يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشداً من الطلبة الجامعيّين

2019

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشداً من الطلبة الجامعيّين

عدد الزوار: 78

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشداً من الطلبة الجامعيّين في اليوم السادس عشر من شهر رمضان المبارك 1440 هـ ق (1)_22/05/2019 م

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين،لا سيّما بقية الله في الأرضين.

لقاؤنا اليوم لقاء مفعم بالنشاط والحيويّة جداً بحمد الله. وميزة الشباب بالدرجة الأولى هي هذه الحيوية والنشاط، وهذا ما سيكون سبباً ومصدرًا للتقدّم واستثمار الفرص في البلاد إن شاء الله.

بالتأكيد، الشباب الأعزاء الذين تحدّثوا عبّروا غالباً عن قلقهم وآلامهم، وهذا جيّد ولا إشكال فيه، فأنا لا أعارض التعبير عن القلق والإشكالات وما إلى ذلك، بل أوافق تماماً أن تطرح المشكلات وتذكر، لكن يجب التدقيق قليلاً في التعبير، لأنّ عدم الدقّة في التعبير والبيان وما إلى ذلك يمكن فضلاً عن المؤاخذة الإلهية أن تكون له آثار خارجية غير محبّذة. ينبغي النقد بدقّة. روح النشاط والحيوية والمطالبة هذه جيّدة جداً وسوف أتطرّق إليها في حديثي.

المشكلة في المديرين لا في البنية؛
قبل البدء بالكلام، هناك نقطتان أو ثلاث نقاط في هذه الكلمات التي ألقاها الأعزاء ـ وقد سجّلت معظم النقاط المهمّة ـ منها أن أحد المحترمين الذين ألقوا كلماتهم سأل «هل أنّ المشكلات التي نشاهدها في المجتمع اليوم ـ هذه النواقص والإشكالات التي ذكرتم بعضها ـ يعود السبب فيها إلى البنية أم إلى المسؤولين والمديرين؟»؛ بنية الدستور بنية جيدة ولا إشكال فيها، وبالتأكيد، فإنّ البنى تُستكمل على مرّ الزمن وتُرفع نواقصها وثغراتها، وهذا أمر طبيعي. لنأخذعلى سبيل المثال قضيّة عدم وجود مجمع تشخيص المصلحة في السابق، وقد كان هذا نقصاً وثغرة، واليوم نمتلك هذا المجمع، وما إلى ذلك من حالات التطوّر والتقدّم التي تطرأ على كلّ الأنظمة في العالم. مثلاً في نظام حكم رئاسي مثل أمريكا والذي مضى على تأسيسه أكثر من مئتي عام، قرأت قبل سنوات أنّهم يؤسّسون لبعض الأشياء والأمور ويوجدونها أو يلغونها ويحذفونها، بمعنى أنّهم يستكملون نظامهم. وعليه فالبنية لا إشكال فيها، البنية جيّدة، وحتماً يمكن إضافة شيء إليها أو إنقاصه منها. وقد جرت مناقشة موضوع النظام البرلماني ـ وهو ما أشار إليه أحد الأعزاء ـ فقد ناقشناه بالتفصيل في المجلس الخاصّ بإعادة النظر في الدستور ووصلنا إلى النتيجة الموجودة اليوم. مشكلات النظام البرلماني ـ بالنسبة إلينا بالحدّ الأدنىـ أكثر من النظام الرئاسي. على كلّ حال، لا أرى مشكلة في البنية. نعم، هناك مشكلات في المديرين، وهذا ممّا لا شك فيه. هناك تقصير من قبل المديرين، وهناك سلائق متنوعة، وهناك عجز وعدم مقدرة ونواقص، وستكون النتيجة أن نخطئ في عملنا وحركتنا أحياناً. وأخطاؤنا ليست كأخطاء الناس العاديين، فعندما نخطئ تخلق أخطاؤنا تصدّعات كبيرة في المجتمع.

نقطة أخرى هي أنّ أحد الأعزاء قال «لتمنع الخصخصة». حتماً حصلت أخطاء كبيرة فيما يتعلّق بالخصخصة وقد أشار أخونا إلى هذه الأخطاء، وقد نبّهت إليها مراراً، فجرى إصلاح الأمور في بعض المواطن، وفي بعض الحالات جرى الحؤول دون بعض الأعمال. ثمّة إشكالات وعيوب في عملية الخصخصة لكنّ أصل الخصخصة حاجة ماسّة لاقتصاد البلاد. وهذه من الحالات التي تستكمل فيها البنية التي لم تكن موجودة منذ البداية. لقد استفدنا من المادة ذات الصلة في دستور البلاد، وأعلنّا تلك الاستفادة، وقد أيّدها سائر الخبراء من كلّ النواحي، وقالوا إنّها شيء جيّد وهي شيء جيّد حقّاً، ولا ينبغي الحؤول دونها، لكن ثمّة مشكلات على الصعيد العملي مثل كثير من الأعمال الأخرى، وقد حصلت أخطاء وحالات غفلة وعدم تفطّن، وربّما حصلت في هذا المجال زلّات وسقطات فيجب الحيلولة دون السقطات. وواجبنا هو الحؤول دون السقطات.

نقطة أخرى هي أنهم اتّهموني بمواجهة الشباب الثوريّين، فلا تصدّقوا هذا الكلام. إنّني لا أواجه الشباب الثوريّين أبداً. ولطالما أيّدت الشباب من التيار الثوري على نحو الخصوص، وسوف أؤيدهم لاحقاً أيضاً. هذا حتماً لا يعني أنّه لو قام عدد من الشباب الثوريين في حال من الأحوال بعمل مخالف وارتكب مخالفة معينة وأمراً خاطئاً فسوف نؤيّد عملهم هذا أيضاً. لا، أنا أيضاً كنت ذات يوم شاباً ثورياً في هذا البلد، وقضيت عمراً في هذا الميدان، وأنظر [اليوم] إلى نفسي فأجد كم كانت هناك أخطاء في أعمالي، فالشاب الثوري قد يخطئ في موضع من المواضع، وأنا لا أؤيد ذلك الخطأ، لكنّني أؤيد بالتأكيد الشباب الثوريين. إذا تنوقلت أشياء في هذا الخصوص فلا تقبلوها ولا تصدّقوها حتماً.

القيادة يجب أن لا تتدخّل..
قال أحد الأعزاء إنّهم نسبوا إلى القيادة المصادقة على برجام [الاتفاق النووي]، نعم، ولكنّكم لكم عيون تنظرون بها، وأنتم أذكياء واعون ما شاء الله، وتفهمون كلّ شيء. فلاحظوا تلك الرسالة التي كتبتها، لاحظوا كيف كان التصديق والتصويب. فقد ذُكرت شروط يصادق عليه في حال توافرها. بالتأكيد، إذا لم تطبّق تلك الشروط ولم تنفّذ فليس من واجب القيادة أن تتدخّل وتقول يجب عدم تطبيق الاتّفاق النووي. وحتماً، هذا بحدّ ذاته بحث [مطروح] وهو:ما هو واجب القيادة في مثل هذه الحالات؟ ما نعتقده هو أنّ القيادة يجب أن لا تتدخّل في الأمور الإجرائيّة، ولا ينبغي على القائد أن يرد ميداناً ما وينفذ عملاً ما أو يحول دون تنفيذ عمل ما، اللهمّ إلّا إذا تعلّق الأمر بالمسار العامّ للثورة، فهناك نعم، سوف نتدخّل، أمّا في الحالات الأخرى فلا. وعليه، فإنّي لم أكن أؤمن كثيراً بالاتّفاق النووي بالنحو الذي تحقّق وعمل به، وقد قلت ذلك مراراً للمسؤولين عن هذا الأمر ـ للسيد رئيس الجمهورية ولوزير الخارجية المحترم وللآخرين ـ ونبّهتهم إلى كثير من النقاط والأمور.

.. لكن لا تزيدوا من حدّة لهجة الانتقاد
وجّه بعض الأعزاء انتقادات كانت جيّدة، والكثير منها في محلّه، لكن لا تزيدوا من حدّة لهجة الانتقاد كثيراً، أي خذوا بنظر الاعتبار شيئين اثنين؛ الأول: حاولوا عندما تنتقدون أن لا تهبوا الطرف المقابل نقطة ضعفكم، أي لا تتكلّموا بحيث يمكنهم أن يدينوكم لدى المراجع القضائية. هذه نقطة خذوها بنظر الاعتبار. وهذا ما سبق ونبّهت إليه في كلامي مع الشباب لمرّة أو مرتين. انتبهوا أن لا تتكلّموا بطريقة يمكن للطرف المقابل أن يوظفها لإدانتكم قضائياً. هذا أوّلاً.

وثانياً: أن تتجنّبوا الإفراط والتفريط في الكلام. لاحظوا في القرآن عندما يتحدّث عن الكفار أو معارضي الرسول يقول: «وَلٰكنَّ أكثَرَهُم يجهَلون» (2) ولا يقول «ولٰكنّهم يجهلون» يقول «أكثَرَهُم يجهَلون» بمعنى أنّ عدداً منهم لا ينطبق عليه هذا الحكم. لا يكن الأمر بحيث تلغون جماعة بشكل حاسم قاطع أو تسجّلون مؤاخذة عليها، في حين قد لا يكون بعضهم مشمولين بإشكالكم هذا. هذه تنبيهات مهمّة. وأنتم أبنائي أي إنّكم مثل أبنائي حقّاً، وأحبّ أن تكون أعمالكم صحيحة والاتجّاه الذي تتحرّكون فيه كذلك.

أما الموضوع الذي دوّنته لأتحدّث به إليكم، ولا أدري كم سيكون أمامنا من الوقت لعرضه(3)، فسأتطرّق إليه الآن قليلاً.

اغتنموا هذه الأيام وقوّوا ارتباطكم بالله
لكن في البداية سأعرض لنقطة سجّلتها لأتحدّث بها قبل الخوض بالموضوع، ألا وهي استثمار فرصة شهر رمضان، [خاصّة] مع توافر فرصة الشباب. أعزائي، شهر رمضان فرصة جيّدة جداً لغسل الفؤاد والروح وتطهيرهما ولتمتين العلاقة بالله، وأنتم بحاجة لتعزيز هذه العلاقة، وكلّنا بحاجة إلى ذلك. شهر رمضان فرصة جيّدة جدّاً لذلك. الأنس بالقرآن، والأنس بالصلاة، والأنس بالدعاء، وهذا الصيام الذي تصومونه، هي نعم الله عليكم. وهذه [بدورها] مواد هذه الضيافة الإلهية التي سُمّيت في الروايات بـ «الضيافة الإلهية». بمعنى أنّ الصيام إحدى هذه الموائد السماوية التي يمنحكم الله إيّاها في هذه الضيافة. والدعاء مائدة أخرى من هذه الموائد، وكذا الحال بالنسبة للصلاة. وهذه الأمور لها من القدرة والتأثير عليكم أنتم الشباب عشرة أضعاف ما لها على أمثالي من الشيوخ وممّن هم في نهاية العمر. فقدّروا هذه الأمور بهذا النحو. فرصة الشباب هذه المتوافرة لكم، لا تتكرّر.فاستفيدوا منها واستثمروها لتجعلوا الأنس بالله والأنس بالصلاة والأنس بالقرآن عادة لكم، عادات حميدة حسنة، وعندئذ سترافقكم [هذه العادات]إلى آخر العمر. إذا لم تفعلوا هذا الآن فإنّه سيكون في السنين المتقدّمة إمّا متعذّراً بالنسبة إلى البعض، أو صعباً بالنسبة إلى البعض، أي إنّه ممكن ولكنّه صعب. أمّا إن بادرتم الآن فسوف تبقى هذه الأمور كملكة نفسانية لديكم وذخراً من عهد شبابكم. إذاً، اغتنموا هذه الأيّام، وهذا الصيام، وهذه العبادات، وهذه الصلوات، وقوّوا ارتباطكم بالله تعالى، وإن شاء الله تستمرّون عليه بعد شهر رمضان. هذه هي نصيحتنا الأولى.

.. لكن اعلموا أنّ لها أثرًا
في العام أو العامين الماضيين ـ وطبقاً للتقارير التي تصلني ـ قامت التشكيلات الطلابية الجامعية ومجاميع الطلبة الجامعيين بأعمال جيّدة في مجالات شتّى، سواء في قضايا البلاد [الداخليّة] أو القضايا الدولية. مثلاً ما قاله أخونا هنا عن الخصخصة وأنّ الشباب من الطلبة الجامعيين قد وردوا ميدان الخصخصة، وعالجوا حقّاً مشكلة من المشاكل في قضية قصب السكر في"هفت تبه" وصناعة الماكينات في تبريز. أي إنّهم لا يمتلكون المال ولا السلطة القانونية، لكن مع ذلك يمكن لحضورهم أن يحلّ أمراً كبيراً ومشكلة كبيرة. ومن الأمثلةعلى ذلك أيضاً: دعم العمّال، أو طرح المطالب على الأجهزة والمؤسسات المختلفة، وقد كان لهذه المطالب تأثيرها، أي إنّ مطالبة الطلبة الجامعيّين السلطة القضائية أو السلطة التشريعية أو مجمع تشخيص المصلحة بشيء، له تأثيره، وقد كان لهذا تأثيره، وهذا شيء قمتم به أنتم وهو جيّد جدّاً. هذا ما يتعلّق بالعام أو العامين الماضيين وهو ما يلاحظه المرء في مجاميع الطلبة الجامعيين.

أو على صعيد النشاطات الدولية والنشاطات الإقليمية. في خصوص اليمن (4) مثلاً، وفيما يتعلّق بالحدث الأخير في نيوزيلندا (5)، وفيما يتعلّق بنيجيريا (6) حيث سجّل الطلبة الجامعيّون حضورهم ومشاركتهم، وكذا الحال في قضايا متعدّدة أخرى.وهذا التسجيل للحضور والمشاركة شيء جيّد. أو التجمع في بعض الأحيان مقابل سفارة ما، فهو أمر جيد، بالتأكيد، برصانة ودقّة وعقلانية وإظهار للاقتدار الروحي والمعنوي. ولا يعني هذا أنّ تسلّق أسوار السفارات أمر جيّد دائماً ـ هو جيّد في بعض المواطن؛ وقد كان جيّداً في حادثة احتلال وكر التجسّس [السفارة الأميركيّة]، لكنّه ليس هكذا دائماً ـ لكنّ حضوركم ومشاركتكم ومطالباتكم وكلامكم المنطقي وإظهاركم للاقتدار وإظهاركم لاجتماعكم وتوحّدكم، مؤثّر. قد لا ترون آثار هذه الأمور مباشرة، لكن اعلموا أنّ لها أثراً. وعليه، هذه المشاركة من الأمور التي أشدّد عليها وأؤيّدها وأرغب في استمرارها.

هذه التوصية.. لم تلقَ رواجًا
بالتأكيد، بحسب التقرير الذي زُوّدت به، فإنّ التوصية التي لطالما أوصينا بها، أي قراءة الكتب ونهضة قراءة الكتب لم تلقَ رواجاً وانتشاراً جيّداً بين مجاميع الطلبة الجامعيّين. وهذا ما أؤكّد عليه مرّة أخرى: إنّكم بحاجة لأن تقرأوا وبحاجة لأن تعلموا (وسوف أوضح هذا إن شاء الله إذا توافرت الفرصة)، يجب أن تطلقوا نهضة قراءة الكتب، ولتقرأوا الكتب حقاً ولتطالعوا. لقد تحدّثت مراراً في لقاءات سابقة مع الطلبة الجامعيين عن كتب الشهيد مطهّري (7) لكن لا أريد الاقتصار عليها والتوصية بقرائتها فحسب، لا، فلتجتمعوا أنتم أنفسكم، ولجانكم المفكّرة، وذوو الخبرة من شبابكم، ولتضعوا لوائح بأسماء الكتب التي تجدر مطالعتها، وبرامج مطالعة للأقسام والشرائح المختلفة، ولتخطّطوا وتعرّفوا بهذه الكتب وما شاكل. هذا أمر لازم جداً.

حسناً، كانت هناك عدّة نقاط في ذهني لأقولها. وقد دوّنت هذه هنا تحت عنوان «بيان الخطوة الثانية» لأشير إليها. لا إنّني أريد التحدّث عن ذلك البيان لكنني بحجّة «بيان الخطوة الثانية» وبذريعته، أريد طرح هذه النقاط عليكم.

لاحظوا، إنّ «بيان الخطوة الثانية» هو صورة عامّة لماضي الثورة وحاضرها ومستقبلها. لقد مضى على الثورة أربعون عاماً ـ وهو صورة كلّيّة عامّة ولم ندخل في التفاصيل ـ وقد جرى تصوير وترسيم عامّ لقضايا الثورة الأساسيّة،وشدّد البيان على أربع نقاط أساسية:

النقطة الأولى هي عظمة حدث الثورة. الكثيرون لا يلتفتون إلى هذه النقطة، وأردنا أن يتنبهوا لها ويدقّقوا فيها. حادثة الثورة، ظهور الثورة في هذه المنطقة الجغرافية المحدّدة وفي تلك الفترة التاريخية المهمّة، ومن ثم بقاء الثورة. إذاً، هذه نقطة: عظمة الثورة سواء من حيث الوقوع أو من حيث البقاء والاستمرار.

النقطة الثانية هي عظمة الطريق الذي قُطع إلى الآن وأداء الثورة إلى اليوم. وهذا على الضدّ من كلام الذين يصرّون على القول إنّ الثورة لم تستطع تقديم إنجازات. لقد أوضحت في هذا البيان ـ حتماًعلى نحو الإيجاز والإجمال ـ أنّ الأمر ليس كذلك، فقد كانت للثورة إنجازاتها البارزة الممتازة في شتّى المجالات، في المجال السياسي وفي المجال الاجتماعي وفي المجال العلمي وعلى صعيد العدالة وفي مضمار الحرّيّة. لقد كان للثورة أداؤها وإنجازاتها على صعيد سائر الحاجات والمطالب الإنسانية والوطنية والدولية المهمة. إذاً، النقطة الثانية هي عظمة إنجازات الثورة.

النقطة الثالثة المقصودة في هذا البيان هي عظمة الأفق الذي يجب أن نصل إليه؛ إلى أين نريد أن نصل وما الذي نريد فعله وأين هي أهدافنا؟

والنقطة الرابعة عظمة دور القوى الشابّة الملتزمة، وليس كل شابّ، بل الشابّ الذي يشعر بالالتزام والمسؤولية. عظمة دور هذه الشريحة أي الشباب الملتزم في هذه المسيرة التي أمامنا، وفي الوصول إلى ذلك الأفق المنشود.

هذه هي النقاط الأربع التي أردنا بيانها هنا. وقلت بالتأكيد، إنّنا عرضناها بإجمال إذ لا يمكن في بيان واحد التفصيل في هذه الأمور كثيراً، إنّما ينبغي كتابة كتاب أو كتابين لها، ولكن ثمّة مجال للتفصيل والتفكير والمطالعة والتعمّق فيها.

حسناً، إنّنا بحاجة إلى حركة عامّة نحو ذلك الأفق، ويجب أن تنطلق حركة عامّة في البلاد. حتماً هذه الحركة موجودة لكن ينبغي أن تتحلّى بالانضباط والسرعة ويكون تقدّمها نحو ذلك الأفق محسوساً. وهذه الحركة، بالتأكيد، بمحورية الشباب الملتزم، فالشباب الملتزم هم محور هذه الحركة. وحين نقول الشباب فلا نقصد بالضرورة الشباب ذوي الاثنين والعشرين عاماً والخمسة والعشرين عاماً. بالتأكيد، هناك الكثير من الأعمال يمكن لهؤلاء الشباب في أعمار الاثنين والعشرين عاماً والخمسة والعشرين عاماً أن يقوموا بها. الواقع هو كما قالت أختنا العزيزة هذه حين قارنت ذوي العشرين عاماً بذوي الستين عاماً وقد صفّقتم جميعاً لها. إنّني أيضاً أقصد ذوي العشرين عاماً والخمسة والعشرين عاماً، غاية الأمر، إنّني عندما أقول "شباب"فلا أقصد من هم في سنّ العشرين فحسب، [بل] سنّ الثلاثين والخمسة والثلاثين والأربعين هؤلاء أيضاً شباب، أي إنّهم يستطيعون أيضاً أن يلعبوا دوراً في هذا المجال والعمل؛ وإذا كانوا ملتزمين يمكنهم خلق تحوّل عظيم في نظام إدارة البلاد.

حسناً، هنا يطرح سؤال وهو كيف تتمّ عملية دخول الشباب إلى هذه الحركة العامة؟ أنتم الآن شباب ملتزمون وتريدون المشاركة في هذه الحركة العامة، فكيف سيكون أسلوب مشاركتكم؟ هذه هي الفكرة التي سجّلتها لأقولها لكم، ويجب أن نوضّحها.

لاحظوا، والتفتوا جيّداً، حركة عامّة معقولة ومنضبطة. وحينما نقول منضبطة فنعني أن لا تكون حركة فوضيّة وهرجاً ومرجاً وما إلى ذلك. أحياناً تترافق التحركات العامّة بالفوضى والاضطراب والغوغائية وما إلى ذلك، وتلك لا قيمة لها. أمّا إذا أريد لها أن تتمّ بصورة صحيحة ومنتظمة وعقلائية فهي بحاجة إلى عدّة أمور:

أوّلاً، تحتاج إلى معرفة بالساحة؛
بمعنى أنّه ينبغي للأشخاص الذين يقومون بهذه الحركة، أو الذين هم محور هذه الحركة، أو هم محرّكوها بالحدّ الأدنى، أن يعرفوا الساحة جيّداً، ويعرفوا العناصر الموجودة في هذه الساحة. إنّكم اليوم إن أردتم أن تطلقوا حركة في بلادكم وفي الجمهورية الإسلامية، فيجب حتماً، أن تعلموا ما هو وضع الجمهورية الإسلامية اليوم، ومن الذين تواجههم، وما هي فرصها، وما هي التهديدات التي تواجهها، ومن هم أعداؤها، ومن هم أصدقاؤها. هذه أمور يجب أن تعلم وتعرف.

عنصر آخر ضروري لهذه الحركة هو ضرورة أن يكون لها اتّجاه محدّد، اتّجاه منطقي ومقبول.

والاتجاه الذي نقترحه ونطرحه في الحركة العامة للشعب الإيراني هو الاتّجاه والتوجّه نحو المجتمع الإسلامي أو الحضارة الإسلامية، أي إنّنا نصبو للسير نحو تشكيل مجتمع إسلامي، والحركة العامة يجب أن توصلنا إلى هناك وإلى حضارة إسلامية متقدّمة. هذا هو العنصر الثاني.

العنصر الثالث الذي تحتاجه هذه الحركة هو أن يكون هناك عامل باعث على الأمل والتفاؤل، ونقطة مضيئة.

ففي أيّ حركة، إذا لم تتوافر هذه النقطة المضيئة الباعثة على الأمل فإنّها لن تتقدم إلى الأمام. وهذا شيء متاح تماماً لبلادنا ولمجتمعنا ولشعبنا لحسن الحظ، فالنقطة المضيئة عبارة عن الطاقات الوطنية التي عرفناها، فحتّى أنتم الشباب عرفتم اليوم طاقات شعبكم وقدراته. لقد أثبت الشعب الإيراني أنّ باستطاعته إنجاز الأعمال الكبيرة والنهوض بها. لقد قام الشعب الإيراني بثورة وأسّس الجمهورية الإسلامية، وهو أمر أشبه بالمعجزة. تأسيس الجمهورية الإسلامية في عالم القطبين آنذاك الرأسمالية والشيوعية كان كمعجزة. والحقّ أنّها تشبه معجزة عبور بني إسرائيل البحر أو [معجزة] عصا موسى...لقد قام الشعب الإيراني بهذا وهذه طاقة هائلة جداً. ثمّ استطاع الحفاظ عليها أيضاً. الآخرون أيضاً قاموا بمثل هذه الأعمال قبل سنوات قليلة، وقد شاهدتم بالتالي، فقد قامت بلدان شمال أفريقيا وما شابه بهذه الأعمال (8) لكنّهم لم يستطيعوا الحفاظ عليها. والشعب الإيراني استطاع الحفاظ عليها. استطاع الشعب الإيراني الصمود بوجه القوى الكبرى في هذا العصر وفرض التراجع عليها. إذاً، هذه بحد ذاتها نقطة أمل، ونحن نمتلك نقطة الأمل هذه. طبعاً نقاط الأمل كثيرة وهذه واحدة منها. من نقاط الأمل تآكل الجبهة المقابلة لنا وتهاويها. أقول هذا بنحو قاطع ـ وبالتأكيد، سيبادر البعض فوراً إلى التبرير والتأويل والإنكار وما شابه، لكنّني أقولها بحسم وقطع وأستطيع إثبات ذلك لكن ليس هنا محلّه ـ إنّ الحضارة الغربية تعاني اليوم من الانحطاط، وهي حقّاً في حال الزوال «عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ بِه في نارِ جَهَنَّم» (9)، إنّها على شفير الهاوية، هكذا هي. وحتماً، فإنّ أحداث المجتمعات وتغيّراتها تحدث بشكل تدريجي، ولا تُحسّ بسرعة. لقد شعر حتّى العلماء الغربيون بهذا وراحوا يذكرونه على ألسنتهم ويقولونه. هذه أيضاً من نقاط أملنا. الحضارة الغربية المادية تقف مقابلنا، وهي آيلة إلى التفسّخ والبلى. هذه أيضاً من النقاط الباعثة على الأمل. ثم هناك وعد الله الذي لا يخلف «إن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» (10)، حسناً، «وَمَن أصدَقُ مِنَ اللهِ قيلًا» (11) من هو أصدق من الله وأوفى عهداً منه؟ الله يقول: «إن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» إن نصرتم الله، أي إن سرتم نحو حضارة الإسلام والمجتمع الإسلامي وتحقّق دين الله فإنّ الله سوف ينصركم، هذه نقطة أمل. إذاً، العنصر الثالث متاح ومتوافر أيضاً وهو وجود نقطة الأمل.

العنصر الرابع هو أنّه لا بدّ في كلّ فترة من الفترات من أساليب ووسائل عملية بالتالي.

في كلّ فترة من الزمن تبرز الحاجة إلى وسائل وأساليب عملية. وهنا محلّ بحثنا. وهذا هو ما تسألون عنه ـ بمعنى أنّ الجيل الشاب قد يسأل عنه وهو سؤال مبهم ـ وهو ما هو بالتالي الأسلوب العملي لكي نستطيع كشباب أن ننزل إلى الساحة؟ حسناً، هذه العناصر الأربعة التي تحدّثنا عنها ـ كلّها ـ والتي هي لازمة لحركة عامة ما، يحتاج تبيينها إلى ذهن فعّال ولسان فصيح، غاية الأمر أنّ هذه الحالة الأخيرة وهي قضية الأساليب العملية تحتاج إلى التوجيه والتركيز والمتابعة والنشاط الدؤوب والمستمرّ ليمكن التقدم بقافلة المجتمع العظيمة هذه، والأهم من ذلك، بشباب المجتمع إلى الأمام. مهمة من هذه؟ على عاتق من تقع مهامّ هذا التركيز، ووضع البرامج وخطط العمل، والعثور على الأساليب والطرق، وعرضها والتخطيط والبرمجة؟ تقع على عاتق التيّارات والحلقات الوسيطة. لا تقع هذه المهمة على عاتق القيادة، ولا على عاتق الحكومة، ولا على عاتق الأجهزة والمؤسسات الأخرى، بل على عاتق مجموعات[متشكّلة] من الشعب نفسه، وهو ما نمتلكه اليوم، لحسن الحظ، بأعداد لا بأس بها. لدينا بين شبابنا وبين مسؤولينا النخب الفكرية التي نحتاج إليها في مجالات متنوعة. هؤلاء بوسعهم أن يجتمعوا ويخطّطوا ويوجّهوا ويهدوا. والتشكيلات الطلّابية الجامعية من هذا القبيل، والمجموعات ذات التجارب والنشاط في المجالات الثقافية والفكرية وما شابه هي من هذا القبيل، والأكثر نشاطاً في هذه المجالات هو الأكثر تأثيراً. أي إنّ زمام الأمر بيد الناشطين، فالكسل والتثاقل والخمول وما إلى ذلك لا ينفع.

حسناً، لقد سجّلت هنا نماذج يمكنها أن تساعد جيل الشباب على القيام بدوره كمحور لحركة المجتمع العامة وتمنحه الطاقة والإمكانية اللازمة لذلك. منها تشكيل فرق عمل ثقافية. وهو ما يجري الآن وهو موجود فعلاً. إنّني على معرفة بالكثير منهم، وعلى ارتباط ببعضهم. فرق عمل ثقافية في كلّ أنحاء البلاد وفي المساجد ـ وهو ما صادف وورد في كلمة أحد الأعزاء ـهو أحد الأعمال. و"أمر النار بيدك" هذا و"اتّخاذ زمام المبادرة" الذي تحدّثت عنه قبل فترة (12) يتعلّق بهذه الشريحة، أي يمكن للمجموعات الناشطة في المجالات الثقافية أن يكون لها تأثير عميق. وقد كان الأمر كذلك منذ بداية الثورة، وهو كذلك الآن أيضاً. والآن أين ما تجدون فريقاً شاباً ـ شباباً منظّمين مفكّرين أصحاب ذهنيات نشطة ـ يعملون عملاً ثقافياً في مسجد مثلاً أو في هيئة عزاء ـ كما أوضح الأعزاء ـ هؤلاء يمكنهم التأثير على الشباب، وعلى أهل المحلّة، وعلى أقربائهم، وعلى المجموعات الطلابية في الجامعات، وأن يوجدوا حركة وعزيمة وبصيرة ورؤية في مجموعة ما.

وعمل آخر هو تشكيل مجموعات وفرق للنشاطات السياسية.
بالتأكيد، أنا لا أقصد الألاعيب الحزبيّة وتطبيق السياسات الحزبيّة. الألاعيب الحزبيّة عمل لا أشعر أنّ فيه بركة، بيد أن العمل السياسي لا يقتصر فقط على الألاعيب الحزبية، بل هو الاجتماع والتحليل السياسي ومعرفة الأحداث السياسية وفهمها وتداولها، وهذا من الأعمال المهمة جداً التي تسرّع الحركة العامة للمجتمع وتصوغها وتساعدها. هذا أيضاً أحد الأعمال.

تأسيس الطاولات المستديرة والندوات والجلسات وكراسي التفكير الحرّ في الجامعات، وهو ما كرّرته مراراً وأكّدت عليه وأوصيت به، ولم يشهد تطوراً يذكر. من الذي ينبغي أن يقوم بذلك؟ إذا بقيتم تنتظرون رئيس الكلّية أو المعاون الثقافي أو ما شابه ليقوم بذلك فلن تكون ثمّة فائدة، إنّما ينبغي عليكم أن تقوموا بذلك بأنفسكم. ينبغي أن تؤسّسوا في الجامعات كراسي للتفكير الحرّ، لكن،كما قلت،يجب أن تكون جميع هذه التحرّكات منضبطة، مترافقة مع تخمين للمستقبل، وأن تنطلق بدراسة جيدة من قبل أفراد ذوي ذهنيات فعالة وألسن فصيحة. هذه أعمال تساعد حتماً وتؤثّر. إنّ مجموعة الطلبة الجامعيين المواكبة للتشكيلات الطلابية لا تشكّل الآن نسبة مئوية عالية من طلبة الجامعات في البلاد. وإذا قمتم بهذه الأعمال فإنّ هذه النسبة المئوية سوف تزداد بالتأكيد. الطالب الجامعي الذي لا يكون ملتزماً أو المنشغل بأمور تافهة لا يترك أيّ تأثير إيجابي في تقدّم البلاد، هذا إن لم يترك تأثيراً سلبياً. وبإمكانكم عن طريق هذه الأعمال أن تؤثّروا. هذا أيضاً فصل وعنوان، أي إنّه أحد الأساليب والطرق الممكن ذكرها.

أسلوب آخر هو تشكيل جماعات نهضويّة فيما يتعلّق بالقضايا الدولية والعالمية. كما أشرت فقد قامت بعض المجموعات بهذه الأعمال. حيث دعت على سبيل المثال الطلبة الجامعيّين الناشطين في بلدان المقاومة فحضروا إلى طهران أو إلى بعض المدن الأخرى،واجتمعوا وعقدت لقاءات جيّدة، وقد بلغتنا أنباؤها، ويمكن القيام بمثل هذه الأعمال؛ أي أن ننشط على صعيد قضايا العالم الإسلامي. لتتشكّل مجموعات وفرق ولتتابع هذه القضايا: قضايا غزة، قضايا فلسطين، قضية اليمن، قضية البحرين، القضايا المتعلّقة بمسلمي بورما، القضايا المتعلقة بمسلمي أوروبا ـ من المسائل التي يمكن مناقشتها في أجواء الطلبة الجامعيين النشطين قضايا مسلمي أوروبا وهي بحدّ ذاتها قصة تطول فصولها ـ وقضايا الأحداث التي وقعت في بعض البلدان. أحداث باريس مثلاً ممكنة المناقشة والدراسة والبحث، بمعنى أنّه يمكن لمجموعة من الطلبة الجامعيين النشاط والعمل فيما يتعلّق بهذه الأحداث وأحداث المنطقة. هذا أيضاً أحد الأساليب.

أسلوب آخر تشكيل فرق علمية والتعاون مع المراكز العلمية. وأسلوب آخر هو التعاون مع الشركات العلميّة المحور، وفي الأعمال الاقتصادية. وأسلوب آخر مهمّ جدّاً الأعمال الخدمية، أي هذه الأعمال التي تقوم بها المجموعات الجهادية حيث يذهبون إلى مختلف المناطق، وهي من أفضل أعمال الطلبة الجامعيين. كلّما نمت هذه الأعمال وتطوّرت وتعزّزت وكانت موجهة وهادفة كان ذلك أفضل، فهي بمثابة تقوية للجسم والروح وإيجاد لتلك الحركة العامّة المطلوبة.

النشاطات الاستخباراتيّة الشعبية. الكثير من الأعمال التي لا تستطيع أجهزتنا الأمنّيّة القيام بها أو تبقى في ثنايا الأعمال لأسباب مختلفة يتم الإبلاغ عنها أحياناً بواسطة العناصر اليقظة الواعية، وقد كان لذلك تأثيراته. لقد جرى إبلاغنا نحن في بعض الأحيان، فترك ذلك أثره، حيث توبع الأمر وأنجزت أعمال إيجابية. لنفترض مثلاً التبليغ عن حالة استغلال في مجال التهريب وفي مجال الاستيراد، نظير هذا الذي ذكره أحد الأعزّاء هنا، طعام الكلاب وما إلى ذلك. باستطاعة بعض المجموعات أن تنشط وتعمل في هذه المجالات.

الأعمال الاجتماعیة. لاحظوا، في هذه اللائحة التي سردتها، ذُكرت إلى الآن سبعة أو ثمانیة أو عشرة أسالیب أو اثنا عشر أسلوباً، ویمکن العثور على خمسین أسلوباً من هذا القبیل. النشاطات الاجتماعیة، من قبیل هذه الأعمال التي أشرت إليها في"هفت تبه" (13) وما شابه ممّا قام به الشباب من الطلبة الجامعیین، هذه أعمال حسنة جداً. فرق عمل قد لا تکون مرتبطة ببعضها البعض، لکن ینبغي أن توجَّه وتُدار ویجري التخطیط لها. کلّ هذه الأعمال ینبغي أن یجري التخطیط لها من قبل الشباب. وحتماً، ينبغي لكلّ هذه أن تستلهم من ذلك الاتّجاه العامّ الذي أشرت إلیه، أي اتّجاه الوصول إلى المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامیة. في کلّ هذه الأعمال ينبغي أن يتّجه المخططون ومراکز التخطیط والهدایة ـ والتي قلت إن الحلقات الوسیطة هي من یجب أن تنهض بها ـ في ذلك الاتّجاه.

وما ستكون نتيجة ذلك؟ ستكون النتيجة جرّ جيل الشباب الملتزم إلى ميدان إدارة البلاد؛
لقد عتب أحد الأعزاء وقال إنّهم لا يتيحون للشباب الدخول إلى ميدان الإدارة. حسناً، وكيف سيدخلون إلى ميدان الإدارة؟ عن هذه الطرق يتمّ دخول جيل الشباب إلى ميدان الإدارة، وحتماً، إذا دخل جيل الشباب إلى ميدان الإدارة، وكان مديرو البلاد الكبار من الشباب الملتزمين ـ وقد قلت الشباب الحزب اللّهيّين الملتزمين، أي يجب أن يكونوا حزب اللّهيّين حقاً، وبالمعنى الصحيح للكلمة ـ عندئذ سوف تستمر وتتواصل تلك الحركة العامة للبلاد وتزداد سرعتها وتتمّ وتُنجز. وعليه، فالسؤال المطروح كيف يمكن للشباب الدخول إلى ساحة هذه الحركة العامّة، له برأيي، إجابات واضحة، وقد بيّنت قدراً منها.

بالتأكيد، لا ينبغي لهذه الأعمال والنشاطات أن تضرّ بالعمل العلمي للطلبة الجامعيين الشباب؛ وهي أيضاً لا تتنافى معه. بمعنى أنّ قولكم «الاستراتيجيّة الطويلة الأمد للنظام هي التقدّم العلمي واقتحام خطوط العلم الحالية والمضيّ قدماً» قول صحيح. بلا شك، يجب علينا أن نفتح قمم العلم، لكن ينبغي أن لا تحول هذه الأعمال دون ذلك، ولا تنافي بين الأمرين، فيمكن القيام بهذه الأعمال ومواصلة الحراك العلمي. يمكن للإنسان أن يكون طالباً جامعياً ممتازاً حائزاً للمراتب العالية في مختلف الحقول، ويشارك في الوقت نفسه في المجموعات الجهادية وفي الهيئات الطلابية والفرق الخدمية وفي النشريّات [الطلّابيّة].

وقد قال أحد الأعزاء هنا شيئاً عن النشر والإصدارات. ما اعتقده هو أنّ على الذين يكتبون ويعملون في الإصدارات الطلابية تشكيل مجموعات لاستمرار عملهم ونشاطهم بعد فترة الدراسة الجامعية. وصحيح ما أشاروا إليه، فإنّ هؤلاء الذين يكتبون الآن في الصحف والدوريّات كانوا ذات يوم طلبة جامعيّين، لكن ليس كلّ الذين كانوا خلال فترة دراستهم الجامعية من أهل هذه الأعمال دخلوا بعد ذلك في ميدان الكتابة الصحفيّة والإصدارات وإدارة الصحف وما إلى ذلك. أرى أنهم يستطيعون العمل في هذا المجال أيضاً. وقد دوّنت هنا: «إيجاد شبكة من الكتاب من الطلبة الجامعيين الناشطين في النشرات الطلابية لمواصلة العمل في مجال النشر».

وأريد أن أقول شيئاً باختصار في خصوص الطلبة الجامعيين؛
ما نتوقعه من الطلبة الجامعيين ومنكم أيّها الشباب الأعزاء وأنا حقّاً، أحبّكم كثيراً، هو أن تكونوا مندفعين ذاتيّاً وتعملون من تلقاء أنفسكم ولا تنتظروا أن يُفرض عليكم العمل والنشاط، وخاصّة الشباب المرتبطين بتشكيلات الطلبة الجامعيين المختلفة. يجب أن تتحرّكوا وتعملوا تلقائيّاً. على الشباب من أهل الفكر، والبعض متقدّمون ورواد في مجال الفكر، والبعض متقدّمون في الأعمال التنفيذية، كلّ واحد في المجال الذي له فيه طاقة ومقدرة، أن يعملوا بطريقة تلقائية ذاتية، تماماً كالكفاح الذي مارسه المكافحون في زمن الطاغوت. حسناً، إذا كنتم تصدّقون فإنّنا أيضاً كنّا ذات يوم في أعماركم (14) وكنّا في زمن ما في مثل هذه المرحلة والسنّ. وصادف أن كان الزمن في تلك المرحلة زمن كفاح. لقد كنّا حقّاً، نعمل ونتحرّك في ذلك الزمن بطريقة ذاتية تلقائية. ولا أريد أن أتكلّم الآن عن أنفسنا، لكن هذا واقع. في ذلك الحين ـ في سنوات الكفاح والنضال ـ لم يكن هناك من يديرنا، لم يكن هناك حزب ولا منظمة ولا جمعية، كان هناك الإمام الخميني الجليل فقط، وكان مع ذلك في النجف أو في تركيا. أحياناً كان يصلنا من الإمام نداء أو بيان فيضخ الدماء في عروقنا ويوجّهنا ويهدينا. وقد كانت العقبات والموانع كثيرة، فقد كان هناك الضرب والتعذيب والسجن والعقبات المالية والجوع وما إلى ذلك، ورغم هذا كنّا نتحرّك ونمضي قدماً. على شباب اليوم أن يتحرّكوا بهذه الطريقة، [تماماً]ككفاح المكافحين في زمن الطاغوت. إذا ما أُنجزت أعمال من قبيل ما قلته وجرى تنفيذ هذه اللوائح، فسيؤدّي ذلك إلى إحباط مؤامرات العدوّ، وسيمكن إحباط تلك المؤامرات الناعمة التي يتحدّث الجميع عنها، وهي بالدرجة الأولى شلّ جيل الشباب. فمن أخطر المؤامرات التي تحاك ضدّ بلادنا وثورتنا في الوقت الحاضر مؤامرة شلّ الجيل الشاب، وإشغاله وإلهائه بالشهوات، والأعمال الفارغة كالألعاب الكومبيوترية وما إلى ذلك، والمخدّرات وأمور من هذا القبيل. هذه الأمور بمثابة شلّ للجيل الشاب، ويمكن إحباطها بالطريقة التي ذكرت. مؤامرة فرض اليأس على جيل الشباب يمكن أن تحبط وتبطل بهذه التحرّكات الباعثة على الحيوية والنشاط والأمل. وعليه، إذا تقدّمتم أنتم الشباب بهذه النشاطات والتحرّكات إن شاء الله، ومهّدتم الأسباب لتولّي حكومة شابة حزب اللهية زمام الأمور، فإنّي أعتقد أن كثيراً ممّا يقلقكم ومن هواجسكم سوف ينتهي ويزول، وبالتأكيد، هذه الهموم والهواجس ليست همومكم وهواجسكم وحدكم.

لا تيأسوا، فكلّ شيء باعث على الأمل!
النقطة الأخيرة وهي نقطة على جانب كبير من الأهمّية: قد تشاهدون بعض الأمور التي لا ترتاحون لها. على سبيل المثال، الميول السياسية للشخصيّة الفلانية، أو الإشكال في عمل المسؤول الفلاني في السلطة الفلانيّة قد يكون مزعجاً لكم. لا تيأسوا حتّى ولو شاهدتم مائة مثال من هذه الأمثلة. هذه هي توصيتي الأساسيّة المؤكّدة. لا تيأسوا، فكلّ شيء باعث على الأمل والبشرى بالنسبة إلينا. وكما أشرت فنحن شعب عوامل الأمل والبشرى حولنا وفي داخلنا أكثر بكثير من عوامل اليأس والتشاؤم. لاحظوا عوامل الأمل هذه واعثروا عليها وكونوا متفائلين مستبشرين بها، وتوكّلوا على الله وأخلصوا مقاصدكم ونواياكم، واعلموا أنّ الله تعالى سوف يعينكم ويمدّكم. وسوف ترون كلّكم إن شاء الله زوال أعداء البشرية، أي هذه الحضارة الأمريكية المنحطة وزوال إسرائيل بلطف من الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من الطلبة الجامعيين وممثّلي التشكيلات الطلابية الجامعية كلمات عبّروا فيها عن آرائهم وانتقاداتهم وتصوّراتهم.
2 ـ سورة الأنعام، شطر من الآية 111 .
3 ـ قال الإمام الخامنئي جواباً على طلب الحضور بالاستمرار في الكلام بعد الإفطار أيضاً: «بعد الإفطار سيكون الأمر بمثابة جبر وغير صائب».
4 ـ المذابح ضدّ الشعب اليمني على يد قوّات التحالف العربي وبدعم من البلدان الغربية.
5 ـ المذبحة ضدّ المصلين في مسجد من قبل إرهابي وعدم إعلان موقف حاسم من قبل المنظّمات الدولية من هذه المذبحة.
6 ـ مقتل عدد من المواطنين الشيعة وإلقاء القبض على عدد آخر منهم وسجنهم، بما فيهم زعيم الشيعة في نيجيريا الشيخ إبراهيم الزكزاكي، على يد قوات الأمن في الحكومة النيجيرية.
7 ـ من ذلك كلمته في لقائه جمعاً من الطلبة الجامعيين وممثّلي التشكيلات الطلابية في الجامعات بتاريخ 06/08/2012 م .
8 ـ إشارة إلى الثورات الشعبية في البلدان العربية والتي عرفت بالربيع العربي.
9 ـ سورة التوبة، شطر من الآية 109 .
10 ـ سورة محمد، شطر من الآية 7 .
11 ـ سورة النساء، شطر من الآية 122 .
13 ـ من ذلك كلمته في حشود زوار الإمام الرضا في مشهد المقدسة بتاريخ 21/03/2018 م .
14 ـ إعلان تضامن الطلبة الجامعيين من عدة جامعات في طهران ومدن أخرى مع العمال المضربين في شركة "هفت تبه لقصب السكر" في محافظة خوزستان بسبب عدم استلام العمال أجورهم لمدة أربعة أشهر، وكذلك عدم إعادة هذه الشركة من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي في عام 2018 م.
15 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.

2019-05-29