من محاضرات
الإمام الخامنئي دام عزه.
مسؤوليتنا في عصر الغيبة
غيبة
الإمام عجل الله فرجه الشريف
هنا إذا رجعتم إلى الآيات والروايات - وبالتأكيد إنّ المحقّقين والمتتبّعين قد
فعلوا ذلك - فسوف تجدون خصوصيّات أخرى. المجتمع الّذي لا يوجد فيه أيّة علامةٍ
للظلم والطغيان والعدوان؛ المجتمع الّذي تصل فيه المعرفة الدينيّة والمعرفة
العلميّة للبشر إلى حدّها الأعلى؛ المجتمع الّذي تبرز فيه كلّ هذه البركات والنعم
والفضائل والجماليّات وتكون في يد الإنسان؛ وفي النهاية المجتمع الّذي تكون فيه
التقوى والفضيلة والإيثار والأخوّة والعطف والانسجام أصلاً ومحوراً. فانظروا إلى
مثل هذا المجتمع، فهو ذاك المجتمع الّذي سيحقّقه مهديّنا الموعود وإمام زماننا،
ومحبوبنا التاريخيّ القديم، والّذي يعيش الآن تحت هذه السماء وعلى هذه الأرض وبين
النّاس. هذا هو اعتقادنا بإمام الزمان، حسنٌ، ماذا نفعل بعد هذا؟ فبعد هذا تكليفنا
واضح.
أوّلاً، يجب أن نعلم أنّ ظهور وليّ العصر صلوات الله عليه، مثلما أنّه بثورتنا هذه
أصبح أقرب خطوةً، فبهذه الثورة أيضاً يمكن أن يقترب أكثر. أي أنّ نفس هذا الشعب
الّذي قام بهذه الثورة، وقرّب نفسه خطوةً إضافية إلى إمام زمانه، يمكنه أيضاً أن
يتقدّم خطوةً ثمّ خطوةً ثمّ خطوة نحو إمام زمانه. فكيف(ذلك)؟ أوّلاً، كلّما استطعتم
أن توسّعوا من دائرة هذا المقدار من الإسلام الّذي لدينا نحن وأنتم في إيران - لا
نبالغ، الإسلام الكامل ليس متحقّقاً، ولكن قسمٌ من الإسلام قد طبّقه هذا الشعب في
إيران - فهذا المقدار من الإسلام كلّما استطعتم أن تنشروه في الآفاق الأخرى للعالم،
وفي البلاد الأخرى، وفي المناطق المظلمة، فإنّه بنفس المقدار سيساعد ويقرّب من ظهور
وليّ الأمر وحجّة العصر.
ثانياً، إنّ الاقتراب من إمام الزمان ليس بمعنى الاقتراب المكانيّ ولا بمعنى
الاقتراب الزماني. فأنتم الّذين تريدون أن تقتربوا من ظهور إمام الزمان، فإن
الاقتراب من إمام الزمان ليس له تاريخٌ محدّد كأن يُقال مثلاً، بعد مئة سنة أو
خمسين سنة، حتّى نقول أنّنا عبرنا سنةً أو سنتين أو ثلاث سنوات، من هذه الخمسين أو
المئة سنة، فيبقى عندئذٍ هذا المقدار من السنوات، كلا، وليس أيضاً بلحاظ المكان
حتّى نقول أنّنا تحرّكنا من هنا باتّجاه الشرق أو غرب العالم مثلاً، أو نحو الشمال
أو الجنوب، لنرَ أين هو وليّ العصر لنصل إليه. كلا، إنّ اقترابنا من إمام الزمان هو
اقترابٌ معنويّ، أي أنّكم في كلّ زمانٍ إذا استطعتم أن تزيدوا من حجم المجتمع
الإسلامي كماً ونوعاً إلى خمس سنوات أو عشر سنوات أخرى، أو حتّى مئة سنة أخرى، فإنّ
إمام الزمان صلوات الله عليه سيظهر.
لو استطعتم أن تحقّقوا في أنفسكم وفي غيركم، في داخل مجتمعكم - هذا المجتمع الثوريّ
- التقوى والفضيلة والأخلاق والتديّن والزهد والقرب المعنوي من الله، وجعلتم قاعدة
ظهور وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه أكثر رسوخاً وإحكاماً، وكلّما استطعتم أن
تزيدوا باللحاظ الكمّي والمقدار، عدد المسلمين المؤمنين والمخلصين فإنّكم تكونون
هنا أيضاً أقرب إلى إمام الزمان وإلى زمن ظهور وليّ العصر. فنحن نستطيع أن نقرّب
مجتمعنا وزماننا وتاريخنا خطوةً بخطوة نحو تاريخ ظهور وليّ العصر صلوات الله وسلامه
عليه؛ هذا واحد.ٌ
النقطة الثانية هي أنّه لدينا في ثورتنا اليوم
طرق ومناهج، فإلى أيّ جهةٍ ينبغي أن تتحرّك هذه المناهج؟ فهذه النقطة جديرة جدّاً
بالتأمّل. فافرضوا أنّ لدينا طالباً مجدّاً يريد أن يصبح أستاذاً مثلاً في علم
الرياضيات.
فكيف ينبغي أن نؤمّن مقدّمات هذا الأمر. فينبغي أن نوجّه دراساته باتّجاه
الرياضيات. فلا معنى أن نعطيه دروساً في الفقه مثلاً، إذا كنّا نريده أن يصبح
عالماً رياضياً. أو أنّ من يريد أن يصبح فقيهاً نعطيه دروس الأحياء مثلاً، فينبغي
أن تكون المقدّمات متناسبة مع النتيجة والغاية. الغاية هي المجتمع المثاليّ
المهدويّ بتلك الخصائص الّتي ذكرتها. فيجب علينا إذاً أن نؤمّن المقدّمات بما
يتناسب. يجب علينا أن نبعد أنفسنا عن الظلم ونتحرّك بحزمٍ ضدّه، أيّ ظلمٍ كان ومن
أيّ شخص. يجب علينا أن نجعل توجّهاتنا نحو إقامة الحدود الإسلاميّة. وفي مجتمعنا،
لا نعطي أيّ مجالٍ لنشر الأفكار المخالفة للإسلام. نحن لا نقول أنه علينا بالقهر
والغلبة لأنّنا نعلم أنّه لا يمكن مواجهة الفكر إلّا عن طريق الفكر، لكنّنا نقول
أنّه علينا بالطرق الصحيحة والمنطقيّة والمعقولة أن ننشر الفكر الإسلاميّ.
يجب أن تصبح كلّ قوانيننا ومقرّرات بلدنا وإداراتنا ومؤسّساتنا التنفيذية والكل
إسلامياً بلحاظ الظاهر والمحتوى، وأن نقترب نحو أسلمتها يوماً بعد يوم. هذه هي
الجّهة الّتي تمنحنا وتمنح حركتنا معنى انتظار وليّ العصر. أنتم تقرأون في دعاء
النّدبة أنّ إمام الزمان يقاتل الفسوق والعدوان والطغيان والنّفاق ويزيل كلّ ذلك
ويقضي عليه. وعلينا اليوم أن نتحرّك في مجتمعنا بهذا الاتّجاه ونتقدّم. هذا هو
الشيء الّذي يقرّبنا إلى إمام الزمان صلوات الله عليه من الناحية المعنوية، ويقرّب
مجتمعنا نحو مجتمع وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه، ذلك المجتمع المهدويّ
العلويّ التوحيديّ ويزيده قرباً.
وهناك أثرٌ آخر ونتيجةٌ مختلفة لمستقبل هذا العالم، حيث يزول اليأس والإحباط من
قلوب الشعوب، ونعلم حينها أنّ جهادنا مؤثّرٌ ومنتج. أحياناً، هناك أفرادٌ ممّن ليس
لديهم اطلاع على هذا البعد من الفكر الإسلاميّ، يصابون بالحيرة واليأس أمام هذه
الحسابات والمعادلات المادّية الكبرى في العالم ، ويتساءلون فيما بينهم كيف يمكن
لشعبٍ يريد أن يثور أن يقاوم مثل هذه القوى العظمى والتكنولوجيا المتطوّرة والأسلحة
المدمّرة، ومثل هذه القنابل النووية الموجودة في العالم؟ يشعرون أنّ الصمود مقابل
ضغط قوى الظلم والاستكبار أمرٌ غير ممكن. لكنّ الاعتقاد بالمهديّ والإيمان بتحقّق
عصر الحكومة الإسلامية والإلهية على يد ابن النبيّ وإمام الزمان يحقّق هذا الأمل في
الإنسان ويقول له، كلا، سنجاهد لأنّ العاقبة لنا، ولأنّ عاقبة أمرنا هي أنّ هذا
العالم يجب أن يخضع ويسلّم وسوف يحصل هذا الأمر. وذلك لأنّ مسير التاريخ يتّجه نحو
ما قمنا اليوم بوضع أسسه وقد حقّقنا أنموذجاً عنه ولو كان ناقصاً. ومثل هذا الأمل
لو وُجد في قلوب الشعوب المناضلة - وخاصّةً الشعوب الإسلاميّة - فسوف يمنحها حالةً
من النشاط المستمرّ بحيث لا يمكن لأي عاملٍ أن يخرجها من ميدان الجهاد والنضال، أو
أن يصيبها بالهزيمة الداخليّة.
ويوجد نقطةٌ أخرى وهي أنّ الاعلام والأفكار المغلوطة قد انغرست في ذهن النّاس، وعبر
كلّ هذه السنين المتمادية، إلى تلك الدرجة حيث اعتقدوا أنّ أي تحرّكٍ إصلاحيّ لن
يكون مفيداً ومثمراً قبل قيام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ويستدلّون بأنّ
الدنيا يجب أن تُملأ ظلماً وجوراً حتّى يأتي الإمام المهديّ، وما لم تمتلئ بالظلم
والجور فإنّه لن يظهر. كانوا يقولون أنّ الإمام يظهر بعد أن تصبح هذه الدنيا مليئةً
بالظلم والجور. والنقطة الموجودة هنا هي أنّ في جميع الروايات الّتي وردت بشأن
الإمام المهديّ، فإن الجملة هي هكذا: "يملأ الله به الأرض
قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً"، أنا العبد لم أشاهد موضعاً واحد
ولا أظن أنّه يوجد "بعدما مُلئت ظلماً وجوراً".
فبالالتفات إلى هذه النقطة، رجعت إلى الروايات العديدة في
الأبواب المختلفة ولم أجد في أيّ مكانٍ جملة، "بعدما مُلئت ظلماً وجورا"، ففي كلّ
الأماكن يوجد "كما مُلئت ظلماً وجورا"، أي أنّ
امتلاء الدنيا بالعدل والقسط بواسطة الإمام المهدي لا يكون مباشرةً بعد أن تُملأ
بالظلم والجور، كلا، بل أنّه كما حصل طوال التاريخ، وليس في موضعٍ واحد أو زمان
واحد، بل في أزمنة مختلفة، كانت الدنيا تُملأ بالظلم والجور، سواءٌ في عهد
الفراعنة، أو في عصور الحكومات الطاغوتية أو في أيّام السلطات الظالمة الّتي جعلت
كلّ هذه الدنيا ترزح تحت وطأة ظلمها وفي ظلّ السحب السوداء للجور والعدوان بحيث
أنّه لم نرَ فيها أيّ علامة على العدالة والحرّية، فكما أنّ الدنيا عاشت مثل هذا
اليوم، فإنّها سترى يوماً يمتلئ العالم كلّه في جميع آفاقه بنور العدل، ولا يكون
فيه أيّ مكانٍ لا يمتلئ بالقسط. وهناك لن يكون أيّ مكانٍ يحكمه الظلم أو يكون فيه
البشر تحت وطأة الظلم وجور الحكومات وتسلّط المقتدرين، وآلام التمييز العنصريّ. أي
أنّ هذا الوضع الّذي يهيمن على العالم اليوم وقد كان يعمّ هذه الدنيا في يومٍ من
الأيام، سوف يتبدّل إلى عموميّة العدل ليس أنّه بوجود الحكومة الإسلاميّة لن تتأخّر
عاقبة الموعود فحسب، بل سيسرّع من ذلك، وهذا هو معنى الانتظار. انتظار الفرج يعني
انتظار حاكميّة القرآن والإسلام. فأنتم لم تقنعوا بما هو موجودٌ الآن في العالم،
حتّى بهذا التقدّم الّذي حقّقتموه عبر الثورة الإسلاميّة تريدون أن تقتربوا أكثر
إلى حاكمية القرآن والإسلام، هذا هو انتظار الفرج. انتظار الفرج يعني انتظار فرج
أمر البشرية. واليوم، فإنّ حال البشرية قد وصل إلى المضائق الشديدة والعقد الصعبة.
فاليوم إنّ الثقافة المادّية تُفرض على البشر بالقوّة وهذه معضلة. إنّ من يعذّب
البشر اليوم على مستوى العالم هو التمييز، فهذه عقدةٌ كبرى. واليوم قد أوصلوا حال
ذهنية الناس الخاطئة إلى حيث تضيع صرخات طلب العدالة من قبل شعبٍ ثائرٍ وسط عربدة
المتسلّطين والمهيمنين وسكرهم؛ وهذه عقدةٌ أخرى أيضاً. واليوم يعاني مستضعفو
أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة، وملايين الناس الجائعين في آسيا وآسيا القصوى، وملايين
ذوي البشرة الملوّنة من ظلم التمييز العنصري، وقد تطلّعت عيونهم بأملٍ نحو منجٍ
ومنقذ، ولا تسمح القوى الكبرى لهذا النداء المنجي بأن يصل إلى أسماعهم، هذه معضلة.
فالفرج يعني فتح هذه المضائق وحلّ هذه المعضلات وفكّ هذه العُقد. فوسّعوا من
رؤيتكم، ولا نحدّ أنفسنا في بيوتنا وحياتنا اليومية، فالعالم كلّه يطلب الفرج ولكن
لا يدري ما هو الطريق وأنتم أيّها الشعب الثوريّ المسلم يجب أن تقتربوا بحركتكم
المنظّمة في مواصلة الثورة الإسلاميّة إلى الفرج العالميّ للبشريّة، وأن تقرّبوا
أنفسكم من ظهور المهديّ الموعود والثورة الإسلامية النهائية للبشرية الّتي ستشمل
العالم كلّه وتحلّ كلّ هذه العقد خطوة خطوة، وأن تقرّبوا البشرية بذلك أيضاً، فهذا
هو انتظار الفرج.
وإنّ لطف الرّب المتعال، ودعاء وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف المُستجاب،
سيكون دعامتنا في هذا الطريق، ويجب علينا أن نتعرّف على هذا الإمام أكثر ونكون أكثر
ذكراً له. فلا ينبغي أن ننسى إمام الزمان. فاحفظوا ذكر وليّ الله الأعظم في قلوبكم،
واقرأوا "اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة"
من أعماق قلوبكم وبالضراعة الكاملة.
فلتكن أرواحكم في انتظار المهديّ وكذلك قواكم الجسمانيّة فلتتحرّك في هذا الطريق.
وإنّ كلّ خطوةٍ تخطونها على طريق تثبيت هذه الثورة الإسلامية ستكون خطوة إضافية نحو
ظهور المهديّ.