يتم التحميل...

ولادة جديدة للإنسان المؤمن مع ليلة القدر

تربية دينية (مناسبات)

ولادة جديدة للإنسان المؤمن مع ليلة القدر

عدد الزوار: 101

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد_20/09/2009

ولادة جديدة للإنسان المؤمن مع ليلة القدر
يخرج المسلم من شهر رمضان نورانيًّا. ينوّر شهر رمضان القلب ويزيل الصدأ والأدران عن روح الإنسان وقلبه بالصيام والذكر، وبالثناء الإلهي فيه، وتلاوة القرآن وسائر الحسنات التي يغترفها الإنسان المؤمن في هذا الشهر؛ إنّما ينوّر الفؤاد، ويزيل الصدأ والأدران عن روح الإنسان وقلبه.

والحقيقة أنّ الإنسان المؤمن الصائم يبدأ منذ ليلة القدر سنة جديدة. في ليلة القدر، يكتب له تقديره على مدى السنة من قبل الكتّاب الإلهيّين. يدخل الإنسان في سنة جديدة ومرحلة جديدة، وتتوفّر له في الحقيقة حياة جديدة وولادة جديدة. يبدأ السير في الطريق مستعينًا بذخائر التقوى. توضع له العديد من المراحل في هذا الطريق ليجدّد الذكريات ويستعيد الذكر والإنابة، ويوم عيد الفطر هو من هذه المراحل والمحطّات المقرّرة له في وسط الطريق. ينبغي اغتنام هذا اليوم.

صلاة عيد الفطر شكر لله على الولادة الجديدة
وإنّ صلاة يوم عيد الفطر بمعنى من المعاني هي شكر، نقدّمه للنعمة الإلهيّة التي ننالها في شهر رمضان. إنّها شكر هذه الولادة الجديدة. نقول للباري عدّة مرّات في صلاة عيد الفطر: "أدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّدا وآل محمّد"؛ أدخلنا جنّة الصفاء والإيمان والأخلاق والعمل التي أدخلت فيها منتجبيك. "وأخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّدا وآل محمّد صلواتك عليه وعليهم"؛ أخرجنا من جحيم الأعمال الرذيلة والأخلاق القبيحة والعقيدة المنحرفة التي حفظْتَ وصنْتَ منها هؤلاء الأجلّاء والأعزّاء في عالم الخلق. نرسم لأنفسنا هذا الهدف الكبير في يوم عيد الفطر، ونطلبه من الله، ويقع علينا طبعًا واجب السعي والجدّ للبقاء على هذا الصراط المستقيم؛ هذه هي التقوى.

شهر رمضان شهر التوبة
من جملة مكتسبات شهر رمضان الكبيرة التوبة والإنابة؛ العودة إلى الله تعالى. نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي الشريف: "واجمع بيني وبين المصطفى وانقلني إلى درجة التوبة إليك". اللهم ارفعنا إلى درجة التوبة، لنعود عن الطريق الخطأ، والعمل السيّئ، والظنون السيّئة، والأخلاق الذميمة.

يقول الإمام السجّاد (ع) في دعاء وداع شهر رمضان المبارك مخاطبًا خالق العالم: "أنت الذي فتحت لعبادك بابًا إلى عفوك وسمّيته التوبة"1؛ فتحت لنا هذا الباب لنسارع إلى عفوك وننهل من نعمة عفوك ورحمتك؛ هذا الباب هو باب التوبة. نافذة رحبة نحو مناخات العفو الإلهي الصافية. لو لم يفتح الله تعالى سبيل التوبة على عباده لكان وضعنا نحن العباد المذنبين سيّئًا جدًّا. يقع الإنسان في الخطايا والزلّات والمعاصي نتيجة غرائزه الإنسانيّة وأهوائه النفسيّة. وكلّ واحد من تلك الذنوب يحدث جرحًا في قلب الإنسان وروحه. ماذا كنّا سنفعل لولا طريق التوبة؟

يقول الإمام علي بن أبي طالب في دعاء كميل: "لا أجد مفرًّا ممّا كان منّي ولا مفزعًا أتوجّه إليه في أمري غير قبولك عذري". لو لم تكن هناك حالة قبول العذر التي منَّ الله الكريم الرحيم بها علينا، كيف كنّا سنستطيع إنقاذ أنفسنا من كلّ ما أنزلناه بأنفسنا، ومن شرور كلّ تلك الأعباء الثقيلة من الذنوب، والمخالفات، والخطايا، واتّباع الأهواء؛ لما كان لنا مفرّ ولا ملاذ. الله تعالى هو الذي فتح أمامنا هذا الملاذ ألا وهو التوبة. اعرفوا قدر التوبة.

شاب يهرب من بيت أبيه وأمه بسبب جهله ثم يعود لأحضانهما فيواجه حبّهما وعطفهما ومداراتهما؛ هذه هي التوبة. حينما نعود إلى بيت الرحمة الإلهيّة يقبلنا الله تعالى. اغتنموا هذه العودة التي تتحقّق للمؤمن بصورة طبيعيّة في شهر رمضان.

لقد شاهدت صور مشاركة الشباب والأحداث والنساء والرجال خلال شهر رمضان في جلسات الدعاء والقرآن، وجلسات الذكر؛ إنّ الدموع التي كانت تذرف على الخدود بفعل الإقبال على الله لها قيمة كبيرة؛ هذه هي التوبة؛ لنحافظ على هذه التوبة.

شهر رمضان فرصة لتطهير قلوبنا
تقودنا أهواؤنا وقلوبنا الغافلة إلى ارتكاب الأخطاء والوقوع في الزلّات، وقد وفّر لنا شهر رمضان فرصة غسل أنفسنا وتطهيرها، هذا الغسل له قيمة كبيرة. هذه الدموع تطهّر القلوب ويجب أن نحافظ عليها ونبقيها. كلّ هذه الآلام الكبرى والأمراض المهلكة الخطيرة أي الأنانيّات، والكبر، والحسد، والاعتداءات، والخيانة، واللاأباليّة - وهي أمراضنا الكبرى - تجد لها في شهر رمضان علاجها وتغدو ممكنة التطبيب. يُقبِل الله تعالى، ولا شك أنّه قد أقبل وتوجّه.

كان شهر رمضان الذي مررنا به هذه السنة حسنًا جدًّا، حيث المجالس التي شهدها هذا الشهر - مجالس القرآن، ومجالس الذكر، ومجالس الدعاء والموعظة- وحضور شرائح الشعب المختلفة والفئات الاجتماعيّة المتنوّعة، والوجوه والأشكال المختلفة في هذه المجالس. كم من إنفاق حصل في هذا الشهر، وكم من المساعدات قدّمت طوال الشهر الفضيل الضعفاء؛ هذه لها قيمة كبيرة. كلّ واحد من هذه الأنشطة ينشر عطرًا في روح الإنسان ويوفّر له فتحًا؛ لنحافظ على هذه الأمور. أوصي الشباب بأن يغتنموا هذه القلوب الطريّة النيّرة. قلّما يحدث هذا في أعوام العمر المتقدّمة وكثيرًا ما يحصل للشباب؛ حافظوا على هذه القلوب. اغتنموا الصلاة في أوقات الفضيلة، والحضور في المساجد، وتلاوة القرآن، والأنس به، والأنس بالأدعية الواردة عن أهل البيت وهي من كنوز المعارف الإسلاميّة.
 


1- الصحيفة السجادية، الدعاء 45.

2017-03-16