لا سبيل أمام السلمين لدرء أخطار الأعداء سوى الإتحاد فيما بينهم
تربية دينية (مناسبات)
لا سبيل أمام السلمين لدرء أخطار الأعداء سوى الإتحاد فيما بينهم
عدد الزوار: 81
من كلمة
الإمام الخامنئي في مسؤولي الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم(ص) وميلاد الإمام
جعفر الصادق (ع).. الزمان: 15/03/2009
لا سبيل أمام السلمين لدرء أخطار الأعداء سوى الإتحاد فيما بينهم
ألإتحاد من واجبات المسلمين الكبرى
نحن اليوم -كأمّة إسلاميّة- نقف أمام هذه النعمة الكبيرة وعلينا
الانتفاع منها. علينا تنوير قلوبنا، وديننا، وأفكارنا، وكذلك دنيانا، وحياتنا،
وبيئتنا ببركة تعاليم هذا الدين المقدّس. ولأنّه نور وبصيرة؛ فيمكننا الاقتراب منه
والنّهل من معينه. هذا هو واجبنا العام نحن المسلمين.
ما أشدّد عليه اليوم- وهو من واجباتنا الكبرى والأولى، نحن المسلمين- هو قضيّة
الاتّحاد والوحدة. لقد أطلقنا على هذا الأسبوع الذي ينتهي بالسابع عشر من ربيع
الأول اسم "أسبوع الوحدة"، منذ بداية الثورة. والسبب هو أنّ يوم ولادة الرسول هو
يوم الثاني عشر من ربيع الأول، حسب الرواية المشهورة لدى إخواننا السنّة؛ ويوم
السابع عشر من ربيع الأول، حسب رواية الشيعة المشهورة. وقد أطلق الشعب الإيراني
ومسؤولو البلاد- منذ بداية الثورة- على الأيّام الواقعة بين هذين اليومين "أسبوع
الوحدة"، وجعلوه رمزًا للاتّحاد بين المسلمين. بيد أنّ الكلام لا يكفي، والتسمية لا
تكفي. ينبغي أن نعمل ونتّجه صوب الوحدة. يحتاج العالم الإسلامي اليوم إلى الوحدة،
وهناك عوامل تفرقة ينبغي التغلّب عليها.
كلّ الأهداف الكبرى بحاجة إلى الجهاد والكفاح. ما من هدف كبير يحصل بدون جهاد.
والاتّحاد بين المسلمين لا يحصل بدون جهاد وعنت. من واجبنا الجهاد والعمل لأجل
اتّحاد العالم الإسلامي. بمقدور هذا الاتّحاد حلَّ الكثير من العقد والمشكلات،
وبوسعه إعزاز المجتمعات والشعوب المسلمة.
انظروا إلى حال البلدان الإسلاميّة. انظروا إلى واقع المسلمين الذين يشكلون اليوم
ربع السكان في العالم، كيف أنّ تأثيرهم في سياسات العالم - حتى في قضاياهم
الداخلية- أقلّ وأضعف بكثير من تأثير القوى الأجنبيّة، والأطراف ذات النوايا
السيّئة. لا نُحذّر أنفسنا ومخاطبينا من القوى الأجنبيّة لأنّها أجنبيّة وحسب؛ بل
لأنّها سيّئة النيّة أيضًا، ولها دوافع للهيمنة. يريدون إذلال الشعوب المسلمة
وتحطيمها وإجبارها على الطاعة وحسب.
حسنًا، ما هو الطريق أمام ما يزيد على الخمسين بلدًا إسلاميًّا، وشعوبها المسلمة-
إذا أرادت الوقوف بوجه مثل هذه النوايا السيّئة الواضحة والكبيرة والتعسّفية؟ [هل
هو] سوى الوحدة؟ علينا أن نقترب بعضنا من بعض.
معوقات الوحدة بين المسلمين
أ ــ عامل داخلي:التعصّب والعصبيّة
هناك عاملان أساسيّان يعيقان طريق الوحدة وينبغي علاجهما. العامل
الأوّل، عامل داخلي فينا: التعصّب والعصبيّة لأفكارنا وعقائدنا؛ كلّ فريق لنفسه.
هذا ما يجب التغلّب عليه. أن يؤمن الإنسان بمبادئه، وأصوله، وعقائده شيء جيّد
ومحمود جدًّا، والإصرار عليه جيّد أيضًا. غير أنّ هذه الحالة يجب أن لا تتجاوز حدود
الإثبات، إلى حدود الإقصاء المصحوبة بالتطاول والعداء. على الإخوة في منظومة الأمّة
الإسلاميّة أن يحترم بعضهم بعضًا. وإذا أرادوا الحفاظ على عقائدهم، فليفعلوا. لكن
عليهم احترام بعضهم بعضًا، وحدود وحقوق بعضهم بعضًا، وأفكار وعقائد بعضهم بعضًا،
وترك النقاشات والجدال لمجالس العلم. ليجتمع العلماء وأهل الخبرة ويتناقشوا
مذهبيًّا إذا شاءوا؛ إلّا أنّ النقاش المذهبي العلمي، في الأروقة العلميّة يختلف عن
تبادل الإساءات، في العلن وعلى مستوى الرأي العام، وأمام ذهنيّات عاجزة عن التحليل
العلمي. على العلماء احتواء هذا الشيء، وعلى المسؤولين احتواؤه أيضًا. كلّ
المجموعات والجماعات المسلمة تتحمّل واجبًا في هذا المجال؛ الشيعة عليهم واجباتهم،
والسنة أيضًا،عليهم واجبات؛ عليهم السير نحو الاتّحاد. هذا أحد العاملين: وهو عامل
داخلي.
ب ــ عامل خارجي: التفرقة المذهبية والقومية
وهناك العامل الخارجي؛ وهو يد الأعداء المغرضة العاملة على التفرقة.
ينبغي عدم الغفلة عن هذا. وعملهم هذا ليس من اليوم فقط، بل منذ أن شعرت القوى
السياسيّة المهيمنة على العالم، أنّ بوسعها التأثير على الشعوب، ظهرت يد التفرقة
هذه. وهي اليوم أشدّ من أيّ وقت آخر. وتساعد وسائل الإعلام العامّة والاتّصال
الحديثة، بدورها على ذلك. إنّهم يؤجّجون النيران، وينحتون الشعارات للتفرقة. ينبغي
التيقّظ والحذر. وللأسف، تغدو بعض المجموعات داخل الشعوب والبلدان المسلمة، وسائلَ
لتنفيذ أغراض أولئك الأعداء الرئيسيّين.
إنّ في هذا لعبرة كبيرة. قبل سنتين، حينما انتصر شباب المقاومة وحزب الله في لبنان
على إسرائيل، وأذلّوا الكيان الصهيوني بتلك الصورة، واعتُبر ذلك انتصارًا وازدهارًا
للمسلمين في العالم الإسلامي، بادرت أيدي التفرقة من فورها لطرح قضيّة الشيعة
والسنّة وتشديد العصبيّات المذهبيّة سواء في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط وفي كلّ
العالم الإسلامي. وكأنّ قضية الشيعة والسنّة قد ظهرت توًّا! وذلك، لأجل التفريق بين
أبناء الأمّة الإسلاميّة، الذين ازدادوا تعاطفًا، في ظلّ ذلك الانتصار الكبير، عبر
إثارة قضيّة التشيّع والتسنّن.
و قبل شهرين، وقع انتصار آخر كبير ومتألّق للأمّة الإسلاميّة، ألا وهو انتصار
المقاومة الفلسطينيّة على العدوّ الصهيوني في غزة. أيّ انتصار أكبر من هذا: إنّ
جيشًا مدجّجًا بالسلاح استطاع، في يومٍ ما، دحر جيوشٍ كبرى لثلاثة بلدان، بين عامي
67 و73 للميلاد - لم يتمكّن طوال 22 يومًا أن يفرض التراجع والهزيمة على الشباب
المقاوم والمجاهدين المؤمنين في غزة! وأُجبر على التراجع خاليَ الوفاض، مضافًا
لانهيار سمعة الكيان الصهيوني، وحماته- وعلى رأسهم أمريكا في العالم- وإراقة ماء
وجههم على الأرض. كان هذا انتصارًا كبيرًا للمسلمين، وقد زاد من تعاطف المسلمين
بعضهم مع بعض. ولم يكن بوسعهم إثارة قضيّة التشيّع والتسنّن هنا، فأثاروا قضيّة
القوميّة؛ قضيّة العروبة واللاعروبة. فدعوى؛ أنّ قضيّة فلسطين تختصّ بالعرب،
والإصرار على أنّها خاصّة بالعرب؛ لكي لا يحقّ لغير العرب التدخّل في هذه القضيّة.
لماذا؟
فلسطين قضيّة إسلاميّة لا قومية
قضيّة فلسطين قضيّة إسلاميّة، وليس فيها عرب أو عجم.
إذا دخلت النـزعة القوميّة في قضايا العالم الإسلامي، فستكون أكبر عامل
للتفرقة. حينما يُقحمون العامل القومي في قضايا العالم الإسلامي، فيفصلون العرب عن
الفرس؛ عن الترك، والكرد، والإندونيسيّين، والماليزيّين، والباكستانيّين، والهنود،
فما الذي سوف يبقى؟ أليس هذا عَرْضًا للأمّة الإسلاميّة ولقواها وقدراتها، في
المزاد العلني؟
هذه حيل الاستكبار، التي يقع فيها بعضهم في العالم الإسلامي للأسف. لا يرومون بقاء
حلاوة الانتصار في لبنان وفي غزة في أفواه المسلمين؛ لذلك يثيرون على الفور عوامل
الاختلاف والتفرقة.
واجب النخب المسلمة تعريف الناس بمن يفرق بينهم
على الأمّة الإسلاميّة أن تبقى متيقّظة وصامدة بوجههم. والواجب الأوّل
يقع على عاتق رجال السياسة؛ يجب على مسؤولي وساسة البلدان الإسلاميّة أن يتيقّظوا.
قد يصدر هذا الهتاف1 من حناجر بعض الساسة المسلمين. لكنّنا نحن لن نخطئ.
إنّنا لن نخطئ في تشخيص العامل الرئيس. يخرج الهتاف من أفواههم، لكنّه ليس هتافهم،
بل هتاف غيرهم؛ إنّه هتاف القوى الاستكباريّة في العالم وشعارها. هم الذين يعارضون
وحدة الأمّة الإسلاميّة. وإذا ما صدر من حناجر أشخاص ينتمون إلى الأمّة الإسلاميّة
فهؤلاء عناصر مخدوعة ومضلّلة؛ ليس هذا الصوت صوتهم، بل صوت أولئك. نحن نعرف هذا
الصوت. إنّ الساسة والمسؤولين بالدرجة الأولى، وأيضًا المفكرّين ومن يتعاملون مع
عقول الناس وقلوبهم، وعلماء الدين، والمثقّفين، والكتّاب، والصحفيّين، والشعراء،
والأدباء في العالم الإسلامي- يتحملّون هذا الواجب الكبير بدرجة عالية. وهو أن
يعرِّفوا للناس الأصابع، التي تروم الإخلال بهذه الوحدة، وتريد إخراج هذا الزمام
الإلهي المتين من أيدي المسلمين.
الإعتصام بحبل الله معاً لا كل على حدة
يقول لنا القرآن بصراحة: (واعتصموا بحبل الله
جميعًا ولا تفرقوا)2.. يقول لنا اعتصموا معًا بحبل الله.
يمكن الاعتصام بحبل الله كلٌّ على انفراد. لكنّ القرآن يقول:
(و اعتصموا بحبل الله جميعًا).. أي: كونوا
سويّةً.. (ولا تَفرّقوا) حتى في الاعتصام بحبل
الله؛ فضلًا عن أن يعتصم البعض بحبل الله والبعض بحبل الشيطان. حتى حينما يريد
الجميع الاعتصام بحبل الله، يقول (جميعًا).. أي افعلوا ذلك بتعاطف وتراضٍ والتحام.
هذه هي قضيّة العالم الإسلامي الكبرى.
نأمل أن يوفّق الله تعالى جميع أبناء الأمّة الإسلاميّة، وكافّة الشعوب والحكومات
الإسلاميّة- للنظر إلى هذه المسألة المهمّة بوزنها وأهميّتها، وتطبيقها عمليًّا.
ورضوان الله ورحمته على روح إمامنا الجليل، الذي رفع هتاف الوحدة في عصرنا، ودعا
المسلمين إلى هذا الاتّحاد.
1- أي: دعوة التفرقة والعصبيّة
والمذهبيّة.
2- سورة آل عمران، الآية 103.