كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة
2018
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة
عدد الزوار: 98
كلمة
الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة_15-3-2018
حرب الآخرين علينا هي نفسها الحرب المعروفة بين الحق
والباطل
محاور رئيسية
• الجمهورية الإسلامية لم تبدأ حربا مع أحد
• "إسلامية" نظامنا لم ترق للطغاة فاستعدونا
• النصر حليف جبهة الحق حتما
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين.
أرحب بالسادة المحترمين، الإخوة الأعزاء، وأتقدم بالشكر من سماحة الشيخ جنتي وسماحة
السيد شاهرودي على التقريرين اللذَين قدّماهما، وكذلك أشكر الأعضاء والسادة -الهيئة
الرئاسية ورؤساء اللجان وأعضاءها- على الجهود التي بذلوها طوال العام. وخصوصًا فيما
يتعلّق بمسألة [تأسيس] «اللجنة المفكِّرة»(1) وعلى هذه الهمّة التي أبديتموها. بعد
أن تبدأ أعمال هذه اللجنة إن شاء الله وتنطلق، سوف تظهر منافعها تدريجيًّا وستتّضح
المشاكل والصعوبات وستتبيّن الأعمال الكبرى التي ينبغي العمل عليها في هذه اللجنة.
نسأل [الله تعالى] الرحمة والمغفرة للمرحوم الشيخ شاه آبادي (2) (رضوان الله تعالى
عليه)، ونحيّي ذكراه. لقد كان من بين أبناء المرحوم آية الله العظمى الشيخ شاه
آبادي الذين كانت تربطهم علاقات ودية ووثيقة وحميمة بالإمام الخميني الراحل (رضوان
الله عليه)، وكان الإمام [بالمقابل] ينظر إلى بعضهم -وهو أحدهم- نظرة أبويّة وودودة،
وقد كان هو نفسه، والحق يُقال، من حيث الروحية والأخلاق والتعامل ومن حيث الوفاء
للثورة، شخصية بارزة. نسأل الله تعالى أن يرفع درجاته.
يتبرّك هذا الاجتماع باسم فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) المُبارك حيث يُعقد في
الأيام المنسوبة لها ولولادتها، ونحن نتفاءل بهذا خيرًا. ثم إننا على أعتاب شهر رجب،
وهذا أيضًا دخول في واحدة من الفترات المباركة في السنة، شهر رجب شهر عبادةٍ وتوسلٍ
وتضرعٍ وتقربٍ إلى الله واستمداد منه لرفع العقبات والموانع.
مجلس الخبراء مظهر لامتزاج الدين والسياسة
أيها السادة المحترمون أيها الإخوة الأعزاء: مع أنَّ لهذا المجلس موقعه
السياسي البالغ الحساسية - حيث اختيار القائد يقع على عاتقه، وعزل القائد أحيانًا
يقع على عاتقه، لذا فإنَّ له مكانة سياسية استثنائية - فهو مجلس علمائي. بمعنى أنَّ
علماء الدين مجتمعون في هذا المجلس. هذا المجلس مظهر حيٌّ لامتزاج الدين والسياسة،
حيث نجد علماء الدين الذين يشغلون مكانة العالم الديني يخوضون في عملٍ سياسيٍ كبيرٍ
أيضًا ذكرناه وذُكر في دستور البلاد، وإن انطلقت اللجنة المفكرة بمهامها وتمت
متابعتها وتنامت وتكاملت بإذن الله، حينذاك سوف تتسع رقعة نشاطات هذا المجلس وتزداد
بركاته أكثر فأكثر.
حرب الآخرين علينا هي نفسها الحرب المعروفة بين الحق
والباطل
أ ــ الجمهورية الإسلامية لم تبدأ حربا مع أحد
الموضوع الذي سأخوض فيه اليوم يتعلق بهذا الجانب العلمائي والديني. أريد
أن أتحدث للسادة قليلًا حول هذا الجانب وفي إطاره.
مقدمة البحث هي أنَّه لا أحد يشكُّ في أنَّ الجمهورية الإسلامية في حال كفاح شامل.
كلنا يوافق على أنَّ الجمهورية الإسلامية في حال كفاح صعب وشامل، ليس على الصعيد
السياسي فحسب بل على المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أيضًا.
وبالطبع، لقد كانت هناك الحرب العسكرية والكفاح العسكري خلال فترة من الزمن ثم
توقفت، وانتهت. لكن الأصعب منها هو الحروب الأمنية والحروب الاقتصادية والحروب
الثقافية التي نحن فيها ونخوضها. ليس بوسع أي شخص إنكار ذلك. نعم، هناك من يعترض
على كوننا في هذه الوضعية -في حال حرب- ويقولون لماذا يجب أن نكون في حرب مع العالم؟
البعض يعترضون على هذا المعنى، ويتصوّرون بأنَّ الجمهورية الإسلامية هي التي بدأت
هذه الحرب، لذلك يقولون لماذا نحن هكذا وفي هذه الوضعية؟ أنا أرى بأنَّ هذه غفلة،
فالجمهورية الإسلامية لم تبدأ حربًا مع العالم، حربًا بهذه الأبعاد، بل إنَّ وجود
الجمهورية الإسلامية نفسه، بمعنى المبادئ والأهداف والشعارات المطروحة فيها -والتي
تتلخص في حكومة الدين وفي المجتمع الديني- هي التي تخلق الأعداء وتشعل الحروب.
ب ــ "إسلامية" نظامنا لم ترق للطغاة فاستعدونا
وهذه هي نفسها الحرب المعروفة بين الحق والباطل التي كانت على مرّ
التاريخ. وهي ليست بالشيء الجديد، فأينما ارتفع نداء التوحيد والعدالة ظهر له أعداء
هناك. والقضية ليست حديثة وبنت اليوم «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ
عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ
الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا
يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ» (3). أطراف
وأقسام جبهة الباطل تتعاون فيما بينها. أي إنها تتعاون فيما بينها وتجد لها أنصارًا
وأعوانًا، وبعضهم يصغي لكلامهم ويسير خلفهم. هكذا هو الحال. نحن في الجمهورية
الإسلامية شعارنا هو التوحيد وولاية الله وولاية أولياء الله والعدالة الاجتماعية
وتكريم الإنسان، هذه هي الشعارات التي نرفعها ونتابعها. ولهذه الشعارات أعداؤها.
إننا نعارض الظلم «كونا لِلظّالِمِ خَصمًا ولِلمَظلومِ عَونًا» (4). هذه هي
مدرستنا وعقديتنا، فنحن خصوم الظالم وأعوان المظلوم. وهذا الموقف يخلق أعداء بالطبع،
ويخلق عداوة، ويوجد معارك. وهذا موجود.
ج ــ النصر حليف جبهة الحق حتما
حسنًا، النقطة المهمة هي أنَّ النصر في هذه المواجهة هو بالتأكيد حليف
جبهة الحق. لا اليوم فقط بل بالأمس، واليوم وغدًا. أينما وقعت مثل هذه المواجهة
فالنصر فيها حليف جبهة الحق، لكنَّ هذا النصر مشروط بعدة شروط. إذا عقد أهل الحق
وأنصاره النيّة، وبذلوا الجهد، وصبروا، وصمدوا، وكافحوا فسوف ينتصرون بلا شك. أينما
حصل هذا كانت هذه هي النتيجة، منذ عصور التاريخ البعيدة. وكذا كان الحال بالنسبة
إلى الأنبياء أيضًا. نعم، لدينا حالات فيما يتعلق بالأنبياء قام أعداؤهم فيها
بقتلهم والقضاء عليهم، واستهزأوا بهم وفعلوا أمورًا من هذا القبيل، ولكن لديكم في
القرآن نفسه وفي الروايات حالات نجح فيها الأنبياء وسيطروا وحكموا [أقوامهم]،
والسبب في ذلك أنَّ الظروف تختلف. في المواطن التي أظهر فيها أنصار الحق التقاعس
والإهمال حصلت تلك الحالات [قتل الأنبياء وهزيمة جبهة الحق]، وفي المواطن التي
أبدوا فيها الثبات والصمود والاستقامة والكفاح والبصيرة وما شاكل انتصروا. أي إنَّ
الأمر كان هكذا على مرّ التاريخ، وهو كذلك اليوم أيضًا. اليوم أيضًا عندما بدأت هذه
الحركة وهذه النهضة من قِبَل الإمام الخميني الجليل اتبعه الناس ونزلوا إلى الساحة
شيبًا وشبانًا رجالًا ونساءً ومن مختلف الشرائح؛ نزلوا إلى الساحة في مواطن وأماكن
عديدة، ولم يهابوا الموت وقاوموا وصمدوا وانتصروا. وكذا الحال بالنسبة إلى الحرب
أيضًا، وفي أي موطن بذلنا فيه الجهد وسعينا، حصل النصر بالتأكيد. وكذا الحال اليوم
أيضًا، فإنْ عملنا بالشروط بشكل صحيح فسيكون النصر حليفنا حتمًا.
• "معية الله" وحتمية انتصار المؤمنين
وكثيرة هي الآيات في القرآن الكريم التي تذكّرنا، وتعلّمنا وتخبرنا بهذه
النقطة، أي حتمية الانتصار. ومن جملتها الآية الكريمة «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم»
(5)، وآية «لَينصُرَنَّ اللهُ مَن ينصُرُه» (6)، وآية «والعاقِبَةُ لِلمُتَّقين»
(7)، التي تكرّرت في عدة مواضع. هذه كلها آيات تشير إلى هذا المضمون.
من أكثر الآيات الباعثة على الأمل والتي سأتحدّث اليوم عنها بعض الشيء، آية معيّة
الله «إنَّ اللهَ مَعَنا» (8). إنها لقضية مهمة جدًا أن يشعر الإنسان أنَّ الله معه،
وأنَّ الله إلى جانبه، وأن الله خلفه يسنده ويحرسه، وهذا شيء مهم جدًا. لأنَّ الله
مركز القدرة والعزة. عندما يكون الله مع جبهة من الجبهات فإن هذه الجبهة هي
المنتصرة يقينًا وبلا شك. لاحظوا مثلًا أن الله تعالى يمنّ بهذه المعية على أوليائه
في أصعب المواطن. لنفترض مثلًا عندما يقول النبي موسى (ع): «وَلَهُم عليَّ ذَنبٌ
فَاَخافُ اَن يقتُلون». فيجيب الله تعالى: «قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا
ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ» (9). أنا معكم فمِن أي شخصٍ تخافون؟ هذا في سورة
الشعراء. أو في آية أخرى حيث يقول موسى وهارون: «إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ
عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ»، نخشى أن يفعل فرعون هذا، فيقول الله: «قَالَ لَا
تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ» (10). لاحظوا كم هذا حسن؟ أنا
معكم أرى وأسمع وأحرسكم ولا تفوتني صغيرة ولا كبيرة. أو في سورة محمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) المباركة: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ
الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» (11).
أي إنَّ معيّة الله عزّ وجلّ هذه للمؤمنين والرسل ولأعوان الرسل وأصحابهم شيء ذكره
الله تعالى في القرآن مرارًا. وقد كانت النتيجة أن وثق الرُّسل بهذا الوعد الإلهي
الصادق. في الآية الشريفة «فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ
إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» (12)
بمجرد أن شاهدوا سواد جيش فرعون من بعيد وأنه سيصل إليهم قريبًا - وكان البحر
أمامهم وجيش فرعون من ورائهم - ارتعدت قلوبهم وقالوا «إنّا لَمُدرَكون»، الويل لنا.
هنا قال النبي موسى وهو واثقٌ بذلك الوعد الإلهي: «كـَلّا»، ليس الأمر كذلك، «إنَّ
مَعِي رَبّي سَيهدين». أو الرسول الأكرم (ص) في غار ثور «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا
فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ »
(13). فثقة من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا الوعد الإلهي يقول: «إِنَّ
اللهَ مَعَنا». لا تخف ولا تحزن. إذًا، فالله تعالى قطع هذا الوعد الأكيد، وأولياء
الله كالنبي موسى (عليه السلام) والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صدّقوا
هذا الوعد وقبلوه ورتّبوا عليه الأثر. وهذه حقيقة ومن السنن التاريخية القطعية.
إنها من السنن التي [يقول الله عنها] «لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبديلًا» (14).
وهي جارية دومًا دون شكّ.
واجبنا توفير"المعية الإلهية" لشعبنا بتربيته على شروطها
حسنًا، نريد الآن تأمين هذه المعية لأنفسنا، فما هو السبيل إلى ذلك؟ هذا
هو المهم. هذه المعية موجودة إلّا أنّ لها شرطًا، وهي غير متوافرة للجميع. وقد وضع
الله في القرآن عدة شروط لهذه المعية. فورد في أواخر سورة النحل قوله تعالى: «إنَّ
اللهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هم مُحسِنون» (15)، التقوى. «إنَّ اللهَ
مَعَ الصّابِرين» (16)، و«واللهُ مَعَ الصّابِرين» (17)، و«إنَّ اللهَ مَعَ
المُتَّقين» (18)، و«إنَّ اللهَ مَعَ المُؤمِنين» (19)، و«وإنَّ اللهَ لَمَعَ
المُحسِنين» (20). وقد تكررت هذه [المعاني] في القرآن الكريم في عدة مواضع.
ومن هنا نفهم واجبنا وتكليفنا. وهذا ما أريد قوله. إنّ وظيفة الحكومة الإسلامية -أي
المسؤولين الحكوميين: السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية-
وعلماء الدين، أن يربّوا هذا الشعب على الإيمان وعلى التقوى وعلى الصبر وعلى
الإحسان بين الناس وبين المؤمنين. ينبغي علينا تربية الناس بهذه الطريقة. والأهم من
كل شيء الأجهزة الحكومية التي تستطيع القيام بهذا من خلال التخطيط. لدينا مؤسسة
عظيمة هي مؤسسة التربية والتعليم. ولدينا مؤسسة عظيمة هي مؤسسة التعليم العالي.
ولدينا مؤسسة عظيمة هي الإذاعة والتلفزيون. هذا عدا عن المؤسسات الخاصّة بنا، كأئمة
الجمعة والجماعة والمنابر. هذه المنابر والارتباط مع الناس على جانب كبير من
الأهمية.
أــ لبرامج
تربوية في أماكن التعليم ومنابر التبليغ
إذًا، أحد الأعمال عبارة عن البرامج التربوية والتعليمية في المدارس
والجامعات والمساجد، وفي مصلى صلاة الجمعة، ومن على المنابر التبليغية. وخاصّة -
كما قلت- في المواطن التي لها دائرة أوسع كالإذاعة والتلفزيون؛ فهذه من الواجبات
الأساسية للإذاعة والتلفزيون. أو الأشخاص الذين لكلامهم عدد كبير من المستمعين:
مثلي أنا، ومثل رئيس الجمهورية، ومثل الآخرين الذين يستمع الناس لكلامهم؛ الشخصيات
الدينية والعلمية والسياسية المعروفة. فيجب على هؤلاء أن يركّزوا أهدافهم على هذه
الأنواع المذكورة من التربية. فإذا ما تمت هذه التربية عندئذ سيوجد «وَالَّذينَ هُم
مُحسِنونَ»، وسيوجد «الَّذينَ اتَّقَوا»، ومن هذا القبيل. وستتحقّق تبعًا لهذا «إنَّ
اللهَ مَعَنا». أي إنَّ المعية الإلهية ستحصل بالتأكيد، ولن يعود هناك أي سبب للخوف
والحزن. إننا اليوم نواجه جبهة سياسية ومالية واقتصادية وعسكرية وأمنية هائلة. وكل
الأجهزة الدعائية في العالم تقريبًا تعمل ضدّنا وتتحامل علينا. والأجهزة المالية
التابعة للصهاينة ولأمريكا وللمستكبرين تعمل ضدنا؛ هؤلاء كلهم يعملون. ونحن طبعًا
صامدون بحمد الله. وهذا الصمود هو ببركة التقوى والإيمان المتوافر لدى شريحة عظيمة
من أبناء هذا الشعب، والحمد لله. وهم هؤلاء الشباب وأمثال [الشهيد] «حججي» (21).
فلا تستهينوا بهؤلاء. فهؤلاء على جانب كبير من الأهمية. وهم الذين يحافظون ويمسكون
أركان هذا النظام ويحققون لنا المعية الإلهية إلى حدٍّ كبير.
إذا أردنا لهذا [المسار] أن يكتمل فيجب أن نوسّع هذه الدائرة ونعمل على هذه القضايا.
ومن الأعمال التي ينبغي القيام بها العمل التبليغي والبرمجة التبليغية. إنكم أيها
السادة بأجمعكم تقريبًا موضع توجّه الناس في مدنكم وفي المراكز التي أنتم فيها.
وإنكم إمّا أئمة جمعة أو خطباء ومحاضرون دينيون أو معلمون أو أساتذة - بعضكم في
الجامعات وبعضكم في الحوزات- ولكم ميادينكم في مواطن مختلفة، والفرصة متاحة أمامكم
للكلام، والعمل والتربية. لستم من الجالسين جانبًا والقاعدين بل لكم ساحات عملكم.
وهذا ما سيسأل اللهُ عنه. بمعنى أنَّ هذه إمكانية سوف يسألنا الله تعالى عن كيفية
استخدامها «وَاستَعمِلني بِما تَسألُني غَدًا عَنه» (22). ومن النماذج على ذلك هذه
الفرصة المتاحة. إذًا، هذا هو أحد الأعمال والمهام.
ب ــ توجيه الناس بالقول والعمل
وهناك عملٌ آخر إنْ لم يكن أكثر أهمية من هذا التبليغ - ونعتقد أنه أكثر
أهمية منه- فليس بأقل أهمية. إنه أعمالنا نفسها، وليست الأعمال التي تقع حتمًا أمام
أنظار الناس. لا، فأعمالنا الصالحة تترك أثرها، ترك المعاصي والذنوب، ترك عبادة
الدنيا، ترك النزعة الأرستقراطية، العمل الدؤوب، الجد والسعي الشديد. عندما نكون مع
الله فإنَّ الله تعالى سوف يجعل كلامنا وأفعالنا مؤثرة. وحين ينظر الناس لنا فلا
يجدون تناقضًا بين أقوالنا وأفعالنا سيتعزّز إيمانهم وسيلتحقون بهذه المسيرة
ويسيرون فيها. أعتقد أنَّ من أسباب النجاح المُعجِز للإمام الخميني العظيم أنه نفسه
كان عاملًا، متدينًا، مؤمنًا بالقيامة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وقد ثبت عمليًا على
هذا الإيمان وهذا الاعتقاد الذي حمله. وللحقّ والإنصاف كان الإمام الخميني الجليل (رضوان
الله تعالى عليه) نزيهًا طاهرًا، لذلك كان مؤثرًا. وبالطبع، قد يعلم البعض بهذه
النزاهة ولا يعلم بها آخرون، لكنها تترك تأثيرها. إذًا، فمسؤوليّتنا المهمة بصفتنا
مسؤولين إداريّين وحكوميّين وموظفين في قطاعات النظام المختلفة، أم بصفتنا علماء
دين، هي أن نوجِّه الناس بالقول والعمل نحو التقوى والإحسان والصبر والنزاهة وما
شاكل. وإذا حصل هذا وحَسِبنا الله تعالى معنا ستكون النتيجة بأن نتحرك في مواجهة
القوى [العالمية] بشجاعة. وبالطبع، ينبغي عند مواجهة هذه القوى -وهذا بحدّ ذاته من
جوانب التقوى- التعامل بشجاعة، وأيضًا بذكاء، وأيضًا بكفاءة وإتقان، والانتصار على
العدوّ في الساحة السياسية. هذه من أعمالنا الأساسيّة والقطعية.
جيل الشباب سيكمل مسيرة البلاد نحو غدها الواعد
بحمد الله، يوجد اليوم جيل صالح. وما أقوله ليس مجرد شعارات، إنما أقوله
عن اطلاع. ثمة جيل جديد ونماء جديد حصل في البلاد، والأمر لا يختصّ بمنطقة معيّنة
ولا بقطاع فكري أو عملي معين. ففي القطاعات الثقافية والقطاعات الإعلامية
والتبليغية وفي القطاعات الفنية وفي القطاعات العلمية وفي القطاعات الفلسفية، ظهرت
مجاميع عظيمة من الشباب مؤمنة بالله وبهذا الدرب إيمانًا حقيقيًا، مع أنها لم تعايش
الإمام الخميني ولم تشهد فترة الحرب التي كانت فترة بنّاءة ومؤثّرة جدًّا. وهذا
دليل على علوّ درجاتهم الإيمانية، وعلى الرغم من أنّهم لم يشهدوا [فترة الإمام
الخميني والدفاع المقدس] إلا أنّهم يسيرون في هذا الدرب بكل إصرار وصلابة ورغبة.
هذا الجيل جيل صالح باعث على الأمل. والعدو الآن يطمع بشيخوختنا فيجلس ويحسب
حساباته فيقول إن هؤلاء شيوخ: القائد كذا، والآخرون كذا، ويعدّون كل مجموعتنا
شيوخًا، ولا يعلمون أنّه في ظلّ هذه الشيخوخة الظاهرة توجد في البلاد -والحمد لله-
حركة شابة تتحرّك وتعمل وتجدّ وتسعى، وسوف تؤتى جميع الأعمال الكبرى والمهمة إن شاء
الله بهممهم الشابة وبإدراكهم وذكائهم ثمارها.
كلما يمضي الزمن أكثر يترسّخ اعتقادي بأنَّ غد هذه البلاد سيكون إن شاء الله أفضل
من حاضرها بأضعاف، وبأنّ الثورة ستتقدّم إلى الأمام أكثر. طبعًا لدينا مشكلات، نعم،
ونعلم بهذه المشكلات التي ذكرها السادة في كلماتهم -وقد زوّدت بتقرير عن مطالب
السادة؛ وأنا أوافقكم الرأي في معظم ما قلتموه ومُطَّلع على ما ذكرتموه عن المدن
والمحافظات المختلفة التي أنتم على ارتباط بها. نعلم مشاكل الناس: مشاكلهم المعيشية
وشكاياتهم،لكننا نؤمن بأنَّ جميع هذه المشاكل ممكنة الحل والمعالجة ويمكن القضاء
عليها. وسوف يكون لي خلال الأيام القليلة المقبلة كلام مع الناس إن شاء الله، وربما
أتحدّث في هذا المجال أكثر. ليس لدينا مشكلة في البلاد لا حلّ لها.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركات
1 - [غرفة التفكير / صندوق الفكر /
مركز الأبحاث والدراسات= think tanks].
بعد توصية سماحة قائد الثورة الإسلامية لمجلس خبراء القيادة في لقائه بهم بتاريخ
21/09/2017 م بخصوص تشكيل «لجنة مفكِّرة» في هذا المجلس، تمت دراسة هذه الفكرة في
مجلس خبراء القيادة، وبعدها تم تشكيل «لجنة الخبراء المفكِّرة» بتاريخ 14/03/2018 م
بعد المصادقة على قرار معجّل مكرّر، وجرى انتخاب عشرة أشخاص من أعضاء مجلس الخبراء
كأعضاء في هذه اللجنة.
2 - آية الله الشيخ نصر الله شاه آبادي (ممثل محافظة طهران في مجلس خبراء القيادة)
الذي توفي بتاريخ 12/03/2018 م.
3 - سورة الأنعام، الآيتان 112 و 113.
4 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 47.
5 - سورة محمد، شطر من الآية 7.
6 - سورة الحج، شطر من الآية 40.
7 - سورة الأعراف، شطر من الآية 128.
8 - سورة التوبة، شطر من الآية 40.
9 - سورة الشعراء، الآيتان 15 و 16.
10 - سورة طه، الآية 46 وشطر من الآية 45.
11 - سورة محمد، الآية 35.
12 - سورة الشعراء، الآيتان 61 و 62.
13 - سورة التوبة، شطر من الآية 40.
14 - من جملتها سورة الأحزاب، شطر من الآية 62.
15 - سورة النحل، الآية 128.
16 - من جملتها سورة البقرة، شطر من الآية 153.
17 - سورة البقرة، شطر من الآية 249.
18 - سورة التوبة، شطر من الآية 36.
19 - سورة الأنفال، شطر من الآية 19.
20 - سورة العنكبوت، شطر من الآية 96.
21 - الشهيد محسن حُججي.
22 - الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 20.