يتم التحميل...

خطاب القائد بمناسبة عيد المبعث النبوي الشريف

2017

أبارك لكم أيهّا الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين شرّفتمونا بحضوركم، ولضيوفنا ـ سفراء الدول الإسلاميّة ـ وللشعب الإيراني أجمع عید المبعث النبوي السعید.

عدد الزوار: 95

خطاب القائد في لقاء مسؤولي النظام وسفراء الدول الإسلاميّة بمناسبة عيد المبعث النبوي الشريف (1) 1396_02_05 هـ.ش 25-4-2017

لإتحاد الدول الإسلامية فيما بينهم في وجه سياسة التفرقة الإستكبارية

المحاور الرئيسية
- البعثة برنامج تحول اجتماعي في كل أن ومكان
- البشريّة اليوم بحاجة إلى نور البعثة وإشعاعاتها
- أعداء الإنسانية العالميون يحاربون الإسلام
- إقتدار البلد وتقدمه رهن الإعتماد على الشعب

بسم ‌الله‌ الرّحمن ‌الرّحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي ‌القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين المعصومين وصحبه المنتجبين.

أبارك لكم أيهّا الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين شرّفتمونا بحضوركم، ولضيوفنا سفراء الدول الإسلاميّة وللشعب الإيراني أجمع عید المبعث النبوي السعید.

البعثة برنامج تحول اجتماعي في كل آن ومكان
أهميّة عيد المبعث هي أنّ هذه البعثة التي حدثت، والعلاقة الجديدة بين الله والخلق، لا تزال حيّة، وكذلك البرنامج الجديد الموجود في هذه البعثة، لتحوّل المجتمعات البشريّة والبشر. فهذه البعثة وهذا البرنامج وهذا التحوّل، له اليوم –بالقوّة- القدرة على التغيير في جميع العصور، وفي جميع الأحوال، وفي جميع المناطق الجغرافيّة، ، وذلك كما حصل وغيّر في ذلك الزمن؛ تحوّل نحو الخير والفلاح والسعادة. هذه هي أهميّة البعثة.

حال البشرية عشية البعثة: جهل وفقر وظلم وأحقاد
يقول أمير المؤمنين (سلام الله عليه) إنه عندما بعث الله سبحانه النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، كانت الدنيا تعيش في الظلمات: "والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور"(2) فعالم البشريّة كان يعيش في الظلمات، ومليئاً بالغرور. والغرور هو خداع النفس؛ حيث يتوهّم المرء ويظنّ نفسه في وضع، وهو ليس كذلك واقعاً. والقرآن الكريم يرى أنّ فلسفة الوحي الإلهي تتلخّص في هذه الآية: ﴿ليخرجكم من الظلمات إلى النور؛ (3)

حسنٌ، لقد تحدّثت التواريخ كثيراً عن ظلمات تلك الفترة؛ سواءً في بيئة الجزيرة العربيّة نفسها وما حولها، حيث الخرافة والجهل وانعدام الرحمة، العنف والقسوة، الظلم وغياب العدل، وحياة الانحطاط، والجوع، أم في العالم المتحضر في ذلك العصر. وإنّكم إذا نظرتم إلى المنطقتين الرئيستين التي كانت تحكمهما حضارتان كبيرتان في ذلك العصر أي إيران وبلاد الروم ستشاهدون هناك أيضاً هذه الظلمة والظلمات.

ففي هاتين الإمبراطوريّتين أيضاً، كانت تسود الخرافات، والظلم ، والتمييز، وغياب عدل، وعدم الرحمة بالضعفاء. وكان يوجد في إيران ملك اشتُهر بعدله كسرى آنو شيروان هذا المعروف بالملك العادل قتل في يوم واحد عدة آلاف شخص لأنّهم يتّبعون ديانة أخرى، ألا وهي المزدكيّة؛ أباد آلاف الناس في يوم واحد؛ هذه عيّنة. وفي إمبراطوريّة الروم، قتل الملك نيرون أمّه، وزوجته، وأحرق المدينة بأكملها. هكذا كانوا يعيشون: "والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور. هذه الأمور لم تكن مختصّة بالجزيرة العربيّة فحسب؛ كلّ العالم كان كذلك. في مثل هذه الأوضاع ،أشرقت شمس الإسلام.

البشريّة اليوم بحاجة إلى نور البعثة وإشعاعاتها
حسنٌ، إنّ دعوة الإسلام هي دعوة للنور؛ أي الدعوة إلى العلم، والإنصاف، والمحبّة، والوحدة، والعدالة؛ وهذه الأمور جميعاً هي النورانيّة والنور في المجتمعات البشريّة. المهمّ أن لا تبقى هذه الدعوة على الألسن والورق فقط. وإنّكم اليوم إن نظرتم في وثيقة الأمم المتّحدة أو حتّى وثائق بعض الدول المستكبرة، تجدون فيها الكثير من أمثال هذا الكلام الجيّد، وكذا تجدون في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق الأخرى، الكثير من هذا الكلام الجيّد، لكن لا أثر له في عالم الواقع.

تكمن أهمّيّة الإسلام في أنّ ما بيّنه الرسول وقاله منذ اليوم الأوّل للدعوة، وما علّمته الآيات القرآنيّة للناس بشكل مستمرّ، على امتداد ثلاثة عشر عاماً من الكفاح الشديد في مكّة، قد طُبّق فيما بعد عمليّاً، وظهر، وعُمل به. لقد أظهر الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمليّاً، تلك العدالة، والمحبّة، والإنصاف، ومقاومة الظلم، والصمود في مقابل الكفر، وهداية الناس إلى ميدان العلم والمعرفة. هذه القاعدة والأساس والبناء التحتيّ الذي أسّس له الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على مدى عشر سنوات من حكمه في المدينة، نفسها تبدّلت بعد مرور قرن وقرنين، إلى أكبر حضارة بشريّة. نعم، لم تُراعَ كل أبعادها المختلفة. فالعدالة [مثلاً] لم تُراعَ لكنّ العلم واستخدام المعرفة والإمكانيّات ونموّ الاستعدادات البشريّة التي بدأ منذ بداية تشكيل الحكومة الإسلاميّة، كان في حال تطوّر دائم بحيث تحوّلت بعد مدّة زمنيّة قصيرة قرن أو قرنين إلى أكبر حضارة بشريّة استفاد العالم كلّه منها وانتفع. هذه هي البعثة.

إنّنا الآن بحاجة إلى البعثة. إلى تعريف البعثة. ففي الدرجة الأولى، على الرأي العامّ العالمي أن يفهم مفهوم بعثة الإسلام ومعناها. وهذه مسألة غاية في الأهميّة. فبعد قيام الجمهوريّة الإسلاميّة، والتي كانت ظهور رشحة من رشحات الحكومة النبويّة (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحمد الله في نظامنا هذا، هذه الحكومة نفسها، أصبحت منشأً لتحوّل وحركة عظيمين، ما زالا مستمرّين بحمد الله، وسيستمرّان [بعونه تعالى].

أعداء الإنسانية العالميون يحاربون الإسلام
فكّر أعداء الإنسانية العالميّون لا يصحّ القول أعداء الإسلام وأعداء المجتمعات البشريّة، في محاربة منشأ هذه الحركة والذي له أرضيّة في قسم كبير من العالم. وما هو هذا المنشأ؟ إنّه الإسلام. إنّهم اليوم يحاربون الإسلام، لكونه المنشأ والأساس لتطوّر المجتمعات البشريّة، والمنشأ لحركة البشر، والمنشأ لظهور الاستعدادات، ولظهور حضارة معنويّة وماديّة مشتركة ؛ ولأنّ الإسلام يمكنه الوقوف بوجه اعتداءات الحضارة الماديّة المعاصرة الظالمة، فإنّهم يحاربونه بمختلف أنواع الحروب. وما تأسيس المجموعات الإرهابيّة باسم الإسلام سوى واحدة من هذه المؤامرات. وكذا إشعال الحروب وبثّ الفرقة والاختلاف بين البلدان الإسلاميّة واحدة من هذه العداوات. هذه العداوات تدار اليوم بيد أميركا والصهيونيّة. إنّ الدولة الصهيونيّة الخبيثة والغاصبة في فلسطين المحتلّة ومن خلفها الدولة الأميركيّة الظالمة والمستكبرة، يحاربان الإسلام. إنهم اليوم يحاربون الجمهوريّة الإسلاميّة أكثر من أيّ بلد آخر، وهذا مردّه إلى أنّ الإسلام في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة أكثر ظهوراً، وتطبيقاً، وفرصة العمل به وإجراؤه وتطبيقه هنا أكبر. إنّهم يعارضوننا لكون الإسلام يقف في وجه أطماعهم، وفي وجه الاستكبار. في الحقيقة، هم يعارضون الإسلام.

لإتحاد الدول الإسلامية فيما بينهم في وجه سياسة التفرقة الإستكبارية
إن علينا نحن كمسلمين ،في الدرجة الأولى أن نعي أنّ مسؤوليّتنا تجاه غير المسلمين هي بأن نعرّفهم إلى الإسلام. وهناك أيضاً واجب علينا تجاه أنفسنا، وهو أن نفهم سبب عداوة الأنظمة المستكبرة والحكومات الظالمة في العالم للإسلام. علينا أن نفهم هذا. على الدول الإسلاميّة اليوم أن تلتفت إلى السبب وراء توافق أميركا مع هذه الدولة الإسلاميّة، وعداوتها لتلك. إنّها لا تريد لهذه الدول أن تتفق فيما بينها وتتّحد، وأن لا تشخّص مصالحها المشتركة. وقد نجحت أميركا للأسف، في سياسة بثّ الفرقة هذه في المنطقة؛ وهذا واقعاً يدعو للأسف. إنّها تمدّ يدها إلى جيوب بعض الدول من أجل نهب ثرواتها. ولكي تسهّل على نفسها هذا الأمر، فإنّها تثير العداوات:؛ تعرّف الجمهوريّة الإسلاميّة، أو إيران، أو التشيّع كـ"عدوّ" من أجل نهب تلك الدول. هذه هي السياسات المتّبعة اليوم من قِبل القوى المستكبرة وعلى رأسها أميركا. علينا أن نفهم ونعي هذا، وأن نلتفت جميعاً إليه، وأن نقف في وجهه. والوقوف في وجهه يتمثّل في إيجاد الوحدة والاتّحاد بين الدول الإسلاميّة.

إنّ منطقتنا اليوم وللأسف، تشهد مشاكل كبيرة. اليمن، البحرين، سوريا، العراق، كلّ واحد من هذه البلدان يعاني مشاكل بنحو ما. وعندما نبحث عن العامل الأساسي لهذه المشاكل، نجد أنه الاستكبار. فالأجهزة الاستخباراتيّة والأمنيّة الأميركيّة والصهيونيّة هي التي تفتعل هذه المشاكل وتؤجّج هذه الصراعات وتعمل على استمراراها، وتستخدم القوى والأطراف ضدّ بعضها البعض؛ علينا الالتفات إلى هذه الأمور.

إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة -بحمد الله- راسخة الإرادة والعزم في هذا السبيل. وهناك عزم واضح وقاطع في الجمهوريّة الإسلاميّة؛ ليس لدى المسؤولين فحسب، بل لدى عامّة أفراد الشعب. إنّ الذي وقف في الجمهوريّة الإسلاميّة بوجه الظلم والتسلّط، هو الشعب كله؛ شبابنا، شعبنا الثوري والمؤمن هو الذي وقف في وجه تسلّط الاستكبار. وكلّ شعب وكلّ بلد يقف شعبه متّحداً ومنسجماً ومتوافقاً بوجه العدوّ، لن يستطيع العدوّ أن يتعرّض له بأيّ شيء، ولا أن يرتكب أيّ حماقة ضده. إنّ شجاعة الجمهوريّة الإسلاميّة وقوّتها، وثباتها وصمودها هو بسبب هذا الاتّحاد والوحدة الموجودين، وبسبب حضور الشعب في الميدان. فشعبنا يرى أنّ من مسؤوليّته الحضور في الميدان.

الانتخابات صيانةٌ للبلاد
لقد تمّت الإشارة إلى الانتخابات. الانتخابات واحدة من المظاهر المهمّة لحضور الشعب في الميدان. إنّ شعبنا العزيز يرى الانتخابات أمراً واجباً وعليه أن يراه كذلك. فهو واجب وحقّ. الانتخابات وسيلة متعدّدة الأهداف بالنسبة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة. فالانتخابات هي شأن الشعب وحقّ الشعب، تحيي قدرة الشعب في اختيار رأس الحكومة والمسؤولين الإجرائيّين للحكومة، وتمنح الشعب قدرة الانتخاب والاختيار، كما تمنع العدوّ من التعرّض والاعتداء على البلد والشعب. وحضور الشعب هو للحؤول دون تعرّض العدوّ واعتدائه، ولصون البلد . فمعنى حضور الشعب هو أن يقف هذا الشعب العظيم متّحداً. وحين يرى العدوّ هذا؛ فإنه يفقد زمام المبادرة والجرأة، والقدرة على التحرّك والتعرّض ضد الشعب والبلد.

بالطبع، على الجميع أن يعلم، وتعلمون أنّ أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة يستفيدون من قدراتهم في كلّ مكان لتوجيه ضربة إليها. كانوا وما زالوا هكذا إلى الآن. لا فرق بين طاقم وطاقم من أطقم الإدارة الأمريكيّة. فالذين كانوا على رأس الحكومة من قبل، كانوا دوماً يوجّهون التهديدات، والذين يتربّعون على رأسها اليوم أيضا، ها هم يهدّدون؛ لا فرق بينهم. إنهم جميعاً متشابهون في نواياهم الخبيثة تجاه الشعب الإيراني ودولة إيران ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة. كما لا شكّ في أنّهم لا يستطيعون القيام بأيّ اعتداء. وأنّ أيّ تحرّك منهم ضدّ الشعب الايراني سيعود دون أدنى شكّ عليهم بالخسارة والضرر. إنّ ردّ الشعب الايرانيّ سيكون ردّاً قويّاً، لا شكّ في ذلك ولا تردد.

إقتدار البلد وتقدمه رهن الإعتماد على الشعب
لقد منّ الله تعالى على شعبنا وتفضّل عليه ،بأن منحه الوعي، أنار له الطريق، ووضع أمامنا التجارب المتراكمة. في سنوات الثورة هذه التي شارفت على الأربعين عاماً، طالما كانت هناك عداوات تجاهنا، ودوافع خبيثة للعدوّ ضدنا، وقام الأعداء على الدوام بكلّ ما استطاعوا فعله، ولقد حقّق الشعب الايراني أيضاً وما زال إلى اليوم الإنجازات والتقدم رغم أنوفهم؛ وسيحقّق انتصارات أكبر في المرحلة القادمة، وسيرتقي، وستتحسّن أوضاعنا أكثر فأكثر، رغماً عنهم، وبفضل الله وحوله وقوّته. كل هذه الإنجازات والانتصارات هي بفضل إيمان شعبنا، وبفضل وقوف شعبنا وصموده في مقابل العدوّ وفي متابعة هذا الطريق. حافظوا على هذا الإيمان، وعلى هذا الاتّحاد، وعلى هذا الحضور في الميدان، وعلى هذا العزم الراسخ والقاطع. فهذه العداوات ستستمرّ إلى أن ييأس العدوّ تماماً؛ عليكم أن تعملوا على إيصاله لليأس المطلق.

وانا هنا أقول لكلّ هؤلاء السادة الذين ترشّحوا لانتخابات رئاسة الجمهوريّة وهو كلام ردّدناه مراراً وتكراراً فليقرروا ويعزموا، وليقولوا هذا للناس، وليعلنوه في حملاتهم الانتخابيّة، وليطلقوا الوعود بأن لا يعلّقوا الآمال في تقدم البلد، وفي التنمية الاقتصاديّة، وفي حلّ المشكلات على الخارج ولا يمدوا أنظارهم الى الخارج، بل ليكن كل اعتمادهم وأملهم على أبناء الشعب.

لدينا قدرات وطاقات كبيرة، واستعدادات عظيمة؛ التوجّه إلى هذه الاستعدادات والإفادة منها، والتخطيط العقلاني والواعي للاستفادة من هذه الاستعدادات، يمكنه إيصال البلد إلى الاقتدار وتمتين بنيته الداخليّة؛ وهذا ما سيجعل العدوّ ييأس، وهذا ،بتوفيق الله تعالى ،ما سيصون البلد والشعب والنظام الإسلامي.

أسأل الله تعالى أن يتفضّل علينا بهذا، وأن تظلّل الهداية الإلهيّة والمدد الغيبي، كما في السابق، هذا الشعب، ببركة أرواح الشهداء الطيّبة وروح الإمام الراحل المطهّرة، وأن يشمله اللطف الإلهي.

والسلام عليكم ورحمة الله.


1ـ تحدّث في بداية هذا اللقاء رئيس الجمهوريّة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني.
2ـ نهج البلاغة، الخطبة 89
3ـ من جملة السور التي وردت فيها هذه الآية، سورة الأحزاب، جزء من الآية 43.

2017-04-27