يتم التحميل...

حول المعاد والعاقبة

محطات من محرم الحرام

حول المعاد والعاقبة

عدد الزوار: 139


 
لا شك أن ظاهرة الموت قد أقلقت الإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض وواجهها، وهو الذي يطمح إلى الخلود والبقاء، وسيطرت على مشاعره وأحاسيسه، واستثارت الأسئلة والشكوك في وجدانه، فسعى إلى حل هذا اللغز المحير بمختلف الوسائل والسبل.

ولقد دفعت هذه الظاهرة الإنسان إلى البحث عن حقيقته وجوهره، نظرا لارتباط ظاهرة الموت بذاته وشخصه، محاولا تفسيرها وفهم حقيقتها، عله يسيطر عليها، ويحقق الخلود والبقاء على المستوى الشخصي والجماعي، فبحث عن الروح وهل هي موجود مادي، أم ما وراء مادي، وهل يطرق الموت باب الروح أيضا، أم أنه منحصر بالجسد وعالم المادة.

انطلاقا من الموقف الذي يتخذه المرء، من حقيقة الإنسان، وما يترتب عليها من فهم لظاهرة الموت، بحيث يلجأ بعضهم إلى القول بأن الموت عدم وفناء، وأنه ليس وراء هذه الحياة شيء آخر، نتيجة اعتقاده بأن حقيقة الإنسان مجرد ظاهرة مادية، شأنها شأن سائر الماديات تمر في هذا العالم مرورا عابرا.

بينما يرى الفريق الآخر، وهو الذي يراه ذا بعد غير مادي، أن الموت عبارة عن انتقال من مرتبة في الحياة إلى مرتبة أخرى أرقى منها، وهو ما بشر به الأنبياء (عليهم السلام)، وتبنته الأديان السماوية على العموم.

استنادا إلى هذا الموقف الثاني يصبح السؤال عن المعاد والعاقبة مبررا من الناحية المنطقية، وأن العودة والبعث هل يقع على الروح أم الجسد أم على كليهما، إذ على الفرض الأول، الذي يرى الموت عدما وفناء، لا معنى لمثل هذا التساؤل كما هو ظاهر.

من هنا يتبين أن حالة الخوف والهلع من الموت، التي يحس بها أكثر الناس ناشئة من عدم اليقين بما يترتب على الموت من حياة أسمى عند بعض الناس، أو من عدم اليقين بالفوز بالسعادة عند بعض آخر، لعدم يقينهم بأن أعمالهم وقعت موقع القبول، واتصفت بصفة العمل الصالح.

فالموت في حقيقته عبارة عن انفصال الروح عن البدن، فيتلاشى البدن ويلتحق بالتراب، وأما الروح فتلتحق بحياتها البرزخية أو الأخروية، وتتفاعل معها.

حقيقة الإنسان:
إلا أن الناس، ونتيجة لأنسهم في البدن وعالم المادة يتوهمون أن البدن هو كل ما تشتمل عليه حقيقة الإنسان، فيظنون أنه نهاية الحياة. ولقد حرص القرآن الكريم على اثبات الحياة بعد الموت، وزيف كثيرا من مقولات المشركين، المستندة إلى استبعاد واستغراب الحياة الآخرة، مفندا ومعالجا لما يرد إلى أذهانهم من شبهات.

كما بينت السنة الشريفة كثيرا من الخصوصيات التي تتعلق بذلك العالم، وأثبتت أن حقيقة الإنسان هي روحه، وأنها تلبس جسدا آخر غير جسده المادي الذي كانت تلبسه في عالم الدنيا، مشابها له، فالجسد ليس سوى ثوب تلبسه هذه الروح والنفس في عالم الدنيا، تقتضيه طبيعة الحياة فيها، ولا دخل له في الحقيقة الإنسانية، فقد ورد عن أبي ولاد الخباط عن أبي عبد الله (عليه السلام): >قلت له: جعلت فداك يرون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش، فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، لكن في أبدان كأبدانهم[1]<.

وعن يونس بن ظبيان قال: >كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ فقلت: يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، يا يونس إذا كان ذلك أتاه محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والملائكة المقربون (عليهم السلام) فإذا قبضه الله عز وجل صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا[2]<.

وقد أثبتت العلوم الطبيعية أن البدن يتألف من مجموعة خلايا تتغير وتتبدل باستمرار، حتى تنتفي جميع الخلايا الموجودة في بداية الخلق مع مرور الزمن، ومع ذلك لا يشك عاقل في أن الذي ولد قبل مدة هو نفسه الذي نراه الآن، وهذا يدل على أن ملاك وحدة الشخص وبقائه شيء آخر غير بدنه المتغير، وهو الذي يتصف بالبقاء، وهي روحه ونفسه.

كما أن الإنسان لا ينعدم بالموت، إذ تركيب الروح والجسد ليس تركيبا كيميائيا، كما هو الحال في الماء مثلا، بحيث تنتفي حقيقته، إذا انتفى أحد العنصرين اللذين يتركب منهما هذا الكائن.

وما دامت روح الإنسان باقية بعد انفصالها عن البدن، وتلاشيه وزواله فهي إذا مجردة وليست مادية، إذ لو كانت مادية لكان شأنها الزوال والإندثار كما هو الحال في المادة.
  
سماحة الشيخ حاتم إسماعيل


[1] بحار الأنوار، ج6، ص268
[2] بحار الأنوار، ج6، ص269

 
2020-09-17