الشباب والقدوة
حقيقة الشباب
تحاول الثقافة العملية، والإعلام الاستعماري، أن يبرز لشبابنا قدوات مزيّفة، يوجه بها اهتماماتهم نحو الميوعة واللعب والانحراف.. لذا نرى التركيز على تضخيم شخصيات الفن! وفرسان الرياضة! وأبطال المغامرات الجنسية! من أجل أن يجعلوا منهم قدوات يعمل أبناؤنا على تقمّص.
عدد الزوار: 1739
تحاول الثقافة العملية، والإعلام الاستعماري، أن يبرز لشبابنا قدوات مزيّفة، يوجه بها اهتماماتهم نحو الميوعة واللعب والانحراف..
لذا نرى التركيز على تضخيم شخصيات الفن! وفرسان الرياضة! وأبطال المغامرات الجنسية!
من أجل أن يجعلوا منهم قدوات يعمل أبناؤنا على تقمّص شخصياتهم، والسير على خطاهم الملتوية..
وحتى إذا ما أراد هذا الإعلام الاستعماري، أو شاءت تلك الثقافة العملية أن تستعرض لشبابنا حياة بطل ثائر، أو مواقف شاب مناضل، أو سيرة عالم مفكر.. فإنها تحاول استيراد هذه الشخصيات من وراء البحار ومن خلف المحيطات!!
ونحن وإن كنا نحترم كل كفاءة علمية، ونكبر أي نضال إنساني، ولكنا في نفس الوقت نرفض الانفصال عن تاريخنا المجيد وتراثنا العظيم الذي يزخر بحياة الأبطال المجاهدين، ومواقف الثوار المخلصين ونشاط العلماء المبدعين.
وتناسي عظماء تاريخنا الإسلامي، وأبطال أمتنا الكريمة واستجداء شخصيات الأمم الأخرى، واستيراد أبطالها كقدوات لشبابنا يعني طمس أصالة هذه الأمة، وقطع الصلة بين أجيالها المعاصرة وماضيها العريق!!
مع ملاحظة أخرى: هي أن أبطال الآخرين وشخصياتهم قد لا ينطلقون في مواقفهم من المنطلقات المبدئية التي نؤمن بها، ولا يتحركون ضمن الرؤية التي نعتنقها ولا يلتزمون بالتعاليم التي نلتزم بها نحن.. وإذا ما أصبحوا قدوات لشبابنا كان هناك خطر الالتباس وتشويش الرؤية..
وبمراجعة سريعة لأرشيف تاريخنا المجيد نرى للشباب الرسالي دوراً أساسياً وفعالاً في إرساء دعائم الرسالة الإسلامية، وبناء الأمة المناضلة..
كان للشباب المؤمن القسط الكبير في صناعة الثورة الإسلامية واستمرار مسيرتها، وحماية مبادئها..
فقد كانوا في طليعة السابقين إلى الإيمان، والمبادرين إلى اعتناق الدعوة السماوية.. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله:"أوصيكم بالشباب خيراً فإنهم أرق أفئدة إن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ"1.
وبجهودهم المخلصة، وتضحياتهم العظيمة، ودمائهم الزكية الطاهرة، اخضرَّ عود الإسلام، وأينعت ثماره.
ولنستعرض الآن بعض السطور من حياة أولئك الشباب الرساليين ليكونوا قدوات لشبابنا المسلم المعاصر.
علي بن أبي طالب عليه السلام: فهذا إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام مع حداثة سنه ونعومة أظفاره يضع نفسه تحت خدمة الرسالة الإسلامية، فقد كان أول الناس إسلاماً وتصديقاً بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وآله رغم أن عمره ما كان يتجاوز التاسعة.. ولما كان أطفال مكة بإيعاز من سفهائها يؤذون النبي ويرمونه بالحجارة حينما يمر في الطريق.. كان علي عليه السلام ابن العاشرة من العمر مرافقاً للرسول في طريقه يدفع عنه الأذى ويؤدب أبناء المشركين..
وفي ليلة الهجرة كانت قمة التضحية والفداء من علي عليه السلام الشاب المؤمن، فقد أحدق المشركون ببيت النبي يريدون الهجوم عليه فجراً واغتياله، فلا بد من خروج الرسول من داره مع إيهام القوم بوجوده في الدار لفترة يتمكن فيها من قطع طريق الهجرة وطلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من أخيه وابن عمه الشاب أن يقوم بدور التمويه على الأعداء، بأن يضجع على فراش الرسول إلى الصباح حيث يهجم القوم..
ورغم خطورة المغامرة فقد بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ينتظر سيوف القوم وحرابهم، بكل ثقة وإقدام!!
وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله الى المدينة أصبح علي عليه السلام ممثله في مكة، يؤدي الأمانات، ويرد الودائع، ويرعى الحركة الإسلامية ويحمي عائلة الرسول صلى الله عليه وآله..
ثم هاجر مع عائلة الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة، رغم معارضة المشركين ومطاردتهم له في الطريق..
وفي المدينة كان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله في كل أعماله ونشاطاته وحركاته، وعلى يديه كتب الله النصر للإسلام في جميع المعارك التي خاضها..
هكذا كرَّس علي عليه السلام شبابه في خدمة الرسالة، إلى أن أدركه الشيب واستشهد في سبيل الله تعالى.
وقد قال عليه السلام قبل وفاته وحق له أن يقول: "لقد نهضت بها وما بلغت العشرين، وها أنا قد ذرفت على الستين".
مصعب بن عمير2
كان مصعب بن عمير شاباً مرفهاً عزيزاً عند والديه جداً فهو وحيدهما المدلل وكان باستطاعته أن يستفيد من هذه الظروف في تحقيق مصالحه الشخصية، وبناء مستقبله المادي، ولكنه رفض أن يكون كالبهيمة همها علفها، وصمم أن يمارس دور التغيير والثورة في ذلك المجتمع الجاهلي وأن يصرف طاقات شبابه في سبيل بناء المجتمع المتحضر الإيماني.
وانضم مصعب إلى الحركة الإسلامية التي كانت تمارس نشاطها بسرية وحذر في مكة المكرمة بقيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
وقد استطاع بانضباطه والتزامه الإسلامي، وبنشاطه الرسالي أن يمارس دوراً قيادياً في الحركة الرسالية.
وهكذا اختاره الرسول محمد صلى الله عليه وآله ليكون ممثل الرسالة ومندوبها في المدينة المنورة، والتي تقرر أن تصبح قاعدة الإسلام ومنطلق المجتمع الرسالي..
وجاء مصعب الشاب إلى المدينة لا يمتلك إلا سلاح الإخلاص ورصيد الإيمان بأهدافه التغييرية المقدسة، في مواجهة أجواء شائكة معقدة.
فهناك تناقضات اجتماعية عويصة بين قبائل المدينة، وخاصة بين قبيلتي الأوس والخزرج.. وهناك تيارات دينية متعارضة من يهودية ومسيحية ووثنية.. وهناك الأجواء الفاسدة التي يعيشها شباب المجتمع الجاهلي من خمر وقمار وانحراف.
ولكن مصعب الشاب الرسالي لا مجال له إلا العمل على تغيير هذا المجتمع مهما كان التغيير شاقاً، ومهما كان الطريق شائكاً..
ووضع خطة حكيمة، على ضوء توجيهات القيادة الرسالية وباشر العمل بإخلاص وتصميم.. وكان يواجه المشاكل والأزمات بصمود وإيمان..
وما مضت إلا فترة بسيطة، وإذا بالحركة الرسالية تمتلك كوادر جيدة، وجماهير مؤمنة بأهداف الرسالة، وإذا بالمدينة مهيأة لاستقبال الرسول القائد.. والذي جاء إلى المدينة وأعلن قيام دولة الإسلام الشامخة..
وهكذا تمكن الشاب الرسالي مصعب بن عمير من تغيير مجتمع المدينة، من مجتمع متخلِّف إلى مجتمع رسالي متحضر وشق بذلك الطريق لانتشار نور الإسلام، واتساع رقعته.
الشاب الثائر الشهيد
في الثامنة عشر من العمر حيث روعة الشباب وزهرة الحياة والجمال الساحر، والخلق النبيل، مما جعله أشبه الناس خلقاً وخُلقاً بجده رسول الله صلى الله عليه وآله، كما يقول أبوه الإمام الحسين عليه السلام.
إنه علي بن الحسين الأكبر، الذي رآه أحد الشعراء فانسابت قريحته يقول:
لم ترَ عين نظرت مثله
من محتف يمشي ومن ناعل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى
أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه
ولا يبيع الحق بالباطل
كان هذا الشاب العظيم مرافقاً لأبيه الحسين عليه السلام في ثورته ضد الظلم والطغيان الأموي..
ولم يكن خروجه مع أبيه نوعاً من التعلق العاطفي أو الارتباط العائلي، بل كان عن قناعة وإيمان بالهدف، واندفاع للتضحية في سبيل الله..
ففي أثناء الطريق إلى ساحة النضال والفداء، يذكر المؤرخون أن لحظات من النوم أغمضت عيني قائد الثورة الإمام الحسين عليه السلام في إحدى ساعات السير، ولما انتبه الإمام كان يردد: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾.
وكان ولده علي الأكبر إلى جانبه فسأله قائلاً:
يا أبتِ لم استرجعت لا أراك الله سوءاً؟
أجابه الإمام: يا ولدي خفقت خفقة فرأيت فارساً وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم!
قال علي الأكبر: يا أبتِ ألسنا على الحق؟
وفوراً أجابه أبوه الإمام بلى نحن والله على الحق.
قال علي الأكبر: إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا !!
فالمسألة عنده ليست مسألة أبيه وإنما هي قضية الحق، وفي سبيل الحق يهون تحمل الآلام واستقبال الموت.
وقد حاول المعسكر اجتذاب علي الأكبر إلى صفوفه، أو على الأقل فصله عن معسكر أبيه مستغلين وجود ارتباط نسبي بين علي الأكبر وبين يزيد بن معاوية الطاغية المتحكم في مصير الأمة بالباطل، فأم علي الأكبر هي ليلى بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان أخت حبيبة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله، إذن فجدة علي الأكبر أخت معاوية وعمة يزيد!!
فناداه بعض قادة جيش ابن سعد، أثناء المعركة وحين أصبح من الواضح أن مصير أصحاب الحسين وأهل بيته هو القتل والشهادة، قالوا لعلي الأكبر: إن لك رحما بأمير المؤمنين يزيد ولا نريد بك سوءاً فهلمّ إلينا!!
ولكن علياً الشاب الثائر ما كان لينخدع بمثل هذه الإغراءات أو يستجيب لنداءات السوء والخيانة، فرد عليهم فوراً بقوله: ويلكم لرحم رسول الله أولى بان تراعى من رحم ابن آكلة الأكباد!
إنه يذكرهم بالقيم الباطلة التي اتخذوها بديلاً عن قيم الحق والرشاد.. فأصبحوا يقدسون السلطة الظالمة ويحترمون ارتباطاتها بينما يضربون بكرامة النبي وبحقوق أُسرته عرض الحائط..
وخاض معركة الجهاد في سبيل الله، وأبدى شجاعة أذهل بها الأعداء، الذين انتدبوا أشجع فرسانهم لمجابهته.. وأخيراً سقط الشاب العظيم صريعاً على أرض الشهادة ليكتب بدمه وصية لشباب الأجيال المؤمنة، أن يقوموا بدورهم في خدمة الرسالة، والدفاع عن مصالح الأمة.. أن يكونوا شباباً ثائرين يبحثون عن الشهادة في سبيل الله.. ولا يبالون أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم..
*مسؤولية الشباب،الشيخ حسن الصفار،دار البيان العربي،لبنان بيروت،الطبعة الثالثة1412هجرية1992م،ص27-32.
لذا نرى التركيز على تضخيم شخصيات الفن! وفرسان الرياضة! وأبطال المغامرات الجنسية!
من أجل أن يجعلوا منهم قدوات يعمل أبناؤنا على تقمّص شخصياتهم، والسير على خطاهم الملتوية..
وحتى إذا ما أراد هذا الإعلام الاستعماري، أو شاءت تلك الثقافة العملية أن تستعرض لشبابنا حياة بطل ثائر، أو مواقف شاب مناضل، أو سيرة عالم مفكر.. فإنها تحاول استيراد هذه الشخصيات من وراء البحار ومن خلف المحيطات!!
ونحن وإن كنا نحترم كل كفاءة علمية، ونكبر أي نضال إنساني، ولكنا في نفس الوقت نرفض الانفصال عن تاريخنا المجيد وتراثنا العظيم الذي يزخر بحياة الأبطال المجاهدين، ومواقف الثوار المخلصين ونشاط العلماء المبدعين.
وتناسي عظماء تاريخنا الإسلامي، وأبطال أمتنا الكريمة واستجداء شخصيات الأمم الأخرى، واستيراد أبطالها كقدوات لشبابنا يعني طمس أصالة هذه الأمة، وقطع الصلة بين أجيالها المعاصرة وماضيها العريق!!
مع ملاحظة أخرى: هي أن أبطال الآخرين وشخصياتهم قد لا ينطلقون في مواقفهم من المنطلقات المبدئية التي نؤمن بها، ولا يتحركون ضمن الرؤية التي نعتنقها ولا يلتزمون بالتعاليم التي نلتزم بها نحن.. وإذا ما أصبحوا قدوات لشبابنا كان هناك خطر الالتباس وتشويش الرؤية..
وبمراجعة سريعة لأرشيف تاريخنا المجيد نرى للشباب الرسالي دوراً أساسياً وفعالاً في إرساء دعائم الرسالة الإسلامية، وبناء الأمة المناضلة..
كان للشباب المؤمن القسط الكبير في صناعة الثورة الإسلامية واستمرار مسيرتها، وحماية مبادئها..
فقد كانوا في طليعة السابقين إلى الإيمان، والمبادرين إلى اعتناق الدعوة السماوية.. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله:"أوصيكم بالشباب خيراً فإنهم أرق أفئدة إن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ"1.
وبجهودهم المخلصة، وتضحياتهم العظيمة، ودمائهم الزكية الطاهرة، اخضرَّ عود الإسلام، وأينعت ثماره.
ولنستعرض الآن بعض السطور من حياة أولئك الشباب الرساليين ليكونوا قدوات لشبابنا المسلم المعاصر.
علي بن أبي طالب عليه السلام: فهذا إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام مع حداثة سنه ونعومة أظفاره يضع نفسه تحت خدمة الرسالة الإسلامية، فقد كان أول الناس إسلاماً وتصديقاً بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وآله رغم أن عمره ما كان يتجاوز التاسعة.. ولما كان أطفال مكة بإيعاز من سفهائها يؤذون النبي ويرمونه بالحجارة حينما يمر في الطريق.. كان علي عليه السلام ابن العاشرة من العمر مرافقاً للرسول في طريقه يدفع عنه الأذى ويؤدب أبناء المشركين..
وفي ليلة الهجرة كانت قمة التضحية والفداء من علي عليه السلام الشاب المؤمن، فقد أحدق المشركون ببيت النبي يريدون الهجوم عليه فجراً واغتياله، فلا بد من خروج الرسول من داره مع إيهام القوم بوجوده في الدار لفترة يتمكن فيها من قطع طريق الهجرة وطلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من أخيه وابن عمه الشاب أن يقوم بدور التمويه على الأعداء، بأن يضجع على فراش الرسول إلى الصباح حيث يهجم القوم..
ورغم خطورة المغامرة فقد بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ينتظر سيوف القوم وحرابهم، بكل ثقة وإقدام!!
وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله الى المدينة أصبح علي عليه السلام ممثله في مكة، يؤدي الأمانات، ويرد الودائع، ويرعى الحركة الإسلامية ويحمي عائلة الرسول صلى الله عليه وآله..
ثم هاجر مع عائلة الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة، رغم معارضة المشركين ومطاردتهم له في الطريق..
وفي المدينة كان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله في كل أعماله ونشاطاته وحركاته، وعلى يديه كتب الله النصر للإسلام في جميع المعارك التي خاضها..
هكذا كرَّس علي عليه السلام شبابه في خدمة الرسالة، إلى أن أدركه الشيب واستشهد في سبيل الله تعالى.
وقد قال عليه السلام قبل وفاته وحق له أن يقول: "لقد نهضت بها وما بلغت العشرين، وها أنا قد ذرفت على الستين".
مصعب بن عمير2
كان مصعب بن عمير شاباً مرفهاً عزيزاً عند والديه جداً فهو وحيدهما المدلل وكان باستطاعته أن يستفيد من هذه الظروف في تحقيق مصالحه الشخصية، وبناء مستقبله المادي، ولكنه رفض أن يكون كالبهيمة همها علفها، وصمم أن يمارس دور التغيير والثورة في ذلك المجتمع الجاهلي وأن يصرف طاقات شبابه في سبيل بناء المجتمع المتحضر الإيماني.
وانضم مصعب إلى الحركة الإسلامية التي كانت تمارس نشاطها بسرية وحذر في مكة المكرمة بقيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
وقد استطاع بانضباطه والتزامه الإسلامي، وبنشاطه الرسالي أن يمارس دوراً قيادياً في الحركة الرسالية.
وهكذا اختاره الرسول محمد صلى الله عليه وآله ليكون ممثل الرسالة ومندوبها في المدينة المنورة، والتي تقرر أن تصبح قاعدة الإسلام ومنطلق المجتمع الرسالي..
وجاء مصعب الشاب إلى المدينة لا يمتلك إلا سلاح الإخلاص ورصيد الإيمان بأهدافه التغييرية المقدسة، في مواجهة أجواء شائكة معقدة.
فهناك تناقضات اجتماعية عويصة بين قبائل المدينة، وخاصة بين قبيلتي الأوس والخزرج.. وهناك تيارات دينية متعارضة من يهودية ومسيحية ووثنية.. وهناك الأجواء الفاسدة التي يعيشها شباب المجتمع الجاهلي من خمر وقمار وانحراف.
ولكن مصعب الشاب الرسالي لا مجال له إلا العمل على تغيير هذا المجتمع مهما كان التغيير شاقاً، ومهما كان الطريق شائكاً..
ووضع خطة حكيمة، على ضوء توجيهات القيادة الرسالية وباشر العمل بإخلاص وتصميم.. وكان يواجه المشاكل والأزمات بصمود وإيمان..
وما مضت إلا فترة بسيطة، وإذا بالحركة الرسالية تمتلك كوادر جيدة، وجماهير مؤمنة بأهداف الرسالة، وإذا بالمدينة مهيأة لاستقبال الرسول القائد.. والذي جاء إلى المدينة وأعلن قيام دولة الإسلام الشامخة..
وهكذا تمكن الشاب الرسالي مصعب بن عمير من تغيير مجتمع المدينة، من مجتمع متخلِّف إلى مجتمع رسالي متحضر وشق بذلك الطريق لانتشار نور الإسلام، واتساع رقعته.
الشاب الثائر الشهيد
في الثامنة عشر من العمر حيث روعة الشباب وزهرة الحياة والجمال الساحر، والخلق النبيل، مما جعله أشبه الناس خلقاً وخُلقاً بجده رسول الله صلى الله عليه وآله، كما يقول أبوه الإمام الحسين عليه السلام.
إنه علي بن الحسين الأكبر، الذي رآه أحد الشعراء فانسابت قريحته يقول:
لم ترَ عين نظرت مثله
من محتف يمشي ومن ناعل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى
أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه
ولا يبيع الحق بالباطل
كان هذا الشاب العظيم مرافقاً لأبيه الحسين عليه السلام في ثورته ضد الظلم والطغيان الأموي..
ولم يكن خروجه مع أبيه نوعاً من التعلق العاطفي أو الارتباط العائلي، بل كان عن قناعة وإيمان بالهدف، واندفاع للتضحية في سبيل الله..
ففي أثناء الطريق إلى ساحة النضال والفداء، يذكر المؤرخون أن لحظات من النوم أغمضت عيني قائد الثورة الإمام الحسين عليه السلام في إحدى ساعات السير، ولما انتبه الإمام كان يردد: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾.
وكان ولده علي الأكبر إلى جانبه فسأله قائلاً:
يا أبتِ لم استرجعت لا أراك الله سوءاً؟
أجابه الإمام: يا ولدي خفقت خفقة فرأيت فارساً وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم!
قال علي الأكبر: يا أبتِ ألسنا على الحق؟
وفوراً أجابه أبوه الإمام بلى نحن والله على الحق.
قال علي الأكبر: إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا !!
فالمسألة عنده ليست مسألة أبيه وإنما هي قضية الحق، وفي سبيل الحق يهون تحمل الآلام واستقبال الموت.
وقد حاول المعسكر اجتذاب علي الأكبر إلى صفوفه، أو على الأقل فصله عن معسكر أبيه مستغلين وجود ارتباط نسبي بين علي الأكبر وبين يزيد بن معاوية الطاغية المتحكم في مصير الأمة بالباطل، فأم علي الأكبر هي ليلى بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان أخت حبيبة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله، إذن فجدة علي الأكبر أخت معاوية وعمة يزيد!!
فناداه بعض قادة جيش ابن سعد، أثناء المعركة وحين أصبح من الواضح أن مصير أصحاب الحسين وأهل بيته هو القتل والشهادة، قالوا لعلي الأكبر: إن لك رحما بأمير المؤمنين يزيد ولا نريد بك سوءاً فهلمّ إلينا!!
ولكن علياً الشاب الثائر ما كان لينخدع بمثل هذه الإغراءات أو يستجيب لنداءات السوء والخيانة، فرد عليهم فوراً بقوله: ويلكم لرحم رسول الله أولى بان تراعى من رحم ابن آكلة الأكباد!
إنه يذكرهم بالقيم الباطلة التي اتخذوها بديلاً عن قيم الحق والرشاد.. فأصبحوا يقدسون السلطة الظالمة ويحترمون ارتباطاتها بينما يضربون بكرامة النبي وبحقوق أُسرته عرض الحائط..
وخاض معركة الجهاد في سبيل الله، وأبدى شجاعة أذهل بها الأعداء، الذين انتدبوا أشجع فرسانهم لمجابهته.. وأخيراً سقط الشاب العظيم صريعاً على أرض الشهادة ليكتب بدمه وصية لشباب الأجيال المؤمنة، أن يقوموا بدورهم في خدمة الرسالة، والدفاع عن مصالح الأمة.. أن يكونوا شباباً ثائرين يبحثون عن الشهادة في سبيل الله.. ولا يبالون أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم..
*مسؤولية الشباب،الشيخ حسن الصفار،دار البيان العربي،لبنان بيروت،الطبعة الثالثة1412هجرية1992م،ص27-32.
1- مرتضى فريد: روايات من مدرسة أهل البيت عليهم السلام/ ج1- ص349.
2- راجع الكامل في التاريخ، ج2- ص96.