يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في مستهلّ بحث الخارج للفقه

2019

كلمة الإمام الخامنئي في مستهلّ بحث الخارج للفقه

عدد الزوار: 177

كلمة الإمام الخامنئي في مستهلّ بحث الخارج للفقه- 17/09/2019

بسم الله الرحمن الرحيم


ها هي أيام محرم، أي العشرة الأولى من هذا الشهر العظيم قد انقضت. والذين يشاركون في بعض المجالس من قِبَلنا ويراقبون (الحضور) ويقدّرون (أعدادهم) ويرفعون التقارير إلينا، أشاروا في تقاريرهم - هذا بالإضافة إلى ما شاهدناه بأنفسنا عبر التلفاز وغيره - إلى أن المجالس في هذا العام ولله الحمد كانت مزدهرة للغاية بل كانت أكثر ازدهاراً من العام الماضي. وإنّ لفي هذا دلالة كبيرة المعنى بأن تُقام المجالس في شتى مناطق طهران ويشارك (في كلِّ واحد منها) عشرون وثلاثون ألفاً من أهاليها، يستمعون إلى الخطباء ويذرفون الدموع برثاء الراثين. وفي هذا مؤشر على الصلة بأهل البيت (عليهم السلام). فإنه رغم كلّ ما يقوم به أعداؤنا من إعلام مضادّ ضد المقدسات، سواء في التلفاز أو في الإذاعات أو اليوم في الفضاء المجازي، ورغم كلّ وسائل اللهو واللعب والجاذبيات المختلفة المتاحة أمام الشباب، تشهدون بأنه إذا هلّ هلال محرم تتدفّق الأمواج الجماهيرية الهائلة باتجاه خيمة الحسين بن علي (عليهما السلام) وغالبيتهم من الشباب، رغم أنّ الكهول والشيوخ لهم تواجدهم كذلك والحمد لله، بيد أنّ الشباب المعرّضين لهجمات العدوّ [حضورهم] أكثر. وهذا ما ينبئ عن مفهوم بالغ الأهمية ويدلّ على أنّ شعبنا يواصل دربه تحت خيمة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

أنا اليوم وقبل البدء بالبحث الفقهي دوّنتُ بضعة أمور لأطرحها عليكم.
إنّ الشعب في طور اتّخاذ القرار. ففي مواجهة الأمواج الإعلامية الواسعة والهائلة والعميقة التي تثيرها الجبهة المعادية لبلدنا وللمقدسات، تظهر أحياناً في زاوية من زوايا البلد علامة من هذه الأمواج التي هي غالباً ما تكون خفيّة سرّية، وهذا ما يدلّ على مدى نشاط العدوّ في هذا المضمار. علماً بأنّنا على علمٍ واطّلاعٍ بجانب كبير من هذه المؤامرات والمخططات، وأجهزة البلد المختلفة واقفة على مجريات الأمر والحمد لله، بيد أنّ الأهمية تكمن في دور الناس. وهذا هو السبب الذي يدعوني إلى التأكيد على دور الشباب ودور الناس في كلّ خطاباتي أو جلّها.

إلى الإخوة والأخوات وإلى كلّ من سيطرق مسامعه هذا الحديث! إنّ زمام أمور تحسين أوضاع هذا البلد هي بيد أبنائه ولا سيما الشباب. ففي ظلّ عزم الناس وإرادتهم وبصيرتهم وإيمانهم بمقدور كلّ شيء في هذا البلد أن يتّخذ سبيله في المسار الصحيح وأن يأخذ بالبلد إلى تلك النقطة المنشودة. وتأكيدنا على الطاقات الداخلية والقدرات المحلية، سواء في القضايا الثقافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، يعني ضرورة أن تُحمَل هذه المسألة على محمل الجدّ. ففي كافة المجالات، حتى في مجالات الأجهزة التخصصية كالقضايا الأمنية وغيرها، بوسع الناس أن يمدّوا يد العون وأن يعملوا على تسيير عجلة الأمور وإصلاحها.

نحن اليوم قد قطعنا خطوات تقدمية في المجال العلمي، والتقدم هذا ناجم عن همّة جانب من مجتمعنا وهمّة شبابنا، والكلام ذاته يجري في المجالات التَقَنية أيضاً. وهنالك أنباء جيّدة في مجال الإنتاج وازدهاره، وسيرى الناس ثماره لاحقاً إن شاء الله. نحن نشهد اليوم، رغم حالات الغفلة والتقصير، إنجاز أعمال جيّدة، والحركة في الوقت الراهن تتّجه باتجاه الأهداف المطلوبة إن شاء الله.

إنّ علاج مسائل البلد ومشاكله المختلفة بيد الناس، فلا ينبغي النظر إلى الأجنبي ولا ينبغي عقد الأمل على الدولة الفلانية والبلد الفلاني، ولا ينبغي الاتكال على مجالسة هذا وذاك. ولا يلتبس الأمر، نحن لا نقول بإغلاق باب مجالسة دول العالم.. كلا، فلقد كنتُ ولسنوات رئيساً في هذا البلد، وكنّا أهل محاورة ومجالسة، بيد أن المجالسة شيء؛ وإناطة أمور البلد بمجالسة هذا وذاك شيء آخر، والثاني هو الذي ننهى عنه ونمنعه. فاستفيدوا من إمكانيات العالم ما استطعتم، ولكن اعلموا أن حلّ المشاكل ومعالجتها يكمن في داخل البلد وبيد الناس.

لا يمكن توقّع العون والمساعدة من الأجانب لصالح الجمهورية الإسلامية التي فتحت طريقاً جديداً في العالم. إنّ الجهورية الإسلامية تطرح كلمة جديدة في العالم، والمتمسّكون بالنظام الرأسمالي الغربي المتهرئ لا يمكنهم أن يرحّبوا بهذا النداء الجديد والقول الجديد والطريق الجديد وأن يمدّوا يد العون إليه.. هذا أمر متعذّر. بل يعادونه بكلّ قدراتهم وهذا ما فعلوه ولكنّهم لم ينجحوا بالطبع ولم يصل عِداؤهم إلى النتيجة المرجوّة، سيما من كان عداؤه سافراً كأمريكا. ونحن من انتصرنا بحول الله وقوته وسننتصر بعد اليوم أيضاً، ولكن هذا ما يجب علينا عمله.

واليوم تشاهدون بأنّ الأمريكيين باتوا يتابعون قضية التفاوض مرة أخرى، ولكن على الجميع أن يعلم وأن يلتفت إلى أنّ هذه ليست سوى غيلة وحيلة. علماً بأنّ الأمريكيين لا يتحدّثون على نسق واحد، فتارة يقولون «تفاوض من دون شرط» وتارة يقولون «تفاوض من دون شرط مسبق» وأخرى يقولون: «تفاوض مع 12 شرطاً»، وهذا في الحقيقة إما ناتج عن سياستهم المضطربة وعدم علمهم بما يريدونه وهو أمرٌ محتمل، أو أنهم يمارسون المكر والدسيسة، وهذه هي إحدى الدسائس: يقول أحدهم شيئاً ويقول آخر شيئاً آخر، من أجل أن يَدَعوا الطرف الآخر في حيرة، ولكننا لا نقع في حيرة، لأنّ طريقنا واضح بيّن ونعلم ما الذي نريد فعله.

إنّ أمريكا التي تدعو إلى التفاوض لا تريد بذلك التوصّل إلى حلّ عادل، وإنما تريد القول تعالوا نجلس خلف طاولة المفاوضات فنقول نحن شيئاً وأنتم تقبلون به.. هذا هو المراد من المفاوضات. واليوم باتوا يصرّحون بهذا لما يتسمون به من وقاحة وصلافة شديدة. ففيما مضى كنتُ أقول بأنّ هذا هو مراد الأمريكيين والبعض ينكر ذلك، بيد أنّ الأمريكيين أنفسهم باتوا يصرّحون اليوم بهذه الحقيقة. قبل بضعة أيام أشار أحدهم إلى هذا المعنى قائلاً علينا أن نجلس خلف طاولة المفاوضات مع إيران وعليها أن تقبل بهذه الأمور.. هذا هو مرادهم من التفاوض: نحن نقول شيئاً وأنتم تقبلون به. حسناً.. فليذهبوا إلى من يتعاملون معه كبقرة حلوب ويتفاوضون معه كيفما شاؤوا، أما الجمهورية الإسلامية فهي جمهورية المؤمنين وجمهورية المسلمين لله وجمهورية العزة، ولا ترضخ للمفاوضات التي تعني قبول كلام هذا وذاك.

ثمة نقطة هامة يجب عليكم أنتم الفضلاء والعلماء الكرام - وبينكم خطباء وأناس لهم تعاملهم مع الناس - وعلى عامة الناس كذلك لا سيما الخواص منهم أن يلتفتوا إليها. هنالك سياسة تتّبعها الإدارة الأمريكية وهي سياسة الضغوط القصوى ضدّ الجمهورية الإسلامية، وهذا ما يصرّحون به هم أيضاً. فإنّ هذا هو قول الإدارة الأمريكية الحالية: لا يمكن إخضاع الجمهورية الإسلامية وإرغامها على القبول والتواضع من خلال المجالات وأمثالها، وإنما لا بد من ممارسة الضغوط القصوى. وهي، كما ترون، تتمثّل في أنواع العقوبات المختلفة والتهديدات المستمرة والتخرّصات المتواصلة والمتنوعة في وسائل الإعلام وغيرها.. هذه هي الضغوط القصوى. وقد عقدوا آمالهم على أن تترك هذه الضغوط أثرها. والرئيس الأمريكي يريد إيصال هذه السياسة إلى النتيجة المرجوة أولاً لمنافسيه في الداخل وثانياً للأوروبيين وثالثاً لتثبيتها على أنها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الحتمية بأنّ مواجهة إيران لا تتيسّر إلا من خلال فرض الضغوط القصوى.

ولكن كيف يريدون إثبات أنهم نجحوا في ذلك؟ لأنّ سياسة الضغوط القصوى لم تنجح حتى اليوم وهذا ما هم يعترفون به. فإنّ هنالك الكثير من الأمريكيين وغيرهم في العالم يقولون بأنّ سياسة الضغوط القصوى لأمريكا لم تتمكّن من إخضاع إيران، وهو كذلك بالتأكيد. فكيف يريدون إثبات أن هذه السياسة قد تركت تأثيرها؟ من خلال جرّ المسؤولين في الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات، فيقولون انظروا! هؤلاء هم الذين كانوا يقولون بأننا لا نفاوض أمريكا، بيد أنّ الضغوط القصوى أجبرتهم على الجلوس خلف طاولة المفاوضات.. الهدف من هذه العملية هو أن يُثبتوا للجميع ويثبّتوا ذلك في السياسة الأمريكية بأن فرض الضغوط القصوى هو السبيل الوحيد لمواجهة الجمهورية الإسلامية.. هذه هي سياستهم.

ونحن في المقابل يجب أن نلتفت إلى أنّ عدوّنا لو تمكّن من إثبات أنّ سياسة الضغوط القصوى هي السبيل لمواجهة إيران وأنها ستترك أثرها عليها، فإنّ إيران سوف لن ترى الاستقرار والراحة مطلقاً، لأنهم كلّما طالبوا الجمهورية الإسلامية بشيء؛ تعسّفاً وتغطرساً؛ إن قالت لهم سمعاً وطاعة ينتهي الأمر وإن امتنعت عن الانصياع لهم فرضوا عليها أقصى ما يمكن من الضغوط. إذا تبيّن وثبت بأن سياسة الضغوط القصوى تفعل فِعلتها وتترك أثرها فإنّ الجمهورية الإسلامية وبلدنا العزيز وأبناء شعبنا الأعزاء سوف لن يشهدوا حقاً وجه الراحة أبداً، لأن هذه السياسة ستقف وراء كلّ المطالب اللاشرعية والاستكبارية والتعسفية الأمريكية.. هذه هي القضية. إنّ كلّ إصرارهم على التفاوض وتوسيط بعض الأوروبيين في ذلك - وسوف أتحدث في وقت لاحق حول الأوروبيين - وإصرارهم على اللقاء بالرئيس الأمريكي وأنه يؤدي إلى معالجة كافة مشاكلكم، كلّ هذا هو من أجل إثبات أنّ سياسة الضغوط القصوى كانت ناجحة وهي سياسة لابد من اتّباعها ضدّ إيران. ونحن في المقابل يجب علينا إثبات أن سياسة فرض الضغوط القصوى لا تعدل عند الشعب الإيراني جناح بعوضة.

ولو أردنا استخلاص الحديث في جملتين، نقول أولاً التفاوض مع أمريكا يعني فرض مطالبها على الجمهورية الإسلامية، وثانياً التفاوض يعني استعراض نجاح سياسة فرض الضغوط القصوى من قِبَل أمريكا. ومن هنا شاهدتم بأن رئيس الجمهورية المحترم ووزير الخارجية والمسؤولين في البلد برمّتهم قالوا بصوت واحد ولسان واحد نحن لا نفاوض أمريكا، لا في مفاوضات ثنائية ولا في مفاوضات متعددة الأطراف.

ولو أنّ أمريكا تراجعت عن كلمتها وعادت إلى تلك المعاهدة النووية التي نقضتها، وتابت عن فِعلتها، ودخلت في عِداد البلدان المعاهِدة؛ عند ذلك يمكنها أن تشارك ضمن تلك البلدان المعاهِدة وأن تتباحث مع إيران، وإلّا فسوف لن يجري أيّ تفاوض على أيّ مستوى بين المسؤولين في الجمهورية الإسلامية وبين الأمريكيين، لا في السفر إلى نيويورك ولا في أيّ مكان آخر. وهذا ما صرّح به رئيس الجمهورية المحترم ووزير الخارجية والمتحدث المحترم باسم الخارجية أيضاً كما شاهدتُ ذلك ليلة أمس عبر التلفاز، وهذا يعني أنّ الجمهورية الإسلامية تعلم ماذا تريد أن تفعل.

على مدى أربعين عاماً لم يتمكّن هؤلاء من التغلّب على الجمهورية الإسلامية رغم ممارسة أنواع المكائد والدسائس، وسياساتهم أمام سياسات الجمهورية الإسلامية هُزمت واحدة تلو أخرى، وبعد اليوم أيضاً سيُهزمون أمام الجمهورية الإسلامية بحول الله وقوته، والجمهورية الإسلامية ستخرج من هذا الميدان شامخة عزيزة مرفوعة الرأس.

2019-10-14