آثار إقامة مجالس أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
محطات من محرم الحرام
آثار إقامة مجالس أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
عدد الزوار: 177
يقول الإمام الخميني(ره): "لو عُلِمت الأبعاد السياسية لإقامة العزاء، لأقام مجالسَ العزاء حتى المتغرّبون".
الآن، إذا أردنا أن ندرس آثار إقامة العزاء وأبعادها وأسبابها غير الدينية وننظر إلى هذه المجالس بنظرة تجريبية بغضّ النظر عن التشيّع والقرآن والروايات وننظر إلى هذه الظاهرة من خارج الدين ماذا نجد من نتائج؟ وإذا نظرنا إلى مجالس العزاء من وجهة نظر العلوم الإنسانية كالعلوم السياسية وعلوم النفس والعلوم التربوية، بماذا سوف نخرج من نتائج؟
يقول الإمام الخميني(ره): «لیعرف شعبنا قدر هذه المجالس؛ هذه المجالس التي تحافظ على حياة الشعوب. ولا سيما في أيام عاشوراء فليزيدوا من اهتمامهم... فلو عرفوا أبعاد هذه المجالس السياسية، لأقام مجالس العزاء حتى المتغرّبون، وذلك فيما إذا أرادوا مصلحة شعبهم وبلدهم» [صحيفة الإمام/ج16/ص347]، وقد عنى الإمام بكلمته هذه بعض ما يسمَّون بالمثقفين المتغربين الذين كانوا يخالفون إقامة العزاء، أو بعض المتغربين الذين لم يكونوا يدركون حكمة هذه الشعائر.
كان الإمام الخميني(ره) يعتبر إقامة العزاء عملا سياسيّا نافعا للمجتمع وله آثار سياسية عالية جداً. وأساسا يفترض للإنسان العارف بالسياسة أن يروّج إقامة العزاء. ينبغي للأساتذة المتخصصين وأصحاب شهادات الدكتوراه في العلوم السياسية وكذلك الطلاب الجامعيين أن يقدّموا مقالات علميّة في هذا المجال. وكذلك ينبغي للناشطين في مجالات العلوم النفسيّة والتربويّة أن يدرسوا الطاقة الإيجابية التي تنتشر في مجالس إقامة العزاء. وأنتم لا تجدون مثل هذه الطاقة في بيوتكم وبكائكم الفردي. حتى بغض النظر عن التعاليم الدينية ومعارفنا العقائدية نستطيع أن ندرك كم لهذه المجالس الحسينية من آثار قيّمة على الفرد والمجتع.
في احتفال تأبين جان بیاجیه (عالم النفس الشهیر) في ذكرى مرور مئة عام من ميلاده، تمت دعوة بعض علماء النفس الأجانب إلى إيران للحضور في هذا الاحتفال. فبعد انتهاء الاحتفال، ذهبوا بهؤلاء العلماء إلى حرم الإمام الرضا (عليه السلام) ليشاهدوا هذا المكان كأحد الأماكن السياحيّة في إيران. ولكنهم انجذبوا إلى هذا الحرم إلى درجة أنهم ما كانوا راغبين بالخروج منه. فعبّروا عن هذا المكان بهذا المضمون: يا له من مكان مفعم بالطاقة الإيجابية! هنا تتلطف نفسيات الناس! نحن نتلقى أمواج هؤلاء الناس وكم نشعر بالسعادة في هذا المكان!
ليست هذه الحقائق مما نحتاج أن نستشهد له بالروايات فقط إلى يوم القيامة، فإن عقلنا النظري والتجريبي أيضا يدركها جيدا. لقد أشار الإمام الخميني (ره) في أحد خطاباته إلى هذه الحقيقة وقال: «لماذا نرى الله سبحانه وتعالى قد أعدّ ثوابا عظيما لصبّ الدموع وحتى للدمعة الواحدة بل حتى للتباكي؟ لقد أصبحت تتضح القضية من بعدها السياسي، وإن شاء الله تتضح أكثر في المستقبل... بل المهمّ هو هذا البعد السياسي الذي خطط له أئمتنا في صدر الإسلام ليكون مستمرّا دائما وهو أن يكون اجتماع تحت راية واحدة وفكر واحد، ولا يستطيع عامل أن يؤثر في هذا الأمر مثل تأثير عزاء سيد الشهداء فيه»[صحيفة الإمام/ 16/ 343ـ345]
كان الإمام الخميني(ره) يؤكد على ضرورة مواكب العزاء وكان يعتبرها تظاهرات سياسية: «لا يزعمون أن هذه المواكب والمسيرات التي تسير في أيام عاشوراء، [ينبغي] أن نبدّلها إلى تظاهرات، إنها تظاهرات بحد ذاتها، ولكنها تظاهرات بمضمون سياسي. فليستمروا بها كما في السابق بل أفضل. ليستمروا بهذه اللطميات والقصائد نفسها فهي رمز انتصارنا. يجب أن تكون مجالس العزاء في جميع أنحاء البلد. فليقرأ الجميع وليبكِ الجميع» [صحيفة الإمام/11/99]
كان الإمام الخميني(ره) يرى أن إقامة العزاء نافعة لمصلحتنا، حتى مصلحتنا الدنيوية. وإلا فما هي حاجة الإمام الحسين (عليه السلام) لمجالس عزائنا؟ «لو بكينا إلى الأبد على سيد الشهداء، فلا ينفعه أبدا، ولكنه ينفعنا. لاحظوا نفعه الدنيوي فضلا عن نفعه الأخروي، وانظروا إليه من الناحية النفسيّة وأنه كيف يربط بين القلوب» [صحيفة الإمام/11/100]
إن إدراك عظمة إقامة العزاء وآثارها، لا يحتاج إلى إيمان وتدين:
إن هذه الأبحاث مما يمكن فهمها بالعلوم الإنسانيّة أيضا. إن هذه الأركان التاريخية والثقافية وهذه المواقف الزمانية والرجال الذين يجب أن نلوذ بهم، هي من الاحتياجات النفسانية للإنسان وللمجتمع الإنساني. ألا تدلّ الغفلة عن الأبعاد الدنيوية والآثار الروحية والنفسانية التي تتحفنا بها مجالس العزاء في هذه الدنيا وتناسي بركات هذه المجالس في هذه الدنيا على الرذالة والخباثة؟! وهل يستطيع الإنسان أن يتجاهل مثل هذه الحقائق العظيمة في حياة الإنسان؟
هل من المعقول أن تكتب مقالات كثيرة حول مواضيع تافهة أو غير مهمة، ولكن لا يتحقق شيء تجاه هذا الأمر العظيم؟! إن العالم النفساني المنصف لا يمرّ من هذا الموضوع مرور الكرام، بل يدرسه بدقّة، فإن إدراك عظمة مجالس العزاء وآثارها وبركاتها حتى لا يحتاج إلى إيمان وتديّن ومعنويّة ومحبة.
قد يكون أحيانا مفعول شهر محرم في تكاملنا المعنويّ أكثر من مفعول شهر رمضان:
وإن اجتزنا من هذا البعد، نصل إلى البعد المعنوي والأخلاقي لمجالس عزاء الحسين (عليه السلام). قد يكون أحيانا مفعول شهر محرم في تكاملنا المعنوي أكثر من مفعول شهر رمضان. لقد قال آية الله البهجة: «إن البكاء على مصائب أهل البيت (عليه السلام) ولا سيما سيد الشهداء (عليه السلام) هي من المستحبات التي قد لا يكون مستحب أفضل منها» [نکته های ناب/ص63]. حتى أن صلاة الليل التي اتفق جميع العرفاء على أن لا يمكن الوصول إلى درجة القرب الإلهي بدونها، مع ذلك يقول الشيخ بهجت (رض): «أظنّ أن فضل البكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) أعظم من صلاة الليل» [در محضر بهجت/ج1/ص217]
وکذلك السيد القاضي له كلمات عجيبة وعالية جدا في هذا المجال. فقد نقل عنه أنه قال: «من المستحیل أن يصل الإنسان إلى مقام التوحيد عن غير طريق سيد الشهداء» [ز مهر افروخته/ص22] إن سريان هذا الفيض وهذه الخيرات يمرّ عن طريق سيد الشهداء وأمين الحسين (عليه السلام) وخادمه هو قمر بني هاشم أبو الفضل العباس (عليه السلام). وقد نقل عن السيد القاضي(ره) أنه قد وصل إلى ما وصل من المقامات والدرجات عن هذا الطريق. فقد قال: «کلّ ما لديّ فهو من زيارة سيد الشهداء والقرآن» [دریای عرفان/ص98]
فمن هذا المنطلق يبدو أن كلّ ثغراتنا الأخلاقيّة بسبب أننا لم نحي هذه العشرة الأولى من محرم كما ينبغي. دع أيّ ضعف وثغر تشكو منه في طوال سنتك وفي حياتك، وحاول أن تعوّض في هذه العشرة ولا تقصّر. فهل تزعمون أن شرّابي الخمور والشقاوات فقط يتحولون إلى إنسان آخر في مثل هذه الليالي؟! ألا ينبغي أن نتحول نحن أيضا وتزول مشاكلنا في دوافع بناء الذات وتطهير النفس؟!
فإن قام أحد من مائدة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) جائعا خائبا صفر اليدين، فمن له بعد في هذا العالم ليأخذ بيده؟! من شأن محرم أن يغيّر حالنا ويأخذ بأيدينا إلى الكمال. فلا ينبغي لنا أن نتخلف عن هذه المسيرة، فالحقوا بهذا القطار من هذه الليلة الأولى، فلعلّكم لا تستطيعون ركوبه في وسط الطريق.
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان