عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) أنَّه قَال: «آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ
الصَّدْرِ».
تختلفُ طبائعُ الناسِ وطريقتُهم في التعاملِ مع ما يواجهونَه من أحداثٍ أو ظروفٍ من
الشدّةِ واللينِ، التعاونِ والمواجهةِ، ومن الطبيعيِّ أنْ يجري ذلك في العلاقةِ بين
الإنسانِ وبين من يعملُ معه في شأنٍ ما، ويكونُ له سلطةٌ عليه أو حقُّ الأمرِ
والنهيِ، والصفةُ المؤكدةُ في معالجةِ ردّاتِ الفعلِ المختلفةِ هي أنْ يمتلكَ
المتصدِّي والمتولِّي لمنصبٍ من المناصِبِ سعةَ صدرٍ تُمكِّنهُ من أنْ يجعلَ لكلِّ
ردّةِ فعلٍ مكاناً يستوعبُها ويفسحُ لها المجالَ لكي تهدأَ وتستقرَّ حتّى تتمَّ
معالجتُها بهدوءٍ وحكمةٍ.
وترجعُ المسألةُ إلى صفةِ التعاملِ بالرحمةِ مع العاملينَ وهذا لا يتمُّ إذا لم تكنْ
النفسُ في داخلِها حاملةً لذلك، بنحوٍ تجعلُه أمراً لازماً في شخصيّتِها، يقولُ
الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في عهدِه لمالِكٍ الأشتر: «وأشعرْ قلبَك
الرّحمةَ للرّعيّةِ والمحبّةَ لهم واللَّطفَ بهم، ولا تكونَنَّ عليهم سَبُعاً ضارياً
تغتنمُ أكلَهم».
والقاعدةُ الصحيحةُ هي أنْ لا يخرجَ من التعاملِ بالاستحقاقِ إلى الظلمِ والتعدِّي،
ففي روايةِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) بيانٌ للسلوكِ الصحيحِ، فقد وردَ عنه
قوله : «إنَّما المؤمنُ الذي إذا رضيَ لم يُدخِلْه رضاه في إثمٍ ولا باطلٍ، وإذا
سخِطَ لم يُخرِجْه سخطُه من قولِ الحقِّ، والذي إذا قَدِرَ لم يُخرِجْه قدرتُه إلى
التعدِّي إلى ما ليس له بحقٍّ».
فالسخطُ قد يكونُ له ما يُبرِّرُه ولكن على أنْ لا يخرجَ به عن الحقِّ إلى الباطلِ،
وكونُ الإنسانِ صاحبَ سلطةٍ يُبرِّرُ له عقابَ المخالفِ الذي لا عذرَ له، ولكنْ لا
يخرجُ بذلك عن الاستحقاقِ إلى الظلمِ.
إنَّ الأسلوبَ الصحيحَ في معالجةِ الأخطاءِ هي النصيحةُ أوّلاً ثمّ التعاونُ ثانياً،
يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى
عِبَادِه: النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، والتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ
الْحَقِّ بَيْنَهُمْ».
ويؤكِّدُ الإمامُ (عليه السلام) في خطابٍ آخرَ على أنَّ على المتولِّي لأمورِ الناسِ
أنْ لا يواجِهَ الناسَ بالقسوةِ انطلاقاً من أمرين، فهم يشتركونَ معه في صفةِ
الأخوّةِ أوّلاً وفي الدورِ والوظيفةِ ثانياً، يقولُ (عليه السلام): «فَإِنَّهُمُ
الإِخْوَانُ فِي الدِّينِ، والأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ».
ومن تجلياتِ ذلك التواضعُ معهم، واعتمادُ الأسلوبِ المحبَّبِ في التعاملِ معهم
واستقبالُهم بالبِشْرِ والسرورِ، يقولُ (عليه السلام): «فَاخْفِضْ لَهُمْ
جَنَاحَكَ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ».
إنّ وصولَ الإنسانِ إلى منصَبٍ من المناصبِ هو عطاءٌ وصلَه دونَ غيرِه، وهذا لا
ينبغي أنْ يجعلَه يتعاملُ بأسلوبٍ مختلفٍ مع من يُحيطُ به، بل إنَّ عليه أن يكونَ
أقربَ إلى الناسِ وأكثرَ رحمةً وتحنُّناً عليهم يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام):
«فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ
نَالَهُ، ولَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ، وأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ
نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ، وعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين