الإمام الحسن (عليه السلام) والصلح المفروض
تربية دينية (مناسبات)
الإمام الحسن (عليه السلام) والصلح المفروض: خيار القتال إنتحار لا استشهاد
عدد الزوار: 95ذكرى ولادة الإمام الحسن
الإمام الحسن (عليه السلام) والصلح
المفروض: خيار القتال إنتحار لا استشهاد
الإمام الخامنئي دام ظله
الإمام الحسن عليه السلام ظَلَمَهُ التاريخ والمؤرخون. ولم يُعطى حقَّه من قِبل
كثير من مناصريه، رغم أن اللَّه تعالى طهّره تطهيراً. وتكفيه شهادة اللَّه بتطهيره
عن الدَّنس:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾
لقد ذكرنا مراراً فيما يتعلّق بصلح الإمام الحسن عليه السلام، عدم قدرة من كان في
نفس موقف الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وفي مثل ظروفه ــ حتّى أمير المؤمنين
عليه السلام نفسه ــ إلّا القيام بمثل ما قام به الإمام الحسن (عليه السلام). ولا
قدرة لأحد أبداً على القول إنّ الجانب الفلانيّ من عمل الإمام عليه السلام مثارٌ
للتشكيك. كلا، ففعله (عليه السلام) كان مطابقاً للاستدلال المنطقيّ الّذي لا يقبل
التخلّف.
من هو الأكثر ثوريّة من بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ومن الّذي
فاقهم في اصطباغ حياته بصبغة الشهادة وفاقهم حميّة للمحافظة على الدين ومواجهة
العدوّ؟ إنّه الحسين بن عليّ عليه السلام. وهو (عليه السلام) شارك الإمام الحسن (عليه
السلام) في هذا الصلح، فلم يعقد الإمام الحسن الصلح وحده بل عقداه معاً. غاية الأمر
أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان المتقدّم يتبعه الإمام الحسين في ذلك. كان
الإمام الحسين (عليه السلام) أحد الذائدين عن مبدأ صلح الإمام الحسن (عليه السلام)
. وعندما بدر اعتراض من أحد الأنصار المقرّبين - من هؤلاء المتحمّسين الثائرين -
على ما فعله الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، ردّ عليه الإمام الحسين (عليه
السلام) "وغمز الحسين في وجه حُجر" (شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج
16، ص )15.
لقد كانت للصلح عوامله، ولم يكن بالإمكان تفاديه، فلا مناص منه. يومها لم تكن فكرة
شهادة الإمام أمراً ممكناً. أن الظروف لم تكن تسمح للاستشهاد أبداً. فليس كلّ قتلٍ
شهادة، بل الشهادة قتل بشروط. ولم تكن تلك الشروط متوفّرة حينها. ولو قُدّر للإمام
الحسن (عليه السلام) القتل يومذاك لما مات شهيداً. فلم يكن بالإمكان آنذاك أن يؤدّي
شخص - في مثل تلك الظروف - حركة من الحركات المناسبة ثم يقتل ويطلق عليه "شهيداً". كلا، بل يطلق عليه "منتحراً"1
فقد كان زمن الإمام الحسن زمان شبهة وحرب مع الكفار المقنّعين؛ من الذين يتمكّنون
من تسخير شعاراتهم لأهدافهم. لقد كان زماناً صعباً للغاية، ولم يكن هناك بدّ من
الحذر فيه.2
لقد استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) بسبب تلك الأوضاع. ومن بعده جاء ابنه الحسن
(عليه السلام) الذي لم يتسنّ له الصمود بوجه تلك الحالة أكثر من ستة أشهر. إذ تخلّى
عنه أنصاره وتركوه فريداً وحيداً. وبين هؤلاء الخواص (أي كبار القوم). فرأى أنّه
إذا سار لمحاربة معاوية بهذه الثلّة القليلة واستشهد، فلن يطالب أحد بثأره حتى؛
نتيجة لاستشراء الانحطاط الخلقي في المجتمع الإسلامي. وإنّ دعاية معاوية وأمواله
وحيله ستستحوذ على الجميع، وسيقول الناس بعد مضي سنة أو سنتين: إنّ الإمام
الحسن(عليه السلام) لم يحسن صنعاً حين تحدّى معاوية. ومعنى هذا أنّ دمه سيذهب هدراً.
لذلك تحمّل جميع المصاعب ولم يُلقِ بنفسه في ميدان الشهادة.
أنتم تعلمون أنّ الشهادة تكون أحياناً أسهل من البقاء على قيد الحياة. وهذا المعنى
يدركه أهل الحكمة والآفاق المعنوية جيداً. أحياناً تصبح الحياة والعمل في أجواء
معيّنة أصعب بكثير من القتل والشهادة ولقاء اللّه. لكن الإمام الحسن (عليه السلام)
سلك هذا السبيل الأصعب.
الإمام الحسن (عليه السلام) كان بين خيارين: خيار الشهادة، وخيار الحياة. وكان
البقاء على قيد الحياة أكثر ثواباً وجدوى ومشقّة من القتل. والإمام الحسن (عليه
السلام) قد اختار هذا المسلك الأوعر. ولكن الوضع لم يكن على هذه الصورة في عهد
الإمام الحسين (عليه السلام). فلم يكن هناك إلاّ خيار واحد؛ هو خيار الثورة.
والبقاء على قيد الحياة؛ الذي يعني عدم الثورة ما كان له آنذاك أي معنى. كان لابد
له من الثورة، سواء انتهى به الأمر إلى القبض على الحكم أم كان مصيره إلى الشهادة3.
لو أراد الإمام الحسين (عليه السلام) الثورة في عصر معاوية لما سُمع نداؤه. وذلك
لأنّ الحكم والسياسات كانت بشكل لا يمكن للناس فيها سماع قول الحقّ. لذلك فإن
الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُقدم على شيء ولم يثر أيام خلافة معاوية، مثلما أنّ
الإمام الحسن (عليه السلام) لم يثر على معاوية. لأنّ الظروف لم تكن مواتية، لا أنّ
الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن أهلاً لذلك. لأنه لا فرق بين الإمام الحسن (عليه
السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، ولا بين الإمام الحسين والإمام السجّاد (عليه
السلام)، ولا بين الإمام الحسين (عليه السلام) والإمام عليّ الهادي (عليه السلام)
أو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). بالطبع منزلة الإمام الحسين (عليه السلام)
- الذي أدّى هذا الجهاد - أرفع من الذين لم يؤدّوه، لكنّهم سواءٌ في منصب الإمامة،
ولو وقع هذا الأمر في عصر أيّ منهم لثار ذلك الإمام ونال تلك المنزلة4.
(1) من كلمة لسماحته لدى لقائه شرائح مختلفة من الشعب الإيراني في اليوم الخامس عشر
من شهر رمضان المبارك مولد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) - 22/1/1369 هـ.ش
(2) ( من كلمة لسماحته لدى لقائه مختلف شرائح الشعب الإيراني في اليوم التاسع
والعشرين من شهر رمضان المبارك، 26/1/1370 هـ.ش)
(3) (من كلمة لسماحته في جمع من قادة 27 فرقة محمد رسول الله (ص)، 20/3/1375 هـ.ش)
(4) (خطبة صلاة الجمعة (عاشوراء 1416هـ)، 19/03/1374 هـ.ش)