كلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام)
2017
اللّهم صلّ علی فاطمة وأبیها وبعلها وبنیها بعدد ما أحاط به علمك.
عدد الزوار: 88كلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام) بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)1_19/03/2017 م
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا أبي القاسم المصطفی محمّد، وعلی
آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیّین المعصومین، لا سیّما بقیّة الله في
الأرضین.
اللّهم صلّ علی فاطمة وأبیها وبعلها وبنیها بعدد ما أحاط به علمك.
استمتعنا واستفدنا وانتفعنا كثيراً من هذا اللقاء المفعم بالبركة والمعنى والمضمون
والحالة المعنوية الراقية. إنّ بيان الحقائق بصيغة الفنّ، بيان الفضائل التي تفوق
عقل الإنسان العاقل والعالم، بلغة الإشارة والكناية والتعابير الجمالية التي تشير
إلى ذلك المعنى الرفيع؛ هذه هي ميزة الشعر.
هذا اللقاء المبارك يقام منذ سنوات متمادية في هذه الحسينية وفي مثل هذا اليوم. إنّ
بركات هذا اللقاء، من الناحية المعنوية والروحية، ومن حيث الإفاضات التي تنزل على
قلوب المؤمنين والمتوسّلين، وكذلك من ناحية التأثيرات الاجتماعية والسياسية، [تترك]
تأثيرات هامة وجديرة بالاهتمام. فنحن نعرف قدر هذا اللقاء وقيمته؛ نشكر الله سبحانه
وتعالى أن أتاح لنا الفرصة وأمهلنا للحضور مجدداً ولسنة أخرى في هذا اللقاء،
ونشكركم وكذلك نشكر الإخوة الذين قاموا بأداء المدائح وإنشاد الأشعار.
.. هذه هي امرأة الإسلام
أما بالنسبة إلى الكلام عن سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، فإنّ
حديث أمثالي أنا العبد الحقير ليس ناقصًا فحسب، بل إنّ لساننا ألكن2 عن بيان بعض
جوانبها. إضافةً للمقامات المعنوية والملكوتية والإلهية -التي لا يمكن لأحد غير
المعصومين (عليهم السلام) أن يدركها، فضلاً عن أن يتمكّن من وصفها- فإنّ لسيدة نساء
العالمين، الصديقة الكبرى (سلام الله عليها)، وفق المعايير الظاهرية والعقلانية
أيضاً، أبعادًا وآفاقًا لا يمكن لنا تصورها. حسنًا، نحن نقول إنّ هذه السيدة
الجليلة دافعت عن الولاية، وبذلت مهجتها في هذا السبيل، وتحدثت بكل فصاحة وبلاغة،
وأمثال ذلك، إلا أنّ كلامنا هذا يقال باللسان فقط، ولا يمكننا بالأصل أن نتصوّر تلك
المواقف.
إذا توضحت لنا الظروف التي سادت المدينة والأوضاع التي تلت رحيل النبي (صلى الله
عليه وآله)، وتصوّرنا الأمر بشكل صحيح، عندها سنفهم أيّ حركة عظيمة قامت بها فاطمة
الزهراء. كانت الظروف بالغة الصعوبة، ولا يمكن شرحها حتى للخواص. من بين كل أصحاب
النبي، لم يقم في المسجد سوى عشرة أو اثني عشر شخصاً للدفاع عن أمير المؤمنين وعن
حق ذلك الإنسان العظيم. كل أولئك الأصحاب، كل أولئك الأجلاء والفضلاء، كل أولئك
الحفّاظ التالين للقرآن، وكل أولئك المجاهدين في بدرٍ وحنين؛ ليس الأمر أنّهم كانوا
كلّهم من المعاندين؛ كلا، بل لم يكن الوضع واضحاً وبيّناً حتى للخواص لكي يفهموه
بشكل صحيح. إنما كان يتطلّب شخصاً كعمار وأبي ذر والزبير في بادئ الأمر؛ هؤلاء هم
الذين قاموا بالدفاع عن حقّ أمير المؤمنين من على المنبر؛ ولم يتجاوز عددهم عشرة أو
اثني عشر شخصاً، وقد سُجّلت أسماؤهم في التاريخ، كان الزبير منهم أيضاً؛ انتبهوا
بدقة وتذكروا هذا الوضع. هكذا كانت الظروف؛ وإذا ببنتِ النبي تأتي إلى المسجد في
هذه الظروف، وتُلقي تلك الخطبة الغرّاء والبيان العجيب وتتصدّى لتبيين الحقائق، أو
تلك الخطبة التي خاطبت بها نساء المدينة وهي على فراش المرض، وكلّها موثّقة
وموجودة. هذه المواقف ليست من الأبعاد المعنوية، وإنما هي من الأبعاد التي يمكننا
فهمها وإدراكها بهذه النظرة العادية والعقلائية، ولكنّ فيها من العظمة ما لا يمكن
أن يُقدَّرَ ويقاس؛ أي إنّه لا يمكن مقارنتها بأي تضحية أخرى. هذا كأن يقال، على
سبيل الفرض مثلًا: هذه المجرّات كم هو طولها وعرضها بالأمتار؟ نعم، يمكن تقدير ذلك
ويمكن تحديد مساحتها بالمتر والسنتيمتر، ولكن من الذي يستطيع ذلك، ومن الذي يفهم،
ومن هو قادرٌ على ذلك؟ هذا ليس عن الجوانب الإلهية والمعنوية والملكوتية والعرشية،
بل جوانب فرشية3 ملكية، لكنها ذات عظمة فائقة بحيث لا يمكن للناس العاديّين إدراكها.
نحن نتحدث حول هذا، ونقرأ مجالس العزاء لها، وتحترق قلوبنا عليها، وتسيل دموعنا من
أجلها، ولكن ليس بوسعنا إدراك مدى عظمة ما جرى بشكل صحيح وعظمة هذه الحركة التي
قامت بها السيدة الزهراء (سلام الله عليها).
الزهراء على مستوى قائد
قامت فاطمة الطاهرة (سلام الله عليها) بدور قائد حقيقي؛ كما قال إمامنا
الخميني العظيم: "لو كانت الزهراء رجلاً لكان نبياً" 4، وهذا كلام عجيب وعظيم جداً، لا يمكن أن يُسمع إلا من لسان شخص كالإمام العظيم
الذي كان عالماً وفقيهاً أيضاً وعارفاً كذلك. ولقد قال هذا الكلام. هذه هي الزهراء؛
قائدة بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، مثل نبي، مثل هادٍ للبشرية جمعاء. تظهر
الزهراء المرضية، الفتاة الشابة، بهذه المرتبة والمنزلة. هذه هي امرأة الإسلام.
حسنًا، نحن نمدح ونواصل الثناء وذكر الفضائل، نعم، فائدة هذا الأمر أنّ ذكر مناقب
هؤلاء العظماء ينير قلب الإنسان ويقوي عقيدته ويزيد عشقه ومحبته، وهذا جيّد، ولكن
ثمة حقائق أخرى توجد وراء هذا كله. هذه هي المرأة في منطق الإسلام. وإذا ببعض
الجهلة الغافلين يطعنون في نظرة الإسلام إلى المرأة ويتبجّحون بأقاويل الغربيين
الناقصة والضعيفة والمليئة بالإشكالات، كم هو خاطئ ومنحرف هذا التفكير!
إنّ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هي امرأة إسلامية، امرأة في الحد الأعلى
لنموذج المرأة الإسلامية، أي إنّها على مستوى قائد، وتبلغ من حيث الفضائل والمناقب
والحد الوجودي ما يؤهّلها لأن تكون نبياً، هذه المرأة نفسها تؤدي دور الأم ودور
الزوجة ودور ربّة البيت، انتبهوا لهذا، هذا ما يجب فهمه. ومع ذلك نرى أولئك
المخدوعين الغافلين المنبهرين بأقاويل الغرب الزائفة -وماذا عسى المرء أن يقول!-
[فهؤلاء] عليهم ألّا يحقّروا مهمة إدارة المنزل هكذا! أن تكون المرأة ربّة بيت
فمعناه تربية الإنسان ومعناه إنتاج أعلى وأسمى نتاجٍ ومحصول في عالم الوجود، أي
الإنسان. هذا هو معنى ربة البيت.
حريّ بنا في يوم ولادة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أن نعرّف المرأة المسلمة
ونوضح حدودها بشكل صحيح. لقد أُطلق على هذا اليوم عنوان يوم المرأة ويوم الأم، وهو
أمرٌ جيدٌ جداً جداً، كما ويمكن تسميته يوم القائد، ولا إشكال فيه، أو يوم أسمى
إنسان؛ غير أن مجتمعنا يحتاج اليوم إلى أن يعرف ما معنى الأمومة؟ وما هو معنى إدارة
البيت؟ وما هو معنى سيدة الدار؟ إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) بكل ما تتحلّى به
من جلالة قدر وشأن رفيع ومنزلة عظيمة، كانت ربة منزل، وهذا لا يعدّ إهانة لها، بل
وهي التي تتحلى بهذه العظمة الرفيعة، لا يمكن امتهانها، فهل بالإمكان تحقير هذه
العظمة والاستخفاف بها؟ هذه العظمة محفوظة في محلّها، إلا أنّ أحد شؤون ومهام هذه
العظمة عبارة عن كونها زوجة أو أماً وربة منزل، فلننظر إلى هذه المفاهيم بهذا
المنظار.
..وهل هذا هو معنى العدالة؟
بعض الناس يُطلقون كلامًا دفاعاً عن حقوق المرأة وهذا الكلام ليس عدم
احترام للمرأة وحسب، بل هو انتقاص من قدرها؛ وأقصد هنا جماعة في داخل البلد، وإلا
فهذه الأعمال في الثقافة الغربية الأوروبية، على ما يحتمل احتمالاً يقارب اليقين،
هي من مؤامرات الصهاينة الذين يهدفون إلى تخريب المجتمع البشري والقضاء عليه؛ حيث
يجعلون المرأة متاعاً ووسيلة لتلذّذ الرجل، فإنّ هذه هي مؤامرتهم، ولا شأن لنا بهم،
وقضيتهم قضية أخرى. ولكن في بيئتنا الإسلامية -سواء في داخل البلد، أم في بعض
الأجواء الإسلامية الأخرى– وباسم الدفاع عن المرأة، يطرحون بشأن المرأة أموراً
وواجبات وتوقّعات، تعدّ احتقاراً واستصغاراً لها، قائلين: "لماذا لا تسمحون للمرأة
بالعمل في خارج المنزل؟"؛ أوّلاً، من الذي لا يسمح بذلك؟ وما هو الإشكال في هذا
الأمر؟ ثانياً، هل يعتبر العمل في خارج المنزل، كالعمل المكتبي وأمانة السر في
الإدارة الفلانية، شأناً للمرأة حتى نفتعل المشاكل لأجله؟ هل هذا هو معنى العدالة؟
العدالة تعني أن نتعرّف إلى ما أودعه الله سبحانه وتعالى وجعله كامناً في ذات كلّ
مخلوق، وأن نعرف قدره وقيمته، وأن نعمل على تربيته وتنميته؛ هذه هي العدالة.
لقد جعل الله تعالى الرجل مثل المرأة، من نواح عديدة، فلا فرق بينهما
من حيث العروج إلى المقامات المعنوية، ونموذجه فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)،
ولا فرق بينهما من حيث القدرة على القيادة، ونموذجه فاطمة الزهراء (سلام الله
عليها)، ولا فرق بينهما من حيث القدرة على هداية البشر، ونموذجه فاطمة الزهراء
(سلام الله عليها)، ولكن هناك فرق بينهما من حيث واجباتهما في إدارة الحياة، ومثاله
أيضاً فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
هؤلاء الذين يريدون الدفاع عن حقوق المرأة، إنما ينفخون في البوق من الجهة الواسعة
المعاكسة! – كما يقال - ولا يفهمون ماذا يقولون، وعن أي شيء في المرأة يدافعون.
قائلين لمَ لا تتولّى المرأة مهمة الإدارة؟ ولكن هل الإدارة فخر للإنسان حتى يسعى
الإنسان للتساؤل؛ هل الإدارات خاصة للرجال؟ ويسمون ذلك بالعدالة الجنسية، هل هذه
عدالة؟ إنّ أولئك الذين كانوا يطرحون في العالم المساواة الجنسية ويسعون وراءها،
باتوا يعانون اليوم من الشقاء والتعاسة والفساد إلى درجة ندموا عليها، وبالطبع فإنّ
كثيرًا منهم لا يصرّحون بذلك ولا يعترفون، وكثير منهم قد تربّوا ونشأوا على هذه
الثقافة، ولا يدركون ما الذي يجري، غير أنّ مفكّريهم يعرفون ويتحدثون ويعبّرون عن
قلقهم حيال ذلك.
نأمل ألّا يقصد هؤلاء- إن شاء الله -الذين هم في الداخل، من العدالة الجنسية، ذلك
الأمر الذي يُطرح باسم المساواة بين الجنسين.
نأمل أن نوفّق جميعاً إن شاء الله للانتفاع بفيوضات هذا اليوم، ومن اسم فاطمة
الزهراء (سلام الله عليها).
المدح؛ ظاهرة فنيّة لنيل مرضاة الله
وأتعرّض هنا بعبارات مختصرة حول المدح. إنّ عدد مداحي أهل البيت (عليهم
السلام) بحمد الله كبير حالياً -سواء في طهران أم في المدن الأخرى، وقد لاحظتم
اليوم أنهم جاءوا من مختلف المدن وكم كان مدحهم جميلاً ومميزاً - هذه ظاهرة؛ إنها
ظاهرة يقلّ نظيرها. بالطبع كانت موجودة في السابق وفي فترة شبابنا؛ ولكنّها أوّلاً
كانت محدودة للغاية، وثانياً لا يمكن مقارنتها أبداً بما هي عليه اليوم من التنوّع
في الأداء وأساليب الإنشاد والمحتويات والقوالب؛ فقد نضجت اليوم هذه الظاهرة واتّسع
حضورها في جميع أرجاء البلد بصورة مدهشة.
حسنًا، إنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة إنسانية؛ بالإضافة إلى هذا، فهي ظاهرة إيمانية؛ هي
ظاهرة فنية كذلك، فما الذي يجب فعله حيالها؟ كيف ينبغي استثمارها لصالح الإسلام
والمسلمين ومن أجل نيل مرضاة الله؟ إني أتمنى عليكم التفكير في هذا الأمر. فلا بد
أن يكون الهدف من جميع حركاتنا وأعمالنا هو الله. نحن نتحدث عن أشخاص لم يغفلوا عن
ذكر الله وعن الشعور بالمسؤولية وعن السير في سبيل الله في أيّ حال من الأحوال، فلا
بد أن نجعل أعمالنا لله، وهذا هو الذي ينفعنا. فلا قيمة لمتاع الدنيا، وللمدح
والإطراء الدنيوي، ولما ينتفع به المرء في هذه الفترة من حياته، وأمثال ذلك مما لا
قيمة له، بل لا بد من كسب رضى الله، وهذا هو الذي يضفي قيمة على الإنسان.
والآن، ماذا نفعل حتى يكون الأمر هذا متطابقاً مع الرضى الإلهي؟
ثمة أمران: أحدهما القالب، والثاني المحتوى.
إن للقالب أهميته الفائقة، وإن للمدح أسلوبه الفني الخاص به، اسعوا ألّا تخلطوا بين
هذا الأسلوب وبين الأساليب الفنية الأخرى للإنشاد. فلا ينبغي لنا أن ننشد شعراً في
الرثاء أو المدح، ولكن نضعه مثلاً في قالب أغنية يتغنّى بها فرد بعيد عن الدين وعن
المعنويات وعن الأمور التي تتحدثون بها، وغارق في الفساد والماديات! هذه قضية هامة
لا بد أن تحذروا منها. فإنّ ما وهبكم الله تعالى -من صوت حسن وحنجرة قوية وذهن
وقّاد ودافع عال- نعمة؛ يجب شكر هذه النعمة.
والأمر كذلك في المحتوى، فالقضية في هذا المجال، أولاً هي قضية مناقب أهل البيت
(عليهم السلام) وتقريب القلوب إلى محبتهم ومعرفتهم. ذلك أننا، والحق يقال، متخلفون
كثيراً في معرفة أهل البيت، فلنرفع من مستوى معرفتنا أكثر فأكثر ما استطعنا، وهذه
فضيلة لكل إنسان، بناءً على هذا، اجعلوا هذا اتجاه حركة هممكم واجعلوا الناس من أهل
المعرفة؛ هذه هي إحدى مهام المحتوى.
ومن مهامه الأخرى تعريف الناس إلى واجباتهم ومسؤولياتهم الدينية. والأشعار التي
ألقاها اليوم بعض الإخوة كانت من هذا النمط.
تابعوا متطلّبات البلد واجعلوها هدفًا!
من الأمور التي يمكنكم التصدي لها والقيام بها : النظر إلى العالم
المعاصر وإلى الواجبات وإلى المواجهات والجبهات الموجودة، أنتم يمكنكم صناعة
الخطاب. إنّ ما أتوقّعه منكم ، مجتمع المداحين- وهم اليوم كُثُر والحمد لله،
ويتحلّون بالنوعية، ويتحركون حول محور القيم - هو أن تتمكّنوا من صناعة خطابٍ
وإيجاد فكرٍ في المجتمع. والخطاب يعني تلك الفكرة والتفكير العملي الذي يشيع بين
الناس ويتحول إلى عملة رائجة؛ هذا هو الخطاب. ومن الضروري في كل فترة زمنية أن تكون
هناك عملة رائجة في يد جميع الناس، وهذا ما بوسعكم أنتم القيام به.
في يومٍ ما كانت فترة الدفاع المقدس، كان من الضروري إعداد الناس للدفاع أو
المساندة، وقد أدى شعراؤنا ومداحونا حينها أدواراً جيدة في هذا المضمار. علماً بأنّ
بعضًا أعرض ونأى بجانبه، كان لدينا [أشخاص] من هذا النوع، ولكنّ بعضًا آخر نزل إلى
الساحة وكان له تأثيره الهام .حين تتحدثون أنتم اليوم عن "فكّة وشلمجة"5 مع أنّ ما
جرى في هاتين المنطقتين يعود إلى ما قبل ثلاثين عاماً، فهذا يعني أنّ ذكرهما لن
يغيب عن الأذهان، وستبقيان في تاريخ هذا البلد، لماذا؟ لأنهما لعبتا دوراً، ولأنّكم
إن كنتم تتمتعون اليوم بالاستقلال والحرية والعزة والشخصية، ولم يتسلّط الأعداء
عليكم، وحُفظت أعراضكم، فذلك بسبب "فكة" و"شلمجة". لقد أدى الشعراء والمداحون دورهم
في هذا المجال. فالخطاب في ذلك اليوم كان خطاب المشاركة في الدفاع المقدس. وهناك في
كل فترة من الزمن حاجة فكرية؛ وهذا لا علاقة له بالألاعيب بالسياسة والتسييس، وإنما
هو النظر إلى متطلبات البلد، فانظروا ما هي حاجة بلدكم وما هي حاجة شعبكم وما هي
حاجة هذه المرحلة من تاريخكم، واجعلوها هدفاً تتجه هممكم نحوه.
لحسن الحظ، فإن شعراءنا الدينيين الذين ينظمون في الرثاء والمدح -وقد أرسلوا لي
مؤخراً بعض الكتب المؤلفة حول التوحيد، حول عاشوراء، وقد تمّ إنجاز أعمال جيدة جدًا
في هذه المجالات- يتحلّون اليوم بلسان بليغ وذوق رفيع وهم عميقون بارعون في إيجاد
المعاني وصناعتها ولديهم الألفاظ الجميلة والمعاني الراقية. وبحمد الله فإنّ
مدّاحينا يتمتعون بحناجر عذبة وأصوات جميلة وجذابة، وهذه فرصة كبيرة جداً لبلدنا
وشعبنا، ويجب استثمارها، لا تسمحوا بانحرافها.
..أفضل دعوة وترويج للإسلام
في السنوات الماضية، تكلّمت عن قضايا المدح والرثاء وبعض الآفات
المحتملة، ولا أريد الآن أن أضيف على ما قلته، ولكن أقول لكم أنتم، واحداً واحداً،
من جماعة المداحين الذين تجلسون على منبر مديح أهل البيت (عليهم السلام) وتتمتعون
بهذا الفخر، أن تفكروا في هذه المسائل، وأن تكتشفوا الآفات، وأن تُظهروها بشكل
مجموعة كاملة، وسوف تتنامى وتترقى يوماً بعد آخر، وبهذا سترضون الله وأهل البيت
عنكم.
إنّ خدمة الإمام الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) بالمعنى الحقيقي للكلمة، هي أن
يتمكّن الإنسان من بثّ أفكارهم ونهجهم وتوجّهاتهم ونشرها في أوساط المجتمع يوماً
بعد يوم، فإنّ هذا هو الذي يمنح العزة لبلدنا ومجتمعنا ونظامنا وأبناء شعبنا ويثبّت
أقدامهم ويزيل المشاكل. فإذا كان عندنا شعب يتمتّع بهوية ثابتة صامدة وذو إدارة
حسنة وينعم بالاستقلال والحرية، فإنّ الإسلام سيظهر تجسّده الحقيقي في شعبنا
ويتجلّى فيه، وسيكون هذا دعوة وترويجاً للإسلام، وهو أفضل بكثير وأشد تأثيراً من
تبليغنا وترويجنا للإسلام، وعملكم هذا هو أحد أركانه.
نسأل الله تعالى أن يمنّ عليكم بالتوفيق. أشكركم جميعاً، وكذلك أشكر القيّمين على
هذا اللقاء، وكل الذين ساهموا فيه، سواء الذين نظموا شعراً أم الذين أفاضوا علينا
وأنشدوا المديح، سائلاً الله أن يشملكم جميعاً بتوفيقه وفضله ورحمته.
والسلام عليكم ورحمة الله
1- في مستهل اللقاء
ألقى عدد من الشعراء والمداحين قصائد ومدائح في ذكر فضائل السيدة الزهراء (سلام
الله عليها)
2- ثقيل، عاجز.
3- قد يقصد منها الصبغة الدنيوية والمادية..
4-صحيفة الإمام ،ج7،ص 337
5- من مناطق عمليات الدفاع المقدس.