على قدر استعدادنا يكون زادنا
تربية دينية (مناسبات)
بدء شهر رمضان المبارك هو في الحقيقة عيد كبير للمسلمين ومن المناسب أن يبارك المؤمنون لبعضهم حلول هذا الشهر ويتواصوا بالاستزادة منه أكثر فأكثر.
عدد الزوار: 79
على قدر استعدادنا يكون زادنا
بدء شهر رمضان المبارك هو في الحقيقة عيد كبير للمسلمين ومن المناسب أن يبارك
المؤمنون لبعضهم حلول هذا الشهر ويتواصوا بالاستزادة منه أكثر فأكثر.
ولأنه شهر الضيافة الإلهية، لذلك يجلس المؤمنون والمؤهلون لدخول هذه الضيافة فقط
إلى مائدة الخالق المنان الكريم. هذا إلى جانب مائدة الكرم الإلهي العامة التي
يتزود منها كل البشر بل كافة مخلوقات العالم. هذه ــ الضيافة في شهر رمضان ــ مائدة
الخواص وضيافة المقربين إلى الله.
القضية الأساسية بشأن شهر رمضان هي أن يجد الإنسان - المحاصر بشتى أسباب الغفلة عن
الله وعن صراطه والتي تجره عادةً نحو الهبوط والانحطاط - فرصة يدفع فيها روحه نحو
العروج والاعتلاء. وروح الإنسان وبواطنه ميّالة نحو العروج والاعتلاء.. ويجد الفرصة
كذلك للتقرب إلى الله وإلى الأخلاق الإلهية. شهر رمضان المبارك ربيع التجديد وبناء
الإنسان لذاته والاستئناس بخالقه.
الحقيقة الأولى التي تتأثر ببركات هذا الشهر هي قلوب المؤمنين وأرواح الصائمين
والداخلين إلى الأعتاب المقدسة المباركة لهذا الشهر. صيام هذا الشهر من ناحية،
وتلاوة القرآن الكريم فيه من ناحية أخرى، والاستئناس بالأدعية الواردة في هذا الشهر
من ناحية ثالثة أعمال تضع الإنسان حيال عملية تزكية وتهذيب وتنقية باطنية. وكلنا
بحاجة إلى هذه التنقية.
شهر رمضان شهر الدعاء والتزود من التقوى. الشهر الذي ينبغي أن تزداد فيه قدراتنا
الروحية والمعنوية ببركة العبادة والتوجه للخالق، فنقطع بفضل هذه القدرات الروحية
والمعنوية الطرق الوعرة بسرعة وسهولة ونجتاز الدروب بمسيرة جيدة.
شهر رمضان في كل سنة قطعة من الجنة يبعثها الله إلى جحيم عالمنا المادي المحرق
ويمنحنا الفرصة كي ندخل الجنة بفضل المائدة الإلهية الممدودة في هذا الشهر. البعض
يدخلون الجنة في هذه الأيام الثلاثين فقط. والبعض يدخلون الجنة مدة عام بزخم تلك
الأيام الثلاثين.. والبعض يدخلونها مدى العمر. والبعض يمرون بجوارها غافلين، ما
يبعث على الأسف والخسران.
الإنسان الذي يكتسب بفضل شهر رمضان المقدرة على مقارعة أهوائه النفسية يحرز مكسباً
عظيماً يجب عليه أن يحفظه ويصونه. الإنسان الذي يعاني من عادة الاستجابة لأهوائه
وشهواته القبيحة ؛ إذا تمكن في شهر رمضان من التغلب على عادته هذه فعليه المحافظة
على مكسبه هذا.
كل تعاسة الإنسان وليدة اتباعه لأهوائه النفسية. كل صنوف الظلم والتزيين والإجحاف
والحروب الظالمة والحكومات الفاسدة وحالات الاستسلام والخضوع للظلم بين الشعوب
ناجمة عن اتباع الأهواء النفسية والاستسلام أمام نزعات النفس. إذا اكتسب الإنسان
المقدرة على التغلب على ميوله النفسية لأصاب الفوز والفلاح. وشهر رمضان يوفر لكم
هذه الفرصة.
إذن، أساس القضية هو اجتناب المعاصي. ولابد أن نسعى في شهر رمضان للابتعاد عن
الذنوب بالتمارين الروحية وترويض النفس والتحدث إليها. إذا ابتعد الذنب عنّا تفتّحت
أمامنا السبل للعروج إلى ملكوت السماوات. لكن أعباء الذنب وأثقاله تحول دون هذا
التحليق. شهر رمضان فرصة جيدة للابتعاد عن الذنب.
الصيام الذي نذكره كواجب إلهي هو في الحقيقة تشريف إلهي ونعمة إلهية، وفرصة قيمة
جداً للصائمين.. وفيه صعوبات طبعاً. كل الأعمال المباركة المفيدة لا تخلو من صعوبة.
لا يصل الإنسان إلى شيء من دون المصاعب والمتاعب. هذا المقدار من الصعوبة الذي
يرافق الصيام شيء قليل ورصيد ضئيل قياساً إلى ما يعود به على الإنسان. يمنح الإنسان
هذا الرصيد القليل فيصيب به ربحاً عظيماً.
ذكروا للصيام ثلاث مراحل. وكل واحدة منها مفيدة لأصحاب الصيام. إحدى المراحل هي
المرحلة العامة للصيام. أي اجتناب الأكل والشرب وسائر المحرمات. ولو لم يكن في
صيامنا غير هذا المحتوى وغير هذا الإمساك لكان في ذلك منافع كثيرة. إنه عمل يمثل
امتحاناً بالنسبة لنا ويعلّمنا في نفس الوقت. إنه تمرين ورياضة. ثمة رواية عن
الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام يقول فيها: "ليستوي به الغني والفقير"... أوجب
الله تعالى الصيام ليتساوى الغني والفقير في هذه الساعات والأيام. الغني لا يتفهّم
حال الفقير وجوعه وضعفه عن طريق تحصيل الأشياء التي يشتهيها ويرغبها، أما حين يصوم
يتساوى الجميع ويُحرم الغني باختياره من مشتهيات نفسه.
الإنسان الذي يذوق طعم الجوع والعطش ويكتسب القدرة على الصبر حيال الصعاب التي قد
تعتور الطريق. فضلاً عن فراغ البطن من الطعام واجتناب الممارسات المباحة للإنسان في
الحال العادية، الأمر الذي يمنح للإنسان نوراً ولطفاً.
المرحلة الثانية من الصيام هي اجتناب المعاصي، أي صيانة الأذن والعين واللسان
والقلب، وفي بعض الروايات صيانة بشرة الإنسان وجلده وشعره من الذنب.كما تجتنبون
الطعام والشراب ومشتهيات النفس تجتنبون الذنب أيضاً. هذه مرحلة أرقى للصيام.
إذن المرحلة الثانية من مراحل الصيام هي أن يستطيع الإنسان الإقلاع عن الذنوب.
وخصوصاً أنتم الشباب الأعزاء: أوصيكم باستثمار هذه الفرصة. أنتم شباب، وللشباب
القدرة والقوة ولهم أيضاً قلوب نقية نيّرة. وهذا بحد ذاته فرصة متاحة لهم. استثمروا
هذه الفرصة طوال شهر رمضان وتمرّنوا على اجتناب الذنوب.
المرحلة الثالثة من الصيام اجتناب أي شيء يلهي ذهن الإنسان وضميره عن ذكر الله.
وهذه هي المرحلة العليا من الصيام. حينما يحيي الصيام ذكر الله في القلب ويضيء
أنوار معرفة الله في الفؤاد سوف يتنوّر القلب. طوبى للذين يستطيعون الارتقاء
بأنفسهم إلى هذه المرحلة.
نوّروا قلوبكم في شهر رمضان - في كل الأيام والليالي - بذكر الله ما استطعتم إلى
ذلك سبيلاً حتى تستعدوا لدخول ساحة "ليلة القدر" المقدسة: "ليلة القدر خير من ألف
شهر، تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر". ليلة تربط فيها الملائكة
الأرض بالسماء، وتنوّر القلوب وبيئة الحياة بأنوار الفضل واللطف الإلهيين. ليلة
السلم والسلامة المعنوية.. سلامة القلوب والأرواح.. ليلة شفاء الأمراض الأخلاقية
والمعنوية والمادية والأمراض العامة والاجتماعية، التي طالت اليوم للأسف كثيراً من
شعوب العالم بما في ذلك الشعوب المسلمة! التعافي من كل هذا ممكن وميسور في ليلة
القدر شريطة أن تدخلوا ليلة القدر مستعدين.
ينال الإنسان في كل عام فرصة استثنائية من خالق العالم هي فرصة شهر رمضان
المبارك.حيث يدخل الإنسان في وادي الرحمة الإلهية الخاصة. فيتزود كل فرد من الضيافة
الإلهية العظيمة بقدر استعداده وهمته وسعيه؛ فترقّ القلوب وتتلألأ الأرواح وتتألق.
إذا دخلنا شهر رمضان باستعداد تزودنا من الضيافة الإلهية أكثر وارتقينا في العام
الآتي درجة ومستوى أعلى. عندئذ ستشاهدون في نفوسك وقلوبكم ومحيط حياتكم الاجتماعية
ما يرضيكم ويسركم.