يتم التحميل...

نوعية مواجهة التحديات والأحداث-3

الاستكبار

نوعية مواجهة التحديات والأحداث-3

عدد الزوار: 42



ح ــ السيطرة على المشاعر وإطلاق العنان لها
وثنائية أخرى هي قضية إظهار المشاعر. في بعض الأحيان قد يطلق الإنسان العنان أحياناً لمشاعره؛ سواء كانت مشاعر إيجابية من قبيل الفرح حيث يفرح الإنسان بنجاح ما ويبتهج فيطلق العنان لمشاعره، أو المشاعر السلبية نظير الحزن أو الانزعاج والألم. هذه حالة وهناك حالة معاكسة هي ضبط المشاعر وإبداؤها بالقدر اللازم. من الحالات التي قد نتلقى منها ضربة حقاً ـ وقد تلقينا منها ضربات في بعض الأحيان ـ عدم السيطرة على المشاعر العامة. أنا مثلاً أعتمد كثيراً على الشباب وأؤمن بالشباب بالمعنى الحقيقي للكلمة.وقد عملنا مع الشباب منذ ما قبل الثورة وكنّا على امتداد عمر الثورة دائماً وإلى الآن معهم وإلى جانبهم. لكن ينبغي التفطّن إلى أنّنا نعتمد على الشباب ونثق بهم، لكن لا ينبغي لمشاعر الشباب أن تسود المجتمع بصورة مطلقة وبنحو غير مسيطر عليه. فالمشاعر يجب السيطرة عليها. يمكن التصرف بطريقتين: الأولى التعامل مع العواطف والمشاعر من دون سيطرة، والثانية التعامل مع المشاعر بحيث تبرز بالمقدار اللازم. وهذه ليست بالعمليّة السهلة.

ط ــ مراعاة الضوابط الشرعية وعدم مراعاتها
ثنائية أخرى تتمثّل في مراعاة الضوابط والحدود الشرعيّة وعدم مراعاتها. كنّا نلاحظ أحياناً خلال فترة الكفاح ما قبل الثورة أيضاً أنّ البعض ممن ينشطون بشدة في عملية الكفاح والنضال لا يهتمون للكثير من المسائل الشرعية وما شابه. كانوا يقولون: يا سيدي إنّنا نعمل في الكفاح ولأجل هدف معين، فإذا لم نؤدِّ الصلاة في أول وقتها مثلاً فلا بأس بذلك، أو إذا لم تتحقّق المسألة الفلانية فلا ضرر في ذلك، وإذا ما حصلت حالات تهمة وغيبة وما شاكل فلم يكن ذلك يشكّل بالنسبة إليهم أهمّيّة. حسناً، هذا نوع من التعامل. ونوع آخر من التعامل هو أن يراعي الإنسان التقوى. يقول الإمام أمير المؤمنين كما يروى: «لَولَا التُّقىٰ لَكنتُ اَدهَى العَرَب» (5). من أدهى من أمير المؤمنين وأوعى وأكثر فطنة وذكاء؟ لكن التقوى بالتالي تحول دون بعض الممارسات. هذه أيضاً ثنائية أخرى.

ي ــ الاستفادة من التجارب وعدم الاستفادة
الاستفادة من التجارب أو التعرض للّدغ مرّتين من جحر واحد. هذه أيضاً قضية. في قضية مواجهتنا للأعداء الخارجيّين هذه ـ مع الغرب مثلاً ومع أمريكا ومع أوروبا ـ لدينا بعض القضايا والشؤون بالتالي، ولدينا قضايا سابقة، وكانت لنا قضايانا منذ بداية الثورة، لكن في الآونة الأخيرة كانت قضيّة الاتّفاق النووي والتزامات هؤلاء تجاهه، ثم نكثهم لالتزاماتهم وعدم مراعاتهم لها. حسناً، هذه تجربة. علينا في تعاملنا مع هذا التيار، الذي تعامل معنا بهذه الطريقة ولم يعمل بواجباته على الرغم من العهود والمواثيق المؤكّدة، والذي مرّر الأمور هكذا بالابتسامات والابتسامات الساخرة وما شابه، وفي طريقة تعاطينا مع هذا الطرف، ومع هذا الشخص، ومع هذه الحكومة، ومع هذه الجبهة، أن نستفيد من هذه التجربة، ونعلم كيف يجب التعامل مع هؤلاء.

ك ــ الصراخ في وجه العدو والصراخ في وجوه بعضنا
وهناك نقطة أخرى ونوع آخر من التحرّك وثنائية أخرى. وهذه هي الثنائية الأخيرة. وهي أن نتهجّم دائماً عند مواجهة الأحداث على بعضنا البعض، وننتقد بعضنا البعض، وتدور عجلة الاتّهامات فيما بيننا، فأعدّك أنا مقصّراً وتعدّني أنت مقصراً. هذا نوع من التعامل يحدث للأسف في كثير من الأحيان.فحين تواجه الجماعات موقفاً أو ظرفاً صعباً ـ سواء كانت هذه الجماعات حزباً أو حكومة أو شعباً ـ تبدأ باتّهام بعضها البعض.أو لا، فبدل تبادل الصراخ على بعضنا البعض، على حدّ تعبير الإمام الخميني «وجهوا كل صرخاتكم ضد أمريكا» (6). فأمريكا هي الخصم المقابل لنا. وقد قلت مراراً في خطاباتي العامّة بأنّه: علينا أن لا نقع في هذا الخطأ وهو أن لا نعرف عدوّنا، فعدوّنا معروف. هناك أناس آخرون يعملون ضدّنا ـ أما بسبب الغفلة أو ما شاكل ـ لكنّ هؤلاء لا أهمية لهم. فالعدوّ الحقيقي «وَهَلُمَّ‌ الخَطبَ في ابنِ أبي‌ سُفيان» (7) كما قال الإمام أمير المؤمنين. فلا نصرخنّ في مثل تلك القضايا على بعضنا البعض من دون مبرّر، ولا نتشاجر فيما بيننا دون سبب. لننظر ونرى مع من يجب أن تكون المعركة حقّاً، ومن يجب أن نخاصم، فنعمل على هذا النحو.

أعتقد أن هذه الثنائيات تمثل أسئلة مهمّة. يجب أن نسأل أنفسنا كيف ينبغي لنا أن نعمل ونتصرّف إزاءها؟ طبعاً الإجابة اللسانية عن هذه الأسئلة سهلة، لكن الإجابة العملية عنها والالتزام بها ليست بالأمر السهل. وبرأييإنّ الإجابة عن هذه الأسئلة واضحة في مصادرنا الإسلامية. على سبيل المثال يعلّمنا القرآن درساً في كيفيّة التعامل والتعاطي حيال الانتصار: «إذا جاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتحُ، وَرَأيتَ النّاسَ يدخُلونَ في دينِ اللهِ أفواجًا، فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّك وَاستَغفِرهُ إنَّه كانَ تَوّابًا» (8) لا يقول ابتهج وافرح وانزل مثلاً وسط الساحة وارفع الشعارات، بل يقول: «فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّك» عليك أن تسبّح وتستغفر، فهذا النصر ليس من عندك بل هو من الله. وربّما صدرت عنك خلال هذه المسيرة غفلة فاطلب المغفرة من الله تعالى. ينبغي التعامل مع الحوادث الإيجابية بهذه الطريقة: عدم الإصابة بالغرور، وعدّ النجاحات من الله «وَما رَمَيتَ اِذ رَمَيتَ وَلكنَّ اللهَ رَمى» (9). ليس من الصحيح أن يغترّ الإنسان بنفسه ويغرّه بالله الغَرُور، «فَحَقُّ لَك أن لا يغتَرَّ بِك الصِّدّيقون» (10). ورد في دعاء الصحيفة السجّادية أنّ الصدّيقين أيضاً يجب أن لا يغتروا بالله فيقولوا «طالما كنّا مع الله فحالنا ووضعنا واضح إذاً...»، لا، فالله تعالى لا يجامل حتّى الصدّيقين، وإن أخطأوا سيتلقّون الضربة. وعلينا أن لا نحسب العمل الذي يُنجز والعمل الحسن الذي يحصل، من أنفسنا بل من الله. وهذه هي حقيقة الأمر.

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة 14/03/2019 م


5 ـ الكافي، ج 8 ، ص 24.
6 ـ صحيفة الإمام الخميني، ج 11 ، ص 121 ، كلمة للإمام الخميني أمام حشد من حرس الثورة الإسلامية في طهران بتاريخ 25/11/1979 م.
7 ـ أمالي الصدوق، ص 619.
8 ـ سورة النصر، الآيات 1 إلى 3.
9 ـ سورة الأنفال، شطر من الآية 17.
10 ـ الصحيفة السجّادية، الدعاء 39 بقليل من الاختلاف.

2019-09-23