يتم التحميل...

ثِمارُ الشَهادَة

رجب

يقول اللهُ سبحانه وتعالى في سياقِ بيانِهِ لمقامِ الشهيد: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيهَدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالهَمْ وَيُدْخِلُهُمُ الجْنَّةَ عَرَّفَهَا لهَمْ * يَأَيهُّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

عدد الزوار: 198

يقول اللهُ سبحانه وتعالى في سياقِ بيانِهِ لمقامِ الشهيد: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيهَدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالهَمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الجْنَّةَ عَرَّفَهَا لهَمْ * يَأَيهُّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[1].

لقعد جَعل اللهُ عزَّ وجلَّ للشهادةِ مقاماً لا يمكنُ للإنسانِ أن يصفَه، فمِن جهةٍ لا تحملُ اللغةُ القدرةَ على ذلك، يقول الإمامُ الخمينيُّ (قدّس سرّه): «لا يمكنُ للألفاظِ والتعابيرِ وَصفُ أولئك الذين هاجروا مِن دارِ الطبيعةِ المظلمةِ نحوَ اللهِ تعالى ورسولِه الأعظم، وتشرّفوا في ساحةِ قُدسِهِ تعالى»[2]، ومن جهةٍ أخرى، لا نحيطُ بتلك المقامات، يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدَس سرَه): «نحن والكتّابُ والخطباءُ والبلغاء؛ إذا أردنا إحصاءَ قيمةِ وأجرِ عملِ الشهداءِ والمجاهدينَ في سبيلِ الله، وتضحياتِهم، وسعةِ نتائجِ شهادتِهم، لا بُدَّ مِن أن نعترفَ بالعجز، فما بالُنا إذا أردنا إحصاءَ المراتبِ المعنويةِ والمسائلِ الإنسانيةِ والإلهيةِ المرتبطةِ بالشهادة، هنالك العجزُ والتواني بلا ريب»[3]. لذا، فالملجأُ لنا أن نستحضرَ وصفَ القرآنِ لهم.

وتذكُرُ الآيةُ الشريفةُ خصائصَ مقامِ القتلِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، حيث يكونُ البِرُّ الأعلى ببذل النفْسِ فيما يريدُهُ اللهُ عزَّ وجلَّ.

1. الثمرةُ المعطاء: فالعملُ الذي أدّاهُ الشهيد، والهدفُ الذي كان يسعى إليه، سوف يتحقّقُ بإرادةٍ إلهية، ولذا لن يَذهَبَ عملُهُ هدراً، ﴿فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.

2. الوصولُ إلى المطلوبِ بدلالةٍ إلهيّة: فاللهُ عزَّ وجلَّ سيهديهِم إلى منازلِ السعادةِ والكرامة، والكمالاتِ الإنسانية، والمقاماتِ السامية، والفوزِ العظيم، ورضوانِه. يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدَس سرَه): «يجبُ أن يَعلمَ عملاءُ أمريكا أنّ الشهادةَ في سبيلِ اللهِ لا يمكنُ أن تُقاسَ بالغلبةِ أو الهزيمةِ في ميادينِ القتال، مقامُ الشهادةِ نهايةُ العبوديةِ والسيرِ والسلوكِ في العالَمِ المعنويّ»[4].

3. الحياةُ المطمئنّة: فالشهيدُ صاحبُ نفْسٍ مطمئنّةِ ذهبتْ إلى ربِّها راضيةً مرضيّة، فهو في الآخرةِ إلى جوارِ ربّه. ورد في بعضِ الرواياتِ أنَّ الشهيدَ في يومِ القيامةِ يُبعثُ بصُوَرٍ من البهاء، يصفُها أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) فيما رُويَ عنه: «فوالذي نفسي بيَدِه، لو كان الأنبياءُ على طريقِهِم، لترجَّلوا لهم ممّا يرَونَ مِن بهائِهم»[5].

4. ورثةُ الجَنّة: فهم أصحابُ الجَنَّةِ التي وعدَهُمُ بها في هذه الدنيا، ووصفَها لهم بلسانِ آياتِهِ في الكتابِ الكريم، وبلسانِ الرسولِ الأمين، وبكلماتِ المعصومين، وبما كَشَفَهُ لهم مِن مقامٍ في لحظةِ نَيلِهِم درجةَ الشهادةِ في هذه الدنيا، فهم سيدخلونها ويحيَونَ فيها حياةً يَصلحون بها للحضورِ عند ربّهم بانكشافِ الغطاء، ويهبُهم هدوءَ الرُّوح، واطمئنانَ الخاطر، والنشاطَ المعنويَّ والروحيّ.

يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدَس سرَه): «أيّها الشهداء، إنكم شهودُ صدق، والمذكورونَ بالعزمِ والإرادةِ الثابتةِ الفولاذيةِ لخيرِ عبادِ اللهِ المخلصين، الذين سجّلوا بدمائِهم وأرواحِهم أصدقَ وأسمى مراتبِ العبوديةِ والانقيادِ إلى المقامِ الأقدسِ للحقِّ جلَّ وعلا، وجسَّدوا في ميدانِ الجهادِ الأكبرِ مع النفسِ، والجهادِ الأصغرِ مع العدوّ؛ حقيقةَ انتصارِ الدّمِ على السيف، وغلبةِ إرادةِ الإنسانِ على وساوسِ الشيطان»[6].

وفي ذكرى الشهداءِ القادة، نستحضرُ أرواحَهُمُ الطاهرةَ بالعِزّةِ التي أَورَثوها لهذه الأمّة، ونسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ لهم عُلُوَّ الدرجاتِ في مقامِ صدقٍ عندَه.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

[1] سورة محمّد، الآيات 4 - 7.
[2] صحفية الإمام (قُدِّس سرّه)، ج19، ص40.
[3] صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج‏20، ص188.
[4] صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج‏21، ص83.
[5] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص12.
[6] صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج‏19، ص296.

2022-02-17