يتم التحميل...

بابُ سرورِ المعصومِ (عليه السلام)

ربيع الأول

عنِ الإمامِ الحسنِ بنِ عليٍ العسكريِّ (عليه السلام): «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا شِيعِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ»

عدد الزوار: 251

عنِ الإمامِ الحسنِ بنِ عليٍ العسكريِّ (عليه السلام): «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا شِيعِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ»[1].

لقدْ عَنِيَ أئمّةُ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلامُ) بتربيةِ شيعتِهم وحثِّهم على التحلّي بالأخلاقِ الحسنة، فوردَ عنهُمُ الكثيرُ مِنَ الأحاديثِ في فضائلِ الأخلاق، وما يترتّبُ عليها مِنْ ثمارٍ في هذه الدنيا، وثوابٍ في الآخرة، ومنْ ذلكَ أنَّ الصورةَ الأخلاقيّةَ الحَسَنةَ للشيعيِّ هي بابٌ لإدخالِ السرورِ على قلبِ المعصومينَ (عليهمُ السلامُ).

وفي الحديثِ المذكورِ يشيرُ الإمامُ إلى صفاتٍ أربعٍ هي بابٌ للافتخارِ من قِبَلِهم بشيعتِهم.

1- الورع: وهو مَلَكةٌ تحصلُ في النفسِ تُجنِّبُ الإنسانَ المعاصي؛ لأنَّه يرى عِظَمَ خَطَرِ المعصيةِ فلا يقتربُ منها، بل ذَكر علماءُ الأخلاقِ أنّ صاحبَ الورعِ يشعرُ بالحرَجِ منْ فِعْلِ المعصية، فَيَحْذرُ حتّى منَ الشبهات،  ففي الروايةِ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أصلُ الورعِ تجنُّبُ الآثام، والتنزُّهُ عنِ الحرام»[2]؛ ولذا كانَ الورعُ ركناً لقَبولِ العمل، ففي وصيّةِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) لأحدِ أصحابِه: «أوصيكَ بتقوى الله، والورعِ والاجتهاد، واعلمْ أنّهُ لا ينفعُ اجتهادٌ لا ورعَ فيه»[3].

2- الصدق: وللصدقِ في الحديثِ مجالاتٌ واسعة، فالصادقُ لا ينطقُ كذِبَاً؛ ولذا يُفتَرضُ بهِ أنْ يتثبّتَ منْ أيِّ حديثٍ قبلَ أنْ ينطِقَ به، كما أنّ الصادقَ يفي بالوعدِ الذي يُعطيه، ففي الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «العِدَةُ دَينٌ، وَيلٌ لِمَن وَعَدَ ثُمّ أخلَفَ، وَيلٌ لمَن وَعَدَ ثُمّ أخلَفَ، وَيلٌ لِمَن وَعَدَ ثُمّ أخلَفَ»[4]. ومنْ أهمِّ المواردِ التي يتجنّبُها الصادقُ، ما وردَ التحذيرُ الشديدُ منهُ بأنْ يكونَ ذا وجهينِ وذا لسانين: فعنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «بِئسَ العبدُ عبدٌ يكون ذا وجهينِ وذا لسانين، يُطري أخاهُ شاهداً ويأكُلُه غائباً، إن أُعطيَ حسَدَهُ، وإن ابتُليَ خَذَلَهُ»[5].

ولأهمّيّةِ هذه الصِفةِ معَ صِفةِ الورع، أوصى أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) مالكاً الأشترَ في عهدِه بأنْ يكونَ دائماً مرافقاً لمنْ يحملُ الصفتَين، فقال: «وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ»[6].

3- الأمانة: بمفهومِها الواسع، وذلكَ أنَّ كلَّ أمرٍ يكونُ الإنسانُ مسؤولاً عنهُ يكونُ أمانةً في عُنقِه، فالنفْسُ والرزقُ منَ المالِ والولدِ وغيرِهِما أمانةُ اللهِ في أيدِي عبادِه، والتكاليفُ الإلهيّةُ كذلك، ففي الروايةِ أنّ عليّاً (عليهِ السلامُ) إذا حضرَ وقتُ الصلاةِ كانَ يتمَلْمَلُ ويتزَلْزَلُ ويتَلَوَّن، فيُقالُ له: ما لكَ يا أميرَ المؤمنين؟ فيقول: «جاءَ وقتُ الصلاة، وقتُ أمانةٍ عَرَضَها اللهُ على السماواتِ والأرضِ فأبَيْنَ أنْ يحمِلْنَها وأشفَقْنَ منها»[7].

4ـ حُسْنُ الخُلُق: وهوَ الصِفةُ التي ينبغي أنْ يكونَ المؤمنُ معروفاً ومشهوراً بها؛ ولذا وردَ التعبيرُ عنها بأنَّها عنوانُ المؤمن، ففي الروايةِ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «عنوانُ صحيفةِ المؤمنِ حُسْنُ خُلُقِه»[8].

ومنَ الفوائدِ الجليلةِ المترتّبةِ على حُسْنِ الخُلُقِ العزَّةُ بينَ الناس، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلام): «رُبَّ عزيزٍ أذَلَّهُ خُلُقُه، وذليلٌ أعزَّهُ خُلُقُه»[9].

ختاماً، نعزّي مولانا صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّل الله فرجه)، ووليَّ أمرِ المسلمين، والمجاهدينَ جميعاً بذكرى شهادةِ الإمامِ الحسنِ العسكريِّ صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آبائِه الطاهرين.


[1] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص487-488.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص121.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص76.
[4] أبو القاسم‏ پاينده، نهج الفصاحة، ص578.
[5] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص488.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص430، الكتاب 53.
[7] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص324.
[8] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص200.
[9] الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج‏1، ص300.

2022-10-06