عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً ... جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ ، والتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ . رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ ، ولَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ . اغْتَنَمَ الْمَهَلَ ، وبَادَرَ الأَجَلَ ، وتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ».
يتحدّثُ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) وبأسلوبِ الدعاءِ للهِ عزَّ وجلَّ بأنْ يُنزِلَ رحمتَه على عبدٍ جمعَ خصالاً وصفاتٍ في حياتِه الدنيا تؤهلُه ليكونَ من أهلِ الفوزِ في الآخرةِ وهذه الصفاتُ هي:
1- الصبـرُ معبـرُ النجاةِ: فالصبرُ بمعنى تحمُّلِ الشدائدِ التي يواجهُها في هذه الدنيا تشملُ الصبرَ عن المعصيةِ والصبرَ على الطاعةِ. وبهما يتحرَّزُ الإنسانُ عن تركِ الطاعةِ أو الوقوعِ في المعصيةِ، وقد وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) لما سُئِلَ عن الصابرينَ المتصبِّرينَ: «الصابرونَ على أداءِ الفرائضِ، والمتصبّرونَ على اجتنابِ المحارمِ».
2- التقوى زادُ الآخرةِ: إنَّ من أهمِّ ثمارِ التقوى في هذه الدنيا فضلاً عن اجتنابِ المحارمِ الابتعادَ عن الشبهاتِ، ولذا وردَ وصفُها في كلامٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ ، حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ». وبهذا يسلكُ المؤمنُ برحمةٍ من اللهِ عزَّ وجلَّ طريقَه إلى الجنانِ، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، والْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ... فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ والْجُنَّةُ ، وفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ».
3- الإستقامةُ التامةُ على النهجِ الحقِّ: بما أنَّ طريقَ الجنةِ محفوفٌ بالمكارهِ، والشيطانَ لا يكلُّ في كيدِه لهذا الإنسانِ فإنَّ المطلوبَ من المؤمنِ لزومُ منهجِ الحقِّ وعدمُ مفارقتِه لأنَّه وإنْ كان واضحاً جليّاً إلَّا أنّه طويلٌ كثيرُ المخاوفِ، وسالكُه في حربٍ دائمةٍ مع الشيطانِ الذي يسعى للإيقاعِ به.
4- الإستفادةُ من العمرِ: فأيامُ المهلةِ هي أيّامُ عمرِه في حياتِه الدنيا واغتنامُها يكونُ بالعملِ فيها قبلَ يومِ الحسابِ، وفي لحظةِ الموتِ تنتهي الفرصةُ المعطاةُ لهذا الإنسانِ وحينئذٍ يكونُ الموقفُ هو ما وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ، قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟»، ولما كانت لحظةُ الأجلِ مجهولةً فالعاقلُ من يُحسنُ الاستفادةَ ولا يكسلُ، فإذا جاءَكَ محتاجٌ بحاجةٍ فعجِّلْ بقضائِها له فإنَّك بذلك تُحمِّلُه زادَ الآخرةِ، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «وإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُوَافِيكَ بِه غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْه، فَاغْتَنِمْه وحَمِّلْه إِيَّاه، وأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِه وأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْه».
5- المبادرةُ للإستفادةِ من العملِ: العملُ الصالحُ يبدأُ من بدايةِ سنِّ التكليفِ، وصاحبُ المبادرةِ هو صاحبُ الفوزِ، والإسراعُ مذمومٌ في طلبِ الدنيا ولكنه ممدوحٌ في طلبِ الآخرةِ بفعلِ أسبابِ الفوزِ فيها، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «فَسَابِقُوا رَحِمَكُمُ اللَّه إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا، والَّتِي رَغِبْتُمْ فِيهَا ودُعِيتُمْ إِلَيْهَا، واسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللَّه عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِه، والْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِه، فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ، مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وأَسْرَعَ الأَيَّامِ فِي الشَّهْرِ، وأَسْرَعَ الشُّهُورِ فِي السَّنَةِ، وأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين