الانحرافات الاجتماعية الرئيسية وأساليب معالجتها
المجتمع الإسلامي
لاشك أن الانحرافات التي فصلتها الشريعة وأوجبت فيها العقوبات الأدبية والمادية، تأخذ مجريين شرعيين، الأول: ما يستدعي ارتكابها التعدي على حقوق الله سبحانه وتعالى، وهي الزنا واللواط وشرب المسكر، لأنها تعد مخالفة لأمر الله، ولا يجوز العفو فيها بعد قيام البينة وثبوت الحد...
عدد الزوار: 108
لاشك أن الانحرافات التي فصلتها الشريعة وأوجبت فيها العقوبات الأدبية والمادية، تأخذ مجريين شرعيين، الأول: ما يستدعي ارتكابها التعدي على حقوق الله سبحانه وتعالى، وهي الزنا واللواط وشرب المسكر، لأنها تعد مخالفة لأمر الله، ولا يجوز العفو فيها بعد قيام البينة وثبوت الحد. والثاني: ما يستدعي ارتكابها التعدي على حقوق الله وحقوق الفرد معاً، كالقذف والسرقة والقتل، لأن فيها جهة شخصية متضررة، فيتوقف إقامة الحد على المطالبة من المتضرر أو من يرثه. ويجوز للحاكم الشرعي إقامة الحد فيما يتعلق بحقوق الله بمجرد علمه، ولكنه لا يستطيع القيام بذلك فيما يتعلق بحقوق الناس كالسرقة والقذف.
1- جرائم الاعتداء على النفس الإنسانية وما دونها: وهي جرائم القتل والجراح والشجاج وإسقاط الجنين، وقد أوجب فيها الإسلام القصاص، أو دفع الدية، وأوجب كفارة القتل في مواضع معينة، وأباح للمعتدى عليه الدفاع عن نفسه في كل الأحوال.
فالقصاص ـ وهو من اقتفاء الاثر1، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ...﴾2، وشرعاً وجوب المماثلة في القتل والقطع بشروطها الشرعية ـ يعتبر من أقصر الطرق إلى تحقيق العدالة القضائية: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾3، ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾4. ففي حين يعلن الإسلام بكل قوةٍ وجوب المماثلة في القصاص، يقوم النظام الغربي ـ في تشريعه لعقوبة الانحراف ـ بفرض القيود على حرية المجرم عن طريق السجن، أو العلاج الطبي، أو خدمة مؤسسات الإدارة المحلية، أو بتعويض الضحية مالياً5. وهذه الأساليب لا تبعد المنحرف عن انحرافه ولا تقدم للضحية مثالاً واقعياً لمعاقبة الجاني، بل تربك النظام الاجتماعي وتستهلك موارده المالية، لان السجن والطب النفسي اثبتا فشلهما في علاج المنحرف علاجاً حقيقياً.
وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى أن القاتل المتعمد لو مات قبل الاقتصاص منه، أخذت الدية من ماله إذا كان له مال، أو من مال أرحامه إذا لم يكن له مال، لقوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾6، وللرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سئل عن هروب القاتل، فقال: "إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب فان لم يكن له قرابة أداه الإمام، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم"7.
ومع تأكيد القرآن الكريم على القصاص او المماثلة عيناً بعين وسناً بسن، الا انه في الوقت نفسه وضمن إطاره الأخلاقي يحبب لأولياء المقتول العفو عن القاتل مع الإمكان ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ8﴾، ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾9.
أما الدية، فان الأصل في وجوبها قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾10. ولاشك أن الدية عامل مهم من عوامل التعويض المالي المختص بجرائم قتل الخطأ وشبه العمد، فإنهما يوجبان الدية دون القصاص. ويوجب الدية أيضاً التراضي بين الطرفين. وفي الضرب الذي لا يجرح ولكنه يولد احمراراً ونحوه، الارش أو الحكومة. وفي الضرب الذي يسبب الألم فقط: التعزير. وتتعين دية المقتول عمداً في حالات استثنائية فقط، منها: فوات المحل، كموت القاتل ونحوه.
ومن المسلم به أن الدية المقدرة شرعاً في قتل المسلم الذكر عمداً ألف دينار ذهب، وهو ما يعادل أكثر من 3.5 كيلو غرام ذهباً، أو ما قدر شرعاً من الشياه والإبل والأبقار والحلل والفضة. وهذه الكمية من المال كافية لاغتناء العائلة المفجوعة بفقد معيلها، حتى لا تمد يدها استعطاءً للناس. والأصل في أحكام الديات أن القاتل يضمن الدية إذا كان قاصداً القتل أو الفعل الذي يؤدي إليه.
ولم يتوقف دفع الدية على القتل فحسب، بل تعدى إلى تلف الأعضاء كالعين والأنف والشفة واللسان والأسنان ونحوها، والى تلف المنافع كالعقل والسمع والبصر والشم والنطق ونحوه، والى الجراح المختصة بالرأس والوجه كالحارصة والدامية والباضعة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمأمومة ونحوها. وفي غير ذلك يتعين الارش الذي تقدره الحكومة.
وبطبيعة الحال فان تقدير قيمة الضمان، في النظام الإسلامي، تخدم المجتمع عن طريق عاملين، الأول: تعويض الضحية أو أسرته تعويضاً مالياً يسد حاجاتها الأساسية التي حرمت من إشباعها بفقدان المعيل، والثاني: ردع الانحراف الاجتماعي، بإبلاغ المنحرفين علناً بأن انحرافهم لا يمر دون ثمن باهظ يدفعونه لصالح الضحية وبالتالي لصالح النظام الاجتماعي.
ولاشك أن إشراك العاقلة في دفع الدية، وإشراك القسامة في التحليف حالة اللوث، يعتبران من أهم العوامل الرادعة للانحراف الاجتماعي، لأن الفرد ـ لكونه كائناً اجتماعياً ـ فانه يرتبط بعشيرته ومحلته وقريته بروابط الزواج والأخوة والأسرية والمصلحة الاجتماعية. وهذه الروابط تقلل من فرص زيغه عن أعراف وقوانين النظام الاجتماعي العام، وتجعل الجريمة التي يرتكبها فضيحة اجتماعية تجلب عليه وعلى أسرته وعشيرته، وصمةً وعاراً لا تمحو آثارها السنون. أما إذا كانت الجناية خطأً، فان مشاركة العصبة أو العشيرة في تسديد ثمنها المالي، يعتبر بمثابة المشاركة الجماعية في مساعدة العائلة المفجوعة، وتقويتها أمام المحن والمصاعب الاقتصادية القادمة.
وتكمن أهمية العاقلة في المشاركة في دفع دية الخطأ بما يلي:
1- إن مساهمة العاقلة في دفع دية الخطأ يخفف من تحمل الفرد كاهل دفع تلك الدية لوحده، وهو مبلغ هائل، كما هو واضح.
2- إن مساهمة العاقلة في دفع الدية يساهم في تقوية العلاقات والأواصر الاجتماعية بين أبناء العشيرة الواحدة ويجعلها تقف متحدة في المحن والمصائب التي يتعرض لها أفرادها.
3- إن جمع مبلغ الدية عن طريق العاقلة يخفف من العبء الذي تتحمله عائلة المجني عليه، خصوصاً إذا عجز الجاني عن تسديد ذلك المبلغ، فتصبح العائلة المفجوعة ضحية لجريمة اقتصادية ومعاشية خارجة عن إرادتها. فتكون العاقلة عندئذ وسيلة ضمان لاستلام الدية.
نقطة مهمة أخرى نود أن نعرضها هنا، وهي أن القيمومة الشرعية على الأسرة هي المقياس في مقدار الدية، وليس تفضيل جنس على جنس آخر كما يدعيه أعداء النظرية الدينية. فدية قتل الذكر المسلم عمداً ألف دينار ذهب أو نحوه، ودية المرأة الحرة المسلمة على النصف من أصناف الديات الست، سواءً كانت الجناية عليها عمداً أو خطأً أو شبه عمد، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة كانت أو مصابة بالاضطراب العقلي (الجنون). وكذلك في حالة الجراح والقطع والشجاج، فان المرأة ـ الضحية ـ تتساوى مع الرجل قصاصاً ودية إلى حد الثلث، فان زاد عن الثلث رجعت ديتها على النصف من الرجل. ولاشك أن مقادير هذه الديات لم توضع لتقدير قيمة المرأة، فيكون مقدارها نصف قيمة الرجل مثلاً. بل إن الإسلام أراد منها معالجة وضع ما بعد الجريمة. فالرجل المقتول الذي يفترض فيه أن يكون معيلاً لعائلة ما، تذهب ديته إلى عائلته التي افتقدت المعيل، فيكون الدخل المقدر بألف دينار ذهب أو نحوه ضماناً لنفقات العائلة المعيشية. أما المرأة المقتولة، فان ديتها المقدرة بنصف دية الرجل تدخل وارد الرجل الذي يفترض فيه أن يكون قيماً على عائلته، زوجة كانت المجني عليها أو أختاً أو بنتاً. ودليل آخر على مساواة الإسلام للمرأة والرجل في نظام العقوبات، هو أن حد القذف وحد المسكر وهو ثمانون جلدة يتساوى فيه القاذف والشارب، ذكراً كان أم أنثى.
إما فيما يتعلق بالإجهاض أو الإسقاط المتعمد للجنين، فان النظام الإسلامي شرع أدق العقوبات الخاصة بهذا الانحراف، فقسم ديته بحسب عمر الجنين، ففي النطفة المستقرة في الرحم عشرون ديناراً، وفي العلقة أربعون، وفي المضغة ستون، وفي العظم ثمانون، وفي الجنين التام الذي لم تلجه الروح مائة دينار، وفي الجنين الذي ولجته الروح دية كاملة11. وهذا الحكم الشرعي يرجع بالتأكيد إلى أصالة قوله تعالى في خلق الإنسان: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾12.
وفي حين حل الإسلام مشكلة الإجهاض من الصميم قبل نشوء الثورة الصناعية بقرون، إلا أن قضاة النظام الرأسمالي الغربي يحاولون لحد اليوم الإجابة على السؤال الذي يناقش أحقيقة المرأة في الإجهاض. فمنذ تشريع المحكمة الأمريكية العليا سنة 1973 م القاضي بشرعية الإجهاض في قضية (جين رو ضد هنري ويد)13، والقانون يتبدل بين شد وجذب، وجواز وحرمة، وكلما يتبدل عضو من أعضاء المحكمة العليا يتبدل القانون الخاص بالإجهاض. وهذا الاضطراب دليل قوي على فشل النظام الاجتماعي الغربي في معالجة مشاكل قضائية خطيرة عالجها الإسلام بكل دقة قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.
2 ـ جرائم ضد الملكية: ولا ريب أن النظرية الإسلامية الخاصة بالعقوبات الجنائية تنظر إلى الجرائم المتعلقة بالملكية نظرة خاصة وترتب عليها عقوبات صارمة، لأن ضمان سلامة حقوق الناس من تعدي الآخرين يعتبر من أهم أسباب استقرار النظام الاجتماعي وتطوره الاقتصادي. ولاشك أن الإقرار بأحكام اليد ودلالتها على الملكية، تضع للمجتمع الإنساني الحدود العامة لانتقال الملكية، ودوران المال بين أفراد النظام الاجتماعي عيناً كان ذلك المال أو نقداً، منقولاً كان أو غير منقول. ولولاها لاضطرب النظام الاقتصادي والاجتماعي، وانعدم البيع والشراء الذي هو الأصل في سد حاجات الناس الاستهلاكية والكمالية. ولذلك فان إقرار الإسلام لهذا الأصل وربطه بالصدق العرفي ينسجم مع الطبيعة الفطرية للتعامل الاجتماعي وتنظيم سلوك الأفراد.
وتنقسم الجرائم المتعلقة بالملكية إلى قسمين:
القسم الأول: الانحرافات التي تؤدي إلى سلب الملكية من مالكها قهراً وظلماً كالغصب ويتحقق بصدق الاستيلاء عرفاً على حق الغير. وقد شدد الإسلام على حرمة غصب أموال الناس. وحرم الصرف بالمال مطلقاً إلا مع العلم بالإذن الشرعي، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾14، وعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه"15، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من غصب شبراً من الأرض طوقه الله من سبع ارضين"16.
إن حرمة الغصب تتعدى من مجرد الإثم إلى وجوب الرد على الغاصب وضمانه تلف المادة المغصوبة. فالغاصب ـ حسب النظرية الإسلامية ـ يتحمل مسؤولية كاملة في إرجاع المادة المغصوبة سليمةً من كل عيب، بل يتعين عليه وجوب الرد فوراً ودون تأخير، بينما لا يتحقق الضمان ولا الفورية في قانون العقوبات الرأسمالي الغربي17.
ولاشك أن المباشرة أو التسبيب أو اجتماعهما في تلف المغصوب توجب الضمان بأي حال من الأحوال، باعتبار أن الخطابات الوضعية تشمل الجميع. وعليه فان الطفل والمجنون إذا اتلفا مال الغير، تعين على وليهما دفع البدل أن كان لهما مالٌ، والمسبب لتلف مال الغير يدفع للمالك بدل التالف من المثل والقيمة، والمستولي على مال الغير بغير إذن ونحوه يدخل في عهدته، وعليه مسؤولية تلفه إذا تلف. والنتيجة أن وجوب الضمان يحفظ أموال الأفراد من الضياع والتلف، ويصون الثروة الاجتماعية والإنسانية من الهدر والتبذير.
القسم الثاني: السرقة وهي سلب مال الغير المودع في حرز سراً وفيها شروط. ولعل السرقة أشد من الغصب، باعتبار إن انتهاك حرمة الشيء المسروق الذي اطمأن صاحبه على سلامته بالسر والحرز، يعرض النظام الاجتماعي لمخاطر كبيرة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي للمجتمع الإسلامي. وقد أوجب الشارع الحد فيها على السارق دون الغاصب، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾18.
ونستلهم من كتب السيرة والتاريخ عدالة النظرية الإسلامية في معاقبة المنحرفين. فقد روي أن امرأة من طبقة الأشراف سرقت، فتشفع لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد الصحابة، فقام صلى الله عليه وآله وسلم وخطب في الناس خطبة قوية قصيرة، معلناً فيها مبدأ مساواة جميع الأفراد أمام الشريعة والقانون: "أيها الناس، إنما ضل من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٌ يدها"19.
ولابد للسارق ـ بموجب الشريعة الإسلامية ـ من إعادة المادة المسروقة (الغرم) حيث لا يسقط عنه بحال من الأحوال حتى مع إقامة الحد. وهذا الضمان لا تلتزم به النظرية الغربية. فإذا صرف السارق المال المسروق في المجتمع الرأسمالي فانه يعاقب بالسجن ولا يجبر على رد ما سرقه إلى صاحبه20.
ولا يحد السارق إلا بتوفر الشروط الشرعية، وهي البلوغ والعقل، لقاعدة (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ )21، والاختيار22، وارتفاع الشبهة23، وكون المال المسروق في حرز24، وان تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهب25. بمعنى أن المضطر الجائع لا يقطع إذا سرق ما يسد رمقه ورمق عائلته. بل إن وجود الشبهة تدرأ تنفيذ الحد لقاعدة (ادرأوا الحدود بالشبهات)26. وإذا تمت السرقة في مكان عام غير مقفل لا يقطع أيضاً، لأن القطع مختص بكون المال المسروق موضوع في حرز أو نحوه. ومن المسلم به أن الفرد المسروق إذا طلب عدم معاقبة السارق بالحد، يترك السارق دون قطع، لأن عقوبة السرقة متعلقة بالحقوق المالية للناس وليست من حقوق الله.
وطريقة القطع ـ المراد منها تأديب المنحرفين وردعهم عن ارتكاب الجريمة ـ لا تجعل الفرد المذنب معاقاً عن العمل الإنتاجي. فالأصل في القطع، هو الأصابع الأربع فقط من اليد اليمنى للمنحرف، فتترك له الراحة والإبهام. وهذا لا يعتبر تعطيلأً لإنتاجية الفرد، بل أن للفرد الحق بعد توبته الدخول في الحقل الإنتاجي الاجتماعي ليكون عضواً نافعاً في مجتمعه الإنساني، علماً بأن عنصر إبداع الإنسان في العمل والبناء يعتمد على الإبهام وراحة اليد بالأصل. وفكرة القطع تناقض تماماً فلسفة نظام العقوبات الغربي التي جعلت السجن محور العقوبات، مما سبب انخفاضاً في الإنتاج واستهلاكاً لموارد وثروات المجتمع، لأن السجين معطل عن الإنتاج الاجتماعي بالإكراه27.
3 ـ الجرائم الخلقية: ولما كانت رسالة الإسلام العظيمة اجتماعية المنشأ ـ فتتعامل مع الفرد والمجتمع ضمن الإطار الأخلاقي المرسوم لها من قبل السماء ـ أصبح تعاملها الشديد مع الجرائم والانحرافات الخلقية أمراً حتمياً، لأن القاعدة الأخلاقية هي الأصل في ضمان سلامة أجهزة النظام الاجتماعي وتكاملها لبناء المجتمع الإنساني السعيد. وهذا الإطار الأخلاقي الذي نادت به الشريعة وتبنته على امتداد تاريخها الحافل بالوقائع والأحداث، هو الذي حفظ المجتمع الإسلامي من الانحرافات التي يعيشها المجتمع الغربي وهو في أوج تقدمه المدني والاقتصادي28. وأهم الجرائم والانحرافات الأخلاقية التي يواجهها النظام الاجتماعي هي الانحرافات الجنسية كالزنا واللواط والمساحقة والقيادة، والانحرافات السلوكية كالقذف وشرب الخمر، والانحرافات العقائدية كالارتداد.
والأصل في العقوبات الأخلاقية القرآنية لردع المنحرفين هو التشديد والحسم، فتتعين عقوبة القتل في الزنا بذات محرم نسباً، وفي الاغتصاب الجنسي ونحوها، والرجم في الزانية المحصنة والزاني المحصن، والجلد على الزاني والزانية غير المحصنين، والجلد والرجم معاً في الشيخ والشيخة المحصنين الزانيين، والجلد والتغريب والجز في البكر الزاني الذي تزوج ولم يدخل. ومع أن هذا التفصيل يستند الى السنة الشريفة الا ان دليل تحريم الزنا ظاهر في النص القرآني الشريف: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾29، وقوله تعالى في وصف المؤمنين: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾30، ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾31، ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾32، ويحد اللوطي بالقتل ضرباً بالسيف أو حرقاً بالنار أو الإلقاء من شاهق، أو هدم الجدار عليه. وهذا اللون من الانحراف من أخطر مراتب الانحرافات الجنسية، ومعناه اللغوي: اللصوق، وسمي لواطاً نسبة إلى قوم لوط الذين أدانهم القرآن الكريم بالقول: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾33، ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾34، وقد شدد التحريم فيه، كما ورد في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة، لا ينقيه ماء الدنيا، وغضب الله عليه، ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا"35.
وفي السحق مائة جلدة، وقيل إن "أصحاب الرس كانت نساؤهم سحاقات"36، وهو "إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾37"38. وفي القيادة ـ وهو الجمع بين فردين على الحرام ـ خمسٌ وسبعون جلدة، وفي القذف والسكر ثمانون جلدة، لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾39، وقوله أيضاً: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾40، وللنص الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الرجل إذا شرب الخمر سكر، وإذا سكر هذى، وان هذى افترى، فاجلدوه حد المفتري"41.
ولاشك أن هذا التشديد في التعامل مع المنحرفين أخلاقيا منسجم مع النظرية الأخلاقية الإسلامية. فلابد من أجل بناء مجتمع متكامل نظيف يهتم بحقوق الأسرة وحقوق الأفراد الذين يشكلون تركيبتها البشرية وحقوق النظام الاجتماعي، من إنزال أقصى العقوبات الجسدية بالذين يحاولون تمزيق ذلك النظام الأسري والاجتماعي عن طريق الانزلاق في الشهوات المحرمة وخلط الأنساب. وبطبيعة الحال، فان الإسلام لم يغفل حاجة الفرد المتعلقة بالجنس، بل أشبعها ضمن ضوابط الزواج الشرعية والعرفية، وجعل العقاب صارماً فيما وراء ذلك.
ومع التشديد المذكور في إنزال العقاب بفعلية الانحراف، هناك تشديد آخر في الشهادة على الجرائم الخلقية، وخصوصاً الزنا واللواط والسحق وهو أربعة شهود، وفي القيادة والقذف والسكر شاهدان. ففي ثبوت الزنا الموجب للحد رجماً أو جلداً ينبغي شهادة أربعة عدول يتواردون على الشهادة برؤية الواقعة رؤية دقيقة، ولابد من اتفاقهم على المشهود به زماناً ومكاناً وفعلاً. وإذا نقص عدد الشهود عن أربعة، أو اختلفوا في التفصيل حد الشهود على القذف ثمانين جلدة، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾42، وقد ورد أن ثلاثة شهود شهدوا على رجل بالزنا، فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: أين الرابع؟ قالوا: الآن يجيء، فقال: "حدوا الشهود، فليس في الحدود نظر ساعة"43. ولاشك أن هذا التشديد في دقة الشهادة وعدالة الشهود، له ناحيتان ايجابيتان، الأولى: ردع الأفراد عن اتهام الآخرين بالزنا بمجرد الظن أو الشك. فلابد من اجتماع الأربعة على رؤية الواقعة بتفصيلاتها الدقيقة، وإلا فستكون العقوبة من نصيبهم. الثانية: إن الذي يرتكب هذا الانحراف أمام أربعة رجال دون أدنى حياء، يستحق العقوبة الجسدية لأنه عنصر إفساد للنظام الاجتماعي ينبغي استئصاله دون رحمة.
وقد جعل الإسلام تطبيق الحدود آخر الحلول لمعالجة الجريمة والانحراف. فقد أمر الأفراد أولا بالستر والتوبة وسد الحاجات الغريزية بالطرق الشرعية. فإذا استتر المنحرف وتاب إلى الله قبل قيام البينة فهو في ستر الله ولا يقام عليه الحد: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾44، ولكن إذا أقر على نفسه بالجرم أو ثبت عليه الجرم بالبينة أقيم عليه الحد. وقد ورد في الروايات أن الإمام عليه السلام مسؤول عن تزويج الزانية بحيث يعصمها عن ارتكاب هذا الانحراف، وهو دليل قوي على أن أهم أسباب انحراف الفرد هو الحاجة المالية أو الغريزية التي لا تسد إلا عن طريق الزواج الشرعي.
4 ـ جرائم ضد النظام الاجتماعي العام: ولما كان الإسلام يعكس جوهر العدالة الاجتماعية بين الأفراد، فان نظامه السياسي والقضائي والاقتصادي لابد وان يتحرك بكل قوة لمعاقبة المنحرفين الذين يحاولون العبث بمقدرات الأفراد على الصعيد الاجتماعي. ولذلك فان الانحرافات التي يقوم بها هؤلاء الأفراد ـ وتؤدي بقصد أو دون قصد إلى زعزعة النظام الاجتماعي، كإرهاب الناس، واحتكار أقواتهم، وظلمهم ـ تعتبر جرائم تستحق نوعاً من العقوبات المنصوص عليها في الشريعة، ومن أمثلة هذه الجرائم: المحاربة.
فالمحاربة هي إرادة الإفساد في الأرض. والمحارب هو الذي يجهز سلاحه لإرعاب الناس، ذكراً كان أم أنثى، قوياً كان أم ضعيفاً، لعموم الآية في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾45.
ولاشك أن من أهم نتائج هذا التشريع هو استتباب الأمن والسلام الاجتماعي في المجتمع الإسلامي. فليس لأولياء المقتول عن طريق المحاربة العفو عن المحارب، بل إن على الإمام قتله بأي شكل من الإشكال، إلا إذا تاب من تلقاء نفسه، فعندئذ يسقط الحق العام، لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾46 وهذا الأمن الاجتماعي الذي ينعم به المجتمع الإسلامي يعتبر من أهم مصادر استقرار النظام وتنشيط طاقات أفراده الإنتاجية.
ولاشك أن الدولة في الإسلام ينبغي أن تتمتع بأمان اقتصادي ومعاشي ينعم به جميع الأفراد، بل إن أي انتهاك لهذا الأمان يجب أن يعامل بقوة أخلاقية وشرعية من قبل الحاكم الشرعي أو الدولة بمؤسساتها القضائية والتنفيذية. والاحتكار ـ وهو خزن المادة الغذائية الأساسية التي يحتاجها الأفراد وقت الاضطرار من أجل رفع سعرها أو إضرار الدولة ـ يمثل هذا الانحراف الموجه ضد النظام الاجتماعي العام. إلا أن الإسلام يتعامل مع هذا الانحراف الاقتصادي تعاملاً حاسماً، فيجبر المحتكر على بيع المادة المحتكرة فوراً. وفي عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الاشتر إشارة إلى ذلك: "فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير إسراف"47. وهذا التشريع ـ إضافة إلى تجنيبه الأفراد للفوضى الاقتصادية والمعيشية ـ منسجم تماماً مع تطلعات الإسلام نحو العدالة الاجتماعية بين الأفراد.
أما فيما يتعلق بظلم الحاكم، فان المجتمع الإنساني لما كان بحاجة مستمرة إلى نظام اجتماعي مستقر، وبحاجة ماسة إلى مدير يدير هذا النظام ويرعى شؤونه المالية والقضائية والدفاعية والسياسية، تعين أن تكون للقائد شروط ومواصفات موضوعية مستمدة من الشريعة نفسها. وقد جابه القرآن الكريم بكل قوةٍ النظام السياسي الظالم وأدان وجوده اللاشرعي بمختلف الأساليب، وجعل فرعون مثلاً يعكس فساد جوهر الظلم السياسي: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾48، ﴿وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾49، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾50، ﴿انه لا يحب الظالمين﴾51. وورد ما يشير إلى وجوب الكفر بالحكومة التي لا تقضي بما انزل الله و تعمل في الناس بالجور والظلم والعدوان وسماها بالطاغوت، فقال عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾52. وفي خطبة الإمام الحسين بن علي عليه السلام في الناس في (منى) تأكيد آخر على التصدي للظلم الاجتماعي: "اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار اذ يقول: "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون"53. وقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾54. وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهون عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله يقول: ﴿فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾55، وقال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾56. فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت، استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد الظالم، ومخالفة الظلم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها)57.
وإذا كان الإسلام دين العدالة الاجتماعية حقاً ـ وهو بالتأكيد كذلك ـ فان أول عدو يسعى لمحاربته، هو نظام الظلم الاجتماعي والسياسي ضد الأفراد. ولذلك، فان قاعدة العدالة الاجتماعية المتمثلة بإطار الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية يجب أن تستمر حتماً، حتى قيام الساعة، إن كانت تحت أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام المعصوم عليهم السلام أو نائبه الفقيه الجامع للشرائط ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾58. فلا مكان للحاكم الظالم في دنيا الإسلام، دنيا العدالة الاجتماعية والحقوقية.
*النظرية الاجتماعية في القران الكريم، د:زهير الاعرجي، أمير_قم،ص58-76.
1- مجمع البيان ج 20 ص 270.
2- القصص: 11.
3- البقرة: 194.
4- المائدة: 45.
5- (مارشال كلينارد) و(روبرت ميير). علم اجتماع السلوك المنحرف. الطبعة السادسة. نيويورك: هولت، راينهارت، وونستن، 1985 م.
6- الإسراء: 33.
7- الجواهر ج 42 ص 330.
8- المائدة: 45.
9- الشورى: 40.
10- النساء: 92.
11- الكافي ج 7 ص 343.
12- المؤمنون: 12 ـ 14.
13- ( آرثر شوستاك ) و( كيري مكلوث ). الاجهاض والرجال: الخسائر، الدروس، والحب. نيويورك: مطبعة العلوم الإنسانية، 1984 م.
14- البقرة: 188.
15- الكافي ج 7 ص 274.
16- كنز العمال ج 10 ص 639.
17- ( جاك جيبز ). الجريمة، العقاب، والردع. نيويورك: السفاير، 1975 م.
18- المائدة: 38.
19- البخاري ـ كتاب الحدود باب 12.
20- ( اليوت كيري ). مواجهة الجريمة: التحدي الامريكي. نيويورك: بانثيون، 1986 م.
21- سفينة البحار ج 1 ص 530.
22- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 43.
23- المقنع للشيخ الصدوق ص 147.
24- تفسير العياشي ج 1 ص 319.
25- المقنع للصدوق ص 150.
26- المصدر السابق ص 147.
27- (جاك جيبز). العرف، الانحراف، والسيطرة الاجتماعية. نيويورك: السفاير، 1981 م.
28- (جاك جيبز). العرف، الانحراف، والسيطرة الاجتماعية. نيويورك: السفاير، 1981 م.
29- الإسراء: 32.
30- الفرقان: 68.
31- النور:3.
32- النور:2.
33- الشعراء:161-166.
34- العنكبوت: 29.
35- الكافي ج 2 ص 70.
36- مجمع البيان ج 19 ص 107.
37- الفرقان: 38.
38- تفسير القمي ص 465.
39- النور:4.
40-المائدة:90.
41- الكافي ج 7 ص 215.
42- النور: 4 ـ 5.
43- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 24.
44- النور: 5.
45- المائدة: 33.
46- المائدة: 34.
47- نهج البلاغة ص 615.
48- الشعراء: 10 ـ 11.
49- الفرقان: 19.
50- طه: 111.
51- الشورى: 40.
52- النساء: 60.
53- المائدة: 63.
54- المائدة: 78 ـ 79.
55- المائدة: 44.
56- التوبة: 71.
57- تحف العقول للحراني ص 237.
58- النساء: 59.