كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة
2017
كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة
عدد الزوار: 184
كلمة
الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة ٢١/٠٩/٢٠١٧
مشكلات البلاد على أنواعها لا تعالج إلا على أيدي أبناء
البلاد أنفسهم
المحاور الرئيسية
عاشوراء مظهر لكل القيم الإنسانية
لعلاقات مع العالم من منطلق الاعتماد على الذات
الأميركيون غاضبون لفشل مخططاتهم في منطقتنا
الكلام الأخير للرئيس الأميركي قبيح وسخيف
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيما
بقية الله في الأرضين.
نرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة الأعزاء والسادة المحترمون. واحدٌ من اللقاءات
المحببة والطيبة بالنسبة إلينا في أوقات معينة، هو اللقاء بكم أيها السادة الخبراء.
التأثير الذي تتركونه في أجوائكم الاجتماعية، والتأثير الذي يتمتع به هذا الاجتماع
الشريف والعزيز في فريق عمل النظام، كلها نقاط مهمة ونتمنى أن يكون كل ما فكّرتم
وتأمّلتم فيه وما قلتموه وما أردتم تحقيقه وما قمتم به لذلك، إن شاء الله مشمولاً
باللطف والمدد الإلهي، وأن يصل إلى نتائجه إن شاء الله.
نشكر سماحة الشيخ جنتي وسماحة السيد الشاهرودي كثيراً على كلمتيهما، فقد عرضا مطالب
مفيدة، وعرّفانا في هذه الجلسة على أجواء المجلس خلال أيام الاجتماع. بالطبع كنت قد
اطلعت سابقاً على تقرير في هذا الخصوص. تناول السادة قضايا مهمة جديرة بالاهتمام
حقاً. تحية لذكرى المرحوم الشيخ معصومي، سماحة الحاج الشيخ علي أصغر معصومي رحمة
الله عليه، فقد كان من أصدقائنا القدامى، وكان عضو مجلس خبراء القيادة لعدة دورات.
ولم يرغب هو نفسه أن ينضم للمجلس في دورته الأخيرة هذه، فقد كان مريضاً وغير قادر
على التحرك، وقد انتقل إلى رحمة الله قبل بضعة أيام (2)، وكلنا أمل أن تشمله رحمة
الله ولطفه إن شاء الله.
عاشوراء مظهر لكل القيم الإنسانية
أشار السيدان - سماحة الشيخ جنتي وسماحة السيد الشاهرودي -إلى مناسبة
محرم؛ إنها مناسبة بالغة الأهمية. محرم شهر الإمام الحسين، إنه شهر حسيني. شهر كل
تلك القيم التي تجلت وتبلورت في وجود سيد الشهداء ( سلام الله عليه). شهر الجهاد،
وشهر الإخلاص، وشهر الوفاء، وشهر التضحية، وشهر القيام لحفظ الدين، دين الله،
والوقوف مقابل القوى المعادية للدين. الوجود المبارك لسيد الشهداء وأحداث عاشوراء
ومحرم وأمثالها هي مظهر لهذه القيم. والحق في الواقع، إن هذا الاعتقاد صحيح بأن
قيام سيد الشهداء هو الذي حفظ الإسلام.
تيار المتدينين يتقدم باستمرار بفضل عاشوراء
كذلك فإن هذه الحادثة ازدادت حيوية ونضارة يوماً بعد يوم على مرّ
القرون. وازدادت مراسم إحياء هذه الحادثة في الوقت الراهن بالمقارنة إلى ما قبل مئة
سنة -حيث لم يكن لتديّن الناس بحسب الظاهر آنذاك معارضون كمعارضي اليوم- حرارةً
وجاذبيةً وحماسة واتساعاً؛ هذا كله له معناه. هذا كله يدل على حقائق وعلى تيار يسير
ويتقدم حالياً في العالم بقيادة الحسين بن علي (سلام الله عليه)؛ وسوف يتقدم أكثر
إن شاء الله، وسيكون فتحاً للآفاق وحلاً لعقد مشاكل الشعوب.
لتشكيل هيئة فكرية تُعنى بتقويم المسار الإستراتيجي
الثورة
أريد تناول ثلاث نقاط: إحداها تتعلق بهذا المجلس المحترم، مجلس خبراء
القيادة. والأخرى - وهي نقطة تكررت تقريباً - حول شؤون البلاد. ونقطة حول النظرة
إلى أوضاع المنطقة والعالم وعلاقتها بنا وبالجمهورية الإسلامية.
بالنسبة إلى النقطة الأولى، إن هذا المجلس مجلس استثنائي ومنقطع النظير حقاً من حيث
التركيب ومن حيث الوظائف ومن حيث الأداء خلال هذه الأعوام الماضية وإلى اليوم.
برأيي أنا العبد، يمكن عقد الآمال على هذا المجلس لأمر مهم آخر إلى جانب الأعمال
والمهام التي قام بها حتى الآن ولا يزال، وهو عبارة عن النظرة العامة الاستراتيجية
للثورة ومسار الثورة. ليس لدينا بين أجهزتنا جهاز لهذه المهمة. وهي طبعاً من جملة
واجبات القائد. وقد بُذلت جهودٌ لهذا الأمر في حدود الإمكان؛ رغم النواقص الموجودة
عند هذا العبد الحقير. ولكننا لا نمتلك جهازاً لهذه المهمة. السلطات الثلاث مكلفة
بإدارة البلاد، ويجب عليها إدارة البلاد؛ كل واحدة في مجال ما وبشكل ما. طبعاً هم
يجب أن يديروا الأمور إدارةً ثورية، ولا شكَّ في هذا. لكن نظرتهم بشكل طبيعي مركزة
على هذا المسير والدرب الذي يسيرون فيه، وهي على العموم ليست نظرة عامة واستراتيجية
لمجمل مجموعة الثورة طوال هذه الأعوام التسعة والثلاثين، وعلى مدى عشرات السنين
القادمة. هناك حاجة لوجود مركز يمتلك هذه النظرة.
ما معنى هذا؟ لأوضح المسألة أكثر: يمكن تصور وجود هيئة تفكير في مجلس خبراء القيادة
هذا - والحمد لله على أن أصحاب الرأي وأهل الفكر في هذه المجموعة المكوّنة من سبعين
أو ثمانين شخصاً ليسوا بالقلائل- وتكون وظيفة هذه الهيئة المفكرة أن تلقي نظرة كلية
على مسار الثورة منذ بدايتها وإلى اليوم.
حسنًا، لقد كان لهذه الثورة أهداف؛ هناك حركة انطلقت نحو أهداف معينة. لينظروا كي
نرى كم اقتربنا من هذه الأهداف. من أي هدف اقتربنا. وأي الأهداف توقفنا عن متابعتها
وأيها تخلفنا عنها. قد تكون هناك حالات سجلنا فيها تقدماً نحو هدف ما في بدايات
الثورة لكننا بعد مدة لم نتوقف فحسب، بل وربما عدنا إلى الوراء. يجب أن نعرف هذه
الأمور.
نماذج من السياسات العامة محل التقويم
أ ــ سياسات "لا شرقية ولا غربية"
إذا شاهدنا مثل هذه الحالات في بعض الأمور، ينبغي أن ينظّم هذا المجلس
مطالباته على هذا الأساس. وطالما جرى الحديث عن مطالبات. كانت هناك في كلمات السادة
ـ وأشار السادة هنا، وسبق أن قلت أنا: نعم يجب أن يكون لمجلس الخبراء مطالباته من
الأجهزة والمؤسسات المختلفة. يمكن تنظيم هذه المطالبات على أساس هذه الدراسة،
ولنضرب مثلاً بشأن الأمور الموجودة.
لنفترض أن من العناوين المهمة لهذه الثورة، كان ثورة "لا شرقية ولا غربية". ولا
يوجد اليوم شرق، وفي المقابل يوجد غرب بكل قوة وقدرة. فما معنى "لا غربية"؟ معناها
أنْ لا ننجذب إلى الغرب ولا نقع تحت تأثير الغرب ولا نتقبل الثقافة الغربية، ويجب
أن نشذّب البلاد والثقافة لتنقيتها من الامتزاج بالثقافة الغربية المنحطة؛ أن لا
نخضع لتأثير الغرب من الناحية السياسية. أن لا نكون تابعين للغرب. لا نكون مطيعين
ومنقادين للغرب. هذا هو معنى "لا غربية". وكذلك الحال بالنسبة لشعار: "لا شرقية".
غير أنه لا يوجد اليوم "شرقية".
أين هو الغرب؟ الغرب هو أمريكا وأوروبا. حسنًا، الحكومات الأوروبية لديها ثقافة
ولديها سياسة وخارطة طريق طويلة وعامة. نحن باعتبارنا جمهورية إسلامية مهمتنا أن
ننقذ أنفسنا من السقوط في الدرب الذي يريده الغرب. هذا واجب. فهل قمنا بهذا الواجب
لحد الآن أم لا؟ كم هي نسبة ما قمنا به؟ أين هي الأمور التي قمنا بها؟ وإذا لم نقم
به في قضايا معينة فأين تكمن المشكلة؟ طبقاً لتشخيص تلك المشكلة تطرح "المطالبات"
في هذا المجلس. وقد تكون هذه المطالبة من هذا الحقير، وقد تكون مطلوبة من الحكومة،
وقد تكون السلطة القضائية مطالبة بها. وقد يكون الحرس الثوري مطالباً بها، وقد يكون
مجلس الشورى مطالباً بها. يمكن طرح مطالبات على هذا الأساس. كان هذا مثالاً.
ب ــ الإقتدار الإقتصادي
أو لنفترض في المجال الاقتصادي. الاقتدار الاقتصادي هو أحد أركان اقتدار
البلاد. وقوة العملة الوطنية من العناصر الأساسية التي تشكل الاقتدار الاقتصادي،
بمعنى أن تكون للعملة الوطنية قدرة شراء، وأن تنتج هذه القدرة الثروةَ للمواطنين
ولمن يمتلكون هذه العملة. إذا وصلنا بناء على سياسات خاطئة، سياسات تنفيذية خاطئة
وقرارات خاطئة وحالات عدم الاهتمام وعدم الاكتراث على اختلاف أنواعها، إلى وضع يهبط
بقيمة العملة الوطنية يوماً بعد يوم، فهذا رجوع إلى الوراء وهذا تخلّف. يجب أن
نُشخّص هذه الحال. ونطرح على أساسها مطالبات. ويمكن أن تكون هذه المطالبة من
الحكومة وقد تكون من مجلس الشورى، وهلمّ جراً.
ج ــ قضية العدالة
من الأمور التي كانت مطروحة منذ مطلع الثورة قضية العدالة. العدالة
معناها تقليل المسافات الفاصلة بين الفقير والغني في البلاد، ومكافحة الفقر،
والتوزيع الصحيح للثروة في البلاد. وهذا مختلف عن الأفكار الماركسية، وهو غير
المساواة التي يطرحها الاشتراكيون أو الشيوعيون . هذا هو رأي الإسلام؛ المصادر
والوثائق الإسلامية تؤيد وتؤكد كلها هذا المعنى. لا بمعنى أن نسيطر على ثروة
الأثرياء ونريد أن نسلبهم هذه الثروة. كلا، بل ينبغي إدارة البلاد بحيث تقل الفوارق
والمسافات بين الفقير والغني. حسنًا، هذه قضية شديدة الأهمية، وهي قضية تطرح اليوم
في العالم. و"مُعامل جيني" الذي يطرح في العالم ويُعدّ اليوم من المعايير والمؤشرات
الاقتصادية هو هذا. إنه في الواقع وبمعنى من المعاني المسافة الفاصلة بين الفقير
والغني. يجب أن ننظر لنرى كم تقدمنا إلى الإمام من هذه الناحية - من وجهة نظر
الإسلام - وكم سِرنا وتحركنا، ولماذا أصبح الوضع هكذا. يجب أن نحسب هذه الأمور
وندرسها.
د ــ حماية الدوافع الثورية وتعزيزها
أو لنفترض مثلاً حماية وحراسة الدوافع الثورية. شرط استمرار حياة
الجمهورية الإسلامية وجود الدوافع الثورية ووجود الروح الثورية. إذا لم تكن الروح
الثورية موجودة، فلن تكون الجمهورية الإسلامية. نعم، ستكون هناك دولة تتولى الأمور
لكن تلك الدولة لن تكون جمهورية إسلامية. فحركة الشعب هذه، وهذه الدماء التي قدّمها
الناس وهذه الجهود والمشاق التي تحملوها لإحياء الإسلام وإحياء الشريعة الإسلامية،
كلها كانت لهذا الغرض، وسوف تزول وتداس بالأقدام إذا زالت الدوافع الثورية. إذًا،
لا بدّ من وجود الدوافع الثورية للمحافظة على الجمهورية الإسلامية. ما هو حال هذه
الدوافع الثورية؟ هل انخفضت؟ هل ازدادت؟ هل استمرت؟ ما هي حالات مواجهة ومكافحة هذه
الدوافع؟ وما هو السبيل لمواجهة هذه الحرب التي تُشنُّ ضد هذه الدوافع الثورية؟
ندرس هذا ونُعدُّ مطالباتنا على ضوء دراستنا. لنفترض مثلاً أنني أنا العبد اقول في
كلماتي المختلفة: يجب أن تساعدوا الشباب الثوري والحزب اللهي، فهذا هو معنى هذا
الكلام. أي إنها مطالبة قائمة على رؤية للمسيرة الثورية في البلاد. وطبعاً لحسن
الحظ ، لم يتراجع البلد في هذا المجال، ليس هذا فحسب، بل وتقدم إلى الأمام. هذا شيء
مسلّم وقابل للإثبات.
هـ ــ صيانة روح التدين وتنميتها
أو لنفترض قضية تديّن الناس؛ نحن نريد أن يكون الناس متدينين. تتكرر هذه
العبارة أحياناً «إننا لا نريد أن نُدخلَ الناس إلى الجنة بالقوة». هذه العبارة في
رأينا عبارة غير صحيحة. إنه تعبير فيه مغالطة. لا يريد أحد إدخال أحد إلى الجنة
بالقوة، ولكن علينا أن نفتح طريق الجنة أمام الناس ونشجعهم. بل إن الأنبياء بالأصل
جاءوا لأجل هذا: ليأخذوا الناس إلى الجنة ولا يدعوهم يدخلون النار. إنَّ كل إرسال
الرسل وإنزال الكتب وكل هذه الصعاب والمجاهدات كانت من أجل أن لا يدعوا الناس تواجه
جهنم. هذا واجبنا ويجب أن نقوم به، ويجب أن يكون الناس متدينين؛ هذا ما لا شكَّ
فيه. طبعاً بالطريق الصحيح وبالشكل السليم المناسب. إما أنْ يقول قائل: «ليس في
الإسلام قوة في هذا المجال» فهذا ليس بالكلام الصحيح. فما هي هذه الحدود الشرعية
إذًا؟ ما هي إذًا هذه الـ«فاجلدوا .... مئة جلدة» (3) أو «فاجلدوهم ثمانين جلدة»
(4) ؟ إنها تلك القوة والقدرة.
إذًا، هذه دراسات استراتيجية؛ أي عندما تجتمع هيئتكم المفكرة وتلقي نظرة على مسيرة
الثورة وعلى هذه المجموعة طوال هذه السنين التسع والثلاثين، وتسجل كل واحدة من هذه
الحالات ـ وعشر حالات أو خمس عشرة حالة مهمة أخرى يمكن تعدادها ـ وتجد أننا حققنا
تقدماً في هذا الجانب فسيكون هذا التقدم مبعث تشجيع، ينبغي القيام بأعمال من أجل أن
نواصل هذا التقدم ونحافظ عليه، فمن المؤكد أن لهذا التقدم من يعارضه ويخالفه. أو
إننا عانينا من المراوحة في أمور معينة، وتراجعنا في بعض المسائل. يجب أن ننظر ما
الذي ينبغي فعله حيال هذه الحالات. وهذا ما ينتج مطالبات، بمعنى أن المطالبات
اللازمة أكبر بكثير من المطالب الجزئية والتنفيذية، من قبيل أن المحافظة الفلانية
أو المدينة الفلانية تعاني من هذه المشكلة أو تلك. وتلك أيضاً مشكلات بالطبع ولا
نريد إنكارها، غير أنّ شأن مجلس خبراء القيادة هو متابعة تلك القضايا الأساسية. هذه
برأيي من المهام الأصلية والمهمة التي يمكن لهذا المجلس أن يقوم بها.
مشكلات البلاد على أنواعها لا تعالج إلا على أيدي أبناء
البلاد أنفسهم
والنقطة الثانية التي أشرت إليها، تتعلق بمشكلات البلاد؛ هي كلام مكرر
قيل مرات عديدة ونريد أن نطرحه مرة أخرى. خلاصته أننا نريد القول: ليعلم مسؤولو
البلاد وكل أبناء الشعب أن حل مشكلات البلاد غير ممكن ولا يتحقق إلّا على أيدي
أبناء البلاد أنفسهم؛ سواء المشكلات الاقتصادية أو المشكلات الثقافية. كل أنواع
المشكلات يمكن لهذا الشعب نفسه أن يعالجها.
أ ــ ضرورة تحويل قضية " العلاج الداخلي " إلى مطلب شعبي
ولأذكر شيئاً حول ذلك. الموضوع السابق، يصدق أيضاً على هذه القضية. وهو
أنكم عندما تصلون إلى نتيجة ما بخصوص عنوان من العناوين المهمة الأساسية للثورة،
فيجب أن تحوّلوه إلى "خطاب" ومنطق رائج، كأنْ تنشروه مثلاً في الصحف والمجلات. أنتم
مجموعة كبيرة، عدد كبير من السادة من أئمة الجمعة أو الشخصيات البارزة في المحافظات
أو في العاصمة، ولهم منابرهم ويستطيعون التحدث مع الناس ومخاطبتهم، كرّروا وتكلموا
إلى أن تصبح الفكرة خطاباً. "الخطاب" هو تلك الفكرة الشائعة بين الناس والتي تمثل
مطالبة عامة من قبل الشعب. عندما يتحول أمر ما إلى مطالبة عامة وخطاب عام، سيقترب
بشكل طبيعي من التطبيق العملي. وكذا الحال بالنسبة إلى هذه القضية أيضاً. قضية
التأكيد على أن الأيدي الداخلية هي التي تحل مشكلات البلاد، يجب أن تتحول إلى واحدة
من الواضحات والبينات الفكرية للشعب. يجب أن تقال هذه الفكرة وتكرر ويستدل عليها
منطقياً ويتم تبيينها حتى تصبح" خطاباً" مسلّماً.
لدينا شباب متحفز وأفراد متخصصون ومنتجون جيدون وصناع فرص عمل جيدون، ولدينا عمال
جيدون ومزارعون صالحون ومعلمون جيدون وأساتذة جيدون. يجب إصلاح الأمور على أيي
أمثال هؤلاء. هم الذين يجب أن يعالجوا مشكلات البلاد. هؤلاء هم من ينبغي أن يعالجوا
المشكلة الاقتصادية أيضاً والمشكلات العملية المتنوعة الأخرى. الأجانب لا يعوّل
عليهم لفعل شيء.
ب ــ للتعامل مع العالم لكن من منطلق الاعتماد على الذات
أنا لا أقول اقطعوا العلاقات بالعالم، هذا ليس رأيي أبداً. منذ بداية
الثورة، كنت من الأشخاص الذين أصروا على إقامة العلاقات - الارتباط بأطراف العالم -
والآن أيضاً لديّ هذا الاعتقاد نفسه. لكن ما أقوله هو أن لا نبدل أرجلنا القوية
الطبيعية بعصا الأجانب. من الخطأ أن نتوكأ على عصا الأجنبي بدل الوقوف على أرجلنا
والاعتماد عليها.
طبعاً لا إشكال في المفاوضات في العلاقات العالمية. الإشكال الذي كان لديّ حول
المفاوضات النووية ولا يزال وطرحته على المسؤولين أنفسهم مراراً في جلسات خاصة
وعامة هو: أقول لم يكن ثمة مشكلة في أن نتفاوض، لا إشكال في التفاوض، ولكن كان
ينبغي التدقيق والحذر اللازم في هذه المفاوضات حتى لا يتمكن الطرف المقابل من
ارتكاب أي حماقة يريدها من دون أن يُعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاق النووي "برجام"،
بينما بمجرد أن نقوم بحركة بسيطة يُعدّ ذلك انتهاكاً لهذا الاتفاق. هذا خطأ، وما
كان يجب أن يحصل. هذا ما يحدث بسبب عدم الاعتماد والاهتمام بالقوة الداخلية، هذا
يحصل بسبب الاعتماد على الطرف المقابل والعنصر الخارجي.
وهنا أقول يجب عدم تعليق الآمال على الأجانب، يجب أن نتعامل مع العالم، لا مشكلة
لدينا في ذلك، والتعامل مع العالم له مستلزماته حتماً، ونحن نتقبل تلك الالتزامات
ونتحملها على عاتقنا، لكننا لا نعتمد على الخارج ؛ لأن أعداءنا كثر في خارج بيئة
مجتمعنا وبلادنا، هناك جبهة من الأعداء في مقابلنا. الحمد لله على أننا وجهنا
ضرباتنا لهذه الجبهة إلى اليوم، لقد هزمناها وأجبرناها على التراجع، وهذا ما سيحصل
ويستمر في المستقبل أيضاً، لكن لنعلم أن ما هو مقابلنا ليس مركز عداء واحد بل جبهة
واسعة من الأعداء.
الجمهورية الإسلاميّة تزداد عزة على الأيام
وأما قضية أوضاع العالم والمنطقة ومتابعةً للكلمة الأخيرة التي ألقيتها.
يجب أن أقول باختصار: إنّنا في خصوص القضايا العالمية في حال تقدم والحمد لله. ليس
أننا لم نتراجع وحسب؛ نحن لم نتوقف، بل ونحن في حال تقدم إلى الأمام. بعكس ما يريد
البعض إظهاره من ادّعاء «أننا فقدنا ماء وجهنا وسمعتنا في العالم وأصبحنا طرفاً
صغيراً في العالم». كلا، الجمهورية الإسلامية في إيران بحول الله وقوّته عزيزة
بالعزة الإلهية، وقد ازدادت عزة إلى اليوم باستمرار وتضاعف اقتدارها. وهذا ما يغيظ
الأعداء.
الرئيس الأميركي بدا غاضبا في كلامه الأخير
لقد سمعتم الكلمة البلهاء لهذا الرئيس الأمريكي (5) في منظمة الأمم
المتحدة - يفترض أنكم سمعتم هذا الكلام بشكل مباشر أو غير مباشر- وقد استخدم عبارات
قبيحة جداً وسخيفة؛ أدبيات رجال العصابات والكاوبوي (رعاة البقر) والتهديدات
العديمة المعنى والخاطئة والتحليلات الأكثر خطأ بنسبة مئة في المئة. كلمةٌ مليئة
بالأخطاء والأكاذيب. ربما كان في هذه الكلمة عشرون كذبة واضحة. إنه كلام مضطرب
يدلُّ على أنه غاضب، وخائب أيضاَ ويعاني من الناحية الفكرية من مشكلة وتخلف عقلي.
أي إن هذه الكلمة عبّرت عن جميع الأشياء الثلاثة، دلّت على الغضب والغيظ، وكذلك على
الخيبة واليأس؛ حيث لا يعلمون ما الذي يجب أن يفعلوه مقابل هذا الواقع الموجود.
وعبَّرت أيضاً عن خفة عقل. لم يكن الكلام الذي قيل مبعث فخر لشعب مثل الشعب
الأمريكي. وأعتقد أن على النخب الأمريكيين أن يشعروا بالخجل - وهم يشعرون بالخجل -
من أن يكون لهم رئيسٌ كهذا يتكلم بهذا الكلام.
الأميركيون غاضبون لهزيمتهم وفشل مخططاتهم في
منطقتنا
ولا شأن لي الآن بما قاله وكيف قاله. ما أريد قوله يتعلق بسبب غيظهم
وعصبيتهم. السبب هو تقدمنا إلى الأمام. قضية الغضب هذه قضية مهمة. ما كان بادياً في
هذه الكلمة أكثر من أيّ شيء آخر وبوضوح هو الغضب. لماذا هم غاضبون؟ الغضب سببه أن
أمريكا كان لها مخططها لمنطقة غرب آسيا هذه التي يسمونها الشرق الأوسط، منذ خمس
عشرة سنة أو ست عشرة سنة ماضية، وربما منذ فترة أبعد من هذه، ربما كان المخطط
عائداً إلى فترة سابقة، لكنه ظهر منذ نحو خمسة عشر أو ستة عشر عاماً، وقد طرحوا على
أساسه لفترة من الزمن عنوان «الشرق الأوسط الجديد»، وطرحوا لمدة اسم «الشرق الأوسط
الكبير». كان لهم مخططهم لهذه المنطقة. وكان المحور الأصلي لهذا المخطط وقلب هذا
المخطط هو سوريا ولبنان والعراق. كانت هذه البلدان عبارة عن ثلاثة محاور وثلاثة
مراكز يجب أن تطبق الخطة فيها. فكيف تطبق؟ بأن تتولى السلطة في هذه البلدان الثلاثة
حكومات مستسلمة وعميلة لأمريكا بشكل مطلق، فتطيع أمريكا في كل ما تريده، وتعمل
لصالحها. ماذا ستكون النتيجة؟ ستكون النتيجة أن تصبح هذه المنطقة كلها ساحة لسيادة
الكيان الصهيوني، ويجري بنحو من الأنحاء السيطرة "من النيل إلى الفرات" الذي نادوا
به في هذه المنطقة، حتى وإن لم يكن على شكل سياسة ظاهرية بل على شكل سلطة ونفوذ
وهيمنة معنوية وواقعية. هذا ما أرادوا القيام به. أرادوا أن يكون العراق، هذا البلد
التاريخي العظيم، بكل هذه المفاخر، تحت هيمنة الصهاينة والأمريكيين. وأرادوا أن
تكون سوريا، هذا المركز بهذه الأهمية الفائقة، مركز المقاومة ضد الكيان الصهيوني،
في قبضة الكيان الصهيوني. والوضع بالنسبة الى لبنان واضح. هذا ما أرادوه وهذا هو
العمل الذي أرادوا القيام به.
أنظروا الآن إلى الواقع، لتروا كم يختلف الواقع عمّا أراده هؤلاء. لاحظوا أنهم لم
يستطيعوا ارتكاب أي حماقة في لبنان. ولاحظوا أنه في العراق حصل العكس تماماً لما
أرادوه. ولاحظوا سوريا، بالطبع فقد ارتكبت أمريكا وحلفاؤها الكثير من الجرائم في
سوريا، وأيديهم ملطخة بدماء الشعب السوري إلى المرافق، هذا مما لا شك فيه. أطلقوا
داعش، وأطلقوا التكفيريين مثل جبهة النصرة وما شابه، وارتكبوا ضد الناس نوعًا من
المذابح الجماعية. فعلوا هذا لكنهم لم يستطيعوا تمرير مخططهم. لاحظوا اليوم أن قضية
داعش آخذة بالانتهاء في الواقع، والتكفيريون في عزلة تامة. لقد تكرس الوضع الذي
أرادوا إزالته من أجل الإتيان بوضع آخر، وتحقق ما هو معاكس تماماً لما أرادته
أمريكا. وحين ينظر الأمريكيون يعتبرون إيران مؤثرة ومذنبة، لذلك يغضبون. وعلى حد
تعبير المرحوم السيد بهشتي «اغضبوا وموتوا بغيظكم». فليغضبوا، هذه هي القضية وهذه
هي المعركة.
يجب أن لا يخطئ أحد ويتصور أن قوة جبارة وعندها كذا وكذا من القوة تقف بوجه إيران.
كلّا، ردود الأفعال التي يبدونها تدل على الضعف وتظهر التراجع والتخلف وتشير إلى
الغضب الناجم عن هزيمتهم، لقد تمرّغ أنفهم بالتراب، لذلك فهم غاضبون ويطلقون هذا
الكلام ويلقون هذه الكلمات السخيفة ويقومون بهذه الأعمال.
حضور عزيز للجمهورية الإسلامية في المنطقة والعالم
لذلك فإنّ ما أريد قوله: إنّه في خصوص نوعية حضور الجمهورية الإسلامية
في العالم المعاصر، الحمد لله أن الجمهورية الإسلامية حققت نجاحات «وَلِله
العِزَّةُ وَلِرَسولِه وَلِلمُؤمِنين» (6). نحمد الله أن الجمهورية الإسلامية
المؤمنة شملتها هذه الآية القرآنية الشريفة وتتحلى بهذه العزة، نشكر الله على ذلك،
ويجب أن نحافظ عليه. يجب أن نحافظ على هذه العزة، ونضاعفها إن شاء الله، بالعقل
والأفكار الصحيحة والخطط المناسبة وعدم الوقوع في الأخطاء في نوعية العلاقات وفي
نوعية اتخاذ القرارات وفي نوعية التصريحات .
• عزة إيران بفضل جهاد شبابها ودوافعهم الثورية
وهذه العزة تحققت بفضل المجاهدة. وهذا أحد نماذج ما قلناه من أن دوافع
الجهاد اليوم أفضل من السابق. لاحظوا الشهيد العزيز محسن حُجَجَي (7)، هذا نموذج
واحد، وليسوا قلائل الشباب من أمثال محسن حججي. لقد أظهر الله تعالى هذا النموذج
لحكمة وأسباب، وجعله واضحاً مشرقاً، ليكون أمام أنظار الجميع ويراه الجميع
ويُسلِّموا لهذه الحقيقة الشريفة العزيزة بأنّ هذه الدوافع الثورية تزداد لدى
الشباب بفضل من الله وتوفيقه. هناك من يكتبون لنا الرسائل ويتوسلون، يتوسلون حقاً
بأن اسمحوا لنا بالذهاب للجبهات. هذا بالنسبة إلى الذين يمكنهم أن يتصلوا هاتفياً
هنا ويكتبوا الرسائل، ولا بدّ أن هناك عدة أضعاف منهم لا تتوافر لهم هذه الإمكانية.
يتوسلون بأن أرسلونا إلى هناك لنذهب ونحارب العدو ونجاهد. هذه هي دوافع شبابنا
وحوافزهم. إنها معجزة. في مواجهة العوامل الموجودة مقابل هذه القيم. وأحد هذه
العوامل هو الفضاء الافتراضي الذي أشار له سماحة الشيخ جنتي، وقوله وتحذيره طبعاً
صحيح، ونحن نتابع القضية بشكل جاد، ولكن على الرغم من وجود هذا الفضاء الافتراضي
وعلى الرغم من هذه المؤامرات ووجود هذه الوساوس، تشاهدون كيف أن الجمهورية
الإسلامية تشهد وجود مثل هؤلاء الشباب ومثل هذه الدوافع. هذا لطف إلهي.
نرجو من الله تعالى أن يديم هذا اللطف على هذا البلد وعلى هذا الشعب. وأن يشمل
بلطفه ورحمته الذين أوجدوا هذا الوضع للبلاد؛ الإمام العظيم والشهداء الأعزاء
ومجاهدي طريق الحق.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 ـ في بداية هذا اللقاء -الذي
انعقد في نهاية الاجتماع الثالث من الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة- تحدث آية
الله الشيخ أحمد جنتي (رئيس مجلس خبراء القيادة)، وآية الله السيد محمود الهاشمي
الشاهرودي (نائب رئيس مجلس خبراء القيادة).
2 ـ آية الله علي أصغر معصومي (النائب في مجلس خبراء القيادة لأربع دورات ومسؤول
ممثلية الولي الفقيه في الجامعة الإسلامية الحرة بمحافظة خراسان الرضوية) الذي توفي
بتاريخ 18/09/2017 م.
3 ـ سورة النور، شطر من الآية 2.
4 ـ سورة النور، شطر من الآية 4.
5 ـ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
6 ـ سورة المنافقون، شطر من الآية 8.
7 ـ الشهيد محسن حُجَجَي من القوات المدافعة عن المقدسات، وقع في آب 2017 م في أسر
تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، واستشهد على أيديهم
بعد يومين، وقد استعادت المقاومة الإسلامية في لبنان جثمانه الطاهر ضمن عملية تبادل
بعد تطهيرها كل الأراضي اللبنانية من التكفيريين ودحرهم، في عمليات جرود عرسال و"إن
عدتم عدنا" في شهر آب 2017