«إِلهِي إِلَيْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً وَإِلى الخَطِيئَةِ مُبادِرَةً وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً».
هذه الفقرةُ هي من مناجاةِ الشاكينَ الواردةِ عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام)، والحديثُ فيها عن مرتبةٍ من مراتبِ النفسِ وهي النفسُ الأمّارةُ، والتي تعرّضَ لها القرآنُ الكريمُ في قوله: ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وهي عاملٌ داخليٌّ يدعو الإنسانَ للقيامِ بما ترغبُ به النفسُ، وهو أمرٌ طبيعيٌّ نتيجةَ الميولِ والغرائزِ في النفسِ، ولكنَّ المشكلةَ في طغيانِ هذه النفسِ وطلبِها لقضاءِ تلك الميولِ بأيِّ طريقٍ كان وبشكلٍ تخرجُ فيه عن حكمِ العقلِ، ولهذه النفسُ أوصافٌ أربعةٌ:
1- تأمرُ بالسوءِ: بل تُكثرُ الأمرَ بالسوءِ، فهي على الرغمِ من أنَّها لا يحقُّ لها أنْ تأمرَ لأنَّ قوامَها أنْ تطيعَ العقلَ وتطيعَ الوحي، فهي في أصلِ صدورِ الأمرِ منها تعتدي على ما ليس لها، ثمّ إنَّها تُكثرُ مِنْ ذلك فهي أمّارةٌ وهذه صيغةُ مبالغةٍ لبيانِ عظيمِ طغيانِها وتسلُّطِها،: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى﴾.
إنَّ هذه النفسَ إذا كانت هي الحاكمةُ بسببِ الفرصةِ التي يُمكّنُها منها الإنسانُ فإنَّها تبدأُ بالتخطيطِ للمعصيةِ، أي تقومُ بتهيئةِ الفرصِ والظروفِ والبيئةِ التي تسمحُ بارتكابِ المعصيةِ، فالإنسانُ إذا رغبَ في المعصيةِ يبدأُ بتوفيرِ مقدّماتِ المعصيةِ، وهذا معنى أنَّ النفسَ أمّارةٌ، أمارةٌ بإلحاحٍ وبإصرارٍ على إعدادِ الظروفِ لاقترافِ المعصيةِ.
2- تبادرُ إلى الخطيئةِ: إنّها تُسرعُ ولا تتأخّرُ عن ارتكابِ الخطيئةِ، فبعدَ مرحلةِ التخطيطِ تتصيَّدُ أيَّ فرصةٍ لميولِها ورغباتِها فتريدُ استنفاذَها، والخطيئةُ هي الذنبُ الذي يصنعُه الإنسانُ وهو يدري أنَّه ذنبٌ، والذي يجعلُ النفسَ كذلك أنَّها لا تجدُ مَنْ يردعُها ولذا يُعبِّرُ عنها أميرُ المؤمنينَ بأنَّها جموحٌ فقد وردَ عنه: «إنَّ هذه النفسَ لأمّارةٌ بالسوءِ فمَنْ أهملَها جمحَتْ به إلى المآثمِ» ؛
3- الشغفُ بالمعصيةِ: فهذه النفسُ تتلذَّذُ بالمعصيةِ مع علمِها بما في ذلك من غضبِ اللهِ عزَّ وجلَّ عليها، ومع علمِها بضررِ ما تقومُ به أحياناً، ومع ذلك تجِدُها تُقبِلُ إلى المعصيةِ، وعلاجُ ذلكَ أنْ يُقيّدَ هذه النفسَ من خلالِ المحاسبةِ فهو الدواءُ، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «قيّدوا أنفسَكم بالمحاسبةِ واملكوها بالمخالفةِ» .
4- في معرضِ الغضبِ الإلهيّ: النتائجُ المترتّبةُ على ما تقدَّم أنَّ هذه النفسَ تجعلُ الإنسانَ في ساحةِ سخطِ اللهِ وغضبِه، فقد وصلتْ النفسُ إلى مرحلةٍ من مراحلِ قلَّةِ الحياءِ مِنَ اللهِ، وعدمِ المبالاةِ باللهِ، وعدمِ الاهتمامِ برقابةِ اللهِ، وبذلك تكونُ محلّاً لسخطِه.
وينصحُ الإمامُ الخمينيُّ (قدّس سرّه) بالحذرِ من إعطاءِ النفسِ ما تُحبُّ: «إنّ رغباتِ النفسِ وآمالَها لا تنتهي ولا تصلُ إلى حدٍّ أو غايةٍ. فإذا اتّبعَها الإنسانُ ولو بخطوةٍ واحدةٍ، فسوف يضطرُّ إلى أن يُتبعَ تلك الخطوةَ خطواتٍ، وإذا رضي بهوى واحدٍ من أهوائِها، أُجبرَ على الرضى بالكثيرِ منها. ولئن فتحتَ باباً واحداً لهوى نفسِك، فإنّ عليك أنْ تفتحَ أبواباً عديدةً له. إنّك بمتابعتِك هوى واحداً من أهواءِ النفسِ توقِعُها في عددٍ من المفاسدِ، ومن ثمّ سوف تُبتلى بآلافِ المهالكِ، حتّى تنغلق -لا سمحَ اللهُ- جميعُ طرقِ الحقِّ بوجهِك في آخرِ لحظاتِ حياتِك».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين