالم. أقول إنّ أهم ما يجب أن ينقله الشعب والشباب في إيران إلى جبهة العدو هو قوة مقاومة الشعب الإيراني. على الشعب الإيراني وشباب إيران أن يُفهموا العالم بأفعالهم وحركاتهم وشعاراتهم وأدائهم- سيفهمُ العدو عندئذ بالطبع - أن الشعب الإيراني لديه القدرة على المقاومة، والعزم الراسخ على الصمود في وجه الغطرسة. طبعاً هذا واجب الناس جميعاً، ومسؤولو الدولة لديهم واجبات ثقيلة، إذ عليهم واجبات كثيرة في هذا المجال. ينبغي ألّا تتكرر أخطاء الماضي. لا بدّ أن تكون بعض الأجهزة الحكومية نشطة في هذا المجال، بما في ذلك وزارات التربية والتعليم والعلوم والصحة والإرشاد، والوزارات ذات الصلة بالإنتاج: الصناعة والزراعة، أو ذات الصلة بمسألة النقل - هذه أجهزة مهمّة - أو المعاونية العلمية التي [تربط] النخب بمؤسسة النخب. عندهم واجبات ثقيلة عليهم أداؤها.
أعزائي، كونوا مطمئنين أنّه إذا قمت على واجبي، وأنتم كذلك، وقام كلّ جهاز على واجبه، وإذا عرف كل واحد منا، أين ما كنّا وأين ما وقفنا، إذا عرفنا واجبنا وقمنا عليه، فسوف تعالج مشكلات البلاد كافّة، وسوف تصل البلاد إلى مُرادها النهائي.
رحمة الله على إمامنا [الخميني] الجليل. رحمة الله على راحلينا. رحمة الله على شهدائنا وعائلات الشهداء.
موفّقين إن شاء الله، وأسأله أن يحفظكم جميعاً، إن شاء الله. حياكم الله.
[1] صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، مصدر سابق، ج1، ص415، خطابه في جموع الناس، بتاريخ 26/10/1964م.
[2] يقابله في الموروث الشعبي: «قمنا من تحت الدلف لتحت المزراب».
[3] خطّط عدد من ضباط جيش النظام الملكي، الذين تشكلوا في مجموعة تسمى «نقاب»، لانقلاب في تموز/يوليو 1980م بهدف القضاء على النظام الناشئ للجمهورية الإسلامية وإعادة شابور بختيار. سُمي هذا الانقلاب «نوجه» (نوژه) لأن مركز قيادته كان في قاعدة الشهيد نوجه في همدان. كان الهدف الأساسي الهجوم الجوي على منزل الإمام الخميني في طهران واغتياله، وكانت مهاجمة برج المراقبة في مطار مهرآباد، ومكتب رئيس الوزراء، والمقر المركزي لـ«حرس الثورة الإسلامية»، ومقر اللجان الثورية، وقصف أماكن أخرى، ضمن الأهداف لمدبري الانقلاب. كان من المفترض أن يبدأ هذا الانقلاب في 9 تموز/يوليو لكنه باء بالإخفاق من أوله عبر تحديد العناصر المرتبطة به واعتقالهم.
[4] بأمر من وليام روجرز (قائد USS Vincennes) بتاريخ 03/07/1988م، استُهدفت طائرة الركاب التابعة للخطوط الجوية الإيرانية، التي كانت متوجهة من بندر عباس إلى دبي، بصاروخين في سماء الخليج الفارسي، فاستشهد ركابها طاقمها كافة وكان عددهم 290 شخصاً.
[5] باراك أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق).
[6] بعد السيطرة على وكر التجسس، بدأت الحكومة الأميركية الحصار الاقتصادي على إيران من أجل الضغط على الجمهورية الإسلامية، وأصدرَ جيمي كارتر (الرئيس الأميركي في ذلك الحين) مرسوماً يقضي بوقف شراء النفط من إيران وكذلك بإغلاق الحسابات الإيرانية من الأموال والذهب لدى البنوك الأميركية.
[7] قال الإمام الخامنئي في بيان بمناسبة استشهاد اللواء قاسم سليماني والشهداء المرافقين له: «إن انتقاماً صعباً ينتظر المجرمين الذين لطّخوا أيديهم الخبيثة بدمائه ودماء سائر الشهداء في حادثة الليلة الماضية».
[8] بول بريمر (الحاكم الأميركي للعراق).
[9] جو بايدن.
[10] دونالد ترامب.
[11] ضحك الحضور.
[12] علي أصغر لري غوييني (گویینی).
[13] آرشام سرايداران.
[14] محمد رضا كشاورز.
[15] آرتين سرايداران.
[16] آرمان علي وردي.
[17] هتف الحضور شعار: «رهن أمر الولي، نحو بلد إيران القوي».
[18] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القائمين على شؤون النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية، بتاريخ 14/10/2022م.
[19] هتاف الحضور: «الموت لأميركا».
[20] إشارة إلى الحادث الذي وقع بتاريخ 07/12/1953م، والذي أدى إلى مقتل ثلاثة طلاب من جامعة طهران ممن احتجوا على لقاء ريتشارد نيكسون (رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك) مع الشاه ونظّموا مسيرة.
[21] من جملتها كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من طلاب الجامعات والمواهب العلمية المتفوّقة ورؤساء الشركات المعرفية، بتاريخ 19/10/2016م.
[22] شخصية فكاهية كما شخصية جحا في الثقافة العربية.
[23] قال سماحته الستينيات والسبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري الشمسي، وهي المدة الممتدة بين 1981 و2001.
[24] قال سماحته الثمانينيات من القرن الرابع عشر الهجري الشمسي، وهي المدة الممتدة بين 2001 و2011.
[25] قال سماحته التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري الشمسي، وهي المدة الممتدة بين 2011 و2021.
[26] من جملتها كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من طلاب الجامعات والمواهب العلمية المتفوّقة ورؤساء الشركات المعرفية، بتاريخ 19/10/2016م.
[27] من جملتها إبلاغ السياسات العامّة للنظام (10/3/2001م)، ولقاء مع أعضاء الحكومة في محافظة «خرسان شمالي» (17/10/2012م)، ولقاء مع المسؤولين والقائمين على شؤون النظام (23/6/2015م).