حاكميّة الشعب الدينيّة في خطاب الإمام الخامنئي (دام ظله)
إنتصار الثورة الإسلامية
حاكميّة الشعب الدينيّة في خطاب الإمام الخامنئي (دام ظله)
عدد الزوار: 227
مقدّمة
يقول آية الله الخامنئي: "لرأي الشعب، وإرادته ومشاعره تأثير أساسيّ في النظام
الإسلاميّ، والنظام الإسلاميّ لا يتحقّق من دون رأي الشعب وإرادته"[1].
إنّ البحث عن مكانة الشعب ودوره في تأسيس الحكومة وطريقة إدارة المجتمع، هو من جملة
البحوث المهمّة التي لها جذور تاريخيّة عميقة في مجال السياسة والحكومة في
المجتمعات المختلفة. في هذه الأثناء استطاعت حركة الفكر السياسيّ في الغرب، من خلال
الاستفادة من البرمجيّات الكومبيوتريّة، فرض رؤيتها على سائر النُّظم والاتّجاهات
السياسيّة، بحيث صارت المصطلحات والتعاليم الغربيّة تُستخدم في الأنظمة السياسيّة
المختلفة.
للديمقراطيّة أيضًا مثل هذا المصير، ويُلاحظ أنّ الغرب يسعى إلى فرضها كطريقة وحيدة
للحكم مطلوبة من الإنسان المعاصر[2]. "الديمقراطيّة" التي تتغذّى معنويًّا من "الليبراليّة"
والقائمة على تعاليم العلمانيّة والأنسنة، هي النموذج المطروح بل المفروض من قبل
الغرب على جميع الأنظمة، لكي تتحقّق السيطرة التي وعد بها "فرنسيس فوكوياما"
للليبيراليّة الرأسماليّة. الديمقراطيّة من هذه الناحية، تُعدّ منهجًا جامعًا لقيم
العلمانيّة الغربيّة في إدارة المجتمع.
لذا، إنّ أيّ تعرّض لها بالنقد والانتقاد، يُسقَط بحربة الاستبداد ويجري العمل على
إظهارها كـمقدّس جديد للإنسان في القرن الواحد والعشرين[3]. مع أنّ الذي ينبغي -
وبالالتفات إلى تنوّع المباني القيميّة والثقافيّة للأنظمة السياسيّة المختلفة في
مقام طرح النماذج العمليّة - تغليب التقاليد الخاصّة، وإيجاد النظام السياسيّ
المطلوب بعيدًا عن التقليد الأعمى. وطبقًا للرؤية الثانية، فالديمقراطيّة بلحاظ
أنّها تنفي المباني الإلهيّة والسماويّة للسياسة، لا يمكنها أن تكون أساسًا للعمل
السياسيّ في المجتمعات التي تقوم على أساس دينيّ ومن جملتها الإسلاميّة. وهذا
بالطبع، لا يعني نفي مكانة الشعب ودوره في الحكم، ذلك أنّه يمكن العثور على نموذج
ثالث، تُحفظ فيه إلى جانب حفظ حقوق الشعب وشأنه ومكانته في إدارة المجتمع، حرمة
القيم والأصول الدينيّة، ويؤدّي إلى نوع من حاكميّة الشعب تبعًا للأصول والقوانين
الدينيّة.
إنّ طرح مفهوم "السيادة الشعبيّة الدينيّة" هو في الواقع بمعنى أنّ المجتمع
الإسلاميّ لم يرضخ للنموذج الاستبداديّ، ولا لنموذج الديمقراطيّة الغربيّة وقد
توصّل إلى نموذج بديل يتمتّع بسنخيّة وتناسب أكثر مع المجتمع الإسلاميّ. في هذه
المقولة، ستتمّ الإشارة إلى مضمون السيادة الشعبيّة الدينيّة، ومبانيها وأصولها، من
وجهة نظر قائد الثورة المعظّم، كتنظير لها، ولكي تشرح وجهة النظر الإسلاميّة
البديلة المقابلة لـلديمقراطيّة الغربيّة.
1. معرفة المنهج
كلّ نموذج حكم يقوم على منهجٍ تُعرَّف فيه حدود الحكّام والناس. بناءً على هذا،
ينبغي على الحكومة الإسلاميّة أيضًا، أن تكون حسّاسة بالنسبة لمقولة المنهج، ولا
ينبغي أن تكون بنحوٍ يمكنها الاستفادة من كلّ منهج لإدارة المجتمع الإسلاميّ. وقد
بيّن قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم، من خلال الإشارة إلى محوريّة القيم، المناهج
من وجهة النظر الإسلاميّة: ينبغي للمناهج التي تُتّبع للوصول إلى السلطة والحفاظ
عليها، أن تكون أخلاقيّة. فالإسلام يرفض الوصول للسلطة [إلى السلطة] بأيّ ثمن [...]
المناهج في الإسلام غايةً في الأهميّة. المناهج كالقيم. فإذا أردنا اليوم، أن تكون
حكومتنا إسلاميّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، علينا أن نسير في هذا الطريق من دون
تريّث[4].
إذًا، قبول الديمقراطيّة ينبغي أن يحصل من خلال الاهتمام برؤيتها القيَميّة، ولا
ينبغي للحكومة الإسلاميّة أن تتساهل في المناهج، فلا يمكن لكلّ منهج أن يكون أساسًا
للعمل. علاوةً على هذا، يرى سماحته أنّ حقّ الشعب في الديمقراطيّة الغربيّة،
وخلافًا لما يُقال، لم يؤدَّ، وأنّ الشعب عمليًّا لا يشارك في تقرير مصيره كما
ينبغي ويجب[5]. ويستنتج قائد الثورة، من الأعمال التزويريّة للمؤسسات الدعائيّة
للغرب وسعيها الحثيث إلى تضليل الرأي العامّ ما يلي: "لقد أظهرت الديمقراطيّة
الغربيّة عمليًّا، أنّ ادّعاء حاكميّة الشعب فيها ليس أمرًا جدّيًّا"[6].
وبهذا الهدف، وضمن الإشارة إلى النقائص المتزايدة لهذا النهج بشكل محدّد، ينتقد
الإمام الخامنئيّ الحركة الديمقراطيّة في أميركا - مهد الديمقراطيّة - من خلال
الإشارة إلى انتخابات رئاسة الجمهوريّة في هذا البلد والسعي العلنيّ للمؤسّسات
الرسميّة وغير الرسميّة لحرف رأي الشعب يقول: المسلّم بمعرفته اليوم، أنّ هذه
الديمقراطيّة التي يتكلّم عنها مسؤولي النظام الأميركيّ، ما هي سوى أساطير ليس إلّا،
ولا حقيقيّة لها. والدليل على ذلك أنّ هذه الديمقراطيّة تُواجَه بمثل هذه الموانع،
أي بالتزويرات الكبيرة والحاسمة التي لا حلّ ولا علاج لها [لا حلّ لها ولا علاج][7].
بناءً على هذا، وبما أنّ النهج الديمقراطيّ ليس ملتزمًا عمليًّا بشعارات السيادة
الشعبيّة، لا يمكنه أن يُعتمد في الحكومة الإسلاميّة. بعبارة أخرى، بما أنّ الحكومة
الإسلاميّة ملتزمة بمراعاة المكانة الرفيعة للشعب في أمر الحكومة، لا يمكنها القبول
بـالديمقراطيّة الغربيّة، وبالطبع، لا يعني رفض الديمقراطيّة الغربيّة من قبل
الحكومة الإسلاميّة أنّها تميل إلى النماذج الاستبداديّة. والسبب أيضًا أنّ الدين
الإسلاميّ بذاته، لا يتماشى مع الاستبداد: "الدين لا يكون في خدمة السياسات
الاستقوائيّة، بل يعتبر مجال السياسة وإدارة أمور المجتمعات جزءًا من وظائفه"[8].
الخطاب في العبارة السابقة، موجَّه لأئمّة المذاهب، ورجال الدين من مختلف أنحاء
العالم، وقد استُعمل المصطلح العام "الدين"، والذي يدلّ على الجوهر غير الإجباريّ
لعامّة الأديان. من البديهيّ، أنّ الدين الإلهيّ بدخوله ميدان السياسة أيضًا، يحفظ
صفته غير الإجباريّة، ولا يقتصر أمره على رفض الديكتاتوريّة والاستبداد، بل ستكون
محاربته على رأس قائمة نشاطاته السياسيّة. وعلى هذا الأساس، بما أنّ الحكومة
الإسلاميّة قائمة على خطاب سياسيّ خاصّ، وبما أنّها لا تتوافق مع الخطاب العلمانيّ
والأنسنيّة للغرب، لا يمكنها القبول بالنهج الديمقراطيّ، كذلك لا يمكنها احتراف
التعسّف والاستبداد. فالنظام الإسلاميّ وخلافًا للأنظمة الأخرى، ليس نظام ظلم
وتحكّم وفرض للفكر والرأي على الناس"[9].
يوجد في الإسلام نموذج حديث، يُعبَّر عنه بـ "السيادة الشعبيّة الدينيّة". ولهذا
السبب كان تعريفها مختلفًا عن تعريفه من قِبل "الديمقراطيّة الغربيّة" ونعتقد أنّ
مساواتها بالـ "ديمقراطيّة الغربيّة" من حيث المعنى لا يصحّ بوجه من الوجوه.
للحكومة الإسلاميّة برأي القائد، نهجها الخاصّ في إدارة أمور المجتمع، وليس
بإمكانها أن تحقّق أهدافها المرسومة من خلال إعمال المناهج الغربيّة. ويرجع السبب
في هذا الأمر إلى كون المناهج ذات قيم، وأنّ كلّ نهج مستند إلى قيم تؤطّر عمله.
بناءً على هذا، بما أنّ للحكومة الإسلاميّة قيمها الخاصّة، فمن البديهيّ أيضًا، أن
يكون لها نهج حكم خاصّ. هذا النهج في الوقت عينه الذي يخالف فيه الديمقراطيّة
الغربيّة، يضادّ الاستبداد والديكتاتوريّة أيضًا، وقد عبّر سماحته عنه بـالسيادة
الشعبيّة الدينيّة. فهو أسلوب جديد وحديث يمكن وضعه موضع الاهتمام في دراسة النُّظم
السياسيّة، كنهج مستقلّ وجديد.
"إنّ السيادة الشعبيّة الدينيّة في نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة، هي اليوم مقولة
جديدة، جلبت إليها أنظار شعوب العالم، وشخصيّاته ومفكّريه"[10].
علي فيّاض – بتصرّف يسير
[1] صحيفة اطّلاعات،
بتاريخ 10 شهريور 79.
[2] يمكن في هذا المجال الإشارة إلى فكر فرنسيس فوكوياما الذي اعتبر الليبراليّة
كحضارة نهاية التاريخ وزوال الحضارات الأخرى، وهذا بعد أن تنهار الحضارات الشرقيّة
فلا يمكن بعدها إيجاد منافس لها. للمطالعة أكثر حول هذا الموضوع،
انظر،The National Interest, Summer: 1999 .
[3] للمطالعة حول الديمقراطيّة وتعاليمها الأساسيّة ر. ك: كارل كوهن، الديمقراطيّة،
فريبرز مجيدي، (طهران: الخوارزمي، سنة 1373). في هذا الأثر عرض المؤلّف بشكل مفصّل
إلى تحليل المباني، والأصول، والنتائج المترتّبة على الديمقراطيّة، وهيّأ الأرضيّة
الدراسيّة المناسبة لنقد الديمقراطيّة ودراستها.
[4] صحيفة الجمهوريّة الإسلاميّة، (27 إسفند 1379).
[5] للمطالعة حول موضوع عدم جدوائيّة الديمقراطيّة الغربيّة من وجهة نظر المفكّرين
الغربيّين أنظر: جي. آشومبيتر الرأسماليّة، الاشتراكيّة، والديمقراطيّة، حسن منصور،
(طهران: جامعة طهران، 1354)؛ أنطوني كوينتين (مصحّح)، الفلسفة السياسيّة، مرتضى
أسعدي، (طهران: منشورات المهديّ العالميّة، 1371)، خاصّة الصفحتان 67 و305.
[6] صحيفة كيهان، 28 آبان 1379.
[7] صحيفة كيهان، 25 آبان 1379.
[8] صحيفة إطلاعات، 9 شهريور 1379.
[9] صحيفة الجمهوريّة الإسلاميّة، 1 آذر 1379.
[10]صحيفة كيهان، 29 آبان 1379. حاكميّة الشعب الدينيّة في خطاب الإمام الخامنئي (دام
ظله)