أوفى الأصحاب
محرم
عن الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) مِن كلامٍ له: «أمّا بعدُ: فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصَلَ مِن أهلِ بيتي، فجزاكُمُ اللهُ عنّي جميعاً خيراً»
عدد الزوار: 295عن الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) مِن كلامٍ له: «أمّا بعدُ: فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصَلَ مِن أهلِ بيتي، فجزاكُمُ اللهُ عنّي جميعاً خيراً»[1].
مِن مشاهدِ كربلاءَ التي تكرّرتْ مِن الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) في مسيرِه من مكّةَ إلى العراقِ، هو اختبارُ أصحابِه، ففي مختلفِ المواطِنِ كانَ يحدِّثُهم عمّا هم صائرونَ إليه، ويبيّنُ لهمُ الأحداثَ التي تجري في الكوفة، وانقلابَ الناس، ولا سيَّما بعد وصولِ خبرِ شهادةِ مسلمِ بنِ عقيلٍ إليه، حيثُ قالَ لهم: «قدْ خَذَلتْنا شيعتُنا، فمَن أحبَّ منكُمُ الانصرافَ فلينصرفْ، ليس عليه منّا ذِمام»[2].
وممّا امتازَ به أصحابُ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، القوّةُ والشجاعةُ، حتّى صاحَ عمرُو بنُ الحجّاجِ الزبيديّ، وكان على ميمَنةِ الجيشِ الأمويِّ يومَ الطَفّ، في أصحابِه: «أتدرونَ مَن تُقاتِلون؟ تقاتلونَ فرسانَ المِصرِ، وأهلَ البصائرِ، وقوماً مستميتينَ، لا يبرزُ إليهم أحدٌ منكم إلّا قتَلُوه على قلَّتِهِم، لو لم ترموهم إلّا بالحجارةِ لقتلتموهم»[3]. وكذلك امتازَ هؤلاءِ الاصحابُ بالثباتِ الدائمِ في المواقفِ على نُصرَةِ الحسينِ (عليه السلام) والبقاءِ معه، وقدْ تجلَّى في كلماتِهم بيانُ أسبابِ ذلك:
1. إنّ الحسينَ (عليه السلام) يقودُ نهضةً في وجهِ الباطل، وترْكُ الحسينِ (عليه السلام) وخذلانُه هو رفضٌ للنهوضِ في وجهِ الباطل، والأصحابُ يدرِكونَ خطرَ التراجعِ عن ذلك، فبَعدَ لقاءِ الحرِّ الرياحيِّ ومَن مَعَه، خاطبَ الإمامُ الحسينُ أصحابَه، وأخبرَهُم بما يجري، وأنّ الدنيا قد تغيَّرتْ وتنكَّرتْ وأدبرَ معروفُها، قائلاً: «إنّي لا أرى الموتَ إلّا سعادةً، والحياةَ مع الظالمينَ إلّا بَرَماً»[4]. قامَ زهيرُ بنُ القَين، وقال: «قدْ سمِعْنا -هداكَ الله- يابنَ رسولِ اللهِ مقالتَكَ، ولو كانتِ الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلَّدين، لآثَرْنَا النهوضَ معكَ على الإقامةِ فيها»[5].
2. إنَّ الحسينَ (عليه السلام) هو الوليّ، والثباتُ مَعَ الوليِّ فرضٌ لازمٌ عن وعيٍ وبصيرة. وهذا نافعُ بنُ هلالٍ يقول: «والله، ما كرِهْنَا لقاءَ ربِّنا، وإنَّا على نيّاتِنا وبصائرِنا نوالي مَن والاك، ونعادي مَن عاداك»[6].
ولذا كان إصرارُهم على القتالِ بينَ يدَيِ الحسينِ (عليه السلام)، إذ قامَ بُرَيرُ بنُ خُضَيرٍ، فقال: «والله، يابنَ رسولِ الله، لقدْ مَنَّ اللهُ بكَ علينا أنْ نقاتلَ بين يدَيك، وتُقَطَّعَ فيك أعضاؤنا، ثمَّ يكونَ جدُّكَ شفيعَنا يومَ القيامة»[7].
3. أداءُ حقِّ الإمامِ المعصوم، وهذا ما تحدَّثَ بِهِ مسلمُ بنُ عَوسَجة: «أنحنُ نخلّي عنك، وبماذا نعتذرُ إلى اللهِ في أداءِ حقِّك! أما والله، لا أفارِقُكَ حتّى أَطعنَ في صدورِهِم برمحي، وأضربَ بسيفي ما ثبتَ قائمُهُ بِيَدي، ولو لم يكنْ معِيَ سلاحٌ أقاتلُهُم به، لقذفتُهُم بالحجارةِ حتّى أموتَ معك».
4. مَعَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) خيارُ الجنّة، فهذا الحرُّ الرياحيُّ يجيبُ مَن سألَه عندما رآهُ في حالةِ تردُّدٍ يومَ العاشر، بقولِه: «إنّي أخيِّرُ نفسي بين الجنّةِ والنار، وَوَاللهِ لا أختارُ على الجنّةِ شيئاً، ولو قُطِّعْتُ وحُرِّقْت»[8].
أعظمَ اللهُ أجورَكُم بشهادةِ المولى أبي عبدِ اللهِ الحسينِ، وأهلِ بيتِه وأصحابِه (عليهمُ السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص91.
[2] أبو مخنف الكوفي، وقعة الطف، ص166.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص19.
[4] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج4، ص68.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص381.
[6] المصدر نفسه.
[7] المصدر نفسه.
[8] راجع: الشيخ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ص242.