كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة
2021
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة
عدد الزوار: 83كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة 22/02/2021م
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله والطاهرين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.
أهلاً بكم، أيّها السادة المحترمون. بعد عام تقريباً، تمّ تجديد العهد والتقينا السّادة [المحترمين]. كنا نود أن نرى أصدقاءنا في وضع أفضل، ونتحدث معهم من كثب، لكن، مع الأسف، لا يتسنى ذلك بسبب الأوضاع الحالية. أبارك بمولد مولى المتقين أمير المؤمنين -سلام الله وصلوات الله عليه- الذي سيأتي بعد يومين أو ثلاثة، وأبارك أيضاً بالمولد المبارك لجواد الأئمة -عليه آلاف الصلاة والسلام-. في المدة الماضية، رحل عن الدنيا إخوة أعزاء، أصدقاء أعزاء، شخصيات بارزة في هذا المجلس، نطلب لهم [من الله] الرحمة. بالطبع، أعطوني قائمة بجميع المتوفّين من الدورة الخامسة، ولن أطيل الوقت في ذلك، فقد أشار إليهم السيد [إبراهيم] رئيسي أيضاً. أسأل الله أن يرفع درجاتهم ويجزيهم خيراً، وأن يوفقنا لمعرفة القَدْر لهذه الشخصيات العلمية والعملية المتميزة أكثر، إن شاء الله. لقد أعددت موضوعين لأتحدث عنهما. أحدهما يتعلق بالحاجة الفكرية للمجتمع. سأشرحه الآن بما يتناسب مع هذا الاجتماع، بمناسبة حضور العلماء والفضلاء، و[أمثال] هؤلاء، والمخاطبين، الذين هم في الحقيقة الحوزات الدينية وفضلاء الحوزة والجامعة وما شابه. والآخر هو قضية سياسية دولية، وسأتحدث عنه أيضاً.
أخذ مفاهيم الإسلام القِيَميّة والمعرفيّة إلى التطبيق العمليّ
الموضوع الأول من الاحتياجات التي هي مورد ابتلاء للمجتمعات الإسلامية والبلاد الإسلامية كافة، وهم بحاجة إليها، خاصة بلدنا العزيز الذي يديره النظام الإسلامي، بحمد الله، ومفاده أن نأخذ المفاهيم الإسلامية إلى مرحلة العمل والتطبيق العملي. إنّ المنظومة المعرفية والقيَمية للإسلام هي مجموعة من المفاهيم التي يعدّ إدخالها بين الناس وجعلها في موضع التطبيق العملي مَهمّة كبيرة ومُهمّة للغاية، وأينما أدينا هذا الفعل بشأن أيّ من هذه المفاهيم -سأتحدث عنها بالإجمال-، كانت ذات قيمة للشعب والبلد ولسمعة الإسلام والجمهورية الإسلامية. وأينما غفلنا، حُرمنا [إياها]. في الواقع، إن ما أريد قوله هو أن العناوين والمفاهيم المعرفية للإسلام يجب أن يكون لها بعدٌ عملي وترجمة عملية، ويجب أن يصير العمل بها ممكناً ورائجاً، وهو ما لا يحدث من تلقاء نفسه ويتطلب سعياً. الآن سأقدم مثالين أو ثلاثة في هذا الصدد.
خلق نهضة المساعدة الإيمانيّة بتوسيع مفهوم «المواساة» عمليّاً
لنفترض مثلاً قضيّة كورونا الأخيرة. إن مفهوم «المواساة»[2] مفصليّ في المجموعة والمنظومة القيَمية والمعرفية للإسلام، إذ إن هذا المفهوم، بقدر من التفسير في المجتمع، خلق نهضة في هذه الأيام: نهضة المساعدة الإيمانية، فحدث عمل عظيم. هذا يعني أن الناس أخذوا «المواساة» من موقع المفهوم المعتبر أو القيّم شرعياً الذي تقبّله الجميع إلى مرحلة العمل. ورأيتم مقدار العمل الذي تم إنجازه في أنحاء البلاد، والقيمة التي خلقها ما فعله الشباب والناس والمجموعات وأجهزة الدولة والأجهزة المؤسساتية الثورية. انطلقت حركة، وحدثت نهضة، وفُكّت عُقَد، وانطلقت أعمال. ذلك يعني أنه كان لمفهوم «المواساة» هذه المرونة، وكان لديه هذه القابلية للتأثير بهذه الطريقة، وللتأثير في المجتمع.
تحويل الإمام الخمينيّ (قدس سره) المفاهيم القيَميّة إلى أفعال
لنذهب أبعد [من ذلك]. هذه المفاهيم المهمة التي استخدمها الإمام [الخميني] (رض) مثل التوكّل، والتكليف، والإيثار -طبعاً كلّها مفاهيم شرعية- إلى الشهادة، والجهاد... أثيرت بحضور الإمام وحركته وبتبيينه وبإرادته التي كانت مؤيَّدة بالإرادة الإلهية، ودخلت حيّز العمل في حياة الناس.
كانت النتيجة أنه مثلاً في ثماني سنوات تمكّنا من الانتصار على أعدائنا في حرب دولية حقاً. فهذه الحركة العظيمة للناس في ساحة المعركة بسبب تلك المفاهيم. وقد روّجها الإمام بين الناس، وأخَذَها من الموقع المفهومي الذي كنا نقرأه في القرآن والحديث ونحوهما مع أن [ذلك الموقع] لم يكن حاضراً على صعيد العمل، فأخَذَها إلى ساحة العمل. هذا واحد [من الموضوعين].
الأثر لتحويل المفاهيم القيَميّة والمعرفيّة إلى أفعال في الحياة
من الأمثلة الأخرى التي في اعتقادي أنها أهم هي هذه الآية الشريفة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[3]. في الأساس، يأتي إرسال الرسل من أجل أن يُطاعوا، وهذه الطاعة مطلقة أي في كل شؤون الحياة. المعنى المُستفاد من الآية أنّ حياة الناس -سواء الخاصة أو العامة- يجب أن يديرها الدين. طبعاً قد يحصرها بعضهم في الأمور الشخصية كالصلاة والصوم ونحوهما. ولكنها ليست كذلك؛ أولاً بدليل التعميم نفسه الذي في الآية، وثانياً بدليل آيات أخرى [مثل] قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾[4]. حسناً، هذا القتال مع «الرِبِّيُّونَ» الكُثُر ليس مسألة شخصية؛ إنه عمل اجتماعي، إنه عمل عام، إنه عمل حكومي. لذلك هذه الآية لها مثل هذا المفاد. لقد جلب الإمام هذا المعنى إلى ميدان العمل، عبر الآية الشريفة: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾[5]، واستخدمها لهذا المعنى، وليس ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ لمعنى أن تذهبوا وتُصلّوا، بل لإنشاء حكومة، ولإقامة نظام إسلامي. استخدم الإمام هذا [الفكر]، فأطلق نهضة عام 1963، ثم مع مرور الوقت، عزّز المفكرون والمحبون، والمخلصون، وتلاميذ الإمام وعلى رأسهم الإمام نفسه، هذا الفكر حتى نشأت الثورة الإسلامية وظهرت الثورة وانتصرت وتشكّل النظام الذي انبثق من الثورة الإسلامية. يعني، التفتوا، إن المفاهيم القرآنية والإسلامية، والمفاهيم المعرفية للإسلام، يمكن أن يكون لها مثل هذا التأثير في الحياة عندما تدخل ميدان العمل. طبعاً هذا مثال للتأثير الإعجازي لهذه الآلية، وهذه الحركة، وأما كيفية التنفيذ لهذه الحركة، فذلك موضوع آخر بحد ذاته.
حاجة الحكومة الإسلاميّة إلى الأدوات المناسبة من منظومة الإسلام المعرفيّة
حسناً، الآن وقد تم إنشاء النظام الإسلامي، ما نريد أن نقوله هو: النظام الإسلامي عندما تشكّل، طرَحَ أهدافاً مرتبطة بالإسلام أيضاً ومأخوذة من القرآن. قبل إنشاء النظام الإسلامي كانت هذه الأهداف تُحكى بصفتها أمنية، أو قد تخطر في ذهن شخص ما كحلم لا يمكن تحقيقه، مثل القيام بالقسط، مثل رفض الظلم -ألا نتقبّل الظلم-، مثل تجنب الاستكبار، مثل العدل، مثل منع الظلم، أو الحياة الطيبة، وتعالي أخلاق الإنسان، ورواج الفضائل وما إلى ذلك من قبيل المُثُل العليا -هذه هي المُثل الإسلامية، هذه هي المُثل التي قدّمتها الجمهورية الإسلامية- [لكنها] لم تكن أشياء يمكن التطرّق إليها في مرحلة العمل. بالطبع هناك أدوات لازمة للوصول إلى هذه المُثُل. إنّ الأدوات التي تقودنا إلى تلك المُثُل موجودة بلا شك في المنظومة المعرفية للإسلام نفسها، لأنه لا يمكن أن يخبرونا بالوجهة ويحثونا على الوصول إليها ولا يضعون الطريق أمامنا. مثل هذا الشيء غير ممكن! لذلك، إنّ الطريق موجود في الكتاب والسنة. والآن النظام الإسلامي يريد تحقيق هذه المُثُل، و[لذلك] عليه أن يبحث عن هذه الوسائل والأدوات التي هي من المفاهيم المعنوية والمنظومة المعرفية للإسلام، ويجدها ويُفعّلها، وينطلق. في الواقع هذه من البرمجيّات لمعدّات الحكومة الإسلامية. ضعوا الحكومة الإسلامية على أنها معدّات. إن لم يكن لديها البرمجيّات المناسبة، فلن تفيد بشيء. برمجيّاتها هي تحديد الطُّرُق للوصول إلى تلك المُثُل العليا ومواصلة التحرّك في ذلك الاتجاه.
تحديث الفكر الإسلاميّ بصفته برمجيّات الحكومة الإسلاميّة
حسناً أريد اليوم أن أقول إنّ النظام الإسلاميّ بحاجة إلى مثل هذه البرمجيات. كلّما توسّع النظام الإسلامي واتّسع مجال نشاطه وازداد، تنفتح ساحات جديدة للجمهورية الإسلامية وتواجه تحديات جديدة -تحديات لم تكن موجودة من قبل، لأنه مع مرور الوقت تُطرح تحديات ومجالات ومهمات جديدة للنظام الإسلامي- فيحتاج [النظام] إلى تجديد حياة وتحديثٍ لهذه البرمجيات وتلك المجموعة المعنوية بالتناسب مع ذلك. هذا هو كلامي. هذا ما يجب أن يطلبه بجدية أصحاب الرأي الفضلاء والمفكرون، وينبغي عمل ذلك. أن نقول تحديث الفكر الإسلامي وتجديده -أي المنظومة المعرفية للإسلام- ليس معناه التلاعب بهذا النظام المعنوي أبداً. لا! معناه أن هناك حقائق في الكتاب والسنة لا ننتبه إليها ولا نتنبّه إليها حتى نحتاجها. عندما نكون بحاجة إليها، نتنبّه. هناك أمثلة كثيرة سأقدّم بعضها هنا الآن.
نماذج الدقّة في المفاهيم واستخراج المضامين المطلوبة
لنفترض، على سبيل المثال، أن النظام الإسلامي يواجه ضغوطاً مشروطةً من العدو. مثلاً [يفرضون] الحظر ثم يقولون إننا سنرفعه بشرط أن يتم هذا الأمر. إنّهم لا يجعلون الشخص يائساً تماماً. يقولون إننا سنرفعه لكن الشرط هو هذا العمل. حسناً هذا شيء خطير جدّاً، وفي غاية الأهميّة. فهذه الشروط يمكن لتحقيقها أن يتسبب في الضياع والهلاك، فماذا يجب أن يفعل الإنسان في مثل هذا الوضع؟ هنا يدرك الإنسان أن علاج ذلك هو: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾[6]، لأن هذه قضية عامة وليست شخصية. [مثلاً] في القرآن وجوبُ الصبر، وجوبُ الاستقامة، لشخص [النبيّ]؛ ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾[7]. هذا خطاب للنبي ولا علاقة للناس به، لكن في هذا المورد له علاقة بالناس أيضاً: فاستقم كما أمرت ومَن تابَ مَعَك. عليكم الاستقامة جميعاً، أي تتطلّب الحركة الجماعيّة منّا الصبر والمثابرة.
إذاً، أدركنا أنّه في مثل هذه القضايا يجب التصرّف على هذا النحو: فاستقم كما أمرت، أو: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[8]. علينا أن نحثّ بعضنا بعضاً على المقاومة والتحمّل والمثابرة. عندما يحدث شيء مثل هذا، يصبح مفهوم ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾[9] واضحاً لنا تماماً. قبل ذلك، لا يوجد معنى واضح جداً بالنسبة إلينا - ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾، بمعنى أن الناس مُلزمون بالاستقامة-، فهو أمر عام، لكن عندما يحدث مثل هذا الموقف، يفهم المرء ما معنى ذلك.
نحن نواجه هذه القضية اليوم. الناس لدينا يواجهون المشكلات، وبعضها بسبب ضغوط العدو، ونحن نريد من الشعب أن يقف باستقامة في وجه هذه [المشكلات]. إنها خطوة عظيمة ومهمّة يجري عملها في بلادنا، بحمد الله. أو لنفترض أنه ما دامت الجبهة المركبة للعدو -جبهة الشيطان المكونة من شياطين مختلفة- لا تقف أمام الإنسان ولا تحاصره من جميع الجهات، فإنه لن يفهم معنى هذه الآية على نحو صحيح: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمً﴾[10]. أي أنّه عند مواجهة مثل هذه الظاهرة، علينا ألّا نشعر بالضيق والخوف. لا تخف، ولا يخف الناس! لا تخافوا! ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾. وهذا ما قيل من قبل: إذا سرت في طريق الحقّ، عليك أن تنتظر؛ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورً﴾[11]. لا ينبغي أن تكون [هذه الأشياء] خلافاً للتوقّعات. هذا قد قيل، ونعرفه. أي في ذلك الوقت وتلك الظروف حين تتجسّد هذه الآية تماماً، وتظهر، هي في الواقع تدلّنا على طريق الحياة، وهكذا في الموارد الأخرى.
مثلاً من جملة الأمور التي تشغل بالي بصفتي مسؤولاً خطاب الله مع النبي يونس (عليه السلام) الذي فعل خطوة بسبب اليأس والتعب، فقومه لم يستجيبوا له. حينذاك قال الله -تعالى- لهذا النبي الذي جاهد دهراً في هذا الجمع ولم يكن التعب يعني له شيئاً: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾[12]. كان يعتقد أنّنا لن نتعامل معه بتشدّد. لا! نتعامل معه بحزم. كان حازماً، وجاء ذلك العقاب للنبي يونس (عليه السلام). عندما أشعر بالملل من العمل -سواءً في نفسي أو في الآخرين أو في المسؤولين- كثيراً ما أتذكّر هذه [الآية] التي تقول: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾. أتصوّر أن هذا الإهمال، وقلة الاهتمام، والتقاعس، لن يكون [أيٌّ منها] موجباً لردّ فعل حاد من الله -تعالى-؟ بلى، سيكون. هذا المعنى يصير عمليّاً عندنا، ويظهر ويتجلى.
الحاجة إلى توسيع الأُسس الفكريّة للنظام الإسلاميّ بتجنّب الانتقائيّة والتحجّر
باختصار، كلّما توسّع النظام الإسلامي ومضى قدماً، سيواجه قضايا محليّة ودوليّة جديدة، وسيواجه تحدّيات جديدة، وسيواجه أوضاعاً جديدة، وهذا يجعله بحاجة إلى توسيع الأُسُس الفكريّة المغذّية للنظام.
يجب تعزيز الأسُس الفكرية التي تدفع النظام إلى الأمام وتغذّيه وتمنعه من الانحراف، ويجب إدخال مفاهيم جديدة. قُلت إن هذه المفاهيم الجديدة لا تأتي من الخارج؛ إنها مفاهيم إسلامية من الداخل، ومن القرآن والسنة. بالطبع، إنّ هذا العمل -إيجاد مفاهيم جديدة ومناقشتها- ليس مهمّة الجميع، فعلى العلماء والمُفكرين متابعة هذا العمل كونهم ملمّين بالمبادئ الإسلامية كلياً. [هؤلاء] طالَعوا القرآن بدقّة وتلَوْه وتدبّروا بعيداً من الجمود والتحجّر الفكري، لأنه من ناحية هناك خطر أن يدخل شخص غير مؤهّل، وشبه متعلم، وانتقائي، في استنتاجات جديدة من الآيات الإلهيّة. من ناحية أخرى هناك خطر أن يتدخل الشخص المتحجّر الذي لم تُحلّ مسألة دخول الدين في الحياة الاجتماعية والسياسية والحكومية بالنسبة إليه. لا! يجب على المفكّرين والشخصيات البارزة [الاضطلاع بهذا العمل]. هذه القضيّة الأولى التي أردت الإشارة إليها. وهذا الموضوع لديه قابليّة كبيرة للبحث والمطالعة والتحدث عنه والتوصل إلى استنتاجات [بشأنه].
التعاون بين الحكومة والبرلمان لحلّ الخلافات ووحدة الكلمة حول الملف النوويّ
الموضوع الثاني سياسي وسأتطرق إليه بإيجاز، فهو يتعلّق بالقضية النووية. حسناً، لقد أقرّ المجلس قانوناً ورحّبت به الحكومة، وحتى أمس فعلوا ما كان ينبغي عمله. إنْ شاء الله في الغد، سيُعمل بمورد آخر من هذا القانون. لكنني سمعت اليوم أنّ هناك اختلافاً في وجهات النظر بين الحكومة والمجلس، أي بين ما فعلته الحكومة، وبين التصوّر الذي لدى المجلس. عليهم حلّ الخلاف في وجهات النظر، ويتوجّب عليهم ألّا يتركوا هذه الخلافات على حالها أو مُفاقمتها بما يوحي بانشقاق في وحدة الكلمة. لا! هذه قابلة للحل ويجب حلّها. في النهاية، الحكومة ترى نفسها مُلزمةً تنفيذَ القانون الذي هو جيد، ويجب العمل به بدقة، كما يجب أن يعمل الجانبان معاً لتحقيق ذلك. هذا الأصل في مسألة القانون.
امتثال الدول الأوروبيّة لالتزاماتها وتجنّب استخدامها لغة التكبّر
أمّا في الجانب الآخر، فإن الدول الأربع -الدول الأوروبية الثلاث وأمريكا- في الكلمات التي يقولونها هذه الأيام وفي البيانات التي أصدروها، الأدبيات التي استخدموها هي لغة تكبّر. يتحدّثون بفوقيّة ومطالبة ودون إنصاف. إنّهم يستخدمون لغةً غير صائبة. إنهم يناقشون باستمرار التزامات إيران في الاتفاق النووي... ولماذا ألغيتم بعض هذه الالتزامات، ولا يُظهرون أنهم أنفسهم لم يفوا بها إطلاقاً منذ اليوم الأول. أي هم الذين يجب لومهم وتوجيه الكلام إليهم. الجمهورية الإسلامية، لمدة طويلة، أوفت بالتزاماتها وفق تعاليم الإسلام التي توجب ذلك. لاحقاً لمّا رأت أنهم يتصرفون بهذه الطريقة، وتلك الدولة (أمريكا) خرجت من الاتفاق، وتماشى معها الآخرون؛ ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾[13]، [في هذه الحالة] القرآن يوصينا بالتخلي عن الالتزام. مع ذلك، لم تتخلَّ حكومتنا الموقّرة عن الالتزامات وخفّضت بعضها تدريجياً [لكن] تمكن العودة عنها. في حال أدّى [الطرف المقابل] واجباته تمكن العودة عنها. رغم ذلك، لا يطرحون هذه القضية إطلاقاً، ولا يُظهرونها، ويتحدثون باستمرار عن قضايا إيران بلغة الاستكبار وأدبياته. فليعلموا -بحثنا مع أمريكا أمر آخر- ولتعلم الدول الأوروبيّة الثلاث أن هذا النوع من الكلام الاستكباري والمتعجرف مكروه للغاية لدى الشعب الإيراني والثورة الإسلاميّة، ويزيد كره الرأي العام تجاههم أكثر مما هو عليه الآن.
تحريم الأسلحة النوويّة على أساس التعاليم الإسلاميّة والتخصيب القائم على احتياجات البلاد
حسنًا، [ذلك] المهرّج الدولي الصهيوني[14] يواصل القول باستمرار إننا لن نسمح [لإيران بامتلاك أسلحة نووية]. من أنت لكي تمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية! لو كان لدى الجمهورية الإسلامية قرارٌ بالوصول إلى سلاح نووي، لم تكن أنت ولا من أكبر منك ليمنعنا. نحن لا نريد ذلك. هذا فكرنا الإسلامي. فكرنا الإسلامي يقول إنّ أي سلاح يتسبّب في قتل الناس غير المسلحين، غير العسكريين، الناس العاديين، ممنوع. هذا سلاح ممنوع. هو ممنوع سواء أكان نووياً أم كيميائياً أم غيره. السبب في أننا لا نسعى إلى هذا السلاح هو الإسلام، وإلّا إن أردنا ذلك، فمن أنتم، وما شأنكم حتّى تمنعوا؟ أنتم أنفسكم لا تلتزمون. أمريكا قتلت 220 ألف شخص من الناس العزّل في يوم واحد. الآن، لا يزال اليمن يُقصف منذ خمس سنوات بطائرات جهّزها الطرف الغربي. يقصفون الأزقّة والأسواق والمساجد والمستشفيات والمدارس، ويقتلون الناس العزّل ويحاصرون الناس بهذه الطريقة. هذا عملهم! الجمهورية الإسلامية لا تقبل هذه الطريقة وهذا الأسلوب، ولذلك لا نفكّر في الأسلحة النووية إطلاقاً. أمّا [النووي] لأغراض أُخرى، فبالتأكيد. حدّ التخصيب لن يكون 20%؛ إذا لزم الأمر مثلاً للمحرّك النووي أو غيره من الأعمال قد نزيد التخصيب إلى 60%. هذه الأعمال هي من الأشياء التي نفعلها عندما نحتاج إليها. تم التوصّل إلى اتفاق يمتد إلى سنوات. فإن عملوا به، فسنعمل به أيضاً حتى ذلك العدد من السنوات، لكن ليس دائماً.
معارضة الأعداء لمقوّمات الجمهوريّة الإسلاميّة هي لابتزازنا
هم يقولون إنّهم يعارضون الأسلحة النووية. إنهم يكذبون؛ هذه ليست قضيّتهم أيضاً، ربما يعرف كثيرون منهم أو جميعهم أننا لا نسعى وراء أسلحة نووية. [إنهم] يعارضون حتّى حيازتنا الأسلحة التقليدية، والإمكانات الدفاعيّة، لأنهم يريدون أخذ مقومات القوة من إيران. وإلا فإنّ مبدأ حاجة البلاد إلى التخصيب هو أمر مسلّم به. في غضون سنوات قليلة، ستكون محطّات الطاقة النووية، بلا شك، واحدة من أهم مصادر الطاقة في البلدان. في اليوم الذي ينفد فيه النفط أو يصبح للنفط وجهات أخرى، ستصير محطّات الطاقة النوويّة التي تُنتج طاقة أكثر سلامةً ونظافةً وأقلّ تكلفةً أمراً شائعاً في البلدان. نحن بحاجة إليها ذلك اليوم [لكن] لا يمكن أن يبدأ التخصيب حينذاك. علينا أن نبدأ اليوم لنكون مستعدّين، ولنكون قادرين، وهم لا يريدون ذلك. الغربيون المستكبرون لا يريدون ذلك. يريدون أن تحتاجهم إيران في اليوم الذي تحتاج فيه إلى الطاقة النووية، وأن تحتاجهم حتى يتمكنوا من فرض شروطهم، وحتى يتمكنوا من الإكراه والابتزاز. إنهم يبحثون عن هذا.
الاعتماد على قوّة الشعب الإيرانيّ وقدرته على الصمود أمام الإكراه
إنهم الآن يسحبون النفط برميلاً برميلاً بأسعار منخفضة -أي الأموال التي تُدفع مقابل النفط منخفضة جدّاً حقّاً- وهم مُطَالِبون أيضاً. لو كان النفط في أيديهم... لنفترض أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تنتج النفط، ونحن في إيران أردنا شراء النفط، ما كانوا ليعطونا إياه بهذه السهولة، لو قنّينة بقنّينة. مثل القول المعروف، كانوا سيضعون فوقها [ديةً عن] والدِيهم حتى يبيعونا مقداراً قليلاً من النفط مثلاً! يريدون أن تكون الطاقة النوويّة على هذه الشاكلة. كلّا! التخصيب هو حاجتنا، وسنحصل عليه، وهو ليس بالشيء الذي يمكن جعله أداة للإكراه وما شابه. ما هو مؤكد لنا أن الجمهوريّة الإسلاميّة لن تتراجع في هذه القضيّة كما في غيرها من القضايا. بعض الأشخاص الذين يرون أنفسهم أقوياء ويعدّون أنفسهم كذلك يريدون ابتزاز الجمهورية الإسلامية وإجبارها على التراجع، [لكنّ] الجمهورية لن تتراجع.
نحن، بتوفيق الله وعونه، سنفعل ما هو مصلحة للبلاد، وما هو حاجة لها، سواء حاجة اليوم أو المستقبل. سوف نتقدم بقدر ما تسمح به قدرتنا -بحمد الله قدرتنا ليست صغيرة؛ قدرة الشعب الإيراني وقابليته كبيرة- وبقدر ما نستطيع، إن شاء الله.
أسأل الله -تعالى- أن يخلِصَ نياتنا لوجهه، وأن يوفّق مسؤولينا كي يتمكّنوا من أداء الواجبات المنوطة بهم، ولا يتعبوا من العمل والمثابرة، وأن يواصلوا ولا يكلّوا، وليبتغوا رضا الله، وأن يشمل دعاء ولي العصر -أرواحنا فداه- حال شعبنا ومسؤولينا، إن شاء الله، وترضى عنا جميعاً روح الإمام [الخميني] العظيم وشهدائنا الأعزاء. نتمنى أن يكون اجتماعكم هذا ناجحاً، إن شاء الله، ويساهم في تقدّم العمل لمجلس خبراء القيادة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1]في بداية اللقاء الذي عُقد في ختام الجلسة الثامنة من الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة، قدّم التقارير آية الله أحمد جنتي (رئيس المجلس) وحجّة الإسلام والمسلمين السيد إبراهيم رئيسي (نائب رئيس المجلس).
[2]حملة المساعدة الإيمانيّة تحت عنوان «المواساة» التي دعا إليها الإمام الخامنئيّ للتكافل بين الناس خلال جائحة كورونا.
[3]سورة النساء، الآية 64.
[4]سورة آل عمران، الآية 146.
[5]سورة سبأ، الآية 46.
[6]سورة هود، الآية 112.
[7]سورة المدّثر، الآية 7.
[8]سورة العصر، الآية 3.
[9]سورة هود، الآية 112.
[10]سورة الأحزاب، الآية 22.
[11]سورة الأنعام، الآية 112.
[12]سورة يونس، الآية 87.
[13]سورة الأنفال، الآية 58.
[14]يقصد الإمام الخامنئي بهذا الوصف رئيس الحكومة في الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.