يتم التحميل...

عبر ودروس شهر رمضان

تربية دينية (مناسبات)

عبر ودروس شهر رمضان

عدد الزوار: 84

كلمة الإمام الخامنئي في صلاة عيد الفطر المبارك. الزمان: 21/7/1386هـ. ش ـ 1/10/1428هـ.ق ـ 13/10/2007م.
عبر ودروس شهر رمضان


إنّ لنا في شهر رمضان عِبَراً ودروساً، وهي ليست كتلك الدروس التي نتلقّاها من المعلم أو نقرأها في الكتب، بل كتلك الدروس التي يتعلّمها الإنسان في التمارين العملية والنشاطات الجماعية الكبرى.

أ ــ الإرتباط بالله
ويتمثل أول هذه الدروس في الصلة بالله والحفاظ على علاقتنا القلبية بالذات الأحّدية المقدسة وعشقنا للمحبوب.

لقد تذوقتم حلاوة هذا الدرس, ووجدتم كم أنه من السهل اليسير أن توثق الصلة بالله تعالى.(وإنّ الراحل إليك قريب المسافة، وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن يحجبهم الأعمال دونك).

إنّ الطريق إلى الله قصيرة، ولقد لاحظتم هذا في ليلة القدر وعند التوسل والزيارة والدعاء، ولدى التضرّع والمناجاة، ووهبتم قلوبكم للمحبوب الأوحد، وازددتم حُبّاً لله تعالى.

فهذا هو الدرس الأول.

ب ــ الإتحاد بالتوحيد والتوجه إلى الله
وأما الدرس الثاني: فهو اجتماع كافة الأطياف الشعبية حول محور الدين والتوحيد. وعندما نتحدّث حول الانسجام الوطني، وعندما نقول: بأن الشعب الإيراني يمثّل نسيجاً واحداً، فإن هذا لا يأتي من فراغ، بل إنّ لهذا التآلف جذوراً عميقة، وليس لمجرد النصيحة والأمر والنهي. وإنّ محور هذا الاتحاد هو الإيمان بالعقيدة الدينية.

إنّ الدين والعقيدة هو الذي يشدّنا نحو مركز واحد، وهذا المركز هو التوجّه لذات الله الأقدس جلّ وعلا. إنها روح الوحدة الوطنية هي تلك التي تقرّب بين القلوب وتكسبها الرقّة.

إنّ الجالس بجواركم في صلوات الجماعة والجمعة أو مراسم إحياء ليلة القدر ووضع القرآن على الرأس والانهماك في التضرع والدعاء، هو رفيقكم أمام الله تعالى وجلّ شأنه، أيّاً كان هذا المرافق، ومن أي فئة اجتماعية وأي طيف ومشرب وطائفة، كما يُعدّ أخاً لكم وصاحباً وفيّاً عند المولى سبحانه.

فعليكم بالحفاظ على هذه الصلة القلبية.

وهذا هو الدرس الثاني.

ج ــ الإيثار والإنفاق على الآخرين
وأما الدرس الثالث: فهو الإيثار والإنفاق على الآخرين.

إنّ الجوع والعطش والصوم منذ أذان الفجر وحتى أذان المغرب يُعدّ كبحاً لجماح النفس.

لقد التزم الكثيرون منّا بالصوم إيثاراً وإنفاقاً على المعوزين بشتى الأشكال الممكنة.

إنّ مما يدخل السرور على قلب الإنسان أن يشاهد لافتة معلّقة على أحد المخابز ليلة الخامس عشر من شهر رمضان ـ ذكرى مولد الإمام الحسن المجتبى(عليه الصلاة والسلام)ـ وقد كُتب عليها: إن الخبز بالمجّان هذه الليلة للجميع، فخذوا منه ما شئتم.

إنّ تلك الدعوات على الإفطار في المساجد وسواها من قِبَل أناس مجهولين لمن المبادرات الخيرية التي يتميز بها شعبنا، وإنها تنطوي على درس آخر، وتمثل تمريناً آخر.

إنه الإيثار على النفس وإعطاء الآخَرين.


• الإسراف مذموم ولو كان إنفاقا في سبيل الله
وإنني أودّ التوقف قليلاً عند هذه النقطة؛ لأنها تعدّ ظاهرة مهمة في بلادنا ومجتمعنا.

إننا شعب يتّسم بالإسراف، سواء أكان ذلك في الماء أو الخبز أو الأطعمة والمكسرات أو البنزين.

إننا بلد نفطي، ولكننا نستورد أحد المنتجات النفطية، وهو البنزين. أفلا يبعث هذا على الدهشة والعجب؟!

إننا ندفع المليارات كل عام من أجل استيراد البنزين أو البضائع والسلع الأخرى، ولا لشيء سوى أنّ البعض منّا يهوى التبذير. فهل هذا صحيح؟!

إنّ علينا النظر إلى هذه الظاهرة وكأنها عيب وطني.

إنّ الإسراف مذموم، وحتى في الإنفاق في سبيل الله كما يقولون.

إنّ الله تعالى يخاطب نبيّه في القرآن الكريم بالقول: {لاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 1.

فلا إفراط ولا تفريط حتى في الإنفاق في سبيل الله، بل إنّ خير الأمور أوسطها، فلنجعل من ذلك ثقافة وطنية. يقول الله { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}2 فلا إسراف ولا تقتير؛ لأن الإسلام لا يوصي بذلك.

إنّ الإسلام لا ينادي بالعيش في التريّض والزهد، بل ينادي بالحياة العادية والمتوسطة.

إنّ بعض القوى والحكومات الأجنبية تهددنا بالمقاطعة والحصار منذ سنوات ـ ولقد فعلوا ذلك مرات ومرات ـ وذلك لأنهم يريدون استغلال هذه العادة السلبية والسيئة.

إنّ الحصار الاقتصادي يمكن أن يضّر كثيراً بالمُسرفين والمُبذّرين، ولكنه لا يشكّل أي خطر على مَنْ يعيشون حياتهم بدقّة واعتدال بلا إسراف ولا تقتير.

فعلينا أن نأخذ هذه العبرة من شهر رمضان المبارك وأن نعمل بها إن شاء الله.


1- سورة الإسراء: الآية 29.
2- سورة الفرقان: الآية 67.

2017-03-16