كلمة السيد حسن نصر الله في الليلة الخامسة من شهر محرم الحرام
2019
كلمة السيد حسن نصر الله في الليلة الخامسة من شهر محرم الحرام
عدد الزوار: 256كلمة السيد حسن نصر الله في الليلة الخامسة من شهر محرم الحرام 1440 هجري 14-09-2018
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبيين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. السلام عليك ياسيدي ومولاي يا ابا عبد الله يا ابن رسول الله وعلى الارواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعا سلام الله ابدا مابقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله اخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. الاخوه والاخوات السلام عليكم جميعا ورحمه الله وبركاته.
في الحديث السابق تحدّثنا عن معرفة الدنيا من خلال الوحي الإلهي، القرآن الكريم، أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، أحاديث أهل البيت عليهم السلام وما نقلوه أيضاً عن الأنبياء السابقين عليهم السلام. طبعاً كل ما يمكن أن يقال عن الدنيا وعن الحياة الدنيا، عن حقيقتها، عن زخارفها، عن مكرها، عن كيدها، عن تطلعاتها عن عن ... كل هذا ورد في الروايات والأحاديث الشريفة التي عرضتها في خدمتكم في الحديث السابق هو البعض وليس كل شيء وإنما أخذنا الصفات الأساسية بما يتّسع له الوقت. اليوم سنكمل القسم الثاني وبطبيعة الحال دائماً عندما تكون هناك مقاربة للحياة الدنيا وحقية الحياة الدنيا يجب أن يكون إلى جانبها دائماً المقاربة للآخرة لأنه يوجد علاقة تلازم بينهما حتى بالتسمية، فقد سميت الدنيا بالدنيا من الدنية لأنها دون الآخرة وبعضهم يقول لأنها قبل الآخرة وبكلا المعنيين فهي مرتبطة بالحياة الآخرة. إرتباط الدنيا بالآخرة هو إرتباط بالوجود، بالأسباب والنتائج، إرتباط بمجموع التخطيط الإلهي والإرادة الإلهية للبشر منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة وإلى ما بعد قيام الساعة في الخلود. واليوم أو الليلة بالوقت المتاح إن شاء الله وطبعاً الحديث عن الآخرة هو أطول بكثير من الحديث عن الدنيا ولكن بناءً على الإختصار وملاحظة الوقت سأعيد التذكير وأقارن يعني سأدخل للآخرة بالإختصار الشديد ولكن من باب المقارنة من جهة كي نأكّد التوصيف الذي حكينا عنه عن الدنيا ومن جهة ثانية كي نضوّي أكثر على مواصفات الآخرة.
أولاً قلنا أن الدنيا فانية وزائلة في المقابل أن الآخرة باقية وخالة وأبدية، طبعاً هؤلاء على المستوى العقائدي هم من الواضحات إن على مستوى رسالات السماء وعلى مستوى الرسالة السماوية الخاتمة. إذاً الصفة ال,لى للآخرة في مقابل الدنيا هي البقاء والخلود والأبدية.
ثانياً قلنا بأن الدنيا عمرها قصير وسريعة الإنقضاء، فإذا جئنا للدنيا سواء أخذنا حياة الأفراد كأفراد كم سيعيش الفرد 50 60 100 سنة؟! بعدها ستنتهي حياة الدنيا بالنسبة لي كفرد، أو إذا أخذنا مجموع البشرية منذ أن خلق الله آدم إلى الآن لا يوجد تقدير دقيق للتاريخ البشري (المدى الزمني) الإسلام أو القرآن أو أحاديث أهل البيت أو حتى الصحابة لا أحد قدّم تقدير بشري زمني، أما غير الرسالة الإسلامية فقالوا 5000 سنة وهذا غير صحيح فاليوم الإثباتات العلمية يمكن أن تحدد لك أن هذه الجثة أو هذه العظام أو هذا المكان تعود لمئة ألف سنة أو 150 ألف سنة أو مليون سنة أو.. ولا شك أن في الأنحاث العلمية تجاوزوا ل 5000 سنة، فهناك إكتشاف تتحدث عن 10000 سنة وبعضها 12000 سنة وممكن أكثر من ذلك فمنذ مدة قرأت دراسة لكن لم أدقق لأرى كم هي موثوقة أو لا تتحدث عن 100000 سنة لكن بكل الأحوال كم بقي من العمر؟! فحتى القرآن الكريم عندما يتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصفه أنه خاتم النبيين ثم نأتي للروايات فتقول عن نبيّنا أنه نبيّ آخر الزمان يعني نحن في آخر الزمان ويمكن أن يكون آخر الزمان 100 سنة 200 سنة 500 سنة الله أعلم لكن الأكيد أن آخر الزمان ليس أطول مما مضى يعني ما مضى هو أطول مما هو باق. إذاً مجموع البشرية على الأرض كم عاشوا؟ وكم سيعيشوا؟ 100 ألف سنة أو 200 ألف سنة!! لكن عندما نأتي للحياة الآخرة فهناك نتحدث عن الخلود والطول اللامتناهي، وأنا أحياناً كي أوضّح الفكرة أكثر أقول مليارات مليارات......السنين حتى ينقطع النفس إلى ما لا نهاية لنقول كم هو العمر طويل هناك بينما العمر هنا حتى لو بدا لنا أنه طويل ولكن هو في حقيقة الحال قصير.
ثالثاً، تكلمنا أن الدنيا متقلّبة تتصرّف بأهلها حالاً بعد حال كما يقول الحسين عليه السلام، يوم يكون شخص بالسجن في اليوم التالي يصبح رئيس ويوم واحد رئيس وفي اليوم الثاني نراه بالسجن وآخر غنى نراه فيما بعد فقير ممسوح واحد يكون بصحة وعافية وفجأة بين ليلة وضحاها يصبح مريض على مشارف الموت... الله أعلم هذه حال الدنيا متقلّبة، أمّا في الآخرة لا يوجد هكذا شيء بالنّسبة لأهل الجنّة هناك مسار ثابت وتصاعدي في النّعم الإلهية وهذا المعنى موجود في الروايات أنّ الله سبحانه وتعالى يمنّ عليهم ويمن عليهم ويزداد منّاً عليهم وينعم عليهم في بعض الظروف أو نتيجة بعض التوجهات فيكون مسار الجنة مسارُ تصاعدياً، يعني لا يوجد صحّة ويخاف من بعدها أن نصل إلى سقم ولا يوجد أمن يُخاف من بعده أن نصل إلى خوف أو إضطراب، ولا يوجد عزّ بعده ذلّ ولا قوة بعدها ضعف ولا غنى بعده فقر بل هناك العزّة في مسار متصاعد والغنى في مسار متصاعد مما يهبه الله لعباده الصالحين الذين دخلوا الجنّة، الأمن في مسار متصاعد ... وهكذا، إذاُ ليس وضع متقلّب. والنار ذات الشيء إلاّ إذا الله سبحانه وتعالى تداركت رحمته بعض من أدخلهم النار فيعفوا عنهم وينقلهم إلى مكان ما في الجنة لكن هذا التقلّب الذي تحّدثنا عنه في الدنيا ليس موجوداً في الآخرة بالخصوص بالنّسبة لأهل الجنّة. قلنا عن الدنيا أنها ممرّ قنطرة جسر هذه التعابير التي وردت في الأحاديث الشريفة، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول "مثلي ومثل الدنيا كراكبٍ سار في يومٍ صائف"، بالمقابل الآخرة هي دار المقام دار المقرّ دار البقاء دار القرار كما جاء في بعض الآيات الكريمة { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاعٌ وإنّ الآخرة هي دار القرار} يعني الدار التي يستقرّ فيها الإنسان إلى الأبد فكل العناوين المؤقّتة التي تتصف بها الدنيا تصبح هنا منتفية بالكامل وتنتهي بالكامل.
من جملة العناوين التي تحدّثنا بها عن الدنيا أنها ليست مخلوقةً لنفسها وإنّما هي مخلوقة لغيرها، يعني هي لم تكن في يوم من الأيام بالنسبة لله سبحانه وتعالى لا الهدف ولا الغاية ولا المقصود، في المقابل ادنيا خُلقت للآخرة يعني الآخرة هي الدار التي خُلقت من أجلها الدنيا ليعمل الإنسان فيها من أجل آخرته وليعمل فيها ليبني لآخرته وليصنع في آخرته وليوجد في آخرته، هذه الدنيا هي دار العمل، في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن المضمون العقائدي للفكرة هو أن الجنة فعلاً موجودة والنار فعلاً موجودة ومخلوقة الآن ويخرج البعض ليسأل أين هم؟ لكن نحن لننتهي من السماء الدنيا والإكتشافات العلمية التي ما زال العلماء إلى الآن يكتشفون كواكب جديدة ومجرات جديدة ومليارات النجوم ومئات ملايين المجرات وإلى الآن ما زلنا في السماء الدنيا ولم نتكلم عن السماء الثانية والثالثة والرابعة والخامسة.. على كل حال في هذا الوجود المتّسع الله سبحانه وتعالى فعلاً خلق الجنة والنار، لكن النبي ماذا يقول؟ يقول أن في الجنة هناك مساحات ضخمة هي فيعان يعني أرض ملوات مثل الآن هناك عادة موجود عنا في الضيع الأب إذا كان لديه قطعة أرض كذا دونم فيقول لولده خذ هذا دونم أرض وأنت عمّر عليه وعلى الولد أن يذهب ويشتغل ويجلب فلوس ويستحصل على رخصة ويأتي بالحديد والتراب وو... ويبدأ عمار بالتدريج فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يشبّه ما يجري في الدنيا الآن كما بالجنة ذات الشيء فيقول هي تيعان يعني أنت الذي تبني جنّتك خلال حياتك في الدنيا مثلاً عندما تقوم بعمل صالح هنا في الدنيا في نفس الوقت يوجد شيء ركب في الجنة في نفس لوقت، إذا دفعت صدقة قهناك شيء بُني هناك، إذا صليت أو صمت زكيت خمّست حجّيت إعتمرت زرت قرأت قرآت قرأت دعاء إستغفرت ذكرت مؤمن صافح مؤمن مؤمن عانق مؤمن قضاء حاجة الناس دافعت عن الناس دافعت عن الحرمات والأعراض والكرامات ... كلّه يتجسّد هناك، هذا العمل الذي تقوم به في الدنيا يُترجم في نفس اللحظة هناك كما وردت في القرآن والأحاديث أنهار من لبن وعسل مصفى وخمر وماء غير آسن الحدائق الجنات النخيل الأعناب الفواكه الأرائك لباس السندس والإستبرق الآنية والقصور والحور وما شاكل هذا كله أنتَ من تصنعه وما فوق ذلك وهذا سأتكلّم عنه فيما بعد أن القصة في الجنة ليست أنهار وأكل وشرب وقصور وحو وما شاكل. إذاً الدنيا في الحقيقة خُلقت لتصنع فيها آخرتك ونفس الشيء بالمقابل في جهنّم إذا كذب أو سرق أو أفسد أو مد يده على المال العام أو قتل بالحرام أو يزني أو يصنع فتنة بين الناس أو بغتاب هذا كلّ÷ يتجهّز له هناك دركات وخنادق ونار تستعر وتبدأ بالإشتعال من الآن إلى أن تصل إليها أنت كما الجنّة تماماً. كذلك في الجنّة هناك حديث مضمونه أن أحد يسأل الإمام أنه الآن ما شاء الله لدينا في الجنة نتيجة أعمالنا الصالحة قصور وجنات وحدائق وما شاكل قيقول الإمام له المهم أن لا ترسلوا ناراً فتحرقوها، لأنه بعد أن يعمل الإنسان الصالحات يعود ليعمل السيئات فيكثر من السيئات بطبيعة الحال ميزانه سيختلف وهذا مثل بعض الرذائل الأخلاقية كالعجب والكبر التي تشبّهها بعض الروايات بالذئاب فالإنسان يجمع الغنم ويجمع ويجمع ليصبح عنده عدد كبير بعد قليل يفلت عليهم ذئبان لا يتركوا له شيء وهؤلاء الذئبان ممكن أن يكونا صفات نفسية عنده مثل العجب والكبر وما شاكل. الدنيا هنا هي دار عمل وهي مخلوقة لغيرها والخرة هي الغاية وهي المقصود وهي التي دُعي الناس ليتطلّعوا إليها ويعملوا لها فالله تعالى يقول :{تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} الله سبحانه وتعالى يريد لكم الآخرة ويتطلّع إلى آخرتكم فهذه الدنيا هو لا يراها والله عزيزٌ حكيم. وبناءً عليه الدنيا هي دار العمل وكما قلنا في المرة الماضية فهي دار إمتحان وإبتلاء وإختبار،ب الآخرة لا يوجد شيء من هذا فلا عمل ولا تكليف ولا هناك إبتلاء ولا إختبار ولا إمتحان فنحن أنهينا إمتحانات ومن نجح فقد نجح والذي سقط فقد سقط والله يعينه فلا يوجد إكمال ولا إعادة ولا ربي أرجعوني لعلي أعمل صالحاً فيما تركت. بعض الناس أذكر عندما كنا شباب صغار وندرّس بالمجموعات ونحن بعمر 19 – 20 21 سنة فبعض الإخوان يقول لي أن أمس قرأت كتاب عن أهل الجنّة فيقول لي يا سيد إذا دخلنا الجنة وأكلنا وشربنا وجلسنا بالقصور وتزوجنا وو... فقال لي وبعد ذلك ماذا سنفعل؟ لأن الإنطباع لديه أن لا عمل ولا تكليف ولا عبادة لا جهاد ولا ... فقلت له آنذاك أنت إدخل الجنة ولا تهتم لن تشعر بالضجر.فهذه الدنيا دار عمل أما الآخرة فلا عمل ولا تكليف ولا إبتلاء ولا إمتحان ولا شيء فإمّا نعيم بالنعيم الحقيقي الذي سنتحدّث عنه بعد قليل أو العذاب الحقيقي الذي سنتحدّث عنه بعد قليل ولذلك في هذه الدنيا الإنسان لديه هذه الفرصة ويجب أن يستفيد منها.
أيضاً قلنا أن الدنيا خدّاعة وتفتن وتزيّن وو... هذا كله يوم القيامة ينتهي، وقلنا أن الدنيا لا تصفو لشارب لكن الجنة ليست كذلك بل هي تصفو لكل شارب وهناك عندما تدخل إلى الجنة وإلى رضوان الله عز وجلّ فكل ما تكلّمنا به عن الدنيا من غدر والطعن بالظهر والحقائق المقلوبة والأكاذيب والتزين وو.. كل هذا ينتهي، عالم الآخرة هو عالم الحقائق فكل شيء يظهر على حقيقته فالدنيا تظهر على حقيقتها والآخرة على حقيقتها والأشخاص على حقيقتهم الرجال النساء الكبار الصغار الجماعات الكل يظهرون على حقيقتهم، يوم {تُبلى السرائر} {بصرك اليوم حديد} كل الناس سترى الحقائق يوم القيامة لذلك إذا كانت الدنيا دنيا زخرفة وتزوير وتزين وتغيير للحقائق فالآخرة هي دار ظهور الحقائق وإنكشاف الحقائق بما لا لبس فيه على الإطلاق.
أيضاً قلنا بأن الدنيا حقيرة وأن الدنيا هينة على الله سبحانه وتعالى وأن الدنيا لهو ولعب لكن في الآخرة الحياة كريمة على الله، عزيزةٌ على الله، عظيمة عند الله سبحانه وتعالى لأنها الدار التي أعدّها لعباده الصالحين ليجزيهم على أعمالهم الحسنة والتي أعدّها ليعاقب المجرمين والقتلة والفراعنةوالنماردة الذين طغوا وأفسدوا في الأرض هؤلاء الذين يفلتون في الدنيا من العقاب ففي تلك الدار لن يفلتوا من أي عقاب. تلك الدار بالنسبة لله عز وجلهي التجلّي الأعظم والأكبر لجوده وكرمه ورحمته وعطائه ورضوانه ونعمه لأهل الجنة وهي التجلي الأعظم والأكبر لغضبه وسخطه وكبريائه وجبروته وعظمته وقدرته وإنتقامه من كل أولئك الذين أساؤوا لأنبيائه وأوليائه وأوصيائه وعباده الصالحين وإلى المستضعفين والمظلومين في الأرض، لذلك تلك الدار بالنسبة لله سبحانه وتعالى هي دار عزيزة وكريمة وعظيمة لأنها دار هذا المستوى من التجليات وهذا المستوى من الحقائق ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} أي هي الحياة الحقيقية. وبناءً عليه نأتي للصفة الأخيرة التي تحدثنا عنه عن الدنيا أنها دنيا فيها لذات وفيها آلام، فيها راحة وفيها مصاعب ومصائب، لكن بالأعمّ الأغلب آلام ومصاعب ومصائب وحروب ووبال ونزال وبلاء وو... أمّا الدار الآخرة فالبنسبة للمؤمنين هذا ليس موجوداً، دار بلاء ودار مصائب ودار أحزان وآلام كل هذا ينتهي في هذه الدنيا كما ينتهي العمل وينتهي التكليف وتنتهي المسؤولية في هذه الدنيا ففي تلك الآخرة لا يوجد شيء من آلام وعذابات ومحن وفتن ومصاعب ومصائب بالنسبة لأهل الجنة، لذلك الإمام الحسين عليه السلام فيما يُروى في السيرة عندما أقبل إليه علي الأكبر وقال له ياأبا إنّ العطش قد قتلني وإن ثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة ماء من سبيل قيجيبه الإمام عليه السلام بما مضمونه إنزل وقاتل وبعد قليل يسقيك جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكأسه الأوفى شربة لن تظمأ بعدها أبداً. عندما نقول أن الحياة الأخرى هي الحياة الحقيقية هنا سأحكي عن الشيء الذي أجّلته مرتين وقلت سأرجع له فيوجد هنا مائز حقيقي وكبير وجوهري بين الدنيا والآخرة ، إذا أخذنا موضوع النعم وموضوع العذاب والجحيم فعندما نتحدّث عن النعم الأخروية فهي نِعَم حقيقية لا تختلط بشيء، اللذة في الدنيا تختلط بالألم واالشرب فيه غصّة والإقبال الكثير على الشهوات يهدّ بدنك ويقصّر عمرك ووو... أما في نِعم الآخرة لا يوجد شيء من هذا النوع أبداً فاللذات الحقيقية وما يشتهيه الإنسان على الحقيقة يجده هناك ولا يختلط بأي شيء آخر، أي نوع من أنواع اللذات والنِعم وما يشتاق إليه الإنسان وما يشاؤه وما يشتهيه لا يختلط بأي شيء آخر من المنغصات كما كان الحال في الدنيا ولذلك الإمام الخميني رضوان الله عليه يقول دائماً أنه حتى اللذات في الدنيا ممزوجة بالألم، لكن في الآخرة هي لذات محضة وحقيقية مهما كان نوع اللذات التي نتحدّث عنها في الآخرة سواء كانت لذات روحية معنوية لأن اللذات هناك ليست فقط مادية وجسدية بل هناك نوع آخر من اللذات لا ينقضي ولا ينتهي ولا يمكن تعقّله أما في الدنيا فاللذات هي غير حقيقية بل هي مختلطة ظاهرها لذة أما في الآخرة فهو حقيقة اللذة. في الموضوع الألم في الدنيا ذات الشيء فالآلام في الدنيا مهما حصلت هي آلام ظاهرية لكن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدّث عن الآخرة وعن النار يصفها {إنها عليهم مؤصدة} أي مقفلة لكن {تطّلع على الأفئدة} يعني الروح هي التي تحترق وليس اللحم والجلد والعظم كذلك فنار الدنيا لا تحرق الروح بل نار الآخرة التي تحرق الروح والإنسان إذا إحترق جلده أو لحمه أو عظمه فروحه هي التي تتألم مع أن الحريق لا يصل إلى روحه بل هي تتألم بسبب علاقتها بالجسد الذي أصابه الحريق أما في الآخرة فالروح نفسها هي التي تحترق وهي التي تتعذّب لأن نار الآخرة مختلفة عن نار الدنيا فهي تطّلع على الأفئدة. في الدنيا هناك كرامة وعزة لكن الكرامة والعزة الحقيقية هي في الآخرة، في الدنيا أيضاً يوجد ذلّ ومهانة لكن المذلة والمهانة الحقيقية هي يوم القيامة في النار وهذا جزء من العذاب فهذا الإذلال لهؤلاء المجرمين والمستكبرين والقتلة والمفسدين في الأرض فهؤلاء لا يعذّبون فقط في الآخرة عذاب جسدي كما أن أصحاب الجنّة لا ينعّمون تنعيماً جسدياً وإنما كما يوجد هناك نعم روحية فهناك عذاب روحي ونفسي هنا. هذا التصوير ليس لديه سقف أو حدود فيما يتعلّق بالآخرة أما في الدنيا هناك حدود فمهما اخترع الإنسان وسائل للترفيه ولإشباع الشهوات والإلتذاذ والآن المجتمعات البشرية وصلت تقريباً إلى القمّة وممكن أن يأتي أكثر من ذلك لكن في النهاية هناك سقف وشقفه هو عقل الإنسان وعلم الإنسان ووسوسات إبليس الذي لديه تجربة تاريخية لكن مهما كان سقفه عالي فهو لا يقاس بالآخرة لأن ما هو في الآخرة هو عند الله سبحانه وتعالى وما عندكم ينفد مهما كان لديكم فمالكم ينفد وعلمكم ينفد وعمركم ينفد مكركم، كيدكم، خططكم،شهواتكم، كله ينفد أما ما عند الله سبحانه وتعالى لا ينفد ولذلك عندما يتحدّث الله سبحانه وتعالى عن الجنّة نرى أنه يضع توصيفات لكن في الآخر في بعض الآيات يختمها بعنوان عريض، ففي النعم يتحدّث عن الأكل والشرب والفاكهة ولحم طير مما يشتهون ويفصّل في ذلك، أيضاً طريقة الأكل على الآرائك ومتكئين ولدان مخلدين وقصور وأنواع من الأكل والشرب والملذات والنعم والأنس والطمأنينة والأمان والسلام والهدوء وراحة البال بعد أن يفصّل لنا كل هذه التفاصيل، ويوجد تفاصيل أكثر في الروايات والأحاديث، الله سبحانه وتعالى يضع عنوان عريض فيقول:{ لا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين} فهذا ما بيّنهم الله لكن هناك أشياء خبّأها ويبيّنوا يوم القيامة {..جزاءً بما كانوا يعملون} وفي آية أخرى {وفيه ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون} يعني فتح السقف لنا فكل ما يمكن أن تشتهيه أنت يمكن أن تحصل عليه هذا وعد الله لأهل الجنّة فلا داعي للتفصيل أكثر فالموضوع أصبح عندك، { وفيه ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون * نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون} يعني أي شيء تريده أي شيء تطلبه أي شيء ممكن أن تدعيه تحصل عليه وهذا المضمون أيضاً موجود في أربع آيات أخر {لهم فيها ما يشاؤن} {ولهم ما يشاؤون} الله يخاطب أهل الجنّ’ ويقول{إدخلوها بسلامٍ ذلك يوم الخلود لهم مايشاؤون فيها ولدينا مزيد، هذا هو الفرق ففي الدنيا اذا أخذنا شيك يكون له سقف مهما بلغ الرقم لكن في الآخرة الشيك مفتوح إذا أردنا أن نتحدّث باللغة المعاصرة، لذلك أتت الروايات لتعبّر بتعبير آخر عمّا ينتظر الناس في الجنّة {ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر} يعني أي شيء ممكن أن يخطر في بالنا من ملذات ومن سعادة ومن أمن ومن طمأنينة ومن راحة.. أي ششيء ممكن أن يخطر في بالنا ما في الجنة هو دون ذلك، فما في الجنة لم يخطر على بال بشر منذ آدم إلى قيام الساعة، هذا الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى لأهل الجنّة {ولدينا مزيد} فأي شيء نطلبه الله يزيده فلا يكتفي بأن يستجيب له طلبه وهذه من خصوصيات الكرم الإلهي خصوصاً يوم القيامة. بالمقابل في جهنّم مفهوم أيضاً ما يجري من عذاب وحساب وما يجري على أهل النار لذلك عندما نتحدّث عن الآخرة فإننا نتحدّث عن الحياة الحقيقية والسعادة الحقيقية، الراحة الحقيقية يعني رخاء وأمن وصحة وعافية وطمأنينة وراحة بال وهدوء وراحة نفسية وسعادة نفسية وكل شيء ممكن أن يخطر في بالكم الإنسان يتطلّع إليه موجود في الحجنّ’ ولدينا مزيد. طبعاً لنرجع إلى الإشارة التي وعدت فيها أن الله سبحانه وتعالى بطبيعة الحال بأكثر التوصيفات عن الجنّة والنار يتحدّث عن الأمور المادية والجسدية فالآن نتيجة الهجمة القائمة على الإسلام والقرآن فيعاد تكرار بعض الشبهات مثلاً أنه علينا في الدنيا أن نصلي ونصوم ونعبد ونجاهد ونُستشهد وننجرح ونتحمّل كل هذه الإختبارات والبلاءات فقط كي نذهب إلى الجنة ونأكل ونشرب ونتزوج ونأخذ كم قصر وو... هذه هي الحكاية فقط؟!! الخطاب القرآني أعطى مساحة واسعة لهذه القضايا لترغيب الناس في الآخرة لأن عامة الناس تنطلق من هذه الخلفيات وتفكّر بهذه الطريقة بدليل أنظروا إلى الناس كيف تعيش في الدنيا! فحياة الناس كلهم إذا جلست بأي سهرة يراهم يتحدّثون بالمال والتجارة والأرباح والخسارة والصحة والمرض والأكل والشرب والموديلا الجديدة وما نوزل في السوق ووو... فأغلب إهتمامات الناس هو بهذا النوع من القضايا لذلك الله سبحانه وتعالى الذي خلق الناس وهو يعرفهم جيداً ويعرف كيف يخاطبهم فيخاطبهم بما يهتمون به بالأعم الأغلب وبأولوياتهم، يعني إذا قلنا وركزنا على عنوان هو من أعظم العناوين في الجنة إسمه "جوار الله عز وجلّ" و"جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" وهذا من أعظم النعم يوم القيامة ونحن الآن في أبام الإمام الحسين عليه السلام فمن أعظم النعم الروحية والنفسية والعقلية والعاطفية فالإنسان ليس فقط أكل وشرب هو جوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام لكن هذا الموضوع إذا أردنا أن نشرحه ما هو المدى الذي يمكن أن يتفهّموه الناس ويستوعبوه ويقبلوه لأن هذا من المفاهيم الراقية والحقائق العالية أما غالباً عندما يُحكى عن الطعام والشراب والحدائق والجنان والأمن والسلام والصحة والعافية والعزة والكرامة الشخصية والقصور والحور ووو... فطبيعي أن يكون هذا الموضوع جالباً لإنتباهنا بقوّة ولذلك الله خاطب عامة الناس من خلال أولوياتهم وإهتماماتهم وما شاكل، أمّا ما أُخفي ولم يتّضح كثيراً وإن كان وارداً بعضه بالروايات والآيات هو الأبعاد المعنوية التي لا زلنا نحن لم نشعر أو نحسّ بها، فنحن أصلاً عندما نقف لنصلي بين يدي الله سبحانه وتعالى فالأنبياء والأولياء والعرفاء يتحدّثون عن لذّة روحية هائلة جداً لا تقاس بها أي لذّة من اللذات المادية ولكن نحن لا نشعر بها لأن صلاتنا قشرية وظاهرية. هذا النوع من اللذات الروحية موجودة في الدنيا لكن نحن لم نحصّل منها، ممكن أن نحصّل على شيء في لحظات أو دقائق مثل العائلة التي لديها إبن مسافر وبعد 10 أو 15 سنة أتى وحضنه الأب والأم وبكوا من شدة الفرح، هذا الفرح الشديد والبهجة الشديدة والعظيمة التي تحصل للأب والأم تحصل لدقائق أو ساعات وإنتهى الموضوع، ففي بعض اللحظات الإنسان يشعر بنوع من الموضوع المعنوي والروحي والنفسي مثلاً بعض علماء الطبيعة عندما يكتشف إكتشاف فإن اللذة الروحية التي يحصل عليها لو قلت له أريد أن أعينك ملكاً لمئة سنة لقال لك أن هذه لا تقاس بهذه!، أو مثلاً بالمنافسات أو بالمعارك عندما ينتصر أحد فإن لذة الإنتصار هي لذة غير مادية بل روحية تبقى معه ساعات وتنقضي، أو مثلما تحدثنا أمس عن كرة القدم فالجهة التي تؤيّد فريق ترونهم كم يفرحون عندما ينتصر فريقهم ويقيمون الدنيا ويقوصون يصرخون ووو... وهذا تعبير عن لذة روحية حصلوا عليها ولكن تنقضي بعد وقت. هذه شذرات ولمسات من لذائذ روحية يحصل عليها الإنسان في الدنيا وعندما يعود إليها الإنسان يعرف كم كانت هذه اللذة عالية ولها قيمة لكن في الآخرة اللذات الروحية والمعنوية هي الأعلى وهذا توضيحه وشرحه ليس سهلاً وأنا ألجأ إلى هذه الأمثلة كي أشرح بعض جوانب أنا وأنتم لمسناها.إذاً ما أُعدّ في الجنّة من نعيم ومقام ودرجات ومن لذات ومن ومن ومن... هذا لا يمكن أن يخطر في بال أحد وما هو موجود في الدنيا أصلاً لا يقاس به، وهنا يبدأ الإنسان بفهم معنى { وما الحياة الدنيا إلا متاع} يعني مجرد متاع بسيط لا قيمة له ولا نتيجة.
أختم هذا الجزء بالتعريف لأقول ما يلي:
أنبيائنا عليهم السلام طوال التاريخ وصولاً إلى النبي الخاتم إضافة إلى الكتب السماوية وصولاً إلى القرآن الكريم وبعد النبي ما وردنا من أحاديث عن طريق أهل البيت عليم السلام أو الصحابة رضوان الله عليهمهناك شرح مفصّل فيما يتعلّق بالآخرة وتشعر أنت عندما ترى القرآن أو الروايات كمّاً ونوعاً تجد ثراء كبير جداً وتفاصيل كثيرة تم الحديث عنها، نشير إليه بفهرس أو عناوين لنرى كيف أن الإنسان عندما يقترب أجله وفي حالة الإحتضار والنزع ماذا يعاني فيهم؟ ونحن هنا نتحّث عن أنفسنا وليس أحد آخر فهذا الفهرس كل واحد منّا معني فيه ومقبل عليه وذاهب إليه ولذلك يجب أن يعرف بالححد الأدني هو إلى أين ذاهب؟!. يتحدّثون عن الإحتضار وعن نزع الروح من البدن وعن سكرات الموت واللحظات الأخيرة عندما تخرج روح الإنسان من بدنه وبعدها إلى أين تذهب هذه الروح وإلى أين يذهب هذا الجسد، ويتحدّثون عن عالم القبر وما يجري فيعالم القبر من سؤال وضغطة القبر وسؤال وحساب القبر والقبر إذا هو روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وعن عالم البرزخ من لحظة الموت وحتى قيام الساعة يوم القيامة الكبرى وما يجري فيعالم البرزخ على الذين إنتقلوا إلى هناك طبعاً هذا هالم كبير وخطير وممتدّ وطبعاً ليس عالماً خالداً لأنه ينتهي ببدأ القيامة الكبرى ولكن قد يستمر لآلاف السنين، مثلاً عندما كان زمن آدم عليه السلام أو زمن نوح بالنسبة لفرعون أو نمرود وأمثال هؤلاء وقتلة الأنبياء وبالنسبة لتلك البغية التي أهدي إليها رأس يحيى بن زكريا وهذا البرزخ له آلاف السنين حتى الآن وهم في البرزخ، طيب ماذا يجري على الناس في البرزخ؟ الروايات حدّثتنا وفي القرآن هناك إشارات قوية أو مواصفات محددة لكن تفصيل ذلك موجود في الروايات وصولاً إلى القيامة وأحداث القيامة الموجودة في القرآن من الشمس والنجوم والجبال والأرض والحيوانات والناس وكل هذه مجموعة الكون الحالية موجود في القرآن إلى أن يقول {ويوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهّار} ايضاً هناك تفصيل في هذا الموضوع.ثمّ الخلق الجديد والبعث من القبور والناس كلها ذاهبة إلى صحراء المحشر أيضاً هناك تفاصيل كثيرة وحال الناس في تلك الصحراء وفي ذلك اليوم الطويل وذلك اليوم المهول، يوم الجوع الأكبر ويوم العطش الأكبر ويوم الخوف الأكبر. تصوّروا مليارات البشرية يوم القيامة على أرض واحدة وصعيد واحد وساحة واحدة يقفون عراة بين يدي الله سبحانه وتعالى وتُفتح محكمة العدل الإلهي، الله الذي لا يغيب عنه شيء ولا يُخفى عليه شيء والشهود موجودين والملائكة موجودين والأيدي تشهد والأرجل تشهد والأرض تشهد وكل شيء يشهد وفيه تفصيل وصولاً إلى النتائج من عرض الكتب والأعمال والميزان وبعدها أناس إلى النار وآخرون إلى الجنة وماذا يحصل في النار وماذا يحصل في الجنة تفاصيل طويلة ومهمّة. أنا حبيّت أن أقول هذا الفهرس لأقول ما يلي:
إخواني وأخواتي هذا مصيرنا ومصير كل واحد منّا يجب أن يفكّر فيه كما يفكر في الدنيا بمصيره الشخصي أو مصير عائلته وإذا اتسع قليلاً يفكر بمصير أرحامه وأصدقائه وأحبابه وإذا توسّع قليلا يفكر بمصير جماعته أو شعبه وأكثر من ذلك أمّته وإذا كان أكثر من ذلك وعلى خطى الأنبياء يفكّر بمستقبل البشرية كلها لكن بنهاية المطاف مهما إتسعت بالتفكير تبدأ وتنتهي القصة عندك، هذا مصيرك أنت وهذا مصيري أنا ونحن لا نتكلم عن مصير شعب آخر أو إنسان آخر بل عن مصيري ولذلك الأمير عليه السلام يقول " ولقد شغلني دون هموم الناس هم نفسي" أنا يوم القيامة عندما تخرج الناس من القبور وتأتي إلى صحراء المحشر ماذا كُتب في كتابي وماذا حضّرت وماذا عملت وماذا صنعت وماذا حضّرت، وهل أجوبتي جاهزة أم لا؟!. في الدنيا يوجد محاكم فيها ظلم وتزوير ولعب وفيها تغيير للحقائق وفيها توظيف سياسي لكن هناك محكمة العدل الإلهي فلا يوجد مفرّ من عدل الله سبحانه وتعالى. إذاً هذا مصيرنا، وإذا كان هذا هو مصيرنا فإنّ الخطوة الأولى هي المعرفة كي يحضّر ويتهيّأ، إذا أخذنا من الأمثلة العادية مثلاً الآن شخص يريد أن يسافر إلى مكان ما مع رفاقه فيسأل إذا هناك أمطار أو لا أم الدنيا صيف وحر أم برد لأنه يريد أن يجهّز ثياب مناسبة للمكان الذي يريد أن يذهب إليه حتى يرتاح ويفرح ولا ينزعج. وإذا وجد عوارض مرض يذهب سريعاً إلى الطبيب ويفحص نفسه ليطمئن على صحته. أو إذا أم لديها بنت وتريد أن تذهب برحلة صيفية في العطلة فهي ستسأل إلى أين ومع من وكيف وو... وتجهز لها كل شيء كي تكون في أمن وأمام وتستمتع بالرحلة. ولكن في رحلة الآخرة نحن ماذا فعلنا لهم؟؟!! وماذا فعلنا لأنفسنا؟؟!! إذا نحن بالحياة البسيطة والمتواضعة في الدنيا نحسب ألف حساب ونشغل بالنا إذا أردنا أن نسافر فما بالنا عن الآخرة فقد جاء آلاف الأنبياء ليقولوا لنا هناك آخرة ويوجد طريق يوصل إلى تلك الآخرة وهذا مصيرنا أليس من واجبنا أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ وإلى أين نحن ماضون؟ وماذا ينتظرنا في ذلك العالم؟ وبالتالي ما هو الطريق الذي ينجّينا؟ ما هو الطريق الموصل؟ هل فتّشنا عنه؟ هل سألنا عنه؟ تعرّفنا عليه؟ المعرفة هي الخطوة الأولى والبداية الصحيحة ولذلك إخوتني أنا أدعوكم إلى القراءة والمطالعة لتقرأوا ونقرأ عن مصيركم ومصيرنا. على سبيل المثال إذا في بلد لا يوجد أزمة إقتصادية ومالية ترى الناس لا تهتم بالأمور الإقتصادية والمالية ولكن إذا حدث أزمة من هذا النوع تجد كل الناس تريد أن تتثقف إقتصادياً ومالياً. أو إذا شخص لا يعاني من مشاكل صحية وفجأة بدأ يعاني من مشكلة في المعدة فتراه في أي مكان وجد يسأل عن المعدة وما يأثر فيها لأنه صار بالنسبة إليه مورد إبتلاء له ويعنيه. كذلك في الآخرة يجب علينا جميعنا أن نقرأ ونزداد معرفة في الدنيا وما جرى على أهل الدنيا وهذا ما طلبه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للإمام الحسن عليه السلام لأنه إذا قرأنا ماذا حصل مع أقوام خلال مئات السنين فكأنما نحن عشنا مئات السنين وإذا قرأنا عن تجارب آلاف السنين فكأنما عشنا آلاف السنين وكذلك علينا أن نقرأ عن الآخرة وعن الموت والإحتضار وما بعد الموت عن القبر عن البرزخ عن القيامة عن الحساب عن الجنة عن النار لأن هذا هو المستقبل الأبدي الطويل الطويل الطويل الذي ليس له نهاية وليس فيه مفر ولا عودة إلى الخلف، وأهم شيء يجب أن نقرأه هو القرآن الكريم وآيات الله الواضحة وأنا أنصح بقراءة النسخ التي تحتوي على تفسير للكلمات لكي نفهم الكلمات الصعبة، لأن القرآن الكريم هو الذي يعرّفنا على كل هذه الحقائق بشكل قطعي لا نقاش فيها. لماذا التأكيد على القرآن مع العلم أن الروايات والأحاديث كلها مهمة ولكن نعطي أولوية للقرآن لكي لا يأتي أحد ويشكك في سند الرواية أو أو .. فهذا كتاب الله واضح وعندما نقرأ اقرآن نرى أن جزء كبير من القرآن له علاقة بهذه الموضوعات لأنها هذه هي الموضوعات الأساسية والحساسة والله يريد الآخرة لذلك هو يدفع الناس ويهدي الناس ويرشد الناس ويعرّف الناس على الآخرة.
لنعترف أننا في هذا المجال عندنا تقصير كبير فممكن لشخص أن يجلس ساعات على مسلسلات تلفزيونية مثل شهر رمضان وممكن أن يجلس ساعات على الإنترنت وممكن أن يحضر ساعات مباريات فوتبول ولكن عندما يمسك القرآن يجلس 5 أو 10 دقائق ويضجر وهذا يعني أن هناك مشكلة وأنا أنصح أن تكون علاقتنا مع القرآن علاقة متينة ونأخذ قرار بقراءة القرآن حتى لو شعرنا بالضجر يجب أن نكمل لأن الشيطان هو الدي يشعرنا بالضجر ونفسنا الأمارة بالسوء تجعلنا نضجر وعاداتنا السيئة تجعلنا نضجر لكن نحن يمكننا أن نهزمها ونقهرها ونكمل، وبالتالي، بالتجربة مرة وإثنين وثلاثة عندما تصرّ أن تُكمل، فبعد مرحلة من الوقت تجد نفسك قد سلكت لأن الصدّ يبدأ من البداية، وأنت معتاد أن تضجر سريعاً فيقوم بوسوستك لكي تنهي بسرعة. نحن نحرم أنفسنا من نعمة عظيمة جداً. إنظروا للحسين عليه السلام لنختم به فنحن نحيي هذه الليالي ونبكي بكاء المحبين العاشقين ومفترض العارفين، فهذا إمامنا الذي نعشق ونحب وهذا إمامنا الذي تحترق قلوبنا لمضابه رغم مضي 1380 سنة تقريبا، وهذا من الكرامات الإلهية، فمهما أحببنا شخص أو أعزّينا شخص ما ومهما كان هذا الشخص عظيم عند قوم أو أمّة فلن نتألّم عليه ونحزن كما نتألّم وكم تألّم آبائنا وأجدادنا وكما تألّم أبنائنا وأحفدنا أو أن يبكوه كما نبكيه لا يوجد شيء مشابه لهذا في الحياة البشرية من هذا النوع أبداً، أو اليوم تجد الملايين ومئات الملايين من شيعة أهل البيت على الأعم الأغلب وهذا يزيد مع تطور السنين ولله الحمد فترى الجميع يبكون من أطفال وكبار ورجال ونساء، ويمكن أن ندعو العالم جميعاً أن يأتوا إلى مجالس أبي عبد الله الحسين في كل مكان ويقومون بجولة في كل البلدان ليروا هل هذا البكاء هو تمثيل أو إفتعال أم هو بكاء حقيقي وفيه حرقة قلب وكبد وفيه تأوّه وتألّم وحزن حقيقي. أحياناً نرى أشخاص عندما يحل مصاب أبي عبد الله فإن الألم والحزن لديهم يكون أكبر بكثير من أعز أشخاص فقدوهم في الدنيا وهذا طبعاً من الكرامات الإلهية وهذه معجزة لمحمد بن عبد الله ستبقى إلى قيام الساعة. هذا الإمام الذي لديه كل هذه المكانة في عقيدتنا وفكرنا وله هذه المكانة المميزة في حبنا وعشقنا وعاطفتنا أليس من أبسط لوازم الحب أن يحبّ الحبيب ما يُحبّه حبيبه؟! نحن في الدنيا إذا شخص أحبّ فتاة فيحب كل عائلتها ووبيتها والمنطقة التي تعيش فيها وهذا من مستلزمات الحب، أو إذا شخص أحب شخص آخر فإنه يقتدي به ويتأثر به ويمشي على خطاه، لنرى نحن حبيبنا يوم التاسع من محرم وتكون آخر المفاوضات حصلت بينه وبين عمر بن سعد ولم يصل إلى نتيجة وإنتهى الموضوع وإنتهى الموضوع فإمّا أن يستسلم ويبايع وترى عبيد الله بن زياد ويزيد ماذا سيفعلون بك أو الحرب (هذه السلة والذلة) وكان المفترض للمعركة أن تقع يوم التاسع إخواني وأخواتي وكل مقدمات المواجهة العسكرية كانت موجودة. الإمام الحسين عليه السلام يقول للعباس عليه السلام وأتمنى أن نقف مليّاً عند هذه الجمل التي سأختم بهم : "إرجع إليهم فإن إستطعت أن تأخّرهم إلى غدوة (أي إلى الغد) وتوقفهم عنّأ العشية " لماذا يقول أبي عبد الله هكذا فالشهادة التي يعشقها تزبط يوم العاشر ويوم التاسع وجدّك الذي ينتظرك بشوق ولهفة ويقول لك أقبل يا أبا عبد الله وأبوك وأمك أيضاً وملائكة الله وجوار الله هذا كله موجود يوم التاسع ويوم العاشر فلماذا التأخير ليوم العاشر؟! يكمل الحسين ويقول " ... لعلّنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والإستغفار" ولذلك كيف أمضى الحسين عليه السلام ليلة العاشر؟! بين القرآن والصلاة والدعاء والإستغفار وهو أبو عبد الله الحسين الذاهب إلى الشهادة! إلى أعلى درجات الشهداء وما أعدّه الله سبحانه وتعالى ويريد أن يغتنم كم ساعة! فهذا يضوّي أيضاً على قيمة الوقت! فالحسين عليه السلام أبيّ الضيم والعاشق للشهادة طلب تأجيل المعركة ولو لأرع وعشرين ساعة أو 15 ساعة ليصلي لربه، ليدعو،ليستغفر، ليقرأ القرآن. فهذا إمامنا الذي نحبّ والذي يجب أن تقتضي به ونتأسّى به ونتعلّم منه.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك وأناخت برحلك عليكم مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد منكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته وعظّم الله أجورنا وأجوركم.