عن أَبي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ (عليه السلام) أنّه قال: «لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فَاطِمَةُ وَالصِّدِّيقَةُ والْمُبَارَكَةُ وَالطَّاهِرَةُ وَالزَّكِيَّةُ وَالرَّاضِيةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْمُحَدَّثَةُ وَالزَّهْرَاءُ». كما وردَ في زيارتِها (عليها السلام): «السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُها الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُها الرَّضِيَّةُ المَرْضِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها الفاضِلَةُ الزَّكِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها الحَوْراءُ الإِنْسِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيَّتُها المُحَدَّثَةُ العَلِيمَةُ».
تحكي الأسماءُ عن الصفاتِ التي يحملُها المسمَّى بذلك الاسم، ولمّا كان من الأسماءِ الإلهيّةِ للسيّدةِ فاطمةَ (عليها السلام) الصدّيقةُ كما وردَ في الروايةِ، فإنّ معنى ذلك أنّها التي جمعت التصديقَ بكلِّ جوانبِه، لأنَّ الصِدّيقَ صيغةُ مبالغةٍ من مادةِ "صَدَقَ" تُقالُ للشخصِ الذي يحيطُ الصدقُ كلَّ وجودِه، وينعكسُ الصدقُ في أفكارِه وأقوالِه وأعمالِه وكلِّ حياتِه، وهذا يعكسُ لنا أهميةَ مقامِ الصدقِ، فلا بدَّ وأنْ يشملَ الإيمانَ والقولَ والعملَ، فعن الإيمانِ قالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾، وعن العملِ قالَ تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقً﴾ وعن القولِ قالَ تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾.
ومن تجلياتِ صفةِ الصدّيقةِ مسألةُ الطاعةِ التامّةِ للهِ عزَّ وجلَّ والتي هي المصداقُ الحقيقيُّ للعبوديةِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ حقيقةَ الإنسانِ تتمثَّلُ في هذه العبوديةِ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه) مُبيِّناً ذلك: «إنَّ قيمةَ فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام) تكمنُ في عبوديّتِها للهِ، ولولا عبوديتُها لَما اتّصفتْ بالصدّيقةِ الكبرى، فالصِدّيقُ هو الشخصُ الذي يُظهر ما يعتقدُه ويقولُه على سلوكِه وفعلِه، وكلّما كان هذا الصدّيقُ أكبرَ، كانتْ قيمةُ الإنسانِ أكثرَ، فيكونُ صدّيقاً، كما قالَ تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾، حيث جاءَ ذكرُ الصدّيقينَ بعد النبيينَ. فكانت هذه العظيمةُ صدّيقةً كبرى، أي أفضلُ صدّيقةٍ، وكانت صدّيقيّتُها بعبادتِها للهِ، فالأساسُ هو عبادةُ اللهِ؛ وهذا لا يختصُّ بفاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام) فحتى أبوها (صلى الله عليه وآله) الذي يُعدُّ مصدرَ فضائلِ المعصومينَ جميعاً، والذي يُشكّلُ أميرُ المؤمنينَ وفاطمةُ الزهراءُ (عليهما السلام) قطراتِ بحرِ وجودِه المتلاطمِ، إنما كانتِ قيمتُه عندَ اللهِ بفضلِ عبوديتِه (أشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه) فقد جاءَ ذكرُ العبوديةِ قبلَ الرسالةِ، بل إنَّ الرسالةَ إنما أُعطيتْ له لعبادتِه؛ لأنَّ اللهَ تعالى يعلمُ بمخلوقِه وما تصنعُ يداه».
ويذكرُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه) في عظمةِ فاطمةَ (عليها السلام): «إنَّ جميعَ خصالِ النبيّينَ والأولياءِ والصدّيقينَ (عليهم السلام) ومقاماتِهم التي بلغوها بما اشتملتْ عليه من مضامينَ مجتمعةٌ في سيدةِ نساءِ العالمينَ (عليها السلام)، بل إنَّ لها من الحالاتِ في مقامِ القربِ من اللَّهِ تعالى ما لا يسعُها ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ حيث قد وصلتْ إلى ما لم يصلوا إليه وهو الثابتُ للنبيِّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّةِ الأطهار (عليهم السلام) دونَ غيرِهم».
وختاماً نرفعُ آياتِ العزاءِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عج) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ جميعاً بذكرى شهادةِ الصدّيقةِ الطاهرةِ الواقعِ في الثالثِ من جمادى الآخرةِ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين