حزب الله في القرآن الكريم
الربيون عطاء حتى الشهادة
سنتعرّض لشرح مفهوم حزب الله في القرآن، وأهمية النية والدافع الإلهي في الحركة نحو الله تعالى، وسنتعرض لشرح بعض المصطلحات القرآنية التي تُعنى بها الشخصية الجهادية الخاصة التي وردت في الكلام الإلهي
عدد الزوار: 1414
مدخل
سنتعرّض لشرح مفهوم حزب الله في القرآن، وأهمية النية والدافع الإلهي في الحركة نحو
الله تعالى، وسنتعرض لشرح بعض المصطلحات القرآنية التي تُعنى بها الشخصية الجهادية
الخاصة التي وردت في الكلام الإلهي (في سبيل الله - لله -) وكيف ترتبط هذه المفاهيم
القرآنية بعقيدة المجاهدين بشكل خاص على مستوى النوايا والأهداف.
أبعاد الجهاد في المفاهيم القرآنية
1- الإصطلاح القرآني الأول: (في سبيل الله)
عبارة (في سبيل الله) اصطلاح خاص بالأدب والثقافة الإسلامية وهو يختزن معنىً لطيفاً
جداّ.
وعلى الرغم من شيوع وشهرة هذا الاصطلاح بين المسلمين واستعماله في المصادر
الإسلامية كثيراً، كما هو الحال في القرآن وروايات المعصومين عليهم السلام، لكن
قليلاً ما يتم التوجّه بشكل عملي إلى حقيقة ومغزى هذه العبارة.
ومن أجل بيان أفضل وتعريف أوضح لهذا المصطلح القرآني، الذي استعمل في موارد جهادية
خاصة، نقول:
إن أي فعل يقوم به الإنسان سواء أكان من الأفعال الخارجية وما يسمى إصطلاحاً
(بالأفعال الجوارحية) التي تكون الأعضاء الظاهرية وسيلتها وأدواتها، أم كان من
الأفعال الداخلية وما يسمى إصطلاحاً (بالأفعال الجوانحية) التي ترتبط بروح وعقل
وعقيدة الإنسان، فتبقى مخفية عن الأنظار كمثل الخيالات والأفكار والأوهام.
وهذه الأفعال بكلا قسميها مصاديق للحركة، وكل حركة تسير نحو جهة ومقصد خاص بها,
فإذا كانت وجهة مسير هذه الأفعال وهدف حركتها الأصلي كمال الإنسان، فمن الطبيعي
حينها بل من المتيقن أنّها ستتّجه بالإنسان إلى الخير والصلاح والسعادة والفلاح،
وبالنتيجة سوف توصله إلى الحق والحقيقة.
أما لو كانت وجهة هذه الأفعال وحركة سيرها تتحرّك بغير اتجاه الكمال الإنساني فإنها
تتجه بالإنسان إلى الابتعاد عن كماله الحقيقي، ومن الطبيعي أن توصله إلى جهة الشر
والباطل، والفساد والشقاوة.
ومن جهة أخرى ومن منظار العقيدة الإسلامية, فإنّ معيار الكمال الحقيقي لكل إنسان
يكون فقط في مدى قربه ودنوّه من حضرة الحقّ تعالى، وهذا هو عنوان المسير الصحيح من
أجل صلاح الإنسان، فكلُّ سيرٍ إلى الله تعالى هو سيرٌ نحو الحقّ وكل سير إلى غيره
تعالى هو سير نحو الباطل.
وهنا سنسأل, أنه لماذا قيّد الإسلام وجهة سير الأعمال الصالحة والأفعال اللائقة
بالإنسان بشرط أساسي وهو كونها تحت عنوان: (في سبيل الله)؟
نستطيع أن نقول في معرض الإجابة, إنّ الهدف الأصلي من خلق الإنسان هو في جعل سيره
متجهاً نحو الله، ولذلك فإن أي عمل وأي حركة بدون نية (في سبيل الله) سوف تبتعدُ
بالإنسان عن الهدف ولن توصله إلى الله تعالى.
لقد ورد مضمون كلمة (في سبيل الله) في موارد متعدِّدة من القرآن الكريم, وكمثال
نذكر منها:
أ- في بعض الآيات وُصف تحمّل الإنسان للتعذيب وأذية الأعداء بأنه (في سبيل الله)
وعُدّ ذلك سبباً لخيره وسعادته، نظير هذه الآية من سورة التوبة:
﴿لاَ يُصِيبُهُمْ
ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ
مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ
كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ﴾1.
ب- وفي آيات أخرى وصفت بعض الأحداث من قبيل الهجرة والجهاد والإيثار والشهادة بأنها
(في سبيل الله): يقول الله تعالى
﴿...وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي
سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ...﴾2.
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ
إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾3.
﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء
وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾4.
ج- وفي آيات أخر ذُكر الإنفاق والجهاد المالي مقيداً بهذا الشرط (في سبيل الله):
يقول الله تعالى:
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ
وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾5.
د- وهناك آيات ذكرت الحصار والفقر والضيق المالي والمعيشي تحت وصف (في سبيل الله).
يقول الله تعالى:
﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ
يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ
التَّعَفُّفِ...﴾6.
2- الاصطلاح القرآني الثاني: (لله)
بعد أن تعرّفنا على مفهوم (في سبيل الله) بحسب الاصطلاح القرآني، نشير إلى اصطلاح
قرآني آخر شبيه بالاصطلاح الأول وهو اصطلاح (لله)، مع الإشارة إلى الفارق بين
الاصطلاحين.
إنّ أفعال الإنسان الاختيارية تكسب قيمتها فقط فيما لو كانت تمتاز بخصيصتين:
الخصيصة الأولى: الحسن الفعلي.
ومعناه: الفعل الصالح الذي يقوم به الإنسان ويكون بحد ذاته فعلاً حسناً ولائقاً،
بغض النظر عن الدافع الحقيقي للفاعل.
الخصيصة الثانية: الحسن الفاعلي.
ومعناه: أن الإنسان عندما يقوم بعمل صالح، لا بد أن يكون الدافع لذلك العمل دافعاً
صحيحاً وحسناً.
وبناءً عليه يلزم لاتصاف الفعل الأخلاقي بأنه (حسن) أن يكون نفس الفعل حسناً
ومفيداً وأن تكون نية الفاعل حسنة ودافعه صحيحاً وخالياً من كل النوايا الباطلة مثل
الغرور والرياء وطلب الشهرة.
إذاً, فتعبير(في سبيل الله) دالٌّ على الحسن الفعلي, أي أنّ هذا الفعل بنفسه هو
فعلٌ صحيحٌ ومفيد، أما تعبير (لله) أو (قربة إلى الله) فهو دال على الحسن الفاعلي,
أي أن الفاعل قد أتم هذا الفعل المفيد والصحيح بدافع صحيح ونية سليمة ألا وهي نية
التقرب إلى الله والعمل لله.
والمهم في المقام هو الحسن الفاعلي، لأن صحة الدافع أوعدم صحته في الحقيقة هو
الميزان والمعيار في الأعمال، فالدافع الصحيح والنية السليمة هي منشأ الارتفاع بأي
عمل والارتقاء به إلى أعلى المراتب، وفي المقابل إنّ عدم صحة الدافع وعدم سلامة
النية تنحدر بالعمل إلى أسفل الدركات.
ولا قيمة عند الله لأي عمل مهما بلغ من دون "الدافع الإلهي والنية السليمة"! وتميّز
هذه الأفعال الصالحة إنما يكون بوجهة سيرها نحو الله تعالى، ومدى تأثيرها ودفعها في
تقرب الإنسان من الله تعالى.
3- الاصطلاح القرآني الثالث: (حزب الله)
لقد مرّ ذكر عبارة حزب الله في القرآن، في موردين اثنين، وجاء مترافقاً مع لفظ
الولاية.
الآية الأولى:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ﴾7. هذه الآية الشريفة التي نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام في
قصة تصدّقه بالخاتم في ركوع صلاته المباركة، وهي قصة مشهورة معروفة بين المسلمين
جميعاً فقد اتفق المفسرون والمحدِّثون من الشيعة والسنة على أن مورد نزول هذه الآية
كانت في شأن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد تصدّقه بالخاتم
على ذلك السائل الذي دخل المسجد فلم يجبه أحد وكان الإمام علي عليه السلام راكعاً
في صلاته فأشار عليه السلام للسائل إلى الخاتم الذي بيده أن خُذه، فأخذه السائل
ورحل.
وعلى إثر هذا التصدّق من الإمام عليه السلام نزلت الآية في شأنه عليه السلام.
ثم بعد ذلك ساقت الآية ذكر أوصاف (حزب الله) وأنهم أهل الطاعة للولاية، ولذلك عدّ
القرآن الكريم - في هذه الآية - عنوان (أهل الولاية) وعنوان (حزب الله) عنواناً
واحداً. مع الإشارة إلى أن كلمة (الزكاة) الواردة في هذه الآية ليست خاصة بالزكاة
الواجبة، بل هي أعم من الإنفاق الواجب والمستحب.
الآية الثانية:
التعبير الثاني في القرآن عن (حزب الله) ورد في سورة المجادلة:
﴿ لَا تَجِدُ
قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾8.
في هذه الآية ذكر الله تعالى أوصاف (أهل الولاية) و(حزب الله) تحت عنوان واحد،
فأوضح أنّ القوم الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ليس في قلوبهم أي ودّ أو محبة
لأعداء الله وأعداء رسوله حتى ولو كانوا أخص أهلهم من الآباء أو الأبناء أو الإخوان
أو الأقرباء...إلخ، فأهل الولاية الحقيقية لله وجنود حزب الله لا تربطهم مع أعداء
الله ورسوله أي رابطة، لأن الإيمان بالله تعالى لا يجتمع مع محبة أعداء الله.
ثم يقول الله تعالى بأن ثواب هؤلاء الولائيين الحقيقيين هو:
أولاً: أن يثبت الله الإيمان في قلوبهم، يقول تعالى:
﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ
الْإِيمَانَ﴾.
ثانياً: حصول تأييد روح الله لهم. وكما هو معلوم بأن روح الله مَلَك من أقرب
الملائكة إلى الحضرة الإلهية، يقول تعالى:
﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾. وكلا
هذين الثوابين مرتبطين بعالم الدنيا.
أما الثواب المرتبط بعالم الآخرة لهم فهو:
أولاً: إدخالهم إلى الجنات، يقول الله تعالى:
﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَ﴾.
وثانياً: الفوز بمقام (رضوان الله)، هو الثواب الأعظم والأهم, يقول الله تعالى:
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.
ومن وجهة النظر القرآنية, يعتبر الفوز بالرضوان الإلهي في الحقيقة أعظم وأكبر ثواب
إلهي يمكن أن يعطى للعباد، يقول الله تعالى:
﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾9.
وعلى كل حال إنّ الثواب الإلهي لأهل الولاية وحزب الله هو الرضوان الإلهي وهو رضوان
من الطرفين: من الله تعالى ومن أهل الولاية، يقول الله تعالى:
﴿رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.
أهل البيت عليهم السلام المصداق الكامل لحزب الله
وبعد المطالعة الدقيقة في هاتين الآيتين السابقتين، نتوصّل إلى نتيجة أكيدة وهي: أن
أهل البيت عليهم السلام هم المصداق التام والكامل لحزب الله في القرآن، لأنهم كانوا
في الدنيا في أعلى مراتب الإيمان والاستقامة، وأصبحوا مورد التأييد الإلهي أيضاً،
قال تعالى:
﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾10.
وليست جزافاً الدعوى, بأن التأييد بروح الله في الدنيا يُعد من أكبر النعم الإلهية،
فصحيح أن هناك نعماً إلهية مشتركة بين المؤمن والكافر، كنعمة العقل والسلامة والأكل
والمسكن واللباس..وغيرها، لكن بالمقابل هناك نعمٌ إلهية خاصة بأهل الإيمان والعقل
الكامل، الذين يستفيدون من كل النعم الإلهية بصورة صحيحة.
وخلاصة الكلام, إن المجموعة اللائقة والمؤهّلة لتقبّل التسديدات الربّانية
والتأييدات الإلهية هي فقط (حزب الله) لما تحمله من صفات الولاية والمحبة الإلهية.
شروط صيرورة الفرد حزب اللّهيّاً
إن ولاية الله تعالى وولاية الرسول والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم لها مراتب
ودرجات مختلفة, وإن أتباع وأنصار هذه الولاية ليسوا على درجة واحدة، ولأجل الوصول
إلى أعلى مراتب هذه الولاية لا بد من امتلاك عاملين مهمين:
1- العامل الأول: تحصيل العلم والمعرفة.
2- العامل الثاني: امتلاك الإرادة القوية والالتزام العملي.
وفي التاريخ الإسلامي يمكن أن نرصد وجود ثلاث فرق, نستظهر من سيرتهم حقائق حول
الولاية:
الفريق الأوّل: هم عدّة ممن عرفوا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآمنوا به
وبرسالته وبذلوا كل ما كانوا يملكون، وكل ما كان تحت أيديهم في تصرف وخدمة الإسلام
وتقويته ولم يُقصّروا في أداء أي تكليف، لكن مشكلتهم كانت في معرفة الوصي والنائب
في حال غيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
طبعاً، بالنسبة للبعض, لم يكن عدم المعرفة تقصيراً منهم، غاية الأمر أنهم لم
يُوفّقوا لمعرفة هذا الولي والوصي القائم مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله
وسلم، والحقيقة أن هؤلاء ما كانوا ليرفضوا إمامة وولاية لأهل البيت عليه السلام في
حال عرفوا ذلك، أو توفّرت عندهم الظروف لثبوت تلك الولاية لهم عليه السلام، وعلى كل
حال هؤلاء كانوا إما تحت ظرف الاستضعاف وإما تحت ظرف الجهل ونقص المعرفة.
الفريق الثاني: فريق آخر لم تكن مشكلته في معرفة الولي والوصي، بل كانت مشكلته تكمن
في العامل الثاني وهو الالتزام العملي بالولاية، فهؤلاء قصّروا في أداء تكاليفهم
ولم يُؤدّوا الوظيفة المطلوبة منهم, فتركوا الوصي لوحده.
الفريق الثالث: وهم الذين قاموا بتحصيل كل مراحل المعرفة بالله وبالنبي وعرفوا
أوصياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم جيداً، فلم يُقصّروا في تحصيل المعرفة بالولي
والوصي، وفي الحقيقة لقد كان هؤلاء - على قلّتهم - أعرف الناس بأهل بيت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، هذا في جانب المعرفة.
أما في جانب الالتزام العملي فقد قاموا بأداء تكاليفهم على أحسن وجه، وخرجوا من
الامتحانات فائزين، مرفوعي الرأس. هؤلاء كانوا مصداق (حزب الله) ومصداق (الفلاح
المطلق) الذي ورد في الآية، حيث يقول الله تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ﴾11.
والنتيجة, لقد أصبح واضحاً لدينا أنه يلزم على الإنسان، ولأجل أن يدخل في زمرة (حزب
الله) و(أهل الولاية)، أن يسعى لكسب هذين التوفيقين، ويطلب من الله تعالى أن يمنّ
عليه بذلك:
الأول: توفيق كسب العلم والمعرفة بأهل البيت عليهم السلام.
الثاني: توفيق العمل والالتزام الحقيقي بالولاية، خصوصاً أن مقام العمل يتطلّب
الخروج من امتحانات صعبة وشاقة تجبر الإنسان الولائي أحياناً، على التخلي عن كثير
من ملذات الدنيا مقابل اعتقاده والتزامه بالولاية.
فهل يُقدّم الإنسان الولائي منفعته الشخصية وحبه للملذات على إيمانه وعقيدته؟
أم أنّه يصرف النظر عن بعض الملذات الدنيوية حفاظاً على التزامه وولايته؟
وهذا في الحقيقة يمثّل أصعب الامتحانات للولائي الملتزم.
* الربيون عطاء حتى الشهادة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة التوبة، الآية 120.
2- سورة البقرة، الآية 218.
3- سورة البقرة، الآية 190.
4- سورة البقرة، الآية 154.
5- سورة البقرة، الآية 261.
6- سورة البقرة، الآية 273.
7- سورة المائدة، الآيتان 55 - 56.
8- سورة المجادلة، الآية 22.
9- سورة التوبة، الآية 72.
10- سورة المجادلة، الآية 22.
11- سورة المجادلة، الآية 22.