كلمة الإمام الخامنئي في الدورة 35 لمسابقات القرآن الكريم الدوليّة
2018
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المشاركين في الدورة الخامسة والثلاثين لمسابقات القرآن الكريم الدوليّة
عدد الزوار: 94
كلمة
الإمام الخامنئي في لقائه المشاركين في الدورة الخامسة والثلاثين لمسابقات القرآن
الكريم الدوليّة2018/04/26
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد،
وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، وعلى صحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين.
نحن مسرورون جداً ونشكر الله تعالى أن مَنَّ [علينا] بالتوفيق لإقامة هذه الجلسة
الرائعة المفيدة الحافلة بالمعاني سنة أخرى ومرة أخرى. نشكر أخوتنا في [مؤسسة]
الأوقاف وباقي الأشخاص الذين تعاونوا مع مؤسسة الأوقاف لإقامة هذه الجلسة، ونرحّب
بالضيوف الذين شاركوا وتعاونوا في هذا الحدث القرآني وفي هذا التجمّع وفي هذا
الاحتفال القرآني في واقع [الأمر]. مأجورون كلكم إن شاء الله.
القرآن الطريق الصحيح لحياة المجتمعات الإسلامية
قضية القرآن قضيتنا بالغة الأهمية، وهي قضية العالم الإسلامي والأمة الإسلامية
الدائمة. يجب أن نتمسك بالقرآن. إذا لم تنتفع الأمة الإسلامية من القرآن وإذا أعرضت
عن القرآن - وهذا ما حصل للأسف في فترات كثيرة من تاريخنا - فسوف تُوجّه لها
الضربات والصفعات وتصاب بأضرار، وقد أصيبت [بالأضرار[.
• القُرآنَ حَبلُ الله ونور مبين
نحن اليوم بحاجة إلى القرآن، والعمل بالقرآن هو الطريق الصحيح لحياة المجتمعات
الإسلامية والأمة الإسلامية. يقول [النبي (ص)] في إحدى الروايات: «إنَّ هٰذَا
القُرآنَ حَبلُ الله» و[النص] القرآني يقول: «وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعًا
وَلا تَفَرَّقوا» (2)، حبل الله هذا هو نفسه القرآن. «وهُوَ النُّورُ المُبين»؛ ما
هي خصوصية النور؟ النور يُنير الأجواء، ويُرشد الإنسان إلى الطريق، فيكتسب الإنسان
به القدرة على الإبصار ويكتسب البصيرة. إذا لم يكن النور فلن تعمل العيون ولن يكون
هناك فائدة منها، لأنها لن ترى شيئاً. إنَّ لنا عقلاً ولدينا قدرات متنوعة ولدينا
قدرة فكرية، ولكن لولا النور فإنَّ هذه [القدرات] لن يكون بإمكانها مساعدتنا،
فالنور ضروري. وهذا النور هو القرآن. «والشِّفاءُ النّافِع» (3)؛ نحن مرضى ونعاني
من أمراض. لاحظوا تخلف البلدان الإسلامية، ولاحظوا تسلط الكفار على كثير من البلدان
الإسلامية. أنْ يقف الرئيس الأمريكي هناك ويقول بكل وقاحة: لولانا لن تستطيع هذه
البلدان العربية أن تحافظ على نفسها حتى لأسبوع واحد؛ فهذا إذلال للمسلمين. والسبب
في ذلك يعود إلى أنّ هذا مرضٌ، فمرض الذلة هذا أسوء من كل الأمراض.
هذه ذلة؛ وسببها عدم التمسك بالقرآن، ولأننا فقدنا هذا الشفاء وهذا العلاج. «عِصمَةٌ
لِمَن تَمَسَّك بِهِ ونَجاةٌ لِمَن تَبِعَه» (4) هذا واقع، هذا هو القرآن.
من مقتضىات العمل بالقرآن:
أ ــ مواجهة الإستكبار بقوة
إننا اليوم بحاجة إلى القرآن، نحتاج القرآن سواء في حياتنا الشخصية أو في حياتنا
الاجتماعية أو في سياستنا أو في سلوكنا الحكومي. القرآن يعطينا الدروس، كهذه الآيات
التي تليت اليوم هنا: «مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى
الكفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم تَراهُم رُكعًا سُجَّدًا يبتَغونَ فَضلًا مِنَ اللَّهِ
وَرِضوانًا سيماهُم في وُجوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجودِ» (5). هذه هي خصوصيات المؤمن،
والقرآن يقول يجب أن تكونوا هكذا. أولها «أَشِدّاءُ عَلَى الكفّار» الوقوف بصلابة
أمام الكفار، فلا تكونوا كالسواتر الناعمة التي يمكن التغلغل فيها، بل قفوا مقابل
الكفار كسدٍّ منيع. على المسلمين أن يقفوا بوجه الاستكبار، على المسلمين أن يقفوا
بوجه غطرسة أمريكا وباقي مستكبري العالم، فما لم يراعوا هذه الأمور ولم يلتفتوا إلى
هذه الحدود، سوف يبتلون بالذلّ والفساد والتخلّف، وهذا الذي يحصل لهم اليوم وللأسف.
ب ــ تولي المؤمنين بعضهم لبعض والتبري من ألأعداء
ويقول [الله تعالى] في الآيات الأخيرة من سورة الأنفال حين يتحدث عن الولاية بين
المؤمنين: «أُولٰئِك بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ» (6)، هذا فيما يخص المؤمنين. ويقول
عن الكفار في الآية التالية إنهم «بَعضُهُم اَولِياءُ بَعضٍ». فالمؤمنون أولياء
بعضهم البعض وتجمعهم علاقات ولائية، والكافرون أيضاً توجد فيما بينهم علاقات ولاية.
إذن فهذا تكليفٌ بصيغة الإخبار، لكنه في الواقع إنشاء [تكليف وتوجيه]. ومعناه أنَّ
المؤمن يجب أن تكون له علاقة ولاية مع المؤمن، وليكن من أي مكان من العالم الإسلامي.
هذه هي الوحدة التي نتحدث عنها. وفي المقابل ـ وفي الجبهة المقابلة ـ يجب أن لا
يرتبط [المؤمن] بالجبهة المعادية وبالكفار، وأن لا يتولّى أحداً منهم. ولاية الكفار
تسبب البؤس والتعاسة للمسلمين. مثل هذه الولاية التي تشاهدونها اليوم، حيث راحت بعض
البلدان تتبادل مع الكيان الصهيوني كلمات الودّ والعلاقات المتنوعة السياسية
والاقتصادية وغير ذلك. ثم يقول: «إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ
وفَسادٌ كبيرٌ» (7)، ما لم تتحقق هذه الولاية بين المؤمنين ومالم تنقطع الولاية بين
المؤمنين والكافرين، فسيكون في ذلك فتنة وفساد كبير في الأرض. وقد حصل هذا في الوقت
الحالي.
ترك العمل بالقرآن مأله الشقاء
ثمة في منطقتنا الإسلامية اليوم حرب؛ ثمة حرب داخلية وهناك سفك دماء،
وضغوط كثيرة. تشن حكوماتٌ عديمة العقل ومتخلفة في بعض البلدان حرباً ضد بلدانٍ أخرى،
وترتكب الجرائم. لاحظوا أية مصيبة يعاني منها الشعب اليمني اليوم. تتبدل أعراسهم
إلى عزاء، تقصفهم وتقتل الناس في الأزقة والأسواق والمساجد وما شاكل. والأوضاع [ذاتها
تجري] في أفغانستان بطريقة وفي باكستان بطريقة وفي سوريا بطريقة أخرى. ومردّ هذا هو
أننا نحن المسلمين قد نسينا الولاية بين المؤمنين. أي إننا لا نعمل بالقرآن، هذا [نتيجة]
عدم العمل بالقرآن. لو عملنا بالقرآن لاكتسبنا العزة. هذا هو السبيل الذي يحقق
للمسلمين السعادة.
نحن في الجمهورية الإسلامية استطعنا
الوقوف بوجه تعسف الاستكبار لقرابة أربعين عاماً وتمكّنا من أن نتقدم إلى الإمام
على الرغم من أنوف الذين أرادوا القضاء على الجمهورية الإسلامية. تأصلت جذورنا أكثر
وازدادت قدراتنا وإمكانياتنا وحققنا مزيداً من التقدم، على الرغم من أنف العدو.
للتعامل مع القرآن بهدف الفهم والعمل
قراءة القرآن هذه وتلاوته وألحانه [أطواره] وتجويده وما شابه، هذه كلها
مقدمات. وحفظ القرآن مقدمة، وقراءة القرآن في هذه الجلسات مقدمة؛ [جميعها] مقدمة
للفهم، والفهم مقدمة للعمل. انظروا أيها الشباب الأعزاء للقرآن بهذه العين -
وغالبيتكم من الشباب - ولتكن مشاعركم اتجاهه بهذا الشكل بأن تتعلموا معارف القرآن
لحياتكم- حياتكم الشخصية وحياتكم الاجتماعية وحياتكم الحكومية- وأن تبادروا إلى
تطبيقها لهذا الهدف. تقيدوا بهذا.
التمسك بـ "حبل الله" يحفظ من خطر السقوط
إذا تعاملتم مع القرآن بهذه النظرة وبهذا الشعور سيكون غد العالم
الإسلامي أفضل من يومه بكثير، ولن تتجرأ أمريكا بعد على تهديد البلدان الإسلامية
والأمة الإسلامية والهيمنة عليها بهذا الشكل. إذا اعتمدنا على القرآن وتعلمنا منه
وتمسكنا به لكان هذا تمسكاً بحبل الله، والتمسك بحبل الله من شأنه أن يجعل الإنسان
يقف بقوة وثبات. عندما تمرّون بمسار معين ولديكم عروة تمسكون بها بقوة فسيزول خطر
السقوط. هذا هو حبل الله الذي إنْ تمسكتم به زال خطر السقوط. نتمنى أن يقترب العالم
الإسلامي من هذه الحال يوماً بعد يوم.
أتقدم مرة أخرى بالشكر للقائمين على هذا الملتقى ولحضوره وضيوفه.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم
في نهاية الدورة الخامسة والثلاثين من مسابقات القرآن الكريم الدولية، ألقى حجة
الإسلام والمسلمين علي محمدي رئيس مؤسسة الأوقاف والشؤون الخيرية كلمة بالمناسبة.
2 ـ سورة آل عمران، شطر من الآية 103.
3 ـ وسائل الشيعة، ج 6، ص 191.
4 ـ تفسير ينسب للإمام الحسن العسكري (ع)، ص 13.
5 ـ سورة الفتح، شطر من الآية 29.
6 ـ سورة الأنفال، شطر من الآية 72.
7 ـ سورة الأنفال، شطر من الآية 73.