يتم التحميل...

شهر رمضان رياضة روحية لانعتاق النفس من أسر الشهوات

تربية دينية (مناسبات)

شهر رمضان رياضة روحية لانعتاق النفس من أسر الشهوات

عدد الزوار: 95

من كلمة الإمام الخامنئي أمام رؤساء السلطات الثلاث وجمع كبير من المسؤولين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك 18-08-2010
 

شهر رمضان رياضة روحية لانعتاق النفس من أسر الشهوات
في الأدعية سواء في الصحيفة السجادية المباركة أو في غيرها من الأدعية المأثورة حول شهر رمضان ذُكرت صفات لهذا الشهر تدعو كل واحدة منها للتأمل والتدبر: (شهر التوبة والإنابة) ـ وسوف أتعرّض بعد قليل إلى موضوعي التوبة والإنابة بعد عدة جمل ـ (شهر الإسلام)، الذي ورد في دعاء الصحيفة السجادية المباركة. المراد من الإسلام هو ما جاء في الآية الشريفة ?وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى?1. إسلام الوجه لله يعني تسليم القلب والروح والخضوع لإرادة الله وحكمه وشريعته. (شهر الطهور)، والطهور إما بمعنى المطهِّر ـ أي ذلك الشهر الذي يوجد فيه عنصر التطهير الذي يعطي للإنسان الطهارة ـ وإما أن يكون بصورة المصدر، أي شهر الطهارة من القذارات والملوثات. (شهر التمحيص)، التمحيص يعني التخليص، فالمعدن القيّم كالذهب الممتزج بالمعادن الرخيصة عندما يوضع في الفرن فهو بذلك يمحّص. فالتمحيص هو تخليص الذات الإنسانية الطاهرة من الشوائب والقذارات. كانت هذه خصوصيات ذُكرت بشأن هذا الشهر.

ويبدو للمرء أن لشهر رمضان بالنسبة لأيام وأشهر السنة حكم أوقات الصلاة بالنسبة للّيل والنهار. فكما أن الشريعة الإلهية المقدسة قد جعلت لنا نحن المأسورين والمحدودين بعالم المادة، فرصاً هي أوقات الصلاة ـ الصبح، الظهر، العصر، المغرب، العشاء ـ تشبه المنبه، وهي لأجل الاختلاء بالنفس من أجل إيجاد النورانية في القلب وفي النفس، فأوقات الصلاة في الليل والنهار جُعلت لنا لكي لا نستغرق في الغفلة للحظات، بل لنتحرر من أسر المادة ونتنفس الصعداء قليلاً، ونقبل على المعنويات ولا نبقى مستغرقين في المادة بشكل كامل ـ يبدو أن لشهر رمضان بالنسبة لأيام السنة مثل هذه الوضعية, حيث تتنفس فيه الروح الإنسانية والروح الملكوتية للإنسان, وهو فرصة تنعتق فيها هذه النفس بهذه الرياضة الطويلة الممتدة لشهر كامل من العوامل المادية التي تحيط بنا وتدرك منجاتها وتتنفّس وتكتشف النورانية. فالشارع المقدّس قد جعل شهر رمضان لأجل هذا. إنها فرصة.

هو شهر التوبة والإنابة
ومن بين الخصوصيات المذكورة ـ وهي جميعاً ولا شك مهمة ـ ما يلفت نظر هذا العبد ويمكن أن يُعرض بيننا نحن المسؤولين في هذا البلد هو أن شهر رمضان شهر التوبة والإنابة.

فالتوبة هي الرجوع عن طريق الخطأ، وعن ارتكاب الخطأ، وعن التفكير الخاطئ. الإنابة تعني الرجوع إلى الله. فهذه التوبة والإنابة تتضمن بشكل طبيعي معنىً في ذاتها.فعندما نقول إننا تراجعنا عن طريق الخطأ فهذا يعني إننا حدّدنا نقطة الخطأ والطريق الخاطئ, فهذا مهمٌّ جداً.فنحن الذين نتحرك غالباً ما نغفل عن أفعالنا وأخطائنا وتقصيرنا, ولا نلتفت إلى المشكلات الموجودة في عملنا. والتعبير بـ"نحن" أعم من الذات الشخصية والذات الجَماعية, شعبنا، حزبنا، تيارنا، جناحنا. فكل ما يرتبط بذات الإنسان غالباً ما يغفل هذا الإنسان عن عيوبه، لهذا نحتاج إلى الآخرين ليذكروا لنا عيوبنا. ولو فهمنا ذلك بأنفسنا وأصلحنا فلا يصل الأمر إلى الآخرين، ولن نحتاج إليهم ليقولوه لنا. فما ذُكر حول التوبة والإنابة يحتاج إلى خطوة أولى وهي أن نلتفت إلى عيوب العمل وندرك أين يوجد الإشكال فيه, أين يكمن خطأنا وذنبنا وتقصيرنا.فليبدأ كل واحد من نفسه ليصل فيما بعد إلى الدائرة الجماعية الأوسع.

بداية الأمر في أن يحاسب كل واحد نفسه ليرى أين أخطأ, وهذه وظيفة الجميع . نحن الأشخاص العاديين المبتلين كثيراً بالتقصير والخطأ والمعصية في العمل، ومروراً بالأشخاص البارزين، ووصولاً إلى عباد الله الصالحين، بل حتى إلى أولياء الله، فهم أيضاً كذلك يحتاجون إلى الاستغفار وإلى التوبة، وهناك رواية نقلها الشيعة والسنة عن نبي الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يذكر: "إنه ليغانّ على قلبي", فقلبي يعتليه الغبار ويظلله ضباب. (يغان)، (غين) بمعنى الغيم, كما يحصل عندما يظلّل السحاب الشمس أو القمر، حيث يحول دون سطوعهما. قوله: (ليغانّ على قلبي) أي إنه أحياناً يحصل لقلبي تلك الحالة من الغشاوة والضباب "وإنني لأستغفر الله كل يوم سبعين مرة". فهذه الجملة يذكرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو صاحب الروح الملكوتية والذات الطاهرة. وفي رواية أخرى ـ نُقلت بطرقنا ـ "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة".

وهنا ذُكر لفظ التوبة. وعن الإمام الصادق عليه السلام رُوي "أن النبي كان يتوب كل يوم سبعين مرة من غير ذنبٍ".

فالنبي كما تعلمون معصوم، فمن أي شيء يتوب؟ يقول المرحوم الفيض رحمه الله: "إن ذنوب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ليست كذنوبنا بل إنما هي ترك دوام الذكر والاشتغال بالمباحات".

فمن الممكن أن تعرض الغفلة على النبي والولي للحظة في الزقاق والسوق والحياة اليومية, ذلك الشيء الذي يشكّل غالب أوقاتنا، يمكن أن يعرض له للحظة فينشغل بأمرٍ مباح, وهو ما يستوجب على النبي الاستغفار. لهذا فما ذكرناه لا يختص بنا بل يشمل الجميع.

وهو شهر التقوى والمغفرة
هذا تكليف واجبٌ على العاملين. فبالنسبة لي ولكم نحن الذين نتحمل المسؤوليات في قطاعات العمل الحكومي أو لدينا نفوذ في بعض الدوائر الاجتماعية الخاصة إن تكليفنا فيما يتعلق بالاستغفار والتوبة إلى الله والإنابة إلى الله أشد ثقلاً, وعلينا أن نكون مراقبين جداً، فأحياناً قد تحصل مخالفة ضمن المجموعة العاملة عندي أو عندكم, فإذا تعلّقت هذه المخالفة بنحوٍ ما بنا، نكون مسؤولين. كأن نقصّر في الإبلاغ عنها، أو نقصّر في اختيار هذا الشخص، أو نقصّر في التعامل مع هذه المخالفة، وهو ما يؤدي إلى وقوع هذه المخالفة. (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) .

والنتيجة، فإن علينا أن نراقب أنفسنا في شهر رمضان مهما أمكن، ونصلح سلوكياتنا وأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا, ونفتّش عن الإشكالات الموجودة فيها لنتخلص منها. ومثل هذا الإصلاح يكون على طريق التقوى. فالله تعالى يقول في آية الصيام الشريفة:(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الصيام لأجل التقوى.

من كلمة الإمام الخامنئي في لقائه القائمين على شؤون الحج 09-10-2010

أهمية الحج اليوم أكبر: يقوي روحياتنا ويبرزعظمة الأمة أمام أعدائها
أ ــ الحج يرمم معنوياتنا ويقوي روحياتنا
في يومنا هذا وخصوصاً عندما تنظرون ترون كأن الحج أضحى أكثر أهمية وضرورة من أي يومٍ مضى وأمسّ حاجة. الحج مهمٌّ من ناحيتين, من ناحية وضعنا الباطني كأفراد وكأمّة إسلامية، ومن الناحية الدولية.

لقد أذلّوا الأمّة الإسلامية طوال قرونٍ وعلى مرّ السنين واستخفوا بها وأوهنوا عزيمتها ونشروا اليأس فيها، وأرادوا بالوسائل الحديثة أن يضعّفوا المعنويات والروحانيات والتوجّه والتضرّع إلى الله فيها.

الحجّ يرمّم كل هذه المصائب ويعطي العزّة لكلّ أفراد الأمّة الإسلامية ويشعرهم بالاقتدار ويمنحهم الأمل, هكذا هو الحج الصحيح. وأوّل آثاره يتحقق في داخل الأمّة الإسلامية وفي قلوبنا.

نحن بحاجة إلى الحج من أجل أن نقوّي روحيّاتنا ونرمّمها ونستشعر أنّنا نتوكّل على الله وأنّنا نثق به، وأنّنا أمّة عظيمة وكبيرة.

ب ــ الحج يظهر وحدة الأمة ويرز عظمتها أمام الأعداء
من هذه الجهة يكون التأثير الداخلي مهمّاً، ومن تلك الجهة يكون التأثير الدولي مهمّاً، لأنّه يُضعف العدوّ ويحطّم معنويّاته ويبرز له عظمة الإسلام، ويظهر وحدة الأمّة الإسلامية أمامه.

في يومنا هذا، تصطف جبهة عظيمة ضد الإسلام, فلماذا لا نلاحظ ذلك؟ لماذا لا يرى بعضنا هذه الجبهة الواسعة؟ كما في معركة الأحزاب، تتكاتف الفرق المختلفة المضادة للإسلام والمعنويات والحقيقة ، لتقف مقابل الإسلام ؛ تسعى للتغلغل علّها تكتشف نقطة ضعفٍ تستطيع النفوذ من خلالها واستغلالها وتوجيه الضربة إلينا. إنّ الحج يمكنه أن يردعهم.
 


1- سورة لقمان، الآية 22.

2017-03-16