الدعاء مفاتيح الفلاح
عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"الدُّعَاءُ
مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ ومَقَالِيدُ الْفَلَاحِ, وخَيْرُ الدُّعَاءِ مَا صَدَرَ عَنْ
صَدْرٍ نَقِيٍّ, وقَلْبٍ تَقِيٍّ وفِي الْمُنَاجَاةِ سَبَبُ النَّجَاةِ
وبِالإِخْلَاصِ يَكُونُ الْخَلَاصُ, فَإِذَا اشْتَدَّ الْفَزَعُ فَإِلَى اللَّه
الْمَفْزَعُ".
من سعةِ رحمةِ اللهِ عزّ وجلّ بعبادهِ أن فتحَ لهم أبوابَ مناجاتِهِ، فلم يجعلْ
بينه وبينهم حجاباً، يسمعُ أصواتَهم ويحثُّهم على التُّوجه بطلبِ ما يحتاجونه إليه،
بل إنّ اللهَ عزّ وجلّ يجعلُ عنايتَهُ على عبدٍ يخلو في جوفِ الليلِ المظلمِ منقطعاً
عن هذه الدنيا متوجهاً إلى اللهِ عزّ وجلّ بذكرهِ ومناجاتِه، ففي الروايةِ عن رسولِ
اللهِ (صلّى الله عليه وآله):"إنّ اللهَ جلّ جلالُهُ أوحى إلى الدنيا: أتعبي مَن
خدمَكِ واخدُمِي مَن رفضَك، وإنّ العبدَ إذا تخلّى بسيّدِه في جوفِ الليلِ المظلمِ
وناجاهُ أثبتَ اللهُ النّورَ في قلبِه، فإذا قال: يا رب! ناداهُ الجليلُ جلّ جلالُه
لبّيكَ عبدِي سَلْنِي أُعطِكَ، وتوكّل عليَّ أَكفِكَ. ثمّ يقولُ جلّ جلالُه
للملائِكةِ: ملائكتِي! انظروا إلى عبدي قد تَخَلّى بي في جوفِ الليلِ المظلمِ،
والبَطَّالُونَ لاهونَ، والغافلونَ ينامونَ، اشهدوا أَنّي قد غَفَرتُ لهُ".
وكَمَا وردَ الحثُّ على المناجاةِ وردتْ عن أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)
العديدَ من المناجاةِ التي فيها دلالةٌ وإرشادٌ إلى أدبِ الحديثِ بين العبدِ وربِّه،
ففي الصحيفةِ السجّاديّةِ للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) خمسةَ عشرةَ مناجاةً
ترشدُ الإنسانَ إلى وسائلِ الرقيِّ المعنويِّ في علاقتِه بربِّه مبيّنةً بأسمائِها
خمسةَ عشرةَ حالةً من حالاتِ العبادِ والمتمثّلة بالتائبينَ، الشاكينَ، الخائفينَ،
الراجينَ، الراغبينَ، الشاكرينَ، المطيعينَ، المريدينَ، المحبّينَ، المتوسلينَ،
المفتقرينَ، العارفينَ، الذاكرينَ، المعتصمينَ، الزاهدينَ.
وعلى الإنسانِ أن يستغنمَ الفرصةَ في أشهرٍ خصَّها اللهُ بالفضلِ ومنها شهرُ رجب
فيزيدُ من ساعاتِ مناجاتِهِ بربِّهِ وتوجّهه إليه، ويبيّن الإمامُ الخامنئي (حفظه
المولى) أهميةَ الاستفادةِ من شهرِ رجب من جهتين:
1ـ شهرُ رجب موسمُ دعاءٍ ومناجاةٍ: يقولُ الإمام الخامنئي:"شهرُ رجب
عيدُ أولياءِ اللهِ، وهو شهرٌ كريمٌ ومباركٌ، ويُعدُّ هو وشهرُ شعبان وشهرُ رمضان
عيداً لأولياءِ اللهِ وعبادِهِ الصالحينَ؛ لأنّها موسمُ المناجاةِ والتضرُّعِ
والتوجُّهِ إلى ربِّ الأربابِ. فالإنسانُ، في أيّةِ برهةٍ زمنيةٍ وفي أيِّ شأنٍ من
شؤونِهِ الاجتماعيّةِ، بحاجةٍ إلى الارتباطِ باللهِ والدعاءِ والتوجّهِ والتضرّعِ.
وهذه حاجةٌ أساسيةٌ إذ إنّه بدونِ الارتباطِ باللهِ يبقى خاوياً لا جوهرَ لهُ ولا
مضمون".
2ـ شهرُ رجب نعمةٌ يجبُ أن نشكرَ اللهَ عزّ وجلّ عليها:
يقولُ (حفظه المولى): "شهرُ رجب فرصةٌ للتقرُّبِ إلى القيمِ الإلهيةِ
والتقرُّبِ إلى الذاتِ الإلهيةِ المقدّسةِ وفرصةٌ لبناءِ الذاتِ".
هذه الأيامُ التي ذُكِرَتْ في رواياتِنا وأحاديثِنا على أنّها أيامٌ مميزةٌ، هي
كلّها فرصٌ، وكلُّ فرصةٍ نعمةٌ، وكلُّ نعمةٍ بحاجةٍ إلى شكرٍ وثناءٍ. والشكرُ
والثناءُ على النعمةِ يتحقّقانِ بمعرفةِ تلكَ النعمةِ والتصرّفِ بمقتضى تلك النعمةِ
والاستفادةِ منها ومعرفةِ أنها من اللهِ عزَّ وجلَّ، واستخدامِها في سبيلِ اللهِ،
وشهرُ رجب من جملةِ هذه النعمِ. ومن بعدِه شهرُ شعبان، وهو بدورهِ نعمةٌ أخرى،
وهذان الشهران من وجهةِ نظرِ أهلِ الكمالِ والتوحيدِ والمعنى، مقدمةٌ لشهرِ رمضان،
وشهرُ رمضان شهرُ العروجِ والتعالي والمعراجِ، وشهرُ التزكيةِ والنقاوةِ، و كلُّنا
بحاجةٍ لهذه الأحوال. قدّروا شهرَ رجب واعرفوا قيمتَه، وزيدوا فيه ما استطعتَم من
توسُّلِكُم بخالِقِ العالمِ، واذكروا اللهَ، واعملوا الأعمالَ تقرّباً إليهِ. هذه
الجهودُ التي تَبذلونَها والمساعي التي تُكابدونَها اجعلوها في سبيلِ اللهِ وقربةً
إليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2018-03-20