قال الإمام الرضا(عليه السلام): «اتّقوا الله أيُّها الناسُ في نعمِ اللهِ عليكم فلا تنفِّروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعتِه وشكرِه على نعمِه وأياديه».
إنّ لتنزُّلِ نعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ على عبادِه قوانينَ وسُنَناً جعلَها اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ وبعضُ هذه الأسبابِ ترتبطُ بسلوكِ الناسِ وتصرُّفِهم في النعمِ التي تتنزلُ عليهم، فالحفاظُ على النعمِ واستدامتِها يسيرُ وفقَ أمورٍ جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ التمسكَ بها باباً لذلك، وتتحدثُ الروايةُ عن الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرضا (عليهما السلام) عن بعضِ هذه الأسبابِ وهي ثلاثة، سببٌ موجبٌ لزوالِ النعمِ وسببانِ موجبانِ لدوامِها:
1- المعصيةُ تُزيلُ النعمَ: إنّ صفةَ الرحمةِ الواسعةِ تفترضُ عطاءً دائماً من اللهِ عزَّ وجلَّ لعبادِه، ولكنَّ سوءَ تصُّرفِ العبدِ يؤدي إلى حرمانِه من النعمِ، فقد وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «شكرُ النعمةِ اجتنابُ المحارمِ، وتمامُ الشكرِ قولُ الرجلِ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ»، وفي دعاءِ كُميلِ بنِ زيادٍ نقرأُ: «اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ» ووردَ في روايةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) بيانُ بعضِ تلك المعاصي، يقولُ: «الذُّنُوبُ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ: الْبَغْيُ عَلَى النَّاسِ، وَالزَّوَالُ عَنِ الْعَادَةِ فِي الْخَيْرِ، وَاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ، وَكُفْرَانُ النِّعَمِ، وَتَرْكُ الشُّكْرِ».
2- الطاعةُ سببٌ لدوامِ النعمِ: من أبرزِ مظاهرِ الشكرِ طاعةُ المنعمِ عليك، وهذه الطاعةُ متى كانت لربِّ العالمينَ فإنّ مصلحتَها تعودُ للعبادِ أنفسِهم لأنّه الغنيُّ عن العالمينَ، ومن سعةِ عطائِه أنْ يعطيَ من يطيعُه المزيدَ، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «واستتمّوا نعمَ اللَّهِ عليكم بالصّبرِ على طاعتِه والمجانبةِ لمعصيتِه».
3- الشكرُ سببٌ لازديادِ النعمِ: تتنّزلُ النعمُ على الإنسانِ تدريجاً، فاذا بدأت النعمُ فتبعها الشكرُ من الإنسانِ زادَ اللهُ في نعمِه عليه، وهذا ما عبّرَ عنه أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بأطرافِ النعمِ، يقولُ (عليه السلام): «إذا وصلتْ إليكم أطرافُ النّعمِ، فلا تنفّروا أقصاها بقلَّةِ الشّكر».
ويصادفُ آخرُ شهرِ صفر ذكرى شهادةِ الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرضا (عليهما السلام)، ويلخّصُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظله) ما قامَ به الإمامُ (عليه السلام) بقولِه: «وضعَ الإمامُ الثامنُ سلامُ اللهِ عليه خطّةً إلهيّةً حكيمةً محكمةً وقامَ بتنفيذِها والاستمرارِ بها ليس فقط لإفشالِ أهدافِ السلطةِ، بل وصلَ إلى نتائجَ معاكسةٍ لخطّةِ المأمون، ممّا أدّى إلى رواجِ وانتشارِ فكرِ المعارفِ القرآنيّةِ النابعِ من أهلِ البيتِ، في جميعِ أقطارِ العالمِ الإسلامي. كانت حركةً عظيمةً، بالاتّكالِ على اللهِ تعالى وبالتدبيرِ الإلهيِّ وبتلك النظرةِ الولائيّةِ الشافيةِ، استطاعَ الإمامُ الثامنُ سلامُ اللهِ عليه أن يقلبَ الخطّةَ المعاديةَ للسلطةِ السياسيّةِ المتجبّرةِ والظالمةِ وأن يحوّلَها لصالحِ أهدافِ الحقِّ والحقيقةِ. هذا فصلٌ مجيدٌ وناصعٌ من تاريخِ الأئمّةِ (عليهم السلام)».
وأما الدرسُ المستفادُ من حياةِ الإمامِ الرضا (عليه السلام) طبقاً لما يذكُره الإمام الخامنئيُّ (دام ظله) فهو: «يا أيُّها المسلمُ! لا يُرهقُك الكفاحُ. لا تَنَم لأنَّ العدوَّ في يقظةٍ دائمةٍ ويبرزُ لك بصورٍ متعددةٍ وفي ألبسةٍ وأقنعةٍ متنوعةٍ وبزينةٍ ملوّنةٍ؛ فليكنْ لديك بصرٌ ثاقبٌ، اعرفْ العدوَّ وتعلّمْ سبيلَ مكافحةِ العدوِّ واستمرّ بالكفاحِ كعليٍّ بنِ موسى الرّضا(عليهما السلام) حتى الرّمقِ الأخيرِ«.
عظّم اللهُ لكم الأجَر بشهادةِ ثامنِ الحججِ الإمامِ عليٍّ بنِ موسى الرضا (عليهما السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين